تفسير سفر أيوب ٢٥ للقمص تادرس يعقوب
اَلأَصْحَاحُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ
آخر هجوم ضد أيوب
من يقدر أن يعاتب الله؟
يبدو أن بلدد ورفقاءه وقفوا عاجزين عن الرد على أيوب في حديثه أنه يوجد أشرار ناجحون، وأن الله قد يطيل أناته عليهم أحيانًا حتى آخر نسمة في حياتهم، وإن كان هذا لا يعني أنهم يهربون من ثمر شرهم، إذ يسقطون في دينونة أبدية ماداموا لم يرجعوا إلى الله بالتوبة.
لهذا إذ جاء دور بلدد للحديث، لم يجد ما يتحدث عنه، فتجاهل القضية الرئيسية، وعجز عن الرد على حديث أيوب الوارد في الأصحاح السابق. قدم بلدد آخر هجوم ضد أيوب في اقتضابٍٍ شديدٍ، مرددًا ما سبق أن قيل، إذ ليس من جديد يمكن أن ينطق به.
ويمكننا تبرير توقف الأصدقاء الثلاثة عن الجدال العنيف للأسباب التالية أو بعضها:
أولاً: شعروا أن أيوب قد أفحمهم بحديثه عن أشرارٍ لا يعانون من متاعبٍٍ كالأبرار، بل وينجحون أكثر منهم. لم يطلبوا منه أمثلة عملية، لأنه وهو يتكلم معهم أدركوا أمثلة واقعية معاصرة لهم.
ثانيًا: حسبوا أن ما قالوه فيه الكفاية، فلا داعي لتكرار المناقشات دون جدوى.
ثالثًا: أدركوا أن ما قالوه لأيوب يتفق مع ما يقوله هو، وليسوا على خلاف معه في الفكر، خاصة وأن أيوب أكد لهم هلاك الأشرار الأبدي حتى وإن نجحوا في العالم من أجل طول أناة الله عليهم.
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن بلدد الشوحي يوبخ أيوب، لأن الأخير طلب محاكمته أمام الله، فقد عوقب دون أن يخطئ. لذلك يقول بلدد إن كل الخليقة تقف في رهبةٍ وخوفٍ أمام الله، وليس من يقدر أن يتبرر أمامه، أو يهرب من يده. كأن طِلبة أيوب باطلة وغير لائقة.
يمتدح أليفاز رعاية الله القديرة، هذا الذي يدير السماء، ويبعث رسله على الأرض كنورٍ يضيئون [٢-٣]، لكن يبقى السمائيون أقل من الله، فكم بالأكثر يكون الإنسان.
- الله صاحب السلطان وواهب السلام في السماء 1-3.
- كَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ؟ 4
- الكواكب ليست طاهرة في عينيه 5-6.
- الله صاحب السلطان وواهب السلام في السماء
فَأَجَابَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ: [1]
السُّلْطَانُ وَالْهَيْبَةُ عِنْدَهُ.
ما نطق به بلدد حقيقة لائقة بالله وبنا، وهي أنه يليق بنا أن نتصاغر جدًا أمام الله السامي المهوب، وأن البعد شاسع بينه وبيننا، وإنما أخطأ بلدد في تطبيق ذلك على أيوب، إذ لم يحمل له روح الحب.
الله كخالق السماء والأرض، خالق الكل، وواهب الحياة، له الحق المطلق في وضع النواميس وتدبير الكون بسلطانٍ مطلقٍ. وكما قال نبوخذنصر عندما رجع إلى عقله وبارك العلي: “سلطانه سلطان أبدى، وملكوته إلى دور فدور، وحسبت جميع سكان الأرض كلا شيءٍ، وهو يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض، ولا يوجد من يمنع يده، أو يقول له ماذا تفعل” (دا 4: 34- 35).
مع الدالة العظيمة التي كانت لدى رجال الله نحوه كانوا يعترفون أنه الإله العظيم الجبار المهوب والمخوف.
“يحمدون اسمك العظيم والمهوب قدوس هو” (مز 99: 3).
“وصليت إلى الرب الهي واعترفت وقلت: أيها الرب الإله العظيم المهوب حافظ العهد والرحمة لمحبيه وحافظي وصاياه” (دا 9: 4).
“وقلت: أيها الرب إله السماء الإله العظيم المخوف الحافظ العهد والرحمة لمحبيه وحافظي وصاياه” (نح 1: 5).
“والآن يا إلهنا الإله العظيم الجبار المخوف حافظ العهد والرحمة لا تصغر لديك كل المشقات التي إصابتنا نحن وملوكنا ورؤساءنا وكهنتنا وأنبياءنا وآباءنا وكل شعبك من أيام ملوك أشور إلى هذا اليوم” (نح 9: 32).
إذ يعلق القديس أغسطينوس على المزمور 99 الذي يتحدث عن الله الجالس على الكاروبيم، المهوب الذي ترتعد أمامه الشعوب وتتزلزل الأرض، يراه جالسًا على النفس البشرية متربعًا كما على عرشه المقدس.
v الشاروبيم هو كرسي الله، كما يُظهر لنا الكتاب المقدس، عرش سامٍ سماوي لا نراه، لكن كلمة الله يعرفه؛ يعرفه بكونه كرسيه… الله لا يجلس كما يجلس الإنسان. لكنك إن أردت أن يجلس الله فيك، فإنك إن صرت صالحًا تصير كرسيًا لله… نفس البار كرسي الحكمة. فإن العرش في لغتنا يُسمى كرسيًا… لأن الله يسمو فوق كل معرفة يُقال عنه إنه يجلس على كمال المعرفة. ليكن فيك كمال المعرفة، فتصير عرش الله… وإذ يكون لك كمال المعرفة وتكون لك المحبة تصير عرش الله، وتصبح سماءً. فإن السماء التي نتطلع إليها بأعيننا هذه ليست ثمينة جدًا لدى الله. النفوس المقدسة هي سماء الله، عقول الملائكة، وكل عقول خدامه هي سماء الله[1061].
القديس أغسطينوس
هُوَ صَانِعُ السَّلاَمِ فِي أَعَالِيهِ [2].
إن كان البشر في عنادهم أو شرهم يقاومون الله، إنما يقاومون أنفسهم، إذ يفقدون سلام الله الفائق، أما السمائيون فيتمتعون بسلامه في الأعالي، إذ يحبونه ويخضعون له، ويطيعونه طاعة كاملة. يحملون الحب الإلهي ويتمثلون بتواضعه، فلا يتشامخون على بعضهم البعض، ولا يحسدون ولا يتنازعون ولا يتذمرون. إنها عطية الله الفائقة لهم كمحبين له أن يعيشوا في سلامٍ عجيبٍ.
أما بالنسبة لسكان الأرض، فيحتاجون إلى الطاعة لله، فيتمتعون بعمله كواهب السلام، وكما يقول المرتل: “يهدي العاصفة فتسكن، وتسكت أمواجها” (مز 107: 29؛ 65: 7).
يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن الله كخالق كل الأشياء يملك عليهم وله سلطان، يرعب قلوب الخليقة القابلة للموت. على الأرض ينقص الخليقة السلام، بل يحلَ بهم الارتباك والقلق، أما في الأعالي، أو في العالم السماوي، فيوٌحد الله المختارين مع طغمات الملائكة، ويكون الكل في سلامٍٍ.
بالرب نتحول من ترابٍ أرضي إلى سماوات، ونُحسب أعاليه، حيث يسكن فينا، ويقيم سلامنا فينا. وكما يقول الرسول: “لأنه هو سلامنا، الذي جعل الاثنين واحدًا ونقض حائط السياج المتوسط” (أف 2: 14).
v مادام المسيح ابن الله هو السلام، فقد جاء ليجمع معًا من له، ويعزلهم عن الأشرار[1062].
القديس أغسطينوس
v “سلامًا أترك لكم” (يو 14: 27). يقول: “ماذا يؤذيكم من متاعب العالم مادمتم في سلامٍ معي؟ فإن هذا السلام ليس من ذات نوع ذاك (الذي من العالم). ذاك سلام خارجي، كثيرًا ما يكون مؤذيًا وبلا نفع، لا ميزة له لدى من يقتنوه. أما أنا فأعطيهم سلامًا من نوعٍ به تكونون في سلام كل مع الآخر، ويجعلكم أكثر قوة[1063]”.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v “مبارك الآتي باسم الرب”، الملك ضد الطاغية، جاء لا بإظهار أنه كلي القدرة والحكمة، وإنما بما حُسب كجهالة الصليب الذي به أنقذ من له من المسبيين بواسطة الحية الحكيمة بالشر.
مبارك الآتي باسم الرب: الحق ضد الكذاب، المخلص ضد المهلك، رئيس السلام ضد مثير الحروب. محب البشر ضد مبغض البشرية.
مبارك الآتي باسم الرب، الرب القادم ليرحم الخليقة صُنع يديه.
مبارك الآتي باسم الرب، الرب القادم ليخلص الإنسان الذي ضل في الخطأ، لينزع عنه الخطأ، ويهب نورًا لمن هم في الظلمة، ويبطل خداع الأوثان، ويحل محله معرفة الله واهبة الخلاص، حتى يقدس العالم. ينزع الرجاسات والشقاء التي لعبادة الآلهة الباطلة[1064].
الأب ميثوديوس
ينسب الله الأعالي لنفسه فالسماوات هي للرب (مز 115: 16)، ويدعوها بلدد “أعاليه“.
حين يتقدس الشعب ينسب الرب الشعب وأعياده له، فيدعى “شعب الله”، “سبوتي” الخ، وحين يتمرد يدعوه “الشعب”، “أعيادكم”، “سبوتكم” الخ.
هَلْ مِنْ عَدَدٍ لِجُنُودِهِ،
وَعَلَى مَنْ لاَ يُشْرِقُ نُورُهُ؟ [3]
ما يحل في أعالي الرب أو سماواته من سلام، ليس لأن عدد السمائيين قليل فيمكن الوصول إلى اتفاقٍ وانسجامٍ بينهم، لأنه “هل من عدد لجنوده؟” إنما سرّ سلامهم في الرب أنه يشرق بنوره على جميعهم. إن كان نور الشمس يبلغ إلى الأرض كلها، فإن نور الله يسطع على كل السمائيين “وعلى من لا يشرق بنوره؟“
هكذا الذي يشرق بنوره على كل السمائيين يشرق شمسه على الأشرار والصالحين (مت 5: 45)، لعل الكل يطلب نور نعمته الفائقة فيستنيروا، ويحملوا برَّه وسلامه! إنه لا يخفي نوره عن أحدٍ، ولا يبخل بمعرفته على خليقته، لكنه لا يُلزم أحدًا بقبول نعمته.
يدعونا السيد المسيح أن نكون أبناء الله، إذ يقول: لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين (مت 5: 45). إنه يريد أن يكون الكل أبناء النور. “لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح (2 كو 4: 6).
v “لأنكم كنتم قبلاً ظلمة، وأما الآن فنور في الرب” (أف 5: 8). لم يقل “بفضيلتكم”، وإنما بنعمة الله العاملة فيكم. بمعنى أنكم كنتم تستحقون العقوبات، والآن لم تعودوا بعد هكذا. لذا فلتسلكوا كأبناء النور… في كل صلاحٍ[1065].
القديس يوحنا الذهبي الفم
v الذين وُلدوا ثانية كانوا أبناء ليلٍ وصاروا أبناء نهار؛ كانوا ظلمة وصاروا نورًا. الآن يسوع يعهد بنفسه إليهم، وهم يأتون إليه ليس ليلاً مثل نيقوديموس (يو 3: 2)، ولا يبحثون عنه في الظلام بل في النهار[1066].
القديس أغسطينوس
v بالروح القدس تتحقق عودتنا إلى الفردوس، صعودنا إلى ملكوت السماوات، عودتنا إلى التبني كأبناء، حريتنا فندعو الله أبانا، شركتنا في نعمة المسيح، دعوتنا أبناء النور، شركتنا في المجد الأبدي، وفي اختصار بلوغنا إلى حال كمال البركة[1067].
القديس باسيليوس الكبير
- كَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ؟
فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ،
وَكَيْفَ يَزْكُو مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ؟ [4]
مهما سما برّ الإنسان وقداسته، لا يقارن بسمو برّ الله وقداسته (مز 89:6). وإذا ما دخل الإنسان في محاكمة مع الله، يتبرر الله ويُدان الإنسان، وكما يقول المرتل: “لا تدخل في المحاكمة مع عبدك، فإنه لن يتبرر قدامك حي” (مز 143: 2). ليس من خطأ في أحكام الله، ولا من يقدر أن يعترض عليها أو يستأنفها.
v “هل يمكن لإنسانٍ أن يتبرر متى قورن بالله؟ أو هل يمكن أن يُوجد مولود امرأة طاهر؟[1068]“ [4] هذه العبارة سبق أن نطق بها الطوباوي أيوب… حيث أن كل إنسانٍ هو بار خلال الاستنارة بالله، لا بالمقارنة مع الله. فإن برّ الإنسان متى قورن بالخالق لا يُحسب برًا، فإنه حتى إن تمسٌك الإنسان بحاله في الخلقة، لا تقدر الخليقة أن تتساوى مع الخالق.
على أي الأحوال، صار هذا المخلوق يحمل أحمالاً ثقيلة، ولعجزه تراكمت عليه الخطية، هذه التي جلبتها الحية فيه بالخداع، وبرهنت المرأة عن ضعفها بما فيه الكفاية. الآن إذ يُولد الإنسان عن طريق امرأة خاضعة للخطية، ورث ضعف الخطية الأولى بالتناسل، ليس لأن فرع الجنس البشري قد فسد في الأصل، ولم ينل الحيوية الخاصة بخلقته، لذلك بحق يُقال الآن: “هل يمكن للإنسانٍ أن يتبرر، وهو مولود امرأة؟“
كأنه يقول بوضوح: ليته لا يفكر إنسان بكبرياءٍ ضد خالقه، ليتأمل من أين جاء إلى هذا الموضع، ويفهم ما هو عليه.
لكن لتلاحظوا أنه يوجد أولئك الذين نالوا عونًا بعطية الروح ضد وهن جسدهم، فبنوا أنفسهم، وأشرقوا في الفضائل. نعم! يشرقون في آياتٍ عجيبةٍ مدهشةٍ. ومع ذلك لا يوجد إنسان ما يعبر الحياة بدون خطية، مادام يحمل الجسد الفاسد.
البابا غريغوريوس (الكبير)
v من هم الذين يرغبون في الدخول في محاكمة معه إلاّ الذين يجهلون برّ الله، ويريدون أن يقيموا برَّهم الذاتي؟… “لن يتبرر أمامك كل حيّ”. “كل حي” هنا، يحيا في الجسد، يحيا متوقعًا الموت. يولد كإنسانٍ، نال حياته من إنسانِ، جاء من آدم… يمكنه أن يتبرر أمام نفسه، لكن ليس أمامك. كيف يتبرر أمام نفسه؟ بأن يُسر نفسه ولا يرضيك. لا تدخل في المحاكمة معي أيها الرب إلهي. مهما بدا ليّ أنني مستقيم، فإنك إذ تقدم مستوى من مخازنك أقيس به نفسي فأجدها معوجة[1069].
v “إنك تتبرر في أقوالك، وتغلب إذا حوكمت” (مز 51: 4). أنت تغلب كل البشر، كل القضاة؛ فمن يظن في نفسه أنه بار أمامك فهو غير بار. أنت وحدك تحكم بعدلٍ، وبغير عدلٍ تُحاكم… أنت تغلب كل البشر، لأنك أنت فوق كل البشر، وهم خلقوا بواسطتك[1070].
القديس أغسطينوس
- الكواكب ليست طاهرة في عينيه
هُوَذَا نَفْسُ الْقَمَرِ لاَ يُضِيءُ،
وَالْكَوَاكِبُ غَيْرُ نَقِيَّةٍ فِي عَيْنَيْهِ [5].
بالرغم من جمال القمر وكل الكواكب، لكنها في حقيقتها أحجار لا تحمل نورًا ولا جمالاً في ذاتها، لو لم تنعكس أشعة الشمس عليها. هكذا الكنيسة، أي القمر، والمؤمنون أيضًا، أي الكواكب، لا جمال لهم إلا بإشراق شمس البرّ عليهم ليبدد كل أثرٍ للظلمة، ويعكس بهاءه عليهم. قيل عن المؤمنين الحقيقيين والكارزين: “والفاهمون يضيئون كضياء الجلد والذين ردوا كثيرين إلى البرّ كالكواكب إلى أبد الدهور” (دا 12: 3).
خارج نعمة الله يصير القمر مظلمًا عاجزًا عن الإضاءة، وتُحسب الكواكب غير طاهرة. وكما يقول إشعياء النبي: “ويخجل القمر وتخزى الشمس، لأن رب الجنود قد ملك في جبل صهيون وفي أورشليم ” (إش 24:23).
يرى العلامة أوريجينوس[1071] أن القمر والكواكب هنا تشير إلى كائنات عاقلة يُصدر لها الرب وصايا (إش 12:45) قابلة للتقدم كما للسقوط.
v ماذا يعني بالقمر سوى الكنيسة كلها معًا، وماذا يعني بالكواكب إلا نفوس الكثيرين الذين يعيشون بالاستقامة؟ وسط ممارسات الناس الأشرار هم بارزون بالفضائل النادرة، كما لو كانت تنير وسط ظلمة الليل. هكذا يقول بولس أيضًا لتلاميذه: “تضيئون بينهم مثل أنوارٍ في العالم” (في 15:2). ويقصد بلقب “الكواكب” المختارين، يخبرنا مرة أخرى بولس ذلك بقوله: “فإن نجمًا يمتاز عن نجمٍ في المجد” (1 كو 41:15). هكذا “لا يضيء القمر، والكواكب ليست طاهرة في عينيه”. ليست الكنيسة المقدسة بقوتها تضيء في عجائب كثيرة هكذا، ما لم تسقط عليها أمطار النعمة المحٌصنة، ولا أذهان الكثيرين الذين يعيشون باستقامة طاهرة من دنس الممارسات الخاطئة لو أنهم دينوا خارج الحنو (الإلهي). ففي عيني الديان الحازم كل فرد دنس خلال ميله للفساد، ما لم تنزع نعمة (الله) الإنسان من هذا السقوط يومًًا فيومًًا.
البابا غريغوريوس (الكبير)
v لتنصت آذانكم من الآن إلى الصوت المجيد الذي ستتغنى به الملائكة بسبب خلاصكم قائلة: “طوبى للذي غفر إثمه وسُترت خطيته”[1072]. وذلك عندما تدخلون ككواكب الكنيسة المتألقة جسدًا ومتلألئة نفسًا.
عظيم هو العماد الذي يوهب لكم، فإنه عتق الأسرى، غفران المعاصي، موت الخطية، ميلاد جديد للنفس، ثوب النور، ختم مقدس لا ينفك، مركبة للسماوات، بهجة الفردوس، ترحيب في الملكوت، عطية التبنّي! لكن احذروا، فإنه توجد حيَّة في الخارج تترقب المارين. احترسوا لئلا تلدغكم بلدغات عدم الإيمان.
إنها إذ ترى كثيرين يتقبلون الخلاص تلتمس أن تبتلعه منهم (1 بط 5: 8)[1073].
القديس كيرلس الأورشليمي
v لا يوجد قط من هو بلا خطية. “الكواكب ذاتها غير طاهرة بعينيه“، وكل خليقة ترتعب عند مجيء الرب… يوجد تفسير آخر وهو أن “كل” لا تشير إلى الجميع بل إلى أولئك الذين هم موضوع الجدال. وذلك كما يقول قائل: “كل المواطنين صرخوا”، لا يعني بهذا أنه لم يوجد أحد قط صامت، وإنما قيل هذا عن الغالبية التي تطغي على الأقلية[1074].
القديس جيروم
v ليس إنسان بلا خطية سواء كانت حياته يومًا واحدًا أو عاش سنوات طويلة. فإن كانت الكواكب نفسها ليست بطاهرة في عيني الله، كم بالأكثر الدودة والفساد هذا الذي صار عليه من خضعوا لخطية عصيان آدم؟[1075]
القديس أغسطينوس
v أليس بصالح ذاك الذي رفع الأرض إلى سماء حتى أن الكواكب المتلألئة المصاحبة له تعكس مجده في السماء كما في مرآة، هكذا طغمات الرسل والشهداء والكهنة يشرقون مثل كواكب مجيدة، وتهب نورًا للعالم؟[1076]
القديس أمبروسيوس
فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الإِنْسَانُ الرِّمَّة،ُ
وَابْنُ آدَمَ الدُّودُ [6].
إن رجع الإنسان إلى أصله قبل الخلقة، واعتزل الله خالقه يسير ترابًا ورمادًا، رمة ودودًا! والعجيب أن الكلمة الإلهي في تجسده تواضع جدًا، فقال على لسان النبي: “أنا دودة لا إنسانٍ” (مز 22: 6).
v كل البشر مولودون من جسد، ماذا هم سوى دود؟ من هذا الدود يصنع الله ملائكة. إن كان الرب نفسه يقول: “أما أنا فدودة لا إنسان” (مز 6:22)، من يتردد في النطق بما ورد في أيوب: “كم بالأحرى الإنسان رمة، وابن آدم الدود” [6]. قال أولاًً “الإنسان رمة“، وبعد ذلك “ابن الإنسان دودة“، لأن الدودة تخرج من الرمة… أنظروا ماذا أراد أن يصير من أجلكم هذا الذي “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله” (يو 1:1)[1077].
القديس أغسطينوس
v “كم بالأكثر الإنسان هو فساد، وابن الإنسان دودة؟” [6] كأنه يقول بوضوح: إن كان هؤلاء الأشخاص أنفسهم لا يقدرون أن يتجنبوا العدوى، الذين وسط ظلمة الحياة الحاضرة يضيئون ببهاء اقتناء الفضائل، فكم يكون شـر المربوطين بالحياة حسب الجسد؟ إن كان هؤلاء الأشخاص لا يقدرون أن يتحرروا من الخطية، هؤلاء الذين بالفعل يسلكون في طريق الشهوات السماوية، فماذا بالنسبة للذين لا يزالون ساقطين تحت أثقال العادات الشريرة، والذين هم متروكون لملذات أجسادهم، لا يزالون يحملون نير الفساد؟ لهذا يقول بطرس: “إذا كان البار بالجهد يخلص، فالشرير والخاطئ أين يظهران؟” (1 بط 18:4) يقول إشعياء: “على أرض شعبي يطلع شوك وحسك، فكم بالأكثر في كل بيوت الفرح في المدينة المبتهجة” (إش 13:32)… المدينة الفرحة هي ذهن الشرير الذي لا يبالي بالعقوبات القادمة، وذلك من أجل مسرة الجسد، وإذ يخرج الذهن عن كيانه يلهو في مرحٍٍ كاذبٍٍ.
البابا غريغوريوس (الكبير)
يلاحظ البابا غريغوريوس أن الإنسان الأول يُدعى فسادًًا، إذ حلٌ به الموت بالخطية ففسد. وأما ابن الإنسان فيدعى دودة، حيث يلد الفساد دودًا في جسم الميت.
من وحي أيوب 25
لتشرق بنور بٌَرك عليٌِ
v تشرق بنور حبك على كل الخليقة.
بك تستنير الطغمات السمائية،
وبدونك تبدو السماء غير طاهرة.
بك يعيش السمائيون في سلام،
وبدونك لا سلام حتى في السماء،
v كيف أتبرر أمامك،
وقد حلٌ الفساد بأعماقي؟
من ينزع عني الفساد غيرك؟
لتعمل نعمتك فيٌ يا كل الصلاح!
تفسير أيوب 24 | تفسير سفر أيوب | تفسير العهد القديم |
تفسير أيوب 26 |
القمص تادرس يعقوب ملطي | |||
تفاسير سفر أيوب | تفاسير العهد القديم |