تفسير سفر أيوب ٤ للقمص أنطونيوس فكري

تفسير سفر أيوب – الإصحاح الرابع

 

بعد أن عبر أيوب عن تذمره نجد أصدقاءه الثلاثة وكانوا قد إتفقوا علي رأي مسبق ضد أيوب، يبدأون في توجيه الإتهامات إليه. وكأنه قد عقدت محكمة كان الأصدقاء فيها هم خصوم أيوب، وأيوب نفسه هو المدعي عليه. وقد ظهر أليهو كأول وسيط، وأخيراً أعطي الله حكمه علي المناقشة. وقد فهم أصحاب أيوب أن تذمره وشكواه هما دليل علي فساد أيوب الداخلي. وكانت أراء أصحاب أيوب تتخلص في الآتي:-

  1.        الله عادل وهو يجازي الإنسان الصالح بالخيرات في حياته والإنسان الشرير بالشر خلال حياته علي الأرض.
  2.       ولأن أيوب يعاني كل هذه المعاناة فهو من المؤكد إنسان شرير جداً، وما تقواه الظاهرة سابقاً والتي سمعوها عنه إلا رياء وتظاهر.
  3.       بالرغم من كل هذا فلو قدم أيوب توبة سيقبله الله ويستعيد أيوب كل ما كان له.

ولقد رفض أيوب الإعتراف بأنه أخطأ في حق الله وبأنه كان مرائي في تدينه بل ظل يدافع عن نفسه بأنه وإن كان قد أغضب الله إلا أن قلبه كان مستقيماً معه. وبهذا صار موضع النزاع بين أيوب وأصحابه هل أيوب رجل أمين أم لا، والعجيب أن هذا هو نفس موضوع النزاع بين الله والشيطان.

ويحسب للأصحاب أراؤهم الإيجايبة وإيمانهم الصحيح في الله، فهم أظهروا إيمانهم بوجود إله واحد قوي في الكون وهو مسئول عن كل شئ فهو ضابط الكل وهو عادل يجازي الأشرار شراً ويجازي الأبرار خيراً.

ولكن كان خطأ الأصحاب في تحليل المواقف

  1.       هم أخذوا جانباً من الحقيقة وتركوا الجانب الأخر فهناك كثيرين من الأبرار يصيبهم الشر وكثيرين من الأشرار ينعمون في الخيرات، فمجازاة الله للأشرار بالطوفان أو بحريق سدوم وعمورة ليسا أمثلة دائمة لهلاك الأشرار فالمرتل في مز 73 يشتكي من أن الأشرار ينعمون في خيراتهم، وهابيل هلك وهو بار، بل كيف نفسر صليب المسيح وآلامه علي ضوء نظرية الأصحاب وراجع أيضا لو 1:13-5. ولكن حتي نفهم هذا نقول أن الله يلاحظ طريق كل إنسان ولكن تعاملات الله ليست بحسب فكر الإنسان.
  2.       محاولتهم إدانة أيوب بكل الطرق والوسائل وكأنهم صاروا قضاة، خبراء في طرق الله، بل هم أخذوا مكان الله الديان العادل وحده.

وكان خطأ الأصحاب في نظريتهم وفي تطبيقها علي أيوب سبباً في زيادة ثورة أيوب وكلامه المتذمر القاسي علي الله.

ولنفهم أن الآلام ليست مرتبطة دائما بالخطية، فالآلام هي ثمرة طبيعية لدخول الخطية إلي العالم أصلاً، والخليقة كلها تئن منذ سقوط آدم. والآلام بهذا قد تصيب الشرير والبار. ولأننا نفهم أن كل الأمور تعمل معاً للخير وأننا نثق في بر الله وعدله ومحبته نتصور أن الألم إذا سمح به الله فهو من المؤكد أنه لصالح الإنسان، فهو يُكَمِل الأنسان، والألم هو النار التي تنقي الذهب ليلمع بالأكثر فيصبح الإنسان مثمراً بالأكثر في ملكوت الله، “من يحبه الرب يؤدبه”عب5:12، 6. بل قيل عن المسيح أنه قد تكمل بالآلام عب 10:2، أي يصير شبيهاً للإنسان في كل شئ وطالما الآلام مرتبطة بالإنسان فكان علي المسيح أن يحملها حتي يصير إنساناً كاملاً.

ونجد هنا أن أليفاز يبدأ الحديث وذلك غالباً لأنه أكبرهم سناً.

الأيات 1-4:

” فاجاب اليفاز التيماني وقال، ان امتحن احد كلمة معك فهل تستاء ولكن من يستطيع الامتناع عن الكلام، ها انت قد ارشدت كثيرين وشددت ايادي مرتخية، قد اقام كلامك العاثر وثبت الركب المرتعشة”.

 نجد أليفاز يبدأ بدآية مهذبة يمدح فيها أيوب قبل أن يهاجمه. وهذه هي طريقة المسيح ونلاحظها في رسائل المسيح لملائكة الكنائس السبع.

إن إمتحن أحد كلمة معك= حسب ترجمة اليسوعيين والإنجليزية “إن القينا إليك كلمة”

من يستطيع الإمتناع عن الكلام= كان أليفاز في حالة غيرة روحية نحو مجد الله، وهو ظن أن أيوب قد أهان الله حين تذمر، ولذلك أخذته الحماسة ليرد عليه ولكنها حماسة تعوزها الحكمة، فهل من الحكمة أن يهاجم شخص مثل أيوب قد أدمت قلبه المصائب، كان عليه أن يداوي جراحاته قبل أن يهاجمه حتي لا يزيد حزنه حزناً. وبدأ أليفاز بأن ذكر أيوب بماضيه الحسن وكيف كان أيوب يشدد الحزاني وأنه كان يرشدهم في مصائبهم= ها أنت قد أرشدت كثيرين بل كان لعمل أيوب مع المتألمين نتائج إيجابية= قد أقام كلامك العاثر. فهو بنصائحه المباركة وتعزياته المقوية ثبت الركب المرتعشة لتحمل الإنسان المصاب في رحلة الحياة، وفي تحمل أثقاله

آية5:- ” والان اذ جاء عليك ضجرت اذ مسك ارتعت “.

إذا جاء عليك ضجرت= أي حين جاءت عليك المصائب ضجرت، أنت الذي علمت الأخرين لماذا لا تعلم نفسك الآن، اليس هذا دليل ريائك. لقد جاء دورك الآن فأنت شرير مثل الأخرين والله يعاقبك أفلا تحتمل. بل نجد أليفاز يستهين بمصائب أيوب ويقول إذ مسك= أي أن ما يعاني منه أيوب مجرد مسة.

آية6:- “اليست تقواك هي معتمدك ورجاؤك كمال طرقك، اذكر من هلك وهو بري واين ابيد المستقيمون”. إليست تقواك هي معتمدك= إذا كانت تقواك هي معتمدك فأين هي الآن؟ لماذا أنت متذمر هكذا؟ أين مخافتك لله وثباتك وصبرك وطرقك الكاملة؟ وملخص إتهام أليفاز لأيوب أن أيوب كانت تقواه مجرد تظاهر والدليل هو الآلام التي يعاني منها ولو كانت تقواه حقيقية ما كان الله يصب عليه كل هذه الألام، ولو كانت له تقوي فعلاً ما تذمر حين ضربه الله. وفي هذا تشابه أليفاز مع الشيطان فكلاهما يتهم أيوب بالرياء، فعندما عجز الشيطان إثبات هذا الإتهام إستخدم أليفاز. وليحذر الخدام من توجيه إتهامات قاسية للمتألمين، فالكتاب قال “بكاء مع الباكين” فالخدمة ليست مجرد عرض عقائد ولكنها عقائد ممتزجة بمشاعر. فلا يصح أن ينتهر خادم أم فقدت إبنها وهي تبكي بحرقة مدعياً أن بكائها هو إعتراض علي عقيدة القيامة. بل علي الخادم وبكل حب تعزية هذه الأم بكلام الله وبأن إبنها في السماء ودون إنتهار، ولنذكر أن المسيح بكي علي قبر لعازر وهو يعلم أن سيقيمه.

آية7:= “اذكر من هلك وهو بري واين ابيد المستقيمون”.

 أذكر من هلك وهو برئ= أي إعترف بأنك خاطئ فلم يصاب بمثل ما أصبت به إلا الأشرار. وكلام أليفاز لا يعني الهلاك الأبدي بل المصائب الزمنية. وحقا لا يهلك برئ هلاكاً أبدياً، لكن المصائب الزمنية شئ آخر فهابيل قُتل وهو بار. بالإضافة لخطأ أليفاز في تطبيق المبدأ علي أيوب والله قال عنه أنه كامل. فخطأ أليفاز في أنه أدان أيوب دون وجه حق.

آية 8:- “كما قد رايت ان الحارثين اثما والزارعين شقاوة يحصدونها”.

 كما قد رأيت= أليفاز يبرهن علي نظريته بمشاهداته. الحارثين إثماً… يحصدونها والمعني طالما أنك تهلك الأن هكذا وتبيد، فإننا لنا الحق أن نعتقد بأنك حرثت وزرعت إثماً وشقاوة

آية 9:- “بنسمة الله يبيدون وبريح انفه يفنون”.

بنسمة الله يبيدون= غضب الله علي الأشرارمشبه هنا بعاصفة شديدة مدمرة لا تترك وراءها سوي الخراب للأشرار وما يمتلكون. وبريح أنفه= قد تكون الإشارة للريح الذي هدم البيت الذي كان أبناء أيوب مجتمعين فيه.

ورأي أليفاز هنا معناه أن الظالمين الذين بنوا ثروتهم ومجدهم الأرضي بظلم الأبرياء ستفشل كل مؤامراتهم إذ يبيد الله كل ما تعبوا في جمعه.

الأيات 10، 11:- “زمجرة الاسد وصوت الزئير وانياب الاشبال تكسرت، الليث هالك لعدم الفريسة واشبال اللبوة تبددت”.

هنا يشبه الظالمين القساة بالأٍسود المزمجرة لقساوتهم وبطشهم. ويوجد في اللغة العبرانية خمسة أسماء للأسد ترجمت هنا في العربية بخسمة أسماء [الأسد/ الزئير/ الأشبال/ الليث/ اللبؤة]. وذكر الخمسة الأسماء في أيتين أي كل أسماء الأسد الخمسة في العبرانية ذلك للتدليل علي شدة بطش الظالمين في تمزيق وإفتراس ضحاياهم الأبرياء، 1بط 8:5 والمقصود هنا أن أيوب كان ظالماً مثل هؤلاء. ولكن الله يكبح جماح هؤلاء الظالمين ومنهم أيوب طبعا (في نظر أليفاز)

زمجرة الأسد. . و أنياب الأشبال تكسرت= أي كسر الله سلاحهم وحطم قوتهم حتي لا يضرون أحد بل أسكت أصواتهم حتي لا يخيفون أحد.

الليث هالك لعدم الفريسة= إن الذين اتخموا من الغنائم التي نهبوها من الأبرياء قد تنتهي بهم الفاقة أخيراً بأن يموتوا جوعاً

أشبال اللبوة تبددت= أي تشتتت (حسب الترجمة الإنجليزية). حينما ضرب الله الأباء الظالمين تشتت أولادهم في كل مكان بحثاً عن الطعام والملجأ.

أيقال هذا الكلام عن أيوب الذي قال الله عنه أنه كامل، هل أيوب جمع ثروته ظلماً لذلك صنع به الله هكذا؟! كم يكون من المؤسف أن من يمدحه الله يسئ إليه إنسان بهذه الكيفية. لذلك يقول السيد المسيح “لا تدينوا…”

الأيات 12-21:- “ثم الي تسللت كلمة فقبلت اذني منها ركزا، في الهواجس من رؤى الليل عند وقوع سبات على الناس، اصابني رعب ورعدة فرجفت كل عظامي، فمرت روح على وجهي اقشعر شعر جسدي، وقفت ولكني لم اعرف منظرها شبه قدام عيني سمعت صوتا منخفضا، االانسان ابر من الله ام الرجل اطهر من خالقه، هوذا عبيده لا ياتمنهم والى ملائكته ينسب حماقة، فكم بالحري سكان بيوت من طين الذين اساسهم في التراب ويسحقون مثل العث، بين الصباح والمساء يحطمون بدون منتبه اليهم الى الابد يبيدون، اما انتزعت منهم طنبهم يموتون بلا حكمة”.

 أليفاز هنا يستشهد برؤيا رأها ويرويها هنا لأيوب ليدينه. وأليفاز رأي رؤيا واضحة وحقيقية ولكنه أخطأ في تفسيرها أو في تطبيقها علي أيوب. فهذا أضاف رأيه الشخصي ورأيه خاطئ فهو كان يميل لإثبات شر أيوب.

وهناك احتمالات لهذه الرؤيا

  1.       قد يكون أليفاز راي هذه الرؤيا بعد أن ظل يفكر طوال اليوم فيما حدث لأيوب.
  2.       قد يكون أليفاز رأي هذه الرؤيا سابقاً. فالله كان يتحدث للبشر عن طريق الرؤي والأحلام قبل الكتاب المقدس.

فالله أظهر هذه الرؤيا لأليفاز وملخصها أن الله لا يخطئ. والله أظهر له هذه الرؤيا لأن نفسه كانت ثائرة مضطربة وكان يتساءل لماذا اصاب كل هذا أيوب. وكان يمكن لأليفاز أن يستغل هذه الرؤيا في توبيخ أيوب علي تذمره ولكن أليفاز إستغل الرؤيا علي أنها إثبات لأن أيوب كان شريراً

آية 12:- ” ثم الي تسللت كلمة فقبلت اذني منها ركزا”.

 إلي تسللت كلمة= أي وصلت لي كلمة الله بطريقة سرية. وإن أعذب الإتصالات التي تتم بين النفس وبين الله تتم سراً “من أراد أن يصلي فليدخل مخدعه ويغلق بابه عليه…”. وهكذا يتسلل الكلام المعزي إلي داخل القلب بواسطة الروح القدس دون أن نحس خلال جلسة الصلاة في المخدع أو من خلال جلسة قراءة الكتاب المقدس. فقبلت أذني منها ركزاً= حسب الترجمة الإنجليزية “فقبلت أذني منها القليل. والركز هو الصوت الخفي “مختار الصحاح. وفي الترجمة اليسوعية “فأحست أذني منها همساً”. فأفضل الناس لا يقبلون وهم في هذا العالم، إلا القليل من المعرفة الألهية “الأن أعرف بعض المعرفة 1كو 12:13. وهذا بسبب أن قدراتنا علي استيعاب السماويات محدودة بسبب أجسادنا البشرية. وكمثال لهذا لو جلس طفل أمام أستاذ في الفلسفة فلن يفهم من محاضرته إلا القليل جداً بحسب إدراكه.

آية 13:- ” في الهواجس من رؤى الليل عند وقوع سبات على الناس”.

 في الهواجس= الهاجس هو ما يحدث الإنسان نفسه به. من رؤي الليل= أليفاز رأي رؤياه في الليل، والليل وقت مناسب للتأمل حينما يستريح الإنسان من جلبة العالم وضوضائه ويجلس في سكون [راجع ترنيمة قلبي الخفاق. . . . لقداسة البابا شنودة “هوذا الأذن وقد اخليتها من حديث الناس حتي أسمعك] وهذه فائدة الخلوات، أننا نبتعد فترة عن ضوضاء العالم، ونصلي ونتأمل في هدوء. هناك نسمع صوت الروح القدس في داخلنا يعزينا.

آية 14:- ” اصابني رعب ورعدة فرجفت كل عظامي”.

 أليفاز شعر برعب قبل أن يري أو يسمع أي شئ، وحينما إمتلأ قلبه من الخوف المقدس من الله، ومن عظمته صار مستعداً لهذه الرؤيا الألهية.

الأيات 16، 15:- ” فمرت روح على وجهي اقشعر شعر جسدي، وقفت ولكني لم اعرف منظرها شبه قدام عيني سمعت صوتا منخفضا”.

 روح علي وجهي= كلمة روح في أصلها العبري تعني نفس أو نسمة ولعل أليفاز شعر بشئ غير منظور كنفس الإنسان، أو نسمة مرت علي وجهه. إقشعر شعر جسدي= أي صار في حالة فزع شديد. وهذا صحيح علمياً فمع الخوف ينتصب شعر الإنسان. ولنري كيف يخاف الإنسان من رؤي الملائكة وكيف يفهم الإنسان جزءاً محدوداً من كلامهم. ولكننا بعد الموت سنحسب من عالم الأرواح وسنعرف كل شئ 1كو 12:13. وقفت ولكني لم أعرف منظرها= ربما في بدآية الأمر كانت هناك خيالات تجوز أمام عينيه ثم إستقرت الرؤيا أخيراً ولكنها لم تكن واضحة تمام الوضوح، ولم يستطع أليفاز أن يكون عنها فكرة صحيحة ولم يستطع وصفها. فنحن في الجسد معرفتنا بعالم الأرواح قليلة جداً. شبهٌ قدام عيني= مرآة كأنه خيال “حسب ترجمة اليسوعيين. إذاً ما رآه كان حقيقياً لكنه غير قادر علي أن يصفه. سمعتصوتاً منخفضاً= حسب ترجمة اليسوعيين والترجمة الإنجليزية” “فكان سكوت ثم صوت أسمعه” فكان أولاً سكوت ثم سمع الصوت. وعندما نريد أن نستمع صوت الله خليق بنا أن نصمت قليلاً فنعطي لأنفسنا فرصة أن نسمع الصوت الهامس داخل قلوبنا

آية 17:- ” االانسان ابر من الله ام الرجل اطهر من خالقه”.

 أألانسان أبر من الله= هذه هي رسالة الروح أو الملاك. هل يتجاسر إنسان أن يدعي أنه أطهر من خالقه= وقطعاً لا يدعي إنسان هذا ولكن معني الكلام أن الإنسان يدعي أن إستقامته تستحق أشياء أفضل من يد الله. والملاك في قوله هذا لأليفاز يهدئ من ثورته علي ما أصاب أيوب. وهذا القول يشبه رو 33:11-35.

آية 18:- ” هوذا عبيده لا ياتمنهم والى ملائكته ينسب حماقة”.

 هوذا عبيده لا يأتمنهم= الملائكة عبيد الله وخدامه وهم أرواح نورانية قديسة وكلهم حكمة ولكن حكمتهم وقداستهم شئ نسبي أيضاً بالنسبة لله. وحكمتهم مهما كانت فهي بالنسبة لله كلي الحكمة تعتبر جهلاً= وإلي ملائكته ينسب حماقة= ولذلك فالله يعطيهم أوامر وهم ينفذونها دون مناقشة ولكن الله لا يترك لهم حرية إدارة أمور الكون وأمور البشر، والله لا يستشيرهم بل يأمرهم وهم يطيعون.

آية 19:- ” فكم بالحري سكان بيوت من طين الذين اساسهم في التراب ويسحقون مثل العث”.

 إذا كان الملائكة ينسب لهم الله حماقة فكم بالأولي الإنسان= سكان بيوت من الطين= إذاً الإنسان الترابي الذي هو روح ساكنة في جسد من الطين الكثيف هو أضعف جداً من الملائكة وهي أرواح فقط. والموضوع نسبي فالإنسان أضعف بكثير من الملاك والملاك أضعف بما لا يقاس بالمقارنة بالله. فالملائكة لأنهم أرواح فهم أحرار بينما الإنسان محبوس في بيت من طين يعرقل حركته، الجسد هو إناء خزفي يسهل كسره، لذلك يموت الإنسان بينما لا يموت الملاك. وموت الإنسان يكون بسهولة جداً= يسحقون مثل العث الذي يموت بين أصابع اليد.

الأيات 20، 21:- ” بين الصباح والمساء يحطمون بدون منتبه اليهم الى الابد يبيدون، اما انتزعت منهم طنبهم يموتون بلا حكمة”.

 بين الصباح والمساء يحطمون= تعتبر يشير لقصر حياة الإنسان كأنها نهار واحد. والأصح فنحن نتحرك طوال النهار في إتجاه الموت، فالموت يعمل فينا ونحن في حركة دائمة تجاه نهايتنا في التراب. وقوله يحطمون ويبيدون هو تعبير عن الموت الذي به ينتهي كل مجد ورفعة صنعها الإنسان في حياته.

أما أنتزعت منهم طنبهم= الإنسان مشبه بخيمة (2كو 1:5) وموت الإنسان يشبه بنزع طنب (حبال) الخيمة. وهم ينزعون طنب الخيمة لطيها استعداداً للرحيل. يموتون بلا حكمة= فحكمتهم لا تقدر أن تضمن لهم عدم الموت. ولقلة أيام الإنسان لا يتقدم كثيراً في الحكمة ولكن في العالم الأخر سنزداد حكمة ومعرفة بلا حدود.

بدون منتبه إليهم= هو أمر عادي أن لا ينتبه أحد لموتهم، ولا يضع أحد في قلبه أن فلان مات، فكل واحد مهتم بأموره. وهذا مما يثبت تفاهة الإنسان.

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى