تفسير سفر أيوب ٧ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير سفر أيوب – الإصحاح السابع
الأيات 1-6:
“اليس جهاد للانسان على الارض وكايام الاجير ايامه، كما يتشوق العبد الى الظل وكما يترجى الاجير اجرته، هكذا تعين لي اشهر سوء وليالي شقاء قسمت لي، اذا اضطجعت اقول متى اقوم الليل يطول واشبع قلقا حتى الصبح، لبس لحمي الدود مع مدر التراب جلدي كرش وساخ، ايامي اسرع من الوشيعة وتنتهي بغير رجاء”.
أليس جهاد للإنسان علي الأرض= “إن حياة الإنسان علي الأرض تجند” (الترجمة اليسوعية). “ألا يوجد وقت محدد للإنسان علي الأرض” (الأنجليزية) ويصبح المعني أن أيوب يقول لأصحابه، أرجوكم أن لا تعتبرونني قد أخطأت إذا تمنيت الموت، كأنني لا أعلم أن لكل إنسان عدد معين من الأيام حددها له الله ليعمل فيها ويجاهد. وأن الوقت المحدد من الله لا يمكن تعجيله. ولكن كلماتي التي فيها تمنيت الموت إنما هي مجرد تعبير عن آلامي. كأيام الأجير أيامه= إننا نعمل كل أيام حياتنا ونجاهد مثل الأجير الذي يعمل كل اليوم ثم يذهب ليأخذ حسابه بحسب عمله ويذهب ليستريح. فأنا في ألامي أشتاق لراحة الموت كما يتشوق العبد الذي يعمل في الشمس الحارقة للظل ليستريح= كما يتشوق العبد إلي الظل وكما يترجي الأجير أجرته= هو لن يأخذ أجرته إلا بعد أن ينتهي من عمله فكأنه حين يترجي أجرته يشتهي في نفس الوقت راحته من تعبه. فحياته كلها مؤلمة= أشهر سوء وليالي شقاء. وكانت لياليه متعبة وليست للراحة مثل سائر البشر من شدة آلامه ورعب أحلامه وسواد أفكاره= إذا إضطجعت أقول متي أقوم وهذه الليالي المؤلممة قد قسمت له أي بمعرفة الله. وصور حالة جسده= لبس لحمي الدود= كان يوجد دود في قروحه. مع مدر التراب= المدر هي التراب المتلبد. فقد إختلط التراب مع قروحه فتلبدت كتل طينية من الطين والصديد في قروحه. جلدي كرش وساخ= تشقق وتقرح أو تقلص وتمزق (اليسوعية) فكان مرضه كريهاً جداً. وكان يقترب من الموت= أيامي أسرع من الوشيعة الوشيعة هي مكوك النساج. والحياة هي مكوك يتحرك بسرعة ذهاباً وإياباً وأيامنا أشبه بالمكوك الذي يسرع في الإنتقال من هذا الجانب من النول إلي الجانب الأخر في لمح البصر، إلي أن ينتهي الخيط الذي يحمله وعندئذ من النول ينقطع أش 12:38.
الأيات 7-21:
“اذكر ان حياتي انما هي ريح وعيني لا تعود ترى خيرا، لا تراني عين ناظري عيناك علي ولست انا، السحاب يضمحل ويزول هكذا الذي ينزل الى الهاوية لا يصعد، لا يرجع بعد الى بيته ولا يعرفه مكانه بعد، انا ايضا لا امنع فمي اتكلم بضيق روحي اشكو بمرارة نفسي، ابحر انا ام تنين حتى جعلت علي حارسا، ان قلت فراشي يعزيني مضجعي ينزع كربتي، تريعني بالاحلام وترهبني برؤى، فاختارت نفسي الخنق الموت على عظامي هذه، قد ذبت لا الى الابد احيا كف عني لان ايامي نفخة، ما هو الانسان حتى تعتبره وحتى تضع عليه قلبك، وتتعهده كل صباح وكل لحظة تمتحنه، حتى متى لا تلتفت عني ولا ترخيني ريثما ابلع ريقي، ااخطات ماذا افعل لك يا رقيب الناس لماذا جعلتني عاثورا لنفسك حتى اكون على نفسي حملا، ولماذا لا تغفر ذنبي ولا تزيل اثمي لاني الان اضطجع في التراب تطلبني فلا اكون“.
هنا في هذه الأيات نجد أيوب يتوجه بكلماته إلي الله.
وفي الأيات (7-10) نجد أيوب يتوسل ويتضرع ومن (11-16)يصبح عنيفاً في مجادلته من (17-21)نجده في حيرة يتساءل لماذا؟. وهو توجه في حديثه لله إذ وجد أذان أصحابه رافضة أن تستمع إليه. وحسنا نفعل إذ نشتكي لله بدلاً من أن نشتكي للناس فإن كان الناس لا يريدون أن يصغوا إلينا فالله يريد، وإن كان الناس لا يمدون يد المساعدة، فيد الله لم تقصر وأذنه لم تثقل راجع أش 1:59.
أذكر إن حياتي إنما هي ريح= هنا أيوب يقدم نفسه لله كخليقة ضعيفة جداً فهو كريح، أي إقامته في الدنيا قصيرة جداً وعودته إليها مستحيلة، بخار يظهر قليلاً ثم يضحمل. ويقول هذا ليثير عطف الله عليه. عيني لا تعود تري خيراً= لا حياة بعد الموت لا تراني عين ناظري= بعد الموت لا يعود أحد يرانا. عيناك عليَ ولست أنا= عيناك تطلباني فلا أكون (اليسوعية). أي بعد أن أموت لن أكون كما كنت سابقاً والمقصود إشفق عليَ يارب طالما كنت هنا. والشفقة التي يطلبها هي الموت. الموت الذي يريحه للأبد حين تنتهي حياته المؤلمة والتي هي مثل سحاب ينقشع ويتبدد في الهواء. والسحاب ينتهي ويأتي سحاب جديد غيره، وأجيال تموت وتأتي أجيال أخري. ومن يموت لا يعود ثانية لبيته الأرضي= لا يرجع بعد إلي بيته. ولا يعرفه مكانه بعد= مكاننا الذي تركناه بالموت، حتي لو عدنا لن يعرفنا مكاننا الذي عشنا فيه. وحين شعر بأن أيامه إقتربت، وها هو ينهي أيام عمره بهذه الآلام المرعبة قال.
أنا أيضاً لا أمنع فمي. اتكلم. أشكو بمرارة نفسى= أي لا أستطيع أن أمنع نفسي من أن أعبر عن ألامي بمرارة. ولكن أولاد الله حين يشعرون بأن حياتهم تقترب من نهايتها يجب أن يقضوا الساعات المتبقية أو الأيام المتبقية في إيمان وصلاة.
ابحر أنا أم تنين حتي جعلت عليَ حارساً= صور القدماء البحر كتنين عظيم يحيط باليابسة ويريد أن يبتلعها فجعل الله له حداً لا يتعداه وأقام له مغاليق ومصاريع وقال إلي هنا تأتي ولا تتعدي وهنا تخم كبرياء لججك (8:38 + أر 22:5). وصوروا أيضا تنيناً آخر في الجو يريد أن يبتلع الأجرام السماوية ومعني قول أيوب هل تعتبري يارب كتنين البحر أو تنين الجو لتجعل علي حارساً لئلا ابتلع الأرض أو كواكب السماء هل أنا يارب قوي وهائج جداً حتي لا يكبح جماحي سوي كل هذه النكبات. فأيوب صَوَر نكباته أنها هي الحارس الذي عينه الله لكبح جماح أيوب. ولنلاحظ أن الله فعلاً يضع حداً لكل قوي الطبيعة الجبارة (البحار/ الفيضانات/ البروق/ الزلازل) بل والحشرات والميكروبات بل والإنسان أيضاً حتي لا يتعاظم ويضرغيره. ثم يشكو أيوب من أنه لا يجد راحة في فراشه بسبب أحلامه المرعبة والرؤي المزعجة= تريعني بالأحلام وترهبني برؤي= وواضح أن الله ليس هو مصدر هذه الأحلام والرؤي بل هى ناشئة من إضطراباته النفسية بسبب آلامه. وربما كان الشيطان له يد في هذه الأحلام والخيالات فهو يسر بأن يزعج أولاد الله. فإختارت نفسى الخنق. الموت علي عظامي هذه= ترجمت الآية هكذا في ترجمة اليسوعيين “حتي تؤثر نفسى الخنق وعظامي الموت” أي بسبب ألامي إختارت نفسى أصعب ميتة وهي الخنق. وعظامي آثرت الموت فهو أفضل من الآلام التي تعانيها.
قد ذبت= قد يئست (يسوعيين). قد كرهتها (إنجليزية). أي هو كره حياته ويئس منها وإشتاق للموت ليجد راحة. لا إلي الأبد أحيا= أي حتي لو كنت سأحيا إلي الأبد فأنا رافض الفكرة فمن يضمن لي أن لا تعود لي ألامي ثانية.
لأن أيامي نفخة كف عني= كلام صعب أن يطلب أيوب من الله أن يكف عنه أي يكتفي بهذا فهو ضعيف. كأنه يقول لله أيامي باطلة وهذا حسب (الإنجليزية) أي أيامي شقية فيكفيك ما قد قاسيته، فلتنهي حياتي بالموت.
ثم يبدأ أيوب يتساءل إبتداء من آية (17) بعض التساؤلات.
ما هو الإنسان حتي تعتبره= أي الإنسان حقير جداً حتي تستعظمه. وكأن الله قد نصب نفسه خصماً للإنسان. وتساؤل أيوب معناه هل يليق بالله العظيم أن يحقر نفسه بمخاصمته للإنسان. فأيوب تصور أن الله يكيل له الضربات إنتقاماً لخطأ صنعه أيوب دون أن يدرك. ولم يفهم أن الله أب حنون لا ينتقم من أولاده بل هم يؤدبهم. وحتي تضع عليه قلبك= أي تهتم به إهتماماً شديدأً. وتتعهده كل صباح= أيوب مازال يتصور أن الله في خصومة معه، ويوجه له بكل قوته ضربات كل صباح بنيما هو عاجز عن أن يقف أمامه. والذي لم يفهمه أيوب أن الله أن لم يضع قلبه علينا ويتعهدنا كل صباح لهلكنا في لحظة بل في طرفة عين. فهو يقول عيني عليك من أول السنة إلي أخرها. بل الله حين يضع قلبه علينا يعطينا كرامة.
حتي متي لا تلتفت عني= هنا يشتكي أنه لا يجد هدنة، أو فترة راحة وسط آلامه
ريثما أبلع ريقي= أي ألا تسمح لي يارب بفترة راحة قليلة أتنفس فيها بلا ألم وتعبير أبلع ريقي هو تعبير عربي معناها دعني أستريح قليلاً. ثم يتساءل.
أأخطأت= هو لا يريد أن يعترف أنه أخطأ، وحتي لو أخطأ فخطيته بسيطة لا تستحق أن ينتبه الله لها [هل كان أيوب يتصور وهو يقول هذا أن الله بسبب خطاياه وخطايا غيره، الخطايا الكبيرة والصغيرة سيعلق علي الصليب]. ومعني قوله أيضاً، حتي إذا أخطأت فلماذا لا تغفر. وإذ رأي أن الله لا يغفر يقول لله ماذا أفعل لك= ماذا أفعل حتي تغفر [لم يفهم أيوب أنه لا سبيل لغفران الخطية مهما فعل إن لم يصلب المسيح، أنظر قسوة كلام أيوب، هل لو كان أيوب يعلم كل محبة الله التي يضعها الله في قلبه لأيوب، وأن ما سمح به الله هو ليكون أيوب كاملاً، وأن الله يدبر الخلاص بدم المسيح في ملء الزمان، هل لو علم أيوب هل كان يقول نفس الكلام. وكم من مرة نقول ألفاظ صعبة علي الله المملوء محبة نحونا]
يا رقيب الناس= أي أن الله يراقبه دائماً ومهما فعل فإن الله لن يرضي عليه.
لماذا جعلتني عاثوراً لنفسك= عاثور أي هدف تصوب نحوه السهام. فهو يشكو أنه صار هدفاً لسهام الله، هو وحده صار هدفاً لله. حتي صار عبئاً علي نفسه= حتي أكون علي نفسى حملاً= أي كاد يغرق تحت عبء حياته. ثم توسل إلي الله أن يغفر له ذنبه ويعود ليرضي عليه، وذلك قبل أن يموت. لأني الأن أضطجع في التراب= يقصد أنه إقترب من القبر. فإغفر قبل أن أموت ولا أتمتع برحمتك. ولا تتأخر في الغفران وإلا يكون الوقت قد مضي= تطلبني فلا أكون. وعلينا أن نصلي لتأتي رحمتك علينا وإلا هلكنا للأبد.
تفسير أيوب 6 | تفسير سفر أيوب | تفسير العهد القديم |
تفسير أيوب 8 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر أيوب | تفاسير العهد القديم |