تفسير سفر يشوع ٢٤ للقمص أنطونيوس فكري
الإصحاح الرابع والعشرون
الخطاب الوداعى الثانى أو الوصايا
الآيات (1،2): “وجمع يشوع جميع اسباط اسرائيل الى شكيم و دعا شيوخ اسرائيل و رؤساءهم و قضاتهم و عرفاءهم فمثلوا امام الرب. وقال يشوع لجميع الشعب هكذا قال الرب اله إسرائيل آباؤكم سكنوا في عبر النهر منذ الدهر تارح أبو إبراهيم وأبو ناحور وعبدوا آلهة أخرى.”
تثبت أن ما قاله يشوع كان من عند الرب. وهنا يشوع يبرز دور إبراهيم الذى نال المواعيد رغماً عن أن شعبه كان وثنياً وأبوه كان يعبد ألهة أخرى. وهذا ليؤكد لهم أن إنتسابهم لأباء قديسين أو أشرار لن يفيدهم أو يضرهم. إنما الذى يفيدهم هو طاعتهم للرب وما يضرهم هو عصيانهم. وليس حجة نتذرع بها شر أبائنا.
الآيات (3-8): “فأخذت إبراهيم أباكم من عبر النهر وسرت به في كل ارض كنعان وأكثرت نسله وأعطيته اسحق. واعطيت اسحق يعقوب و عيسو و اعطيت عيسو جبل سعير ليملكه و اما يعقوب و بنوه فنزلوا الى مصر. و ارسلت موسى و هرون و ضربت مصر حسب ما فعلت في وسطها ثم اخرجتكم. فاخرجت اباءكم من مصر و دخلتم البحر و تبع المصريون اباءكم بمركبات و فرسان الى بحر سوف. فصرخوا الى الرب فجعل ظلاما بينكم و بين المصريين و جلب عليهم البحر فغطاهم و رات اعينكم ما فعلت في مصر و اقمتم في القفر اياما كثيرة. ثم اتيت بكم الى ارض الاموريين الساكنين في عبر الاردن فحاربوكم و دفعتهم بيدكم فملكتم ارضهم و اهلكتهم من امامكم.”
تشير لإحسانات الله ووعوده لأبائهم وهكذا فى الآيات التالية.
الآيات (9،10): “وقام بالاق بن صفور ملك موآب وحارب إسرائيل وأرسل ودعا بلعام بن بعور لكي يلعنكم. و لم اشا ان اسمع لبلعام فبارككم بركة و انقذتكم من يده.”
وقام بالاق… وحارب إسرائيل = بالاق لم يحارب إسرائيل بجيوش عسكرية بل :-
- زنا بنات موآب مع الشعب.
- عودة بالاق لبلعام ليلعن الشعب.
آية (11) :- ثم عبرتم الأردن وأتيتم إلى أريحا فحاربكم أصحاب أريحا الاموريون والفرزيون والكنعانيون والحثيون والجرجاشيون والحويون واليبوسيون فدفعتهم بيدكم.
لم يسجل الكتاب كيف حاربت إريحا الشعب وربما هم بدءوا الحرب ضد الشعب وربما الحرب حدثت بعد سقوط الأسوار. وعموماً يشوع يسجل هنا أن حرباً حدثت.
الآيات (12-14): “وأرسلت قدامكم الزنابير وطردتهم من أمامكم أي ملكي الاموريين لا بسيفك ولا بقوسك. و اعطيتكم ارضا لم تتعبوا عليها و مدنا لم تبنوها و تسكنون بها و من كروم و زيتون لم تغرسوها تاكلون. فالان اخشوا الرب و اعبدوه بكمال و امانة و انزعوا الالهة الذين عبدهم اباؤكم في عبر النهر و في مصر و اعبدوا الرب.”
الزنابير = ربما تكون الزنابير حقيقية طاردت السكان وأرعبتهم. ولعلها هى روح الرعب الذى أرسله الله كما قالت رحاب. ولعلها جيش المصريين (والزنابير رمز للمصريين) الذين هاجموا المنطقة قبل دخول العبرانيين إليها بفترة فحطموا قوة ملوكها وهيأوا الطريق بذلك للشعب. فالأحداث كلها تسير بخطة إلهيه غير منظورة. مرة ثانية نجد يشوع فى الآيات السابقة يتحدث عن أمانة الله نحو شعبه وأنه إختار هذا الشعب ليكون شعباً خاصاً لهُ بدعوته لإبراهيم وبركاته المستمرة نحو هذا الشعب وإنقاذه إياهم من أيادى أعدائهم. وكل هذا ليحبوا الرب ويكون الرب هو إختيارهم الحر. يحبون الرب لإنه هو أحبهم أولاً. فالله لا يلزم احداً بمحبته فالله يقدس الحرية الإنسانية، فالله يطلب الإنسان كإبن حر يلتصق بأبيه بفرح وسرور. ويشوع يقدم نفسه مثلاً.
آية (15) :- “وأمروهم ساء في أعينكم أمروهم تعبدوا الرب فاختاروا لأنفسكم اليوم من تعبدون أمروهم كان الآلهة الذين عبدهم آباؤكم الذين في عبر النهر وأمروهم كان آلهة الاموريين الذين انتم ساكنون في أرضهم وأما أن وبيتي فنعبد الرب.”
وأما أن وبيتي فنعبد الرب = يشوع يقدم نفسه مثلاً فالعبادة تنبع من حرية كاملة.
الآيات (16-25): “فاجاب الشعب و قالوا حاشا لنا ان نترك الرب لنعبد الهة اخرى. لان الرب الهنا هو الذي اصعدنا و اباءنا من ارض مصر من بيت العبودية و الذي عمل امام اعيننا تلك الايات العظيمة و حفظنا في كل الطريق التي سرنا فيها و في جميع الشعوب الذين عبرنا في وسطهم. و طرد الرب من امامنا جميع الشعوب و الاموريين الساكنين الارض فنحن ايضا نعبد الرب لانه هو الهنا. فقال يشوع للشعب لا تقدرون أمروهم تعبدوا الرب لأنه اله قدوس واله غيور هو لا يغفر ذنوبكم وخطاياكم. واذا تركتم الرب و عبدتم الهة غريبة يرجع فيسيء اليكم و يفنيكم بعد ان احسن اليكم. فقال الشعب ليشوع لا بل الرب نعبد. فقال يشوع للشعب انتم شهود على انفسكم انكم قد اخترتم لانفسكم الرب لتعبدوه فقالوا نحن شهود. فالان انزعوا الالهة الغريبة التي في وسطكم و اميلوا قلوبكم الى الرب اله اسرائيل. فقال الشعب ليشوع الرب الهنا نعبد و لصوته نسمع. و قطع يشوع عهدا للشعب في ذلك اليوم و جعل لهم فريضة و حكما في شكيم.”
يشوع يحذرهم أن عبادة الرب تستلزم أن يكون القلب كاملاً مع الله فهو إله غيور. وإن عبدوه بحياة غير مقدسة إنما يجلبون التأديب على أنفسهم. ونلاحظ أن الله يجذبنا لنتقدم إليه بكامل حريتنا ولكنه لا يلزم الذين يريدونه.
الآيات (26-28): “وكتب يشوع هذا الكلام في سفر شريعة الله واخذ حجرا كبيرا ونصبه هناك تحت البلوطة التي عند مقدس الرب. ثم قال يشوع لجميع الشعب ان هذا الحجر يكون شاهدا علينا لانه قد سمع كل كلام الرب الذي كلمنا به فيكون شاهدا عليكم لئلا تجحدوا الهكم. ثم صرف يشوع الشعب كل واحد الى ملكه.”
الحجر شهادة = أقام يشوع حجراً كشاهد على أقواله (ويعقوب فعل نفس الشيء تك 31 : 47). كأن هذه الحجارة أو هذا الحجر شاهد على موافقتهم، فإن سكتوا تتكلم الحجارة وهناك من بإهمالهم وحبهم للخطية ورفضهم لله تصير قلوبهم أقسى من الحجارة وكأنهم حين يصمتون تنطق هذه الحجارة. هذه الحجارة أقامها يشوع وكان فى ظنه أنها لوخز ضميرهم إذا إرتدوا عن الله.
الآيات (29-31) :- وكان بعد هذا الكلام انه مات يشوع بن نون عبد الرب ابن مئة وعشر سنين، فدفنوه في تخم ملكه في تمنة سارح التي في جبل افرايم شمالي جبل جاعش، وعبد إسرائيل الرب كل أو يشوع وكل أو الشيوخ الذين طالت أيامهم بعد يشوع والذين عرفوا كل عمل الرب الذي عمله لإسرائيل.
كاتب الآيات المتبقية من سفر يشوع هو غالباً كاتب سفر القضاة فكاتب سفر القضاة إفتتح سفره بقوله وكان بعد موت يشوع. وهذا السفر قد بدأ بموت موسى حيث بدون موته لم يكن ممكناً العبور والتمتع بالميراث ويختتم هذا السفر بموت يشوع إذ بدون موت يسوع المسيح وقيامته لن يتحقق الخلاص ولذلك لم يذكر ان الشعب ندب يشوع، فيشوع يرمز للمسيح االذى بموته صار خلاص وفرح البشرية كلها.
الآيات (32-33) :- وعظام يوسف التي اصعدها بنو إسرائيل من مصر دفنوها في شكيم في قطعة الحقل التي اشتراها يعقوب من بني حمور أبي شكيم بمئة قسيطة فصارت لبني يوسف ملكا، ومات العازار بن هرون فدفنوه في جبعة فينحاس ابنه التي أعطيت له في جبل افرايم.
غالباً دُفِنَ يوسف منذ زمن ولكن ذكره هنا مع موت يشوع ومع موت العازار لهُ معنى. فموت يشوع (القائد) رمز المسيح والعازار (الكاهن) رمز المسيح يشير أن عظام يوسف لم تسترح سوى بهذا. فيوسف آمن بوعود الله لأبائه وأدرك أنه لا راحة لعظامه فى أرض الغربة ولذلك سأل إخواته أن يصعدوا عظامه إلى أرض الميراث. وهذا يشير للكنيسة المتغربة هنا التى لن تستريح تماماً إلا حين تصعد أجسادنا فى اليوم العظيم لتقيم حيث يشوع الحقيقى الجديد يسوعنا المسيح قائم. لكن فى طبيعة جديدة تليق بالأبدية وموت العاذر رئيس الكهنة يشير أن ما تحقق لنا كان بشفاعة دم المسيح الكفارية ومعنا العازار = الله يعين فالمسيح اعاننا على الميراث بدمه، يشفع فينا لدى أبيه، مقدماً إيانا أعضاء جسده المقدس.