تفسير سفر يهوديت 14 للقمص تادرس يعقوب ملطي

تعليق رأس أليفانا

 

يربط البعض بين ما حدث في هذا السفر على يديّ يهوديت وما ورد في سفر إشعياء [ص 36-37]، حيث عبَّر ربشاقي رئيس جيش أشور الله الحيّ، قائلًا: “لا يغركم حزقيا قائلًا: الرب ينقذنا. هل أنقذ آلهة الأمم كل واحدٍ أرضه من يد ملك أشور؟” (إش 36: 18). “فخرج ملاك الرب وضرب من جيش أشور مائة وخمسة وثمانين ألفًا” (إش 37: 36).

الله الذي خلص شعبه من أشور بيد ملاكه، خلصهم أيضًا بيد أرملة تقية لم تمارس الحروب، ولم يكن لديها سلاح. إنه يعمل بكل الطرق لحساب أولاده. فقد خلصهم من يد جليات الجبار وجيشه بيد الصبي راعي الغنم داود.

 

1. دعوة يَهوديت الجيش للقتال

 

1 –4.

2.أحيور يسجد عند قدمي يَهوديت

 

5 –10.

3. اليهود يهجمون على معسكر الآشوريين

 

11.

4. اكتشاف أشور قتل قائدهم

 

12 –19.

1. دعوة يَهوديت الجيش للقتال

وقالَت لَهم يَهوديت: “اِسمَعوا لي، يا إِخوَتي.

خُذوا هذا الرَّأسَ،

وعَلِّقوه على شُرفَةِ أَسْوارِكم [1].

استلمت الأرملة الصغيرة مركز القيادة، فصارت خلال حياتها التقوية المثيرة الناجحة للجيش، بل ولكل الشعب.

لقد ارتبط الجيوش قديمًا في نصرتها أو هزيمة بقائد الجيش أو الملك، فلما قطع الصبي داود رأس جليات الجبار انكسر جيش الفلسطينيين في الحال. لذات الهدف علق سكان يابيش جلعاد جسد شاول الملك ويديه على السور بالمسامير (1صم 31: 10-12). كذلك علق اليهود رأس نكانور القائد السلوقي (السوري) وذراعه اليمين على السور قبالة أورشليم (1مك7: 37؛ 2مك15: 35).

أدركت يهوديت حدوث ذعر بين معسكر الآشوريين كما سبق فحدث بين الموآبيين عند اكتشافهم قتل عجلون ملكهم (قض3: 25-30).

لعب قطع الرأس دورًا كبيرًا في تحطيم الجيوش حتى القوية، مثل قطع رأس جليات الجبار (1 صم 17: 54)، وشاول الملك (1 صم 31: 9-10)، وعائلة آخاب (2 مل 10: 7-8)، ونيكانور Nicanor (1 مل 7: 47؛ 2 مل 15: 35).

ومتى بَزَغَ الفَجرُ وطَلَعَتِ الشَّمسُ على الأَرض،

فلْيَأخُذْ كُلُّ واحِدٍ سِلاحَه،

ولْيَخرُجْ كُلُّ رَجُلٍ سَليم إلى خارِجِ المَدينة.

وأَقيموا علَيهم قائدًا،

كأَنَّكم نازِلونَ إلى السَّهلِ نَحوَ مَركَزِ بَني أَشُّورَ الأَماميّ،

ولكن لا تَنزِلوا [2].

بحكمة طلبت منهم أن يحدثوا نوعًا من الجلبة أثناء شروق الشمس دون أن يشتبكوا في أية معركة، حتى لا يتحرك الجيش الأشوري بالضرب، وإنما يتحرك لطلب مشورة قائدهم فيكتشفوا قتله!

فيأخُذُ أُولئِكَ مُعَدَّاتِهم، ويَذهَبونَ إلى مُعَسكَرِهم،

ويوقِظونَ قُوَّادَ جَيشِ أَشُّور،

فيُسرِعونَ إلى خَيمةِ أَليفانا فلا يَجِدونَه،

فيَستَولي علَيهِمِ الخَوفُ ويَهرُبونَ من وَجوهِكم [3].

أَمَّا أنتُم وجَميعُ سُكَّانِ أَراضي إِسْرائيلَ كُلِّها،

فطارِدوهم واصرَعوهم في طُرُقِهم [4].

2.أحيور يسجد عند قدمي يَهوديت

وقَبلَ أَن تَفعَلوا ذلك،

ادْعوا إِلَيَّ أَحْيورَ الأَمُّونيَّ لِيَرى ويَعرِفَ الَّذي استَهانَ بِبَيتِ إِسْرائيل،

وأَرسَلَه إِلَينا كما يُرسَلُ إلى المَوت” [5].

وسط فرح يهوديت بعمل الله الفائق، ووسط مشاركتها الشعب فرحهم وتهليلهم بانكسار العدو، لم تنسَ يهوديت ذلك الأممي التقي الذي في شجاعة شهد لله أمام أليفانا وعرّض حياته للخطر. فإن كان أليفانا قد هدده بالموت بعد أن يرى الهزيمة بعينيه، أرادت يهوديت له أن يتهلل بالله واهب الخلاص.

فدَعوا أَحْيورَ مِن بَيتِ عُزَّيَا.

فأَتى ورأى رأسَ أَليفانا في يَدِ رَجُلٍ في جَماعَةِ الشَّعْب،

فسَقَطَ على وَجهِه،

وخارَت روحُه [6].

قدمت التقية يهوديت رأس أليفانا ليراها أحبور. الرأس الذي كان يعتز بإمكانياته العسكرية وقدرته على التخطيط صار أضحوكة ومثلًا وهزءَ. الفم الذي جدّف على الله أصابه خرس دائم، وصار عاجزًا عن النطق!

ولَمَّا أَنهَضوه ارتَمى عِندَ قَدَمَي يَهوديت،

وسَجَدَ أَمامَها،

وقال: مُباركةٌ أَنتِ في خِيامِ يَهوذا كُلِّها وفي جَميعَ الأُمَم،

فإِذا سَمِعَتِ اسمَكِ ارتَعَدَت [7].

خيام يهوذا” كان هذا التعبير يطلق على المنطقة التي يسكنها اليهود حتى بعد بنائهم منازل مصنوعة من الحجارة والطوب، مستقرين في بلادهم (زك12: 7؛ عد24: 5؛ 1مل20)، إذ يليق بهم أن حياتهم رحلة عابرة حتى يدخلوا مدينة الله العليا.

والآن فأَخبِريني بِكُلِّ ما فَعَلتِ في هذِه الأَيَّام”.

فأَخبَرَته يَهوديتُ في وَسْطِ الشَّعبِ كُلِّه بِكُلِّ ما فَعَلَت،

مِن يَومِ خُروجِها إلى حينِ تَحَدُّثِها إِلَيهم [8].

ولَمَّا انتَهَت مِن كَلامِها،

هَتَفَ الشَّعبُ بِصَوتٍ عَظيم،

ومَلأَ مَدينَتَه بِصَوتِ الاِبتِهاج [9].

ورأَى أَحْيورُ كُلَّ ما فَعَلَ إِلهُ إِسْرائيل،

فآمَنَ بِاللهِ إِيمانًا راسِخًا،

وخَتَنَ لَحْمَ غُلفَتِه،

فضُمَّ إلى بَيتِ إِسْرائيلَ إلى هذا إلىَوم [10].

اجتمع الشعب ومجدوا له، ثم دعوا أحيور ليرى كيف هلك ذاك الذي استهان بالرب. ارتاع أحيور إذ رأى رأس أليفانا، وسقط بوجهه على الأرض وهامت نفسه، وإذ انتعش سجد أمام يهوديت وهو يقول: “مباركة أنتِ من إلهك في كل خيام يعقوب، وفي كل أمة يُسمع فيها باسمك يعظم لأجلك إله إسرائيل” (3:13).

تهوّد أحيور العموني ممجدًا الله الذي يخلص أولاده، ووضع رأس القائد الأشوري على السور (14). أخذ كل جندي عبراني سلاحه ثم خرجوا بجلبة عظيمة وصراخ. بادر الجواسيس إلى خيمة إليفانا وضجوا أمام مدخل المخدع إذ لم يجسر أحد أن يدخل ويوقظه. فلما جاء القواد ورؤساء الألوف وجميع عظماء جيش ملك أشور طلبوا من الحجاب أن يدخلوا ويوقظوه ويخبروه بأن الفئران قد خرجت من حجرتها واجترأت على مهاجمتهم للقتال. دخل بوغا المخدع وفوجئ بأنه جثة بلا رأس، ودخل مخدع يهوديت فلم يجدها. مزق ثيابه ووقع خوف على الجميع، وسادهم الرعب، وامتلأ المعسكر عويلًا لا نظير له.

3. اليهود يهجمون على معسكر الآشوريين

وعِندَ طُلوعِ الفَجْرِ، علَّقوا رأسَ أَليفانا على الأَسْوار،

وأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ سِلاحَه،

وخَرَجوا زُمَرًا إلى مُنحَدَراتِ الجَبَل [11].

* لماذا أتحدث عن النتيجة؟ كيف بقيت وسط الآلاف من الأعداء طاهرة. لماذا أتكلم عن حكمتها، حيث خططت مثل هذه الخطة؟ لقد اختارت القائد ليحميها من أصدقائها بضبط نفسها، وضربت العدو بالرعب، حتى يهربوا ويُقتلوا. هكذا رقة أرملة ووقارها ليس فقط أخضعت طبيعتها، بل ما هو أعظم أنها جعلت الرجال شجعان بالأكثر(118).

القديس أمبروسيوس

4. اكتشاف أشور قتل قائدهم

فلَمَّا رَآهُم بَنو أَشُّور،

أَرسَلوا رُسُلًا إلى ضُبَّاطِهم،

فجاءَ هؤُلاءِ إلى قُوَّادِهم وقُوَّادِ أُلوفِهِم وجَميعِ رُؤَسائِهم *.

فذَهَبوا إلى خَيمةِ أَليفانا

وقالوا لِلقَيِّمِ على جَميعِ أُمورِه:

“أَيقِظْ سَيِّدَنا، لأَنَّ العَبيدَ اجتَرَأُوا على النُّزولِ إلَينا لِمُحارَبَتِنا،

ومُرادُهم أَن يُفنَوا إلى آخِرِهم” [13].

لقد سخر جند الأشوريين بتحركات اليهود قائلين: “مرادهم أن يفنوا إلى آخرهم”، وجاء في الترجمة اللاتينية “قد خرجت الفئران من جحورها”.

سمع الأشوريون صيحات اليهود فحسبوها استعدادًا للتحرك للحب، ولثقتهم الكاملة في النصرة السريعة والأكيدة لم يتطلعوا نحو السور ليروا رأس قائدهم، بل تحركوا لأخذ مشورة القائد أو الإذن بالتحرك على مستوى جماعي ضخم للإبادة.

فدَخَلَ بُوغا وقَرَعَ سِتارَ الخَيمَة،

لأَنَّه كانَ يَظُنُّ أَنَّه نائمٌ مع يَهوديت [14].

واضح أن الخيمة لم تكن من جلود حيوانات، لكن غالبًا ما كانت مقامة بألواج خشبية، ولها باب خشبي قرعه الخصي بوغا.

ولَمَّا لم يَسمع أحَدًا،

أَزاحَ السِّتارَ ودَخَلَ المَضجعَ،

فوَجَدَه مَطْروحًا على العَتَبَةِ مَيتًا،

ورأسَه مَفْصولًا عنه، [15]

فصَرَخَ بِصَوتٍ عَظيمٍ

ونحيبٍ وأَنينٍ وصُراخٍ شَديد ومَزَّقَ ثِيابَه [16].

هذا هو نصيب كل متعجرف على كنيسة الله، يرى قائده جثة هامدة بلا رأس، لا حول له ولا قوة.

فقد القادة القدرة على اتخاذ قرارٍ، وانحلت قوتهم، وملك الرعب عليهم، وانهار الجيش كله.

ثُمَّ دَخَلَ الخَيمةَ الَّتي تُقيمُ فيها يَهوديت فلم يَجِدْها.

فأَسرَعَ إلى الشَّعبِ وصَرَخَ: [17]

“لقد غدَرَ العَبيدُ غَدرًا،

وامرَأَةٌ واحِدةٌ مِنَ العِبرانِيِّينَ أَلقَتِ العارَ في بَيتِ نَبوخَذنَصَّر المَلِك.

فهُوَذا أَليفانا مَطْروحٌ على الأَرضِ،

ورأسُه لَيسَ علَيه” [18].

فلَمَّا سَمِعَ قُوَّادُ جَيشِ أَشُّورَ هذا الكَلامَ كُلَّه،

مَزَّقوا قُمْصانَهم،

واضَطَرَبَت نُفوسُهمُ اضطِرابًا شَديدًا،

واَشتَّدَّ صِياحُهم وصُراخُهم كثيرًا في وَسَطِ المُعَسكَر [19].

قطعت رأس أليفانا ففقد الجيش كله رأسه، وصار كمن بلا تدبير، وحدث هرج ومرج دفع بهم إلى هزيمة رهيبة.

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى