تفسير سفر ناحوم ٣ للقمص أنطونيوس فكري

شرح سفر ناحوم – الإصحاح الثالث

الآيات (1-7):

ويل لمدينة الدماء كلها ملآنة كذبا وخطفا لا يزول الافتراس. صوت السوط وصوت رعشة البكر وخيل تخب ومركبات تقفز. وفرسان تنهض ولهيب السيف وبريق الرمح وكثرة جرحى ووفرة قتلى ولا نهاية للجثث يعثرون بجثثهم. من اجل زنى الزانية الحسنة الجمال صاحبة السحر البائعة أمماً بزناها وقبائل بسحرها. هانذا عليك يقول رب الجنود فاكشف أذيالك إلى فوق وجهك وأرى الأمم عورتك والممالك خزيك. واطرح عليك أوساخا وأهينك وأجعلك عبرة. ويكون كل من يراك يهرب منك ويقول خربت نينوى من يرثي لها من أين اطلب لك معزين.”

نجد هنا التهم الموجهة لأشور (أو الشيطان) هي مدينة دماء = (راجع المقدمة) والشيطانكان قتالاً للناس منذ البدءملآنة كذباً وخطفاً = انتشر فيها الغش في التجارة وإنعدم منها الصدق. والخطف هو السرقة. والشيطان هو الكذاب وأبو الكذاب، وهو الذي يحاول خطف أولاد الله ليفترسهم= لا يزول الإفتراسخصمكم إبليس يجول يلتمس من يبتلعه“. وبالنسبة لأشور فهم لا يعرفون كيف يشبعون فملأوا بلادهم أكاذيب وخدع بسبب أطماعهم في زيادة ممتلكاتهم. وفي (4) لأن أشور زانية = ففيها زنى جسدي وزني روحي أي عبادة أوثان. الحسنة الجمال نظراً لغناها وعظمتها وموقعها. البائعة أمماً بزناها = فهم صاروا كزانية وغشوا الشعوب بمعاهدات كاذبة وتظاهروا بالود لهم، كما تفعل الزانيات ليسقطوا الضحايا. ويظهر هذا في حوار ربشاقي بأنه يحب أورشليم وهو قاصداً تدميرها (أش16:36،17). وهم طالما غشوا الشعوب وأسقطوها وعلموها وثنيتهم وجعلوا أحاز ملك يهوذا يفسد هيكل الرب في أورشليم ويضع فيه مذبح اشوري ليساعد أشور يهوذا في حربه (2مل7:16-18). وهي صاحبة السحر = بأعمال الشياطين كانت تتعامل وبهذا باعت أمماً كثيرين واسقطتهم. هذه كانت التهم الموجهة إليهم ونأتي الآن للقضاء ضدهم. في (2) صوت السوط = هي حرب رهيبة ضدهم. والجيش المهاجم يسوق عرباته بعنف. وهذا صوت سياط قادة المراكب، أو تفسر على أن بابل هي السوط الذي به يؤدب الله أشور. وصوت رعشة البكر = البكر أي المركبات ، فكلمة بكر تعنى عجلات. وفي (3) من هول المعركة وكثرة القتلى يعثرون بجثثهم (2مل35:19) وحادثة الـ185.000 المذكورة كانت مقدمة لخراب نينوى نفسها النهائي. وفي (5) المهاجم ليس جيش بابل إنما هو الله. هأنذا عليك فأكشف أذيالك = المدينة هنا مشبهة بسيدة أصابتها أعظم إهانة فقد أفتضحت وأصبحت عارية في خجل وعار. وها أشور قد افتضح ضعفها وأنها غير قادرة على الدفاع عن نفسها. وليس هذا فقط، بل في (6) أطرح عليك أوساخاً وأهينك وأجعلك عبرة = وهذا ما حدث بالنسبة لإبليس فقد صار له رائحة نتنة جداً. وفي (7) كل من يراها يهرب منها خوفاً من أن يهلك معها. من أين أطلب لك معزين = فلا أحد يحبها حتى يعزيها وضيقها شديد لدرجة لا يصلح معه أي عزاء.

 

الآيات (8-11):

هل أنت افضل من نوامون الجالسة بين الأنهار حولها المياه التي هي حصن البحر ومن البحر سورها. كوش قوتها مع مصر وليست نهاية فوط ولوبيم كانوا معونتك. هي أيضا قد مضت إلى المنفى بالسبي وأطفالها حطمت في راس جميع الأزقة وعلى أشرافها القوا قرعة وجميع عظمائها تقيدوا بالقيود. أنت أيضا تسكرين تكونين خافية أنت أيضا تطلبين حصنا بسبب العدو.”

هنا النبي يذكرها بسقوطنو آمونفي مصر (طيبة) ومصر كانت دولة قوية جداً. فإن عشمت أشور نفسها بسلام بالرغم من تحذير الله فلتذكر أن مصر وهي كانت أقوى منها قد سقطت قبلها ولم تستطع أن تنجو من غضب الله. وكان لنو آمون 100 باب ، 20.000مركبة حربية مع خيلها وعساكرها واثار الأقصر خير شاهد لعظمتها. وكانت نو آمون قد سقطت بيد اشور بانيبال ملك أشور سنة 666ق.م. ولنلاحظ أن مما يعيننا على أن نحفظ أنفسنا في خوف مقدس من غضب الله أن نذكر أننا لسنا أفضل ممن حل بهم هذا الغضب الإلهي من قبلنا. ومصر كانت قوية فهي جالسة بين الأنهار = نهر النيل بفروعه. حولها المياه التي هي حصن البحر = فشمال مصر وشرقها لهما حماية طبيعية من البحر الأبيض والبحر الأحمر. فالبحرين لها كسور أو كحصن. وجنوبها نجد كوش، وهذه حليفة لمصر= قوتها مع مصر. وغربها نجد فوط ولوبيم أي ليبيا والقيروان وهم أيضاً حلفاء يعطون معونتهم لمصر. والمعنى أن مصر لها خيراتها الممثلة في نهر النيل وهي في حماية كاملة. وبالرغم من هذا فهي سقطت في السبي والقيود. وأشرافها صاروا للسخرية = ألقوا قرعة. وعلى أشور أن تتعظ وأن تعرف أن عليها الدور بسبب شرها وستشرب من كأس خمر غضب الله = أنت أيضاً تسكرين. تطلبين حصناً بسبب العدو = تأتي لجيرانك متذللة طالبة حمايتهم. وتكونين خافية أي تختفين وتختبئين بسبب عارك.

 

الآيات (12-19):

جميع قلاعك أشجار تين بالبواكير إذا انهرت تسقط في فم الآكل. هوذا شعبك نساء في وسطك تنفتح لأعدائك أبواب أرضك تأكل النار مغاليقك. استقي لنفسك ماء للحصار اصلحي قلاعك ادخلي في الطين ودوسي في الملاط اصلحي الملبن. هناك تاكلك نار يقطعك سيف ياكلك كالغوغاء تكاثري كالغوغاء تعاظمي كالجراد. أكثرت تجارك اكثر من نجوم السماء الغوغاء جنحت و طارت. رؤساؤك كالجراد وولاتك كحرجلة الجراد الحالة على الجدران في يوم البرد تشرق الشمس فتطير ولا يعرف مكانها أين هو. نعست رعاتك يا ملك أشور اضطجعت عظماؤك تشتت شعبك على الجبال ولا من يجمع. ليس جبر لانكسارك جرحك عديم الشفاء كل الذين يسمعون خبرك يصفقون بأيديهم عليك لأنه على من لم يمر شرك على الدوام.”

تصوير لضعف أشور أمام هجوم الأعداء فحصونها كأشجار تين  مملوءة تيناً من البواكير أي أحلى تين. والمعنى أنهم سيأكلونها. والأكل هنا هو جيش بابل. وسيأكل كل غناها. وفي (13) شعبها وجيشها في منتهى الضعف فهم كالنساء. تنفتح لأعدائك أبواب أرضك أي كل الطرق المؤدية للمدينة. وفي (14) عليها أن تستقي ماء استعداداً للحصار. وأيضاً عليها أن تصلح قلاعها = أي تحصنها أدخلي في الطين ودوسي في الملاط = أبذلي كل جهد من أجل تحصين قلاعك. الملبن= فرن الطوب. طبعاً كل هذا بأسلوب تهكمي أي مهما فعلت لتحصين نفسك فهو بلا فائدة، فكل هذه المحاولات دون جدوى. ففي (15) هناك تأكلك نار. ويكون خرابك كحقل أكله الجراد = الغوغاء. وحتى لو زادت في أعداد جيشها فصار كالجراد فلا أمل. وفي (16) لأنها مدينة عظيمة فكان التجار فيها من كل أنحاء العالم، كثيرين جداً ولكن في وقت محنتهم صار هؤلاء التجار كالجراد، أخذوا أموالهم وهربوا ولم يبذلوا أي جهد في الدفاع عن المدينة = الغوغاء جنحت وطارت. وفي (17) إذا كانوا معتمدين على رؤسائهم فرؤسائهم كحرجلة الجراد = أي سرب الجراد تافهون جداً. يحتشدون ولكن حينما تشرق الشمس يطير ويهرب = فالجراد مع طلوع الشمس يطير ويرحل باحثاً عن حقول جديدة يأكلها. إذاً الجيش والقادة والتجار والعظماء سيهربون ويختفون مثل جيش الجراد حينما تظهر بابل بقوتها. وفي (18) عظماؤها نعسوا واضطجعوا = أي ماتوا ودفنوا، وحينما ضرب الرعاة تشتت الرعية = تشتت شعبك على الجبال. وفي (19) هي ضربة بلا شفاء. بل أن كل من حولها سيفرح لسقوطها ويشمتون فيها.

وهناك تأمل روحي: هذه الآيات التي تصور سقوط أشور أو الشيطان نرى أن أي خاطئ يستمر في خطيته بلا توبة يكون [1] كشجرة تين يهزها العدو فيبتلع كل طاقاتها أي يكون مأكلاً للعدو [2] يتحول قلبه إلى الجبن فيسقط أمام أصغر الخطايا [3] تنفتح أبواب حواسه لتصير أعماقه ملهى للشيطان، وتدخل الخطايا الكبيرة [4] عوض الحرية يصير ذليلاً [5] يلتصق بالأرضيات كمن يدوس في الوحل [6] تحرقه نيران الخطية ويحطمه سيفها [7] يفقد قادته دورهم ليعيش محطماً تماماً والقادة هم العقل والإرادة والعاطفة [8] يكون بلا جيش ، غير قادر على الحرب الروحية.

 

تعليق على سفر ناحوم

خراب نينوى:

ورد في سنكسار يوم 5 كيهك يوم نياحة ناحوم النبيأن الرب أرسل زلزالاً وناراً فدمرت وأحرقت الشعب..” وبذلك يكون خراب نينوى تم عن طريق:

1.     زلزال ويتضح هذا من 

(5:1)  الجبال ترجف منه والتلال تذوب.

(3:2) السرو يهتز.

(12:3) جميع قلاعك أشجار تين بالبواكير إذا إنهزت تسقط في فم الآكل.

2.     طوفان ويتضح هذا من

(8:1) بطوفان عابر يصنع هلاكاً تاماً لموضعها.

(6:2) أبواب الأنهار انفتحت.

(8:2) نينوى كبركة ماء.

وقبل أن تنهار الأسوار بفعل الزلزال والطوفان كان هناك حصار مؤلم.

(14:3) استقي لنفسك ماءً للحصار.

3.     نار أحرقت كل شئ ويتضح هذا من 

(6:1) غيظه ينسكب كالنار.

(10:1) فإنهم وهم مشتبكون مثل الشوك مجتمعون داخل الأسوار يؤكلون كالقش اليابس بالكمال (بالنار).

(3:2،4) ترس أبطاله محمر. رجال الجيش قرمزيون (من إنعكاس لون النار الأحمر على التروس والملابس).. منظرها كمصابيح تجري كالبروق.

(10:2) أوجه جميعهم تجمع حمرة.

(13:2) ها أنا عليك يقول رب الجنود فأحرق مركباتك.

(3:3) ولهيب السيف وبريق الرمح.

(13:3) تأكل النار مغاليقك.

(15:3) هناك تأكلك نار.

وخراب نينوي بالطوفان والنار أي ماء ونار شئ غريب، فالماء والنار لا يجتمعان ولكن هذا قد رأيناه في قرية من قرى أسيوط منذ عدة أعوام. حين حدثت سيول شديدة جرفت في طريقها خزانات وقود فكسرتها وطفا البترول على وجه الماء واشتعل وحملت المياه البترول المشتعل إلى داخل البيوت فأحرقت القرية بالكامل. وفي نينوى غالباً فإن الزلزال فضلاً عن أنه حطم الأسوار فأنه فجر أبار البترول في هذه المناطق المعروفة بغناها بأبار النفط فأشتعلت ودخل البترول المحمول بمياه الطوفان ليدمر المدينة العظيمة نينوى ويحرقها تماماً. 

وكما قلنا فإن نينوى ترمز لإبليس في شرورها ودمويتها ولقد صدر ضد إبليس حكم بإن يلقى في البحيرة المتقدة بالنار (رؤ10:20).

وبعد هلاك إبليس سيكون هناك راحة أبدية لشعب الله (وهذا معنى اسم ناحوم) وهذا بدأ جزئياً بالصليب. فلقد استخدم الله إبليس ليؤدب البشر بسبب خطاياهم فأذلهم إبليس. لكن بعد أن يهلك إبليس في البحيرة المتقدة بالنار لا يعود يذل شعب الله ثانياً (نا12:1) وستعيد إسرائيل أي شعب الله في أفراح أبدية (نا15:1) إذ أن المهلك إبليس لا يعود يعبر بل قد انقرض كله. والرب سيرد عظمة إسرائيل (شعبه في العهد القديم والعهد الجديد) (نا2:2) وسيعود شعب الله لسابق مجده أيام الفردوس بل سيصيروا في هيئة مجد المسيح (في21:3).

فاصل

فاصل

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى