تفسير سفر الأمثال ١٢ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير الأمثال – الإصحاح الثاني عشر
آية (1): “من يحب التأديب يحب المعرفة ومن يبغض التوبيخ فهو بليد.”
من يحب التأديب يطلب الحق ذاته لذلك يقبل أن يتعلم ولكن مدعي المعرفة متكبر يريد أن يظهر ذاته ويتعالى على الآخرين فيرفض التعليم. بليد= بمعنى جاهل وغبي.
الآيات (2،3): “الصالح ينال رضى من قبل الرب أما رجل المكايد فيحكم عليه. لا يثبت الإنسان بالشر أما اصل الصديقين فلا يتقلقل.”
وجه الرب يضئ على الرجل الصالح ويثبت طريقه ويباركه ويبارك نسله. فلا شئ ثابت في هذا العالم سوى طريق الله الصالح. أما طريق الشر فلا يثبت بل سيدينه الله ويحكم عليه= أي يعلن أنه شرير ويلعنه فيسقط مهما كان نجاحه وقتياً.
آية (4): “المرأة الفاضلة تاج لبعلها أما المخزية فكنخر في عظامه.”
المرأة الفاضلة= القديسة العفيفة. ومن أعطاه الله زوجة صالحة يكون سعيداً كما لو كان جالساً على عرش فهي ليست أقل من تاج على رأسه.
الآيات (5-7): “أفكار الصديقين عدل تدابير الأشرار غش. كلام الأشرار كمون للدم أما فم المستقيمين فينجيهم. تنقلب الأشرار ولا يكونون أما بيت الصديقين فيثبت.”
الأفكار الصحيحة تنشئ أقوالاً وأفعالاً صحيحة. والعكس صحيح. والله يجازي أصحاب هذه وتلك بحسب أفكارهم. والشرير بكلامه الشرير عن الأبرياء يكون كمن يكمن للبار ليقتله (إساءة سمعة إنسان هي قتل أدبي له) أما كلام البار عنه فينجيه.
آية (8): “بحسب فطنته يحمد الإنسان أما الملتوي القلب فيكون للهوان.”
الإنسان الحكيم يكون موضع حمد ومديح الناس.
آية (9): “الحقير وله عبد خير من المتمجد ويعوزه الخبز.”
هذه الآية ضد التظاهر، فلا معنى لمن ينسب لنفسه ما ليس له. المتمجد= هو الذي يُسَّرْ بمظاهر العظمة والغنى، ربما لأنه ولد في بيت غني ولكن لكسله لا يعمل فيفتقر فهو في حقيقته فقير ولكنه مازال مصراً على المظهرية، هذا أفضل منه الفقير القادر أن يعول نفسه بعمله بل استطاع أن يقتني خادماً يساعده وفي عمله.
آية (10): “الصديق يراعي نفس بهيمته أما مراحم الأشرار فقاسية.”
الصديق= كلما كان الإنسان باراً سائراً في طريق الله فهو يتشبه بالله، أو يستعيد الصورة التي خلقه الله عليها أي صورته (غل19:4) ومن يتشبه بالله يصير رحيماً حتى على الحيوانات. ونلاحظ أن القسوة والإثم يسيران معاً. مراحم الأشرار قاسية= الشرير حتى لو أراد أن يمارس الرحمة يكون عمله قاسياً. ونلاحظ هذا مثلاً مع بيلاطس الذي إذ أراد أن يرحم المسيح قال أؤدبه وأطلقه وهو يعلم أنه برئ.
آية (11): “من يشتغل بحقله يشبع خبزاً أما تابع البطالين فهو عديم الفهم.”
هنا مقارنة بين من يجتهد ويعمل وبين من يضيع وقته وراء أشياء لا قيمة لها. وتنطبق الآية على من يجاهد روحياً في الحياة الحاضرة وأن ذلك أفضل من السعي وراء ملذات العالم.
آية (12): “اشتهى الشرير صيد الأشرار واصل الصديقين يجدي.”
الشرير يشتهي خطايا الأشرار. أما الصديق فيثق في الله ثقة مقدسة ويتمنى أن يكون شجرة مفيدة بثمارها لكل إنسان. يجدي= يكون كشجرة مثمرة (ترجمة أخرى).
آية (13): “في معصية الشفتين شرك الشرير أما الصديق فيخرج من الضيق.”
الشرير يؤخذ بأقوال فمه التي تكون له كشرك، فالله يتركه يسقط بسبب أقواله الباطلة في شرور كثيرة تصيبه. أما الصديق في يوم ضيقه يجد الله له مخلصاً قوياً.
آية (14): “الإنسان يشبع خيراً من ثمر فمه ومكافأة يدي الإنسان ترد له.”
هنا يحثنا الحكيم على أن تكون أقوالنا وأعمالنا جيدة لكي يكافئنا الله. وهنا يشبه الحكيم كلام الإنسان بالبذور التي تبذر، فإن كان كلامه صالحاً فسيجني ثماراً مماثلة. ومكافأة يدي الإنسان ترد له= هنا يتكلم عن الأعمال، فإن كانت أعمالنا صالحة نجني صلاحاً.
الآيات (15،16): “طريق الجاهل مستقيم في عينيه أما سامع المشورة فهو حكيم. غضب الجاهل يعرف في يومه أما ساتر الهوان فهو ذكي.”
هنا صفتين للجاهل [1] هو حكيم في عيني نفسه، متكبر، واثق من نفسه، يرفض أن يتعلم [2] الصفة الثانية أنه سريع الإنفعال لا يحتمل أخطاء الآخرين بل يندفع بأقوال صعبة فيخطئ= غضبه يعرف في يومه. فالحكيم يسيطر على غضبه أما الأحمق فيسيطر عليه غضبه. أما الحكيم فهو يضبط نفسه إذا أثير أو أهين، بل هو يستر على أخطاء الآخرين مثل سام ويافث اللذان سترا أبيهما. ساتر الهوان= ساتر الفضيحة. فالحكيم هو مثل كل إنسان، إذا أهين فمن المؤكد أنه سيثور ولكنه سيكتم ثورته ولا يظهر غضبه، بل يتحكم فيه، فيكون قلبه ثائراً ولكنه يضبط لسانه. وهو إذا أهين لا يتكلم كثيراً عن جرحه وإهانته بل يخفي ما حدث حتى لا تتضاعف أحزانه.
الآيات (17-22): “من يتفوه بالحق يظهر العدل والشاهد الكاذب يظهر غشاً. يوجد من يهذر مثل طعن السيف أما لسان الحكماء فشفاء. شفة الصدق تثبت إلى الأبد ولسان الكذب إنما هو إلى طرفة العين. الغش في قلب الذين يفكرون في الشر أما المشيرون بالسلام فلهم فرح. لا يصيب الصديق شر أما الأشرار فيمتلئون سوءاً. كراهة الرب شفتا كذب أما العاملون بالصدق فرضاه.”
نجد هنا مقارنة بين شفتي الصدق واللسان الكاذب. فالقول الحق يظهر أن قلب صاحبه مستقيم. أما الإنسان الذي يمتلئ قلبه حقداً تكون أقواله جارحة كالسيف يطعن القلوب الحساسة. وأيضاً من يغتاب الآخرين يكون كمن يطعنهم. ففي آية (17) يتكلم عن الشهادة الصادقة وأنها تصرح بالحق وفي (18) يتكلم عن الحاد اللسان والرقيق اللسان وفي (19) مصير كل نوع من الشفاه وفي (20) نرى أن الغش مصدره القلب والفكر أولاً أما المشيرون بالسلام فلهم فرح= طوبى لصانعي السلام. وفي (21) مصير البار ومصير الشرير.
آية (23): “الرجل الذكي يستر المعرفة وقلب الجاهل ينادي بالحمق.”
الرجل الذكي لا يتكلم كثيراً عن نفسه، ولكنه يتكلم إذا وجد أن هناك حاجة لتعليمه ويتكلم لا ليعلن عن نفسه بل ليشهد للحق. أما الأحمق فيتكلم كثيراً وكلما تكلم يفضح نفسه.
آية (24): “يد المجتهدين تسود أما الرخوة فتكون تحت الجزية.”
هذه الآية حث على الجهاد. فالمجتهد يده تسود وهو يعيش حراً لا يخضع لغيره أما الكسلان فسيصير فقيراً ويسود عليه المجتهد فيصير عبداً له يدفع له الجزية.
آية (25): “الغم في قلب الرجل يحنيه والكلمة الطيبة تفرحه.”
الكلام الطيب مصدر تعزية. لذلك يجب أن يكون كلامنا مملوء عطفاً على الناس حتى لا نكون سبباً في غمهم وألمهم، ومع كل مكسور القلب يجب أن نستخدم كلمة الله المعزية.
آية (26): “الصديق يهدي صاحبه أما طريق الأشرار فتضلهم.”
الإنسان القديس بقدوته وكلماته يرشد ويهدئ أصدقائه والشرير يُعْثِرْ الآخرين.
آية (27): “الرخاوة لا تمسك صيداً أما ثروة الإنسان الكريمة فهي الاجتهاد.”
حث على الاجتهاد. فالكسلان يموت جوعاً ولا يجتهد ليصيد صيدً فيأكل.
آية (28): “في سبيل البر حياة وفي طريق مسلكه لا موتفي سبيل البر حياة وفي طريق مسلكه لا موت.”
سبيل البر= سبيل القديسين كله حياة ويؤدي للحياة. هذه الآية هي دعوة لكل واحد أن يختار طريق الله فيضمن حياة لنفسه. وهذا هو الطريق الذي سلكه قبلنا أباؤنا القديسين والشهداء فصاروا أنواراً وكانت حياتهم هنا على الأرض أفضل ولهم الآن حياة في السماء.
تفسير أمثال 11 | تفسير سفر الأمثال | تفسير العهد القديم |
تفسير أمثال 13 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر الأمثال | تفاسير العهد القديم |