تفسير سفر الأمثال ٢١ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير الأمثال – الإصحاح الحادي والعشرون
آية (1): “قلب الملك في يد الرب كجداول مياه حيثما شاء يميله.”
المعنى أن الله يسيطر على الملوك كما يتحكم الساقي في حفر جداول الماء. والإشارة هنا لطريقة الري التي كانت متبعة في الشرق، فجدول الماء يوجد أمامه عدد من القنوات وكل قناة تسقي أرضاً معينة ولكن هذه القنوات لها سد يغلقها أمام كل قناة. والساقي يفتح السد الذي يريده فتجري المياه تروي الأرض المطلوبة، والمياه تشير للخير. والمثل يعني أن الله في يده أن يجعل الملك يفيض بالخير على الأشخاص الذين يريد الله أن يكافئهم (عز27:2 + أحشويروس مع أستير واليهود + كورش وملاطفته للشعب بعد أن رأي نبوات أشعياء وأرمياء عنه. والله قادر أن يقسي قلوب الملوك كما حدث مع فرعون + رؤ17:17). ونفهم الآية أن الله قادر أن يتحكم في قلوب الملوك، بل في قلب أي إنسان ويقنعه بما يريد.
آية (2): “كل طرق الإنسان مستقيمة في عينيه والرب وازن القلوب.”
الإنسان يميل أن يبرز ذاته ويتسامح مع نفسه ولكنه يدين الآخرين بشدة. ولكن ليس المهم نظرتي أنا لنفسي بل نظرة الله إلىّ (1كو4:4) وربما ليس سهلاً أن اعترف أنني مخطئ وخصمى هو المحق. ولكن المهم والحيوي لنفوسنا أن نقف كخطاة أمام الله وهو يحكم بحسب رحمته.
آية (3): “فعل العدل والحق افضل عند الرب من الذبيحة.”
الله لا يُسَّرْ بالذبائح إذا انعدمت الاستقامة من القلب، فالله لا يحب الممارسات الشكلية بينما القلب غارق في فساده (مز16:51،17 + 1صم22:15 + أش11:1 + هو6:6 + مي7:6،8 + مر33:12).
آية (4): “طموح العينين وانتفاخ القلب نور الأشرار خطية.”
طموح العينين= الترجمة الأصلية النظرة المتعالية. انتفاخ القلب= القلب المتكبر. نور الأشرار هو ما يبدو حميداً من المتكبر لكنه لأنه صادر من متكبر فهو خطية. فالمتكبر لا يصنع شيئاً لمجد الله بل لمجد نفسه ولزيادة إعجاب الناس به ولإشباع شهوته المتكبرة. الجذر الفاسد تكون فروعه فاسدة.
الآيات (5-7): “أفكار المجتهد إنما هي للخصب وكل عجول إنما هو للعوز. جمع الكنوز بلسان كاذب هو بخار مطرود لطالبي الموت. اغتصاب الأشرار يجرفهم لأنهم أبوا إجراء العدل.”
الغنى المحصل بالأمانة والكد يسر صاحبه أما من يريد الكسب السريع= العجول بالغش والاغتصاب فلن يجد بركة بل تعاسة وشقاء بل سيفقد كل شئ ويفتقر. وغناه سيكون وقتياً. إغتصاب الأشرار يجرفهم= ظلم الأشرار سيجرفهم كما في شبكة فهم عرضوا أنفسهم لغضب الله فلم يعد يحميهم، وعرضوا أنفسهم لحقد الآخرين وطمع الأشرار فيهم وعرضوا أنفسهم لصراخ الذين ظلموهم.
آية (8): “طريق رجل موزور هي ملتوية أما الزكي فعمله مستقيم.”
رجل موزور= رجل أثيم صاحب أوزار. ومثل هذا طرقه كطرق الحية كلها مكر وضد الشرف.
آية (9): “السكنى في زاوية السطح خير من امرأة مخاصمة وبيت مشترك.”
أن يسكن الإنسان في علية فوق السطح، هذا أفضل من السكن في بيت فخم مع امرأة مخاصمة كثيرة الشجار فتفقد البيت سلامه، وأطفالها يتعلمون عدم احترام الوالدين ويسخر منهم جيرانهم. وما أحلى بيوت أولاد الله بيوت الطهارة والصلاة والمحبة والبركة.
آية (10): “نفس الشرير تشتهي الشر قريبه لا يجد نعمة في عينيه.”
صاحب النفس الشريرة تكون عينه شريرة غير بسيطة، هذا يتلمس سقطة حتى لقريبه مهما كان باراً، هذا لن ينجو أحد من عينيه الشريرة التي تبحث عن كل سقطة.
آية (11): “بمعاقبة المستهزئ يصير الأحمق حكيماً والحكيم بالإرشاد يقبل معرفة.”
قارن مع (1تي20:5). فمن يستهزئ بالعقيدة وبالوصايا يجب مقاومته علانية حتى لا ينخدع البسطاء وينجذبوا إلى طريقه الفاسدة.
آية (12): “البار يتأمل بيت الشرير ويقلب الأشرار في الشر.”
البار لا يحسد الشرير على نجاحه الوقتي فهو يعرف أنه لا فائدة من وراء الشر. ويقلب الأشرار في الشر= المقصود أن الله هو الذي يقلب الأشرار في الشر. وفي الترجمة الإنجليزية الآية كلها منسوبة لله فالبار هو الله الذي يتأمل بيت الشرير ليعاقبه على شره.
آية (13): “من يسد أذنيه عن صراخ المسكين فهو أيضاً يصرخ ولا يستجاب.”
الغني الذي حرم لعازر من الطعام حُرِم من نقطة ماء وهو في الجحيم (عكس هذا السامري الصالح).
آية (14): “الهدية في الخفاء تفثأ الغضب والرشوة في الحضن تفثأ السخط الشديد.”
تفثأ الغضب= أي يسكنه ويكسر حدته. ولا شئ يكسر حدة الغضب سوى فعل الخير للشخص الذي ينوي السوء. بشرط أن تكون الهدية (مسماة هنا رشوة) في الخفاء حتى لا يفهم أنها تّصُّنَعْ وخديعة وليست حقيقة من القلب للتصالح. وما يجري سراً لا يمكن تأويله وتحريفه والتصوير هنا كأن الغضب هو نفخ في بالونة والهدية كأنها ثقب فيها (أبيجايل وهديتها ويعقوب وعيسو).
آية (15): “إجراء الحق فرح للصديق والهلاك لفاعلي الإثم.”
الإنسان البار يسر بالبر بينما الظالم يعتقد أن العدالة الأدبية قد تؤدي للتلف والخراب (رؤ9:18). بل إن البار يفرح حين تطبق الحكومة قوانين صارمة ضد الشر، أما الشرير فيري في هذا خرابه. الهلاك لفاعلي الإثم= فاعلي الإثم مصيرهم الهلاك.
آية (16): “الرجل الضال عن طريق المعرفة يسكن بين جماعة الأخيلة.”
الأخيلة= الموتى. ومن يضل عن طريق الله يموت “لك اسم انك حي وأنت ميت”. يسكن= بمعنى يستقر وسط جماعة الهاوية. الرجل الضال= من عرف طريق الله ثم إرتد عنه فمصيره الجحيم.
آية (17): “محب الفرح إنسان معوز محب الخمر والدهن لا يستغني.”
محب الفرح= محب اللذات. محب الخمر والدهن= محب الإنغماس في اللذات. لا يستغني= سيفتقر هذا ما حدث مع الابن الضال ويحدث لكل مسرف.
آية (18): “الشرير فدية الصديق ومكان المستقيمين الغادر.”
الشرير فدية الصديق= العدالة تقول أن المجرم يجب عقابه لكي ينجو البرئ. والله يقطع الشرير ليعطي نجاة للبار. بل نرى أن الله كثيراً ما وضع الشرير مكان البار (هامان صُلِبَ على الصليب الذي أعده لمردخاي). وعقوبة عاخان كان فيها نجاة لإسرائيل البرئ. مكان المستقيمين الغادر=أي الله يضع الغادر الشرير مكان المستقيم الذي دبرت ضده المؤامرة والعجيب أن المسيح البار أخذ مكاننا نحن الخطاة لينجينا ونحن أشرار.
آية (19): “السكنى في ارض برية خير من امرأة مخاصمة حردة.”
ارض برية= أرض مقفرة، امرأة حردة= غضوب. وهذه تخلق التعاسة لبيتها.
آية (20): “كنز مشتهى وزيت في بيت الحكيم أما الرجل الجاهل فيتلفه.”
الكنز المشتهى= الثروة المطلوبة وقت الحاجة. الزيت= كناية عن الخير والوفرة. والحكيم بتدبيره وإنفاقه بحكمة وباجتهاده وببركة إلهه معه لن يعوزه شئ. والعكس مع الجاهل الذي لا يفكر غير في لذة اللحظة الحاضرة فيضيع كل ما يملك ويفتقر ولا يعمل حساب المستقبل (الابن الضال).
آية (21): “التابع العدل والرحمة يجد حياة حظاً وكرامة.”
كلمة حظ مترجمة في الإنجليزية بر. فأن نسلك بالعدل والرحمة فهذا هو الطريق لنحيا في كرامة وتكون لنا حياة أفضل. والسيد المسيح طلب منا أن نطلب أولاً ملكوت الله وبره وهذه الباقية ستزاد لنا (مت33:6) فمن يطلب ملكوت الله وبره تزاد له الحياة والكرامة. والعدل الذي يجب أن نسلك فيه هو البر، فأن نحاول أن نسلك بالبر (جهاد) يعطينا الله حياة كلها بر (نعمة). فمن يسعى وراء البر سيجد البر لأن الله سيعطيه نعمة أن يسلك في البر.
آية (22): “الحكيم يتسور مدينة الجبابرة ويسقط قوة معتمدها.”
يتسور= يتسلق أو يسقط سور المدينة ليهزمها وهذا ما حدث مع داود حين أسقط مدينة يبوس (أورشليم) وسقطت بابل بأسوارها المنيعة أمام كورش. وهكذا تنطبق الآية على أعدائنا الروحيين (2كو4:10). فالله يعطينا حكمة نقهر بها أعدائنا الروحيين.
آية (23): “من يحفظ فمه ولسانه يحفظ من الضيقات نفسه.”
أهمية السيطرة على اللسان (يع3) فالأقوال غير الحكيمة تسبب مشاكل كثيرة.
آية (24): “المنتفخ المتكبر اسمه مستهزئ عامل بفيضان الكبرياء.”
الكبرياء تعرض الإنسان للخطية فهي تسبب غضباً كله كبرياء لأقل إهانة ويندفع هذا المتكبر الغاضب في سيل من الإهانات وكلمات الوعيد لمن أخطأ في حقه وهذا يعرض المتكبر لسخرية الناس ويصبح له اسماً سيئاً وسمعة رديئة ويسمونه المستهزئ أو المنتفخ.
الآيات (25،26): “شهوة الكسلان تقتله لأن يديه تأبيان الشغل. اليوم كله يشتهي شهوة أما الصديق فيعطي ولا يمسك.”
الكسلان يشتهي ولكنه لا يعمل ليحص على شئ، كله أمال ولكنه لا يسعى، أما المجتهد فهو يعمل ويكسب ويشبع بل يسد أعواز المحتاجين لأنه يتبقي عنده ما يعطيه لهم. وإذا كان المجتهد باراً أي صِدِّيقاً فهو يتشبه بإلهه يعطي بسخاء ولا يعير. أما الكسول فلا يعمل ويحسد من يعمل وصار له الخير، وحسد الكسول يقتله غيظاً. ولاحظ فالكسول يريد أن يأخذ، والبار طبعه العطاء.
آية (27): “ذبيحة الشرير مكرهة فكم بالحري حين يقدمها بغش.”
يقدمها بغش= بقصد شرير. فذبيحة الأثيم التي يقدمها وهو غير تائب تكون بغيضة وهذا ما حدث مع قايين. مثل هذا يبحث عن المظاهر، حتى يراه الناس، وهكذا صامت إيزابل الشريرة وهكذا نذر إبشالوم ليستروا حياتهم الشريرة. ولذلك وبخ سيدنا الفريسيين الذي اهتموا بالمظاهر وإطالة صلواتهم وسلبوا الأرامل.
الآيات (28،29): “شاهد الزور يهلك والرجل السامع للحق يتكلم. الشرير يوقح وجهه أما المستقيم فيثبت طرقه.”
شاهد الزور= قد يصل لغرضه مؤقتاً ولكن هلاكه قادم أكيداً. فعلي الأقل حين ينكشف أنه شاهد زور قد يعاقب أو على الأقل يتلوث اسمه وسمعته. ولكنه إذا حلف كذباً فالله لابد وسيعاقبه. الرجل السامع للحق يتكلم= من يتكلم بالحق طبقاً لما سمعه وهذا يذكر قصة واحدة لا تتغير ويتكلم بثبات وثقة تجعل الناس يسمعونه بثقة. الشرير يوقح وجهه= الشرير الذي لا يهتم بقانون أو بشريعة إلهية يصلب وجهه ويقسيه حتى ضد صوت ضميره وضد إنذارات الله لمن هم مثله ويواصل أقواله وشهادته الزور والزائفة وطرقه الملتوية. أما الرجل المستقيم= هذا لا يبحث ماذا يجب أن يقال أو ماذا كان يجب أن يقال ولكنه يقول ماذا يرضى الله وماذا يرضى ضميري هذا سأقوله، الحق فقط هو ما يجب أن أقوله لذلك فهو يعرف طريقه ويوجهه بأمان دون تفكير ملتوي وبلا تخبط.
الآيات (30،31):”ليس حكمة ولا فطنة ولا مشورة تجاه الرب.الفرس معد ليوم الحرب أما النصرة فمن الرب.”
مشورة الرب لن تنهزم أمام أي أعداء مهما كانت مكائدهم (مز3:27 + 2أي11:14-13). ولنلاحظ أن كل حكمة وكل قوة هي صادرة من الله، فكيف تستخدم أي حكمة أو أي قوة ضد مشورة الله. والفرس تشير لقوة الحرب فهو يستخدم في الحروب. وكان الآسيويون يستخدمون الفرس في الحروب والثور في حرث الأرض والحمير والجمال في رفع الأثقال والبغال في الحروب، وقد أدخل سليمان الجياد في الحرب. وكان الله قد منع ذلك (تث16:17) ولكنه هنا يعترف بأن الفرس وقوة الحرب هي باطل ولا شئ والنصرة فمن الرب.
تفسير أمثال 20 | تفسير سفر الأمثال | تفسير العهد القديم |
تفسير أمثال 22 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر الأمثال | تفاسير العهد القديم |