تفسير المزمور ٥ للقس أنطونيوس فكري
المزمور الخامس
هذا المزمور رتله داود وهو ممتلئ مرارة من أخيتوفل ومن شابهه، الذين كانوا أصدقاء ومخلصين له ثم شعر بخيانتهم له. وهذا ما حدث للمسيح إذ خانه تلميذه يهوذا وقام عليه من شفاهم وكان يجول وسطهم يصنع خيراً، طالبين صلبه، وكانوا يستهزئون به. وهناك من يرون أن الشخص الخائن هنا القائم ضد المسيح هو رمز لضد المسيح الذي سيأتي في نهاية الأيام.
ونجد في هذا المزمور تضاد بين الخيرات التي ينالها ابن الله الذي يحتمي بهيكل قدس الله وبين الأخطار التي تحيق بالأشرار. والمزمور يبدأ أيضاً بصورة المفرد وينتهي بصورة الجمع، ففي عبادتنا لا يمكن الفصل بين العبادة الفردية والعبادة الجماعية.
آية (1): “لكلماتي أصغ يا رب. تأمل صراخي.”
لكلماتي إصغ يا رب= هي صرخة داود في ألمه، وصرخة كل إنسان لله الذي يثق في أن الله يسمع ويخلص، هي صرخة الكنيسة عموماً التي تثق في عريسها أنه يستجيب. إسمع صراخي= هو صراخ القلب. فالله قال لموسى مالك تصرخ إلىّ هكذا” وهم لم يصرخ على الإطلاق (خر15:14). ولذلك جاءت كلمة صراخي بمعنى فكري (الكتاب بشواهد).
آية (2): “استمع لصوت دعائي يا ملكي وإلهي لأني إليك أصلي.”
في آية (1) قال يا رب وهنا يقول يا ملكي وإلهي. وهذا التكرار المثلث يشير للثالوث. فنحن نصلي للآب وصلاتنا مشفوعة بشفاعة المسيح الكفارية وبأنات الروح القدس (الروح لا يئن بل بعمله فينا نحن نئن شاكرين ومسبحين). ولذلك يقول داود يا رب (وذلك لأن اليهود يعرفونه). داود هنا يمثل الكنيسة التي تعرف الابن والروح القدس فتقول ملكي وإلهي. ولم تقل يا ربي فهي الوحيدة التي تعرفت على الابن وعلى الروح. والتكرار يشير أيضاً إلى لجاجة داود في صلاته.
آية (3): “يا رب بالغداة تسمع صوتي. بالغداة أوجه صلاتي نحوك وانتظر.”
بالغداة تسمع صوتي= أي في الصباح فأول عمل يعمله هو الصلاة (لذلك نصلي هذا المزمور في صلاة باكر). والغد يشير لعهد النعمة المشرق المملوء فرحاً بخلاص الرب يسوع وأحضانه المفتوحة لنا. أما البارحة فتشير للعهد القديم. والغد يشير للحياة الأبدية حياة التسبيح الدائم. ونصلي دائماً كل صباح متوقعين مراحم الرب الجديدة كل صباح. والصباح يشير للقيامة سبب كل بركة لنا. ويشير للتبكير في الصلاة لتكريس اليوم كله لله وهذا يعطي سلام لنا وبركة لليوم كله.
آية (4-6): “لأنك أنت لست إلهاً يسر بالشر. لا يساكنك الشرير. لا يقف المفتخرون قدام عينيك. أبغضت كل فاعلي الإثم. تهلك المتكلمين بالكذب. رجل الدماء والغش يكرهه الرب.”
لنحرص قبل أن نقف أمام الله أن نكون في حالة استعداد وندم على خطايانا، وفي حالة توبة من كل إثم وشر ومخالفة للناموس وكذب وسفك دم وغش. هكذا قال المسيح “إذا قدمت قربانك…. (مت23:5،24). ورجل الدماء والغش هنا قد يشير للشعب اليهودي الذي صلب المسيح. وقد يشير لضد المسيح وأتباعه الأشرار. هنا نرى ليل وسواد الخطية ولذلك أتى المسيح نور العالم بعدما إسودَّ العالم. وكأن داود في هذا الوصف يصور نفسه يقف كل صباح ينتظر أن يشرق نور المسيح.
آية (7): “أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك. أسجد في هيكل قدسك بخوفك.”
هذه الآية نقولها دائماً عند دخولنا للكنيسة. وداود هنا يقول أنه يدخل بيت الله عكس الأشرار الذين ذكرهم سابقاً فهم لا يدخلونه وأن دخلوه فهم لا يكونون في شركة مع الله فلا شركة للنور مع الظلمة. فبكثرة رحمتك أدخل بيتك= ليس من حقي الدخول إلى بيتك إلا برحمتك. وإذا قدسنا الهيكل هكذا ينبغي أيضاً أن نحافظ على أجسادنا فهي هيكل الله. وربما داود بهذه الكلمات وهو منفي بعيداً عن أورشليم يعبر عن ثقته في أن الله سيعيده لأورشليم ويدخل الهيكل ثانية.
آية (8): “يا رب اهدني إلى برك بسبب أعدائي. سهل قدامي طريقك.”
هي صلاة لداود ليقوده الرب، وإن قاده الرب سيكون في مأمن من أعدائه. ونحن نفهم أن أعدائنا هم الأعداء الروحيين الذين يحمينا الله منهم،ويسهل لنا طريقنا في العالم. حقاً فالعالم خاضع للظلم، ولكن الله يعتني بأولاده ويظهر لهم رحمته ويدافع عنهم ويحفظهم وهو الطريق، وطريق المسيح هو الصليب، وفي رحلة حياتنا سيكون لنا آلام لنقبلها كصليب والمسيح يعطينا أن يشترك معنا معطياً لنا راحة وسلام.
الآيات (9،10): “لأنه ليس في أفواههم صدق. جوفهم هوة. حلقهم قبر مفتوح. ألسنتهم صقلوها. دنهم يا الله ليسقطوا من مؤامراتهم بكثرة ذنوبهم طوح بهم لأنهم تمردوا عليك.”
الله يدين الخطاة لأجل أولاده، ويسقطهم في مؤامراتهم (هامان ومردخاي) ثم يستأصلهم. ولاحظ مواصفاتهم حلقهم قبر مفتوح= لسانهم مميت كالسيف، وضد المسيح هذا سيضل كثيرين بأكاذيبه. ولأنه قبر مفتوح فهو لا يشبع من القتلي، يضم كل يوم قتلى إنكار الإيمان. ألسنتهم صقلوها= أما لنشر عدم الإيمان، أو الأكاذيب أو النميمة والإشاعات الكاذبة أو التجديف والشتائم والكلام البطال والمعثر. وقابل هذا بقول داود عن نفسه أن لسانه قلم كاتب ماهر أي يكتب ويرتل ما يعلمه إياه الروح القدس. لهذا حسب كلام الأشرار سيف فهو قاتل وحسب كلام داود قلم فهو معلم. وحلقهم قبر فكلامهم ميت بلا روح وبلا حياة. ليسقطوا من مؤامراتهم= هذه نبوة وليست لعنة.
الآيات (11،12): “ويفرح جميع المتكلين عليك. إلى الأبد يهتفون وتظللهم ويبتهج بك محبو إسمك. لأنك أنت تبارك الصديق يا رب كأنه بترس تحيطه بالرضا.”
هي صورة عكسية للآيات (9،10) فهنا نجد نصيب أولاد الله وفرحهم وبركتهم ونتيجة جهادهم وسهوهم يأخذون بركتهم ونصيبهم السماوي ميراثهم. لذلك ففي الترجمة السبعينية نجد اسم المزمور للتمام من أجل الوراثة. كأنه بترس تحيطه بالرضا= رضا الله على المؤمن البار هو ترس له، فكأن ترسنا هو مسرة الله ورضاه علينا.
نصلي هذا المزمور في صلاة باكر لنذكر مقاومي الرب ونمتلئ رجاء في أن الله يسندنا وسط ضيقات وخيانات الأشرار في وسط هذا العالم.
تفسير المزمور 4 | تفسير سفر المزامير القمص أنطونيوس فكري |
تفسير المزمور 6 |
تفسير العهد القديم |