تفسير المزمور 82 للقمص أنطونيوس فكري
هو مزمور للقضاة والحكام ليذكروا أنهم يجب أن يحكموا بالعدل. وحينما نرنم به نذكر إلهنا العادل الذي يقتص من الأشرار الظالمين، ونشتاق للأبدية حيث نرى العدل دائمًا.
آية (1): “اَللهُ قَائِمٌ فِي مَجْمَعِ اللهِ. فِي وَسْطِ الآلِهَةِ يَقْضِي:”
الله خلق الإنسان على صورته، وبالخطية سقط ولم يعد بعد على صورة الله. ولما أخرج الله إسرائيل من عبودية فرعون قال عنهم “إسرائيل ابني البكر” رمزًا لأننا سنستعيد بنوتنا لله بفداء المسيح. وفي (مل7:2) قيل عن الكاهن رسول رب الجنود أي ملاك رب الجنود. بل نجده هنا يُسَمِّي القضاة والرؤساء آلهة أي سادة عظماء، وهم هكذا بسبب سلطانهم، فالله أعطى للحاكم والقضاة سلطة للصالح العام بها يحكمون على المخطئ حتى بالقتل. وهم يكافئون الذي يتصرف حسنًا. والله وضع جزء من كرامته على الحكام والقضاة (أم10:16). فإذا فسدوا قيل “عنهم أسد زائر ودب ثائر والمتسلط الشرير” (أم15:28). ومجمع القضاة يسميه المرنم هنا مجمع الله. وأن الله في وسطهم فهو يحكم بواسطتهم ويعطيهم حكمة ليقودوا شعبه (أم1:21). والله يفعل بهم ما يريده حينما يرشدهم فيستجيبوا.
نجد الله يحتفظ لنفسه بأن يحكم على القاتل، سواء كان القاتل إنسانا أو حيوان. فالله هو الذي خلق النفس وليس لأحد الحق في أن ينهى حياة إنسان. ونرى هذا في قول الله لنوح بعد أن خرج من الفلك “وَأَطْلُبُ أَنَا دَمَكُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَقَطْ. مِنْ يَدِ كُلِّ حَيَوَانٍ أَطْلُبُهُ. وَمِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَطْلُبُ نَفْسَ الإِنْسَانِ، مِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَخِيهِ” (تك9: 5). ولكن يعود الله ويقول “سَافِكُ دَمِ ٱلْإِنْسَانِ بِٱلْإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ” (تك9: 6). وهذا معناه أن القاضي لا بُد وأن يحكم بإعدام القاتل. إذًا الله وحده هو من له السلطان أن يقضى على قاتل النفس البشرية. ولكنه ترك هذا في يد القضاة. ولأن الله ترك للقضاة السلطان في أن يحكموا بقتل إنسان أو تبرئته إن كان يستحق البراءة والحياة، قال عن القضاة آلهة. بمعنى سادة.
ولاحظ قول المزمور “في وسط الآلهة يقضي” والمقصود أن القضاة يحكمون بحسب الشريعة الإلهية، فيكون الله هو الذي يقضي لأنه واضع الناموس، عن طريق القضاة. وكأن الله بناموسه وشريعته موجودًا وسط القضاة وهو الذي يحكم = اَللهُ قَائِمٌ فِي مَجْمَعِ اللهِ. ولم نسمع أن أحدًا من ملوك إسرائيل وضع دستورا، بل كان الملوك يحكمون بحسب الناموس. كل ملوك العالم يضعون القوانين بحسب ما يتراءى لهم، أما ملوك إسرائيل فلا يملكون هذا الحق، فالله هو ملك إسرائيل الحقيقي. والملك اليهودي يطبق شريعة الله كما جاءت في الناموس.
آلهة = تأتي هنا بمعنى سادة، فهكذا قال الله لموسى مرتين، الأولى مع هرون “هو يكون لك فما وأنت تكون له إلهًا” (خر4: 6). والثانية مع فرعون (خر7: 1).
ونرى في قوله اَللهُ قَائِمٌ فِي مَجْمَعِ اللهِ. صورة للمسيح إلهنا في وسط مجمع الكتبة والكهنة يحاكمونه ظلمًا. ولكن القضاة هنا كانوا أسودا ووحوشًا وليسوا آلهة (أم28: 15).
آية (2): “«حَتَّى مَتَى تَقْضُونَ جَوْرًا وَتَرْفَعُونَ وُجُوهَ الأَشْرَارِ؟ سِلاَهْ.”
حتى نتأكد أن الآلهة في آية (1) هم القضاة نسمع هنا الله يوبخهم على قضائهم الظالم وتم هذا حرفيًا مع المسيح حين حاكموه بتهم ملفقة.
آية (3): “اِقْضُوا لِلذَّلِيلِ وَلِلْيَتِيمِ. أَنْصِفُوا الْمِسْكِينَ وَالْبَائِسَ.”
الله يطلب من القضاة أن ينصفوا الضعفاء والبائسين.
آية (4): “نَجُّوا الْمِسْكِينَ وَالْفَقِيرَ. مِنْ يَدِ الأَشْرَارِ أَنْقِذُوا.”
آية (5): “«لاَ يَعْلَمُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ. فِي الظُّلْمَةِ يَتَمَشَّوْنَ. تَتَزَعْزَعُ كُلُّ أُسُسِ الأَرْضِ.”
بسبب أغراضهم الشخصية حابوا الأشرار الأقوياء وظلموا الفقير. وبسبب هذا فقدوا استنارتهم وما عادوا يرون إرشاد الله الذي يعطيه للقضاة وصاروا لا يعلمون ولا يفهمون وفي الظلمة يتمشون. وتتزعزع كل أسس الأرض= بسبب حكمهم الظالم. وهذا ما حدث يوم الصليب، يوم حكمهم الظالم، فلقد إظلمت الدنيا وتزلزلت الأرض وهم في عماهم ما علموا وما فهموا أنهم صلبوا رب المجد.
آية (6): “أَنَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ.”
قال الله لموسى “ها أنا أقمتك إلهًا على فرعون” (خر1:7). والسيد المسيح استعمل هذه الآية مع اليهود (يو34:10). وهي كنبوة عن أن المسيحيين سيصيرون أبناء الله= وبنو العلي كلكم (يو12:1). وهنا نرى الله يرفع الإنسان جدًا.
آية (7): “لكِنْ مِثْلَ النَّاسِ تَمُوتُونَ وَكَأَحَدِ الرُّؤَسَاءِ تَسْقُطُونَ».”
حتى لا ينتفخ الإنسان بما أخذه بل يتضع أمام الله يذكره الله بحقيقة موته.
آية (8): “قُمْ يَا اَللهُ. دِنِ الأَرْضَ، لأَنَّكَ أَنْتَ تَمْتَلِكُ كُلَّ الأُمَمِ.”
هي طلب لله أن يقوم المسيح ليدين الخطية ويدين إبليس ويدين الشر ويخلص البشر من حكم الموت إذ يمتلك الله الجميع. والمرنم يطلب أن الله يدين إذ فقد الثقة في عدالة القضاة من البشر.