تفسير رسالة يعقوب أصحاح 2 – كنيسة مارمرقس مصر الجديدة

الأصحاح الثاني
المحبة والإيمان والأعمال

 

(1) المحاباة (ع 1-7):

1 يَا إِخْوَتِى، لاَ يَكُنْ لَكُمْ إِيمَانُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رَبِّ الْمَجْدِ، فِي الْمُحَابَاةِ. 2 فَإِنَّهُ، إِنْ دَخَلَ إِلَى مَجْمَعِكُمْ رَجُلٌ بِخَوَاتِمِ ذَهَبٍ فِي لِبَاسٍ بَهِىٍّ، وَدَخَلَ أَيْضًا فَقِيرٌ بِلِبَاسٍ وَسِخٍ، 3 فَنَظَرْتُمْ إِلَى اللاَّبِسِ اللِّبَاسَ الْبَهِىَّ وَقُلْتُمْ لَهُ: «اجْلِسْ أَنْتَ هُنَا حَسَنًا.» وَقُلْتُمْ لِلْفَقِيرِ: «قِفْ أَنْتَ هُنَاكَ» أَوِ: «اجْلِسْ هُنَا تَحْتَ مَوْطِئِ قَدَمَىَّ» 4 فَهَلْ لاَ تَرْتَابُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَتَصِيرُونَ قُضَاةَ أَفْكَارٍ شِرِّيرَةٍ؟ 5 اسْمَعُوا يَا إِخْوَتِى الأَحِبَّاءَ، أَمَا اخْتَارَ اللَّهُ فُقَرَاءَ هَذَا الْعَالَمِ أَغْنِيَاءَ فِي الإِيمَانِ، وَوَرَثَةَ الْمَلَكُوتِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ؟ 6 وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَهَنْتُمُ الْفَقِيرَ. أَلَيْسَ الأَغْنِيَاءُ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْكُمْ وَهُمْ يَجُرُّونَكُمْ إِلَى الْمَحَاكِمِ؟ 7 أَمَا هُمْ يُجَدِّفُونَ عَلَى الاسْمِ الْحَسَنِ الَّذِي دُعِى بِهِ عَلَيْكُمْ؟

 

ع1: المعمودية تلد المؤمنين ولادة جديدة فيصيروا جميعهم إخوة بلا تمييز أو تحيز أو تفضيل لمؤمن على آخر، بل جميعهم أعضاء في جسد المسيح الواحد. والإيمان الحقيقي مرتبط بالمحبة للكل دون تمييز، لأن المسيح رب المجد لن يحابى أحدًا في السماء بل يمجد الكل معه، كل واحد بحسب أعماله دون النظر إلى مركزه أو غناه او إلى أي قدرات عالمية عنده.

 

ع2، 3: مجمعكم : لم يقل كنيستكم لأن المحاباة لا تليق داخل الكنيسة بل بهذا تصير كأنها مجمع يهودي.

يوبخ محاباتهم للغنى، الذي يصفه أن له ملابس بهية وخواتم ذهبية، فيقدمون له مكانًا عظيمًا ليجلس فيه. أما الفقير الذي ملابسه حقيرة ومتسخة فلا يعطونه حق الجلوس بجوار الغنى بل يقف بعيدًا أو يجلس على الأرض. وخطورة خطية المحاباة تظهر في أمرين:

  1. أن المحاباة بعيدة عن الإيمان إذ تعتبر أن الأغنياء هم عماد الكنيسة وليس الله الذي أعطاهم الغنى.
  2. المحاباة إهانة للفقير المخلوق على صورة الله، وهي إهانة للمسيح نفسه الذي افتقر ليغنينا كما قالوا عنه “أليس هذا ابن النجار؟”.

ثم اننا نقلّل بها من قدر إخوة لنا في الإيمان وهم أعضاء في جسد المسيح الواحد.

 

ع4: لا ترتابون : المحاباة بعيدة عن مخافة الله. فيا من تحابى ألا تراجع نفسك وتشك في تصرفك هذا لتتوب عنه؟

المحاباة نابعة عن أفكار شريرة، فيطالبهم أن يحاكموا ضمائرهم أي يكونوا قضاة لأفكارهم الشريرة ويراجعوها ويتوبوا عنها.

 

ع5: يبين الرسول أن الله لا يهمه الغنى المادي بل أن كثير من القديسين كانوا فقراء مثل موسى راعى الغنم الذي دعاه الله من العليقة، وداود راعى الغنم الذي مسحه الله ملكًا، وكذلك تلاميذ المسيح كان معظمهم من الصيادين والفقراء. هؤلاء صاروا ورثة للملكوت السماوي الذي أعدَّه لهم. ويظهر أهمية الغنى الروحي بالإيمان على الأرض وميراث الملكوت، وهذا أفضل من كل الغنى المادي.

وليس معنى هذا أن الغنى شر، ولكن الشر هو أن ينسى الإنسان الله بسبب انشغاله بالغنى ويسقط في الكبرياء.

 

ع6: تأثر المؤمنون في الكنيسة بالغنى، فأكرموا الأغنياء واحتقروا الفقراء، ونسوا أن الأغنياء الأشرار يستخدمون أموالهم ونفوذهم في إهانة المؤمنين وتهييج الأشرار عليهم (أع19: 25-29) وكذا محاكمتهم وإلقائهم في السجون.

 

ع7: يتمادى الأغنياء في شرهم فيهينون اسم المسيح الذي دُعِىَ به المؤمنون.

† ليتك تنظر إلى الله الواقف أمامك فتعلن الحق ولا تتحيز لأحد خوفًا من مركزه أو سلطانه أو لأي مصلحة تترجاها منه، واكرم الكل مهما كانوا ضعفاء أو فقراء.

(2) المحبة (ع 8-13):

8 فَإِنْ كُنْتُمْ تُكَمِّلُونَ النَّامُوسَ الْمُلُوكِىَّ حَسَبَ الْكِتَابِ: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ.» فَحَسَنًا تَفْعَلُونَ. 9 وَلَكِنْ، إِنْ كُنْتُمْ تُحَابُونَ تَفْعَلُونَ خَطِيَّةً، مُوَبَّخِينَ مِنَ النَّامُوسِ كَمُتَعَدِّينَ. 10 لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ. 11 لأَنَّ الَّذِي قَالَ: «لاَ تَزْنِ» قَالَ أَيْضًا: «لاَ تَقْتُلْ.» فَإِنْ لَمْ تَزْنِ وَلَكِنْ قَتَلْتَ، فَقَدْ صِرْتَ مُتَعَدِّيًا النَّامُوسَ. 12 هَكَذَا تَكَلَّمُوا، وَهَكَذَا افْعَلُوا، كَعَتِيدِينَ أَنْ تُحَاكَمُوا بِنَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ. 13 لأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً، وَالرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْحُكْمِ.

 

ع8: الناموس الملوكى : أي ناموس المسيح الملك السماوي وهو المحبة.

ناموس المسيح أي قانونه هو المحبة، وهذا يدفعنا إلى محبة كل من حولنا تطبيقًا للوصية “تحب قريبك كنفسك” (لا 19: 18)، فيطوِّب الرسول سلوك المحبة نحو الجميع.

 

ع9: المحاباة ضد المحبة، فهي تعدى على قانون المسيحية وتعتبر خطية كبيرة.

 

ع10: لا تبرروا أنفسكم بحفظكم وصايا كثيرة وعبادات في الكنيسة ولكن تتعدوا أهم شيء وهو المحبة التي هي روح ناموس المسيح، فبهذا تكونون مجرمين في حق المسيح وكل وصاياه.

 

ع11: الإصرار على خطية يستوجب الموت. فلا يصح الإصرار على خطية مثل القتل مع الحرص من الزنا، فناموس موسى يقضى على القاتل بالموت لأنه كسر هذه الوصية رغم حرصه على باقي الشريعة.

 

ع12: ناموس الحرية : قانون المسيح اى المحبة.

هكذا في العهد الجديد يلزم أن نتمسك بكل وصاياه ولا نصرّ على إهمال أحدها بالإصرار على المحاباة، فهذا يستوجب الهلاك.

 

ع13: الرحمة تفتخر على الحكم : الحكم العادل هو أن تعطى كل ذى حق حقه، أما الرحمة في المسيحية فتعطى أكثر من الحق الذي يستحقه الناس ما داموا محتاجين.

من لا يرحم غيره فيحابى الأغنياء ويحتقر الفقراء لا يرحمه الله ويحكم عليه بالهلاك الأبدي، بل أن قانون المسيحية هو الرحمة خاصة وأن الله أظهر رحمته لنا في الفداء والغفران لخطايانا كل يوم، مما يدفعنا إلى الإشفاق على الكل ورحمتهم.

† الله سمح أن يعانى البعض من الفقر أو المرض أو أي احتياج حتى تظهر محبة ورحمة الآخرين عليهم، فيتماسك الكل كأعضاء في جسد واحد ويفرحون بالمحبة التي تربطهم وينسون آلامهم؛ فلا تهمل كل محتاج حولك.

(3) الإيمان والأعمال (ع 14-26):

14 مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِى، إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ؟ هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟ 15 إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِىِّ، 16 فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: «امْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا»، وَلَكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟ 17 هَكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ. 18 لَكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: «أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِى أَعْمَالٌ.» أَرِنِى إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِى إِيمَانِى. 19 أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ، حَسَنًا تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ. 20 وَلَكِنْ، هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ؟ 21 أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ 22 فَتَرَى أَنَّ الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ أُكْمِلَ الإِيمَانُ، 23 وَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللَّهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا» وَدُعِى “خَلِيلَ اللَّهِ.” 24 تَرَوْنَ إِذًا أَنَّهُ بِالأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ، لاَ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ. 25 كَذَلِكَ رَاحَابُ الّزَانِيَةُ أَيْضًا، أَمَا تَبَرَّرَتْ بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَبِلَتِ الرُّسُلَ وَأَخْرَجَتْهُمْ فِي طَرِيقٍ آخَرَ؟ 26 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ بِدُونَ رُوحٍ مَيِّتٌ، هَكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ.

 

ع14: وجد يعقوب الرسول الفقراء يموتون جوعًا والأغنياء لا يتحركون، فتحدث عن عدم منفعة الإيمان بدون أعمال.

ولا يتعارض هذا مع بولس الرسول القائل “إذ نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس” (رو3: 28)، لأن بولس يتحدث عن أعمال الناموس الغير ضرورية للخلاص ولذلك تحدث عن ضرورة الإيمان العامل بالمحبة وتحدث عن الجهاد والخدمة والعطاء، وهذا ما يتفق مع يعقوب الرسول الذي يتحدث هنا عن الأعمال التي هي ثمر للإيمان الحي.

ويقدم الرسول في الأعداد التالية أمثلة عملية على ضرورة ارتباط الأعمال الصالحة بالإيمان كشرط لخلاص المؤمن.

 

ع15، 16: المثال الأول

يعطى الرسول مثالا، إن كان لك أخ وأخت فقراء فتعطف عليهم بالكلام دون أن تقدم عملًا ايجابيًا، فأنت لا تسد احتياجاتهم.

 

ع17: المثال الثاني

الإيمان بدون أعمال يشبه جسدًا ميتًا ليس به روح، فالروح هي الأعمال والتي تدل على أن الإيمان حي. فالإيمان الذي ليس له أعمال هو إيمان نظرى ميت في ذاته ويقودك للموت.

 

ع18: المثال الثالث

يظهر أهمية الأعمال الصالحة في حوار يتم بين إنسان له إيمان بدون أعمال والثاني له أعمال صالحة ناتجة من إيمانه، فيقول الثاني للأول: إن كان إيمانك حقيقيًا فاظهره لى لأنه لا يمكن إظهاره بدون أعمال، ولكن أنا بأعمالى الصالحة أظهر لك أن إيمانى حقيقي.

 

ع19: المثال الرابع

يؤكد أيضًا عدم فائدة الإيمان بدون أعمال. فإن كان إنسان له إيمان بالله الواحد ولكن ليس له أعمال صالحة، فهذا لا يفيده شيئًا بل يدينه في اليوم الأخير لأن إيمانه لم يثمر أعمالًا صالحة، مثل الشياطين الذين يؤمنون بأن الله واحد ويقدِّرون هذا جدًا لدرجة الخوف الشديد من الله الذي يعبر عنه بالقشعريرة، ولكنهم مستمرون في شرورهم، فإيمانهم النظرى هذا الغير مصحوب بأعمال صالحة يدينهم في اليوم الأخير.

 

 

ع20: المؤمن الحقيقي تظهر في حياته أعمال المحبة، أما “الإنسان الباطل” أي الذي له إيمان بدون أعمال صالحة فإيمانه باطل. ويواصل الرسول إثباته له أن إيمانه الخالى من الأعمال ميت بأدلة أخرى.

 

ع21، 22: المثال الخامس :

يستخدم يعقوب الرسول مثالًا وهو إبراهيم أبو الشعب اليهودي الذي ظهر إيمانه العامل إذ قدم إسحق ابنه ذبيحة وهو يؤمن بأن الله قادر أن يقيمه من الموت (رو4: 3).

وهكذا اشترك العمل مع إيمان إبراهيم وأكمل بعمله إيمانه، أي بتقديمه إسحق ذبيحة أكمل إيمانه بالله القادر على الإقامة من الأموات.

ع23، 24: خليل : صديق.

بالأعمال، أي بتقديم إبراهيم لإسحق ابنه ذبيحة تمَّم قول الكتاب المقدس في (تك15: 6) فأكمل إيمانه الذي به صار بارًا أمام الله بل ارتقى إلى درجة صداقة الله.

وهذا هو الدليل الخامس على أن التبرير يتم بالإيمان والأعمال وليس بالإيمان فقط.

 

ع25، 26: المثال السادس :

يعطى الرسول مثالًا لاقتران العمل بالإيمان في الأمم الذين آمنوا وليس فقط اليهود. فراحاب الزانية الأممية آمنت بقوة إله إسرائيل وخبَّأت الرجلين اللذين أرسلهما يشوع ليتجسسا أرض الموعد حتى لا يُقْتَلا (يش 2: 1-6)، وعلَّقت على بيتها شريطا أحمر، إشارة إلى الإيمان بدم المسيح الفادي، فأنقذها الله من الهلاك مع الوثنيين سكان أريحا لإيمانها العامل بالمحبة. فأعلنت راحاب بهذا أن الأعمال تشبه الروح في الجسد وتحييه فإن لم توجد الأعمال فالإيمان الذي يشبه الجسد سيصير ميتًا.

† لا تكتفِ بتقديرك لمتاعب واحتياجات الآخرين، ولكن إقرن مشاعرك بأعمال محبة تقدمها لهم ولو أعمال صغيرة قدر ما تستطيع، عالمًا أن عملك مهما كان صغيرًا له قيمة أمام الله، فكأس الماء البارد لا يضيع أجره.

تفسير يعقوب 1 يعقوب 2 تفسير رسالة يعقوب تفسير العهد الجديد تفسير يعقوب 3
كنيسة مارمرقس مصر الجديدة
تفاسير يعقوب 2 تفاسير رسالة يعقوب  تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى