تفسير سفر أيوب أصحاح 4 للقديس يوحنا ذهبي الفم
الإصحاح الرابع
حديث أليفاز
طبيب بطال
۱ – ” أجاب اليفاز التيمانى وقال: هل تحدثت كثيراً وأنت فى الألم؟ ومن يحتمل عنف كل كلماتك ؟ (٢،١:٤).
إن أيوب قد عمل حسناً فى أخذ سبق التقدم ليشير إلى البلايا التي وقعت عليه ولتراكم مصائبه، إذ أنهم أرادوا أن يطأوه ويهينوه، بينما هو منطرح على الأرض، لأن الكل عاجز عن القدرة على التكيف مع مثل هذه البلايا، وكثير من الناس يلهبون في الغالب جُرح المبتلى، البعض منهم عن سوء نية، والبعض الآخر عن غباء. لأن من الواضح أن من هو مكلف بإعطاء كلمة عزاء يحتاج لمهارة لا تقل عن مهارة الطبيب الذي يشرط القروح. لهذا فإن الذين يهيجون القروح، وعن خبث، قد نالوا من أيوب – عن حق ـ لقب «أطباء بطالون» (٤:١٣).
إذ سيصير أمراً مؤذياً فى عاصفة هكذا هائجة أن يبرهن الإنسان على سوء النية بغيرته ممن هو مطروح على الأرض، فيدفع إلى بلايا لا تعد من هو جدير بالشفقة. ولاحظ كيف أن كلماتهم لم تكن فقط عادمة من التعزية، بل توعز أيضاً حتى بيأس عميق وتتحول ملياً إلى أحاديث توجيه الاتهامات لهذا أيضاً قيل لا تضف تعباً للنفس التي في حالة ضيق» (سيراخ ٤: ٣) . لكن لننظر إلى ما قاله أليفاز ولنحترس ألا نقتدى به. فماذا قال؟
أليفاز يوبخ أيوب بأنه أخطأ في كلماته
۲- هل تحدثت كثيراً وأنت فى الألم؟[1]
ويمكن أن يعنى الكتاب الخطية بكلمة الألم، فهذا ما قاله (المرنم) «تحت لسانه مشقة وإثم (مز ۷:۱۰). إن أليفاز لم يقل له هل اقترفت عملاً رديئاً؟ بل قال: هل تحدثت ؟ إذ أن بهاء حياته كان يشع فى كل موضع وكان له عدد كبير من الناس يشهدون لفضيلته، فقال له أليفاز لا تقل أن أفعالك جميلة وحسنة، لأنه يحدث أحياناً أن الخطأ يكون في الكلام (وليس في الأفعال).
لكن لاحظ في هذا التعبير هل تحدثت كثيراً أن التردد وعدم التيقن لا يأتي من تواضعه، بل من كون أليفاز لم يستطع أن يمسك عليه ( حرفياً يقنعه) خطأ واضحاً. عنف كلماتك»
فماذا قال أيوب من خطأ ؟ إنه تمنى أن يموت وينطلق من الحياة الحاضرة. هل هو قال: لماذا بالرغم من برى وفضائلى العظيمة أجوز مثل هذه البلايا؟ لا بل هو قال: كنت أريد أن أموت مع المنافقين ومع خدمى ومع الأجنة السقط وأنال نفس مصير المنافقين. إنه لم يقل: أنا لى مثل هذه الصفات وذو شأن عظيم.
هل أيوب عزى الآخرين ولم يستطع أن يعزى نفسه؟
٣- «لأنه إن كنت أنت أرشدت كثيرين وشددت أيادى الضعفاء وأقمت بكلامك الذين تعثروا وثبت الركب المرتعشة» (٣:٤، ٤)
لاحظ أنه إلى الآن يتحدث عن المعونة والمساعدة التي تجلبهما كلماته، مظهراً أن هذا أمر لا يمكن التغاضى عنه. لأنه لو قال: لو أنك قد عضدت الآخرين بأموالك، كيف لا يمكنك أن تشدد نفسك؟ لكان يمكن اعتبار حالة فقره. لكنه قال إن كنت بالكلمات (فقط) شددت كثيرين وأقمت عديداً من الذين كانوا فى البلايا، فكيف صار العلاج بلا فاعلية في حالتك ؟ أنت الذى حللت مشاكل الآخرين بكلماتك المشجعة والناصحة، كيف لم تستفد بطريقة الشفاء التى لك فيما يختص ببلاياك؟
أليفاز يقول : خوف وآمال
– “لكن الآن إن أدركك الألم (أى بلية) ومسك، صرت مضطرباً» (٤: ٥).
ماذا يعني تعبير «صرت مضطرباً»؟
يعني انزعجت وانقلب حالك وأصبت بالدوار واشتهيت الموت ولم تعد تضبط نفسك.
ه- «أليس خوفك أحمقاً كما رجاؤك وطريقك الفاسد؟» (٦:٤).
إنه قال: حقاً إن كلماتك حمقاء إن كنت بعد أن ساعدت آخرين، أنت نفسك لم تستطع مساعدة نفسك ولم تعط نفسك النصائح التي قد نصحت بها آخرين، ألا يتضح من هذا أنك خال من كل نوع من الفضيلة؟ لأنه إن لم يستطع الإنسان أن يكون نافعاً لنفسه، فكيف يمكنه أن ينفع الآخرين ؟ بهذا سعى أليفاز لأن يلقى ظلال الشك على مجد أعمال أيوب الفاضلة فى السابق، وهذا أيضاً في ظنى هو فكر أليفاز عن عبارة «هل تحدثت كثيراً وأنت في الألم؟»، أي، ألم تتكلم كثيراً في ألم الآخرين.
«من يستطيع أن يحتمل عنف كلماتك؟» تلك التي تتباهى بها دائماً. لكن الآن هوذا قد ضاع كبرياء كلامك.
في الحقيقة كان طبيعياً للبار أن يتكلم عن بعض أعماله الصالحة السابقة كما الآن حيث هو ساقط فى البؤس، لهذا السبب أضاف قوله « فى الألم». فمن يمكنه بالحق أن يسرد هذا أو يحتمل افتخارك الباطل ؟ لكن افتخارك قد ضاع الآن. ليتك قد ساعدت آخرين!
وانظر كيف أنه تباهى فهو لم يتكلم عن الأعمال الصالحة التي عملها عندما كان غنياً، بل قال إن كان قد أسدى خدمات لبعض الأشخاص بكلماته ، فهذا على الأقل ما يلومه عليه.
«أليس خوفك أحمقاً كما رجاؤك وطريقك الفاسد؟»
أى النية التي تصرفت بها هكذا إنه يريد أن يقول : سواء أنت لم تتصرف أيضاً هكذا، أو أن حياتك ممتلئة بالإثم، أو أنت لم تخف الله بنية مستقيمة، لكن كل هذا كانته الكلمات «رجاؤك كان أحمقاً».
فلماذا قال له كلماتك كانت ممتلئة بالحمق ؟ أية ضرورة دعت لهذا؟ ألم يكن له بعد أن ساعد كثيرين مراراً، أن يقع هو فى البلايا عينها؟ إنه قال هذا لم يكن ممكناً. لذلك هو وأضاف أيضاً سبباً عديم القيمة وحيث أن أيوب قال الخوف الذي خشيته جاء علي» (٣: ٢٥)، لذلك قال له أليفاز «هذا الخوف كان أحمقاً، ورجاؤك أتى من فساد قلبك، لأنه لو كانت أفعالك خالصة (نقية) وحياتك طاهرة، فلن تخشى هذه الشرور، بحيث أنك لن تقنع نفسك بأن تكون لك حياة أثيمة وفاسدة، لأنه سيكون من الحمق، عندما تكون صالحاً ومستقيماً أن تكون لك مثل هذه المخاوف ومثل هذه الآمال، لأنك قد صرفت حياتك في إصلاح بلايا الآخرين، فكيف يمكنك أن تقول «الخوف الذى كنت أخشاه جاء علي؟» والذي جعلك تخاف مثل هذه الشرور هو «فساد طريقك».
انظر كيف يهاجمه أليفاز ويتشاجر معه ويبذل كل جهده لكي يُظهر أن فساده هو الذي جعله يستحق هذه الأتعاب
من كان باراً وهلك ؟
٦- قال أليفاز لأيوب “ذكر نفسك”. إنه لم يقل له “انظر ” بل قال له “ذكر نفسك من كان بارا وهلك؟” (٧:٤)
أي استعد تذكر الماضى بسرعة، تجد أن هذا الأمر واضح وأكيد. وحيث أن هذا التعليل كان سهل دحضه، فلذلك قدم أليفاز التعليل الثانى الذى يبدو أ أنه لا يُعارض.
٧- «أو متى أبيد المستقيمون تماماً؟» (تابع ٤: ٧).
إنه يسعى لأن يضربه خلال بلية فقده لأولاده.
حسناً فليكن يمكنك القول أن آخرين قد جازوا بلايا، لكن تلك البلايا لم تدرك نسلهم، ولم يرجعوا إلى بدء حياتهم بأن يصيروا بدون نسل .(مثلك). وحيث أن التعليل الأول قد دحض، فإنه قدم الثانى الذى كان يبدو متيناً والذي يذكره ببليته الشخصية.
٨- «وقال أليفاز كما قد رأيت ما يحدث لمن يحرثون إثماً» (٨:٤).
أى هذا هو الشر الذي يصيب من يقترفون الإثم. من هلك مثل الذين نراهم هكذا؟ أو من كان باراً وهلك؟».
“كما قد رأيت أن الحارثين إثماً والزارعين شقاوة يحصدونها” (تابع ٨:٤)
إن أليفاز معه حق فى التكلم عن الزرع والحرث إذ لكى لا يقال: فلماذا لم يهلكوا في الحال ؟ قال ولا حتى الزرع ينضج (حرفياً ينتج) في الحال».
٩- ” هذا بتدبير من الله الذى يهلكهم وبريح أنفه يفنيهم ” (٩:٤).
لاحظ أيضاً شيئاً آخر مرعباً. إنه قال له: لا تظن أن الشياطين الأردياء أو الناس الممتلئين خبثاً هم المسئولون عما حدث (لك)، بل الله نفسه هو الذى يعاقبك، لذلك لا مفر من أن العقوبة عادلة.
لا استثناء لقوانين الطبيعة
۱۰ – “هل انقرضت زمجرة الأسد وصوت اللبوة ومكر الحية؟” (١٠:٤).
لنفحص ما يقوله إنه قال أن الأمور الطبيعية لا يمكن أن تحدث إلا بحسب ما تنظمه الطبيعة، بالمثل هنا – على سبيل المثال – فيما يختص بموت الأشرار وهناء الأبرار. هر رأيت مسار الطبيعة قد اختل بالصدفة؟ كقول النبى من جهة الأشياء المستحيلة: «هل يسير اثنان معاً عن لم يتواعدا؟ هل يزمجر الأسد فى الوعر وليس له فريسة هل يعطى شبل الأسد زئيره من خدره إن لم يخطف ؟ هل يسقط عصفور فى فخ الأرض وليس له شرك؟ هل يُرفع فخ عن الأرض وهو لم يمسك شيئاً؟ ( عا٣:٣-٥) أو يقول أيضاً «هل تركض الخيل على الصخر؟ وهل تبقى صامتة وسط الإناث من نوعها)؟ (عا ٦ : ١٢). ولاحظ أنه ذكر أموراً طبيعية، أى لا شيء جديد أو خارق، بل (ذكر) قوانين تنظم كل شيء ولا شيء تغيّر منها. لأنه إن كان باقياً ما يختص بالحيوانات المفترسة، فكم بالأولى ما يختص بنا. إن كان لا يمكن ضبط واحتواء زمجرة الأسد، فلا يمكن بالأولى منع البار من أن تكون له صراحة شجاعة : لأنه لا يوافق أيضاً طبيعة الحيوان المفترس أن يمتلك القوة للزمجرة والتعبير عن نفسه ولا يكون كذلك للبار أن يمتلك القوة والقدرة (ذاتها). وفى الواقع أنه أسهل بكثير للأسد أن يصير جباناً من أن يخضع البار لكل ريح بسهولة.
١١ – “هل الليث هالك لعدم الفريسة وهل تبددت أشبال الأسود عن بعضها البعض؟”.(١١:٤)
يُقال أن الليث لا يمكنه أن يغتذى بنفسه، ولكن هل هلك مع هذا؟ لا على الإطلاق.
والأمر المدهش والشاذ هو أن هذا الحيوان يظل عائشاً (ولو) دون غذاء، لأنه يتمتع بحماية سماوية. فكيف يمكن للعناية الإلهية التي تضطلع بهذه المهمات دون توقف أن تلاشى القوانين التي تختص بالعدل ؟ لننظر هل الله يعتني جداً بالحيوانات ويغفل البشر؟ ثم إنه ذكر نوعاً من الحيوانات. قطعاً. غير مفيدة لجنسنا، بل إنها على العكس مؤذية وقاتلة أيضاً. إذاً فالذي لا يغير شيئاً فيما يختص بالحيوانات المؤذية، والذي يحفظ في حالة جيدة من هم خطرون علينا رغم أن الطبيعة لا تقدم لهم غذاءهم، فكم بالأولى جداً فيما يختص (بالعناية بالبشر ، هل سيكون له كل هذا الاعتناء بشبل الأسد ولا اهتمام له بالبار؟
«هل تبددت أشبال الأسود عن بعضها البعض؟»
إنه شيء طبيعي أيضاً أن تتحد هى فى جماعات ولو أن هذا أمر يسير، مع ذلك فهذا لا يبطله الله أيضاً ويعضد ما تقيمه الطبيعة. فانظر وتأمل فيما يختص بحيوان مفترس
١٢- لكن لو أن كلماتك قد احتوت كلمة صدق، لما حلّت عليك هذه البلايا (١٢:٤).
وفي هذا الوضع الراهن يريد أليفاز – فى ظنى – أن يلمح إلى أن أيوب كثيراً ما نطق بمثل هذا الكلام، ربما ليدفع الآخرين إلى الغيرة وربما بنية أخرى غيرها.
افهموا هذا يا من تضعون الآن أسئلة شبيهة ويا من هم على شاكلتهم، لأنه إن كان أليفاز قد تكلم هكذا فى هذه الظروف دون أن يحصل على المغفرة، فكم بالأولى نحن الذين نتمسك بآراء شبيهة بعد برهان الأحداث والذين يمكننا أن نعطى أسباباً عديدة لما حدث لأيوب مثلما ظنوا هم أنهم قد وجدوا فرصة للومه ومهاجمته دون أن ينتظروا برهان الأحداث.
ألم ينذرك الله في الأحلام ؟
١٣ – قال أليفاز ” ألم تتلق أذنك إعلانات غريبة؟» (١٢:٤).
وما قاله يعنى إما ألم يصادفك أبداً أية رؤية في نومك وهل لم تضطرب؟» أو ما قاله يعنى «ألم تسمع مثل هذه الأحداث؟». وقال له أليفاز: هل أنا أكذب؟ ألم تتلق أذنك إعلانات غريبة ؟ لأن الله يلقى بالرعب والاضطراب فينا، ليس فقط أثناء النهار، بل أيضاً يوجد في الرؤى الليلية، وأنا من جهتى لى اختبارات كثيرة من هذا الصنف: فالله يعلم أن الأحلام كافية للإزعاج وفرض العقوبة. وإذ يمكن معارضة منطقه بالقول أنه كثير من الناس الأثمة لا يقاسون شيئاً شبيهاً بهذا أبداً، فيقول أليفاز: حسناً! فإنهم يعانون في الأحلام. وحيث أنك لم تر الله ولا شعرت بيده موضوعة عليك، فلا تندهش لأنك عوقبت بطريقة غير مرئية، أما بالنسبة لى فقد انزعجت مراراً في أحلام دون أن أدرك ما حدث لى سوى «أننى سمعت صوتاً منخفضاً» (٤: ١٦). وهذا فقط يكفى للإزعاج بحسب ما يستطيع الله أن يعمل وأنت لا تندهش
وإن قال كل هذا فلكى يُظهر أن “الغضب آت منه” (انظر سيراخ ١٦: ١١). لكن أنا اعتقد أنه يريد أن يلمح لشيء آخر. وحيث أن أيوب قد أمضى كل حياته الأولى في الهدوء، فماذا يريد أن يقول ؟ كيف تعلم (يا أيوب) إن كنت قد انزعجت في الأحلام، وإن كنت قد أُعطيت إنذارات لتخيفك وتجعلك تحترس ؟ لكن أنت لم تأخذ حذرك، أما أنا فقد جزت اختبارات كثيرة من هذا الصنف. ألا تعتقد أن الحياة غير محتملة لمن هم عادة منزعجين ومضطربين (في أحلام نومهم حتى لو كانوا يعيشون سعداء في النهار؟ لأن احتمال المشقات أثناء النهار أسهل كثيراً فى رأيى من رؤية ميناء راحة الإنسان (أى النوم) قد أُغلق (بسبب عواصف الأحلام المزعجة).
إن كان المسافر الذي يجاهد كل النهار ضد حرارة الشمس والتعب، يريد أن ينزل في فندق ليستريح، فإذا به يرى نفسه عاجزاً عن الراحة لسبب الأحلام والأصوات الخيالية ألا تعتقد أنه يعانى عذاباً أسوأ من الذي جازه على مدى النهار؟
١٤ – قال أليفاز إن الله يثير مخاوف غير عادية، هاجس الليل، رعبة تسقط على الناس. أمسكتنى رجفة خوف ورعشة هزّت كيانى (حرفياً عظامي)، وريح مست وجهي وشعري، وجسدی اقشعرا خوفاً، فقمت ولم أر شيئاً ونظرت لكن لم يظهر أمام عيني شكل واضح وسمعت فقط صوتاً منخفضا (٤: ١٤، ١٦).
ألم تسمع (يا أيوب) كلاماً يقول إن كثير من الناس قد عوقبوا بهذه الطريقة؟
بعد ذلك لكي يجعل أليفاز روايته جديرة بالتصديق أعطى نفسه مثالاً بقوله أنه دون أية إنذارات وأى ظهور ، هبط على ذهنه فجأة انزعاج وخوف، وهذا أيضاً ما يقوله الحكيم بخصوص تلك الظلمة قائلاً أن خيالاً ظهر له فى الليل فى هذه الظلمة (انظر حكمة سليمان ۱۷)، وهذا كافٍ لعقابهم. ثم من جديد يكشف ويعبر من (المثال العام إلى الخاص. ولاحظ فإن أليفاز إذ رأى أن صيت البار يتعارض مع كلماته، فإنه أراد تدميره بحجج كثيرة.
حتى الملائكة ليسوا أطهاراً أمام الله
١٥- قال أليفاز فماذا! هل المائت سيصير طاهراً أمام الله أم أعماله ستجعله رجلاً بلا لوم؟” (١٧:٤).
شخصية أخرى فى هذا السفر قالت لأنه كيف يتبرر مائت ( ٤: ٢٥)، فلا نأخذ أيها الأحباء هذه الآراء ( بطريقة مطلقة)، وهو فعل حسناً بإضافته أمام الرب)، كما قال أيضاً النبي «هل يتبرر قدامك حي ؟ » (مز ١٤٣: ٢) ، وغيره قال إن كنت تراقب الآثام يا رب فمن يقف؟» (مز ۱۳۰: ۳)، لأن صلاحنا هو خبث إن قورن بصلاحه وقس على هذا كل شيء
آخر.
«هل أعماله ستجعله رجلاً بلا لوم؟»
انظر أنه يناقض الله. وحيث أن الله قد قال إنه رجل بلا لوم» (۱: ۲)، فإنه يناقض الله
بقوله إن أيوب لم يكن بلا لوم».
١٦ – إن الله يتشدد في حكمه على أصدقائه. “إن كان لا يأتمن عبيده وإن كان يظن في ملائكته بشيء من عدم الكمال” (١٨:٤)[2]
في رأيي أنه يتحدث هنا عن القوات السماوية. فماذا يقال عن البشر إن كان الملائكة أنفسهم ملومين؟ لكن ماذا يعنى تعبير لا يأتمنهم»؟ (أى) كما يفعل مع الأبرار غير الملومين وغير القادرين على الخطأ. ويبدو لى من هذا أن طبيعتهم قادرة على الإتيان بدوافع متعارضة.
ماذا يعنى بقوله «يظن بعدم الكمال»؟
إنه قال: إنه لا يحتمل أن طبيعتهم تتضمن الكمال، وأليفاز معه حق في قوله «أنه يظن لكى لا تجعلهم عظمة طبيعتهم يتكبرون ولكى لا يتوقفوا عن الخضوع الله. وهذا في الواقع ما حدث للبشر، فمع أن طبيعة الإنسان لم تتضمن الخلود إلا أنه مع عن التكبر، لكن إن كان خالداً بطبعه فماذا كان سيحدث؟ ذلك لم يتورع.
وقال أليفاز (أيضاً) السموات غير طاهرة أمامه (۱٥: ۱٥)، أي أن طهارة هذا الكيان العظيم الطبيعية هي نجاسة أمامه، ليس بأن السموات تمتلك قوة الإرادة والتصرف، بل لأن النص يقارن بين الطهارة التى للطبيعة إلى طهارة الكيان الإلهى.
فكم بالأولى البشر
۱۷- قال أليفاز: “تعساء الذين يعيشون في بيوت من طين[3]” (٤: ١٩).
فماذا ينبغي أن يقول عن البشر ؟ أولاً فإنه يوجه ضربة لطبيعتهم بدءً من بيتهم، ثم أنه يحط من قدرها أيضاً من مصدر آخر. إنه لم يكتف بالقول أننا من طين (انظر ۱۳: ۲۱)، وكان ينبغى أيضاً تحديد أى نوع من الطين من التراب الذي هو أكثر وضاعة والذي منه أشتق اسم طبيعتنا[4]. هذا صدق تماماً إذا لم يقل فيما يختص بنا إن كان تركيب طبيعتنا مسئولاً عن أخطائنا بالمثل بالنسبة للملائكة يوجد شيء يخصهم، يجعل الله يظن فيهم شيئاً يوضعهم ويخفضهم، وعلى ذلك فيما يختص بنا أيضاً يوجد ما «يظنه الله» مُريداً إظهار حكمته بتعبير «أنه ظن ليس للتشديد على أن الله يبذل جهداً (في التفكر)، بل هو بهذا أظهر فكرة عبقرية وفذة.
۱۸- بعد ذلك جعل أليفاز كلامه ممهداً أكثر لكى لا يمل ( حرفياً يتعب) أيوب فقال «نحن أيضاً مكونين من نفس الطين» (٤: ۱۹) ، ثم بطريقة أخرى بظهر أيضاً قوة الله وضعفنا بقوله «إنه يسحقهم ( حرفياً يضربهم) مثل ديدان الأرض» (تابع ١٩:٤)، أي أنه سهل عليه سحق حتى أعمق أجزاء كياننا.
قال أليفاز بين الصباح والمساء يحطمهم» (٢٠:٤).
أى يكفى يوم (لإنجاز هذا ) ، وكل هذا يحدث بسرعة (حرفياً بدون توقف.
١٩ – ولا يستطيعون أن يجدوا مخرجاً لأنفسهم ويهلكون» (تابع ٢٠:٤).
أى لا أحد يستطيع أن يقوم ضد الله ونحن لا نستطيع أن ننجد أنفسنا بأنفسنا بالأولى بسبب سمو الطبيعة الإلهية على طبيعتنا التي تتسم بكثرة البلايا المعرضة لها). «لأن الذي تقرره اليد الإلهية من يرده؟» (إش ٢٠:٤١).
إنه ينفخ فيهم فيموتون ويهلكون بلا حكمة (٢١:٤).
لا أحد أكثر قوة من الحكيم (انظر أم ٢٤: ٥). هذه هي الحالة البشرية التي تتيح الله أن يطوعهم بسهولة . لذلك قبل كل شيء فإن طبيعتهم أيضاً تجعل قيادتهم سهلة، وبالتالى أيضاً ضلالهم وإثمهم.
- إن كلمة ألم وكلمة إثم التى ستجيء في أول شاهد تالى (مز ۰۱:۷) جاءت فى النص الفرنسي بكلمة واحدة، ونفس هذا المعنى تقريبا يرد في بستان الرهبان حين يقال فيه ألم الزنا ألم الكبرياء.
- ورد هذا العدد في النص البيروتي هكذا هوذا عبيده لا يأتمنهم وإلى ملائكته ينسب حماقة»، وعلينا أن نشدد على أن هذا الكلام وإن جاء فى الكتاب لكن لم يقله أليفاز بوحى من الروح القدس، فالله في حقيقة الأمر يعلن سره لعبيده الأنبياء (عا 3: 7) وخلق الملائكة كاملين فى الحدود التي أرادها لهم، ولذلك الذي قال عن كل ما خلقه أنه حسن أو حسن جدا، لا يمكن أن ينسب الحماقة للملائكة الأطهار.
- يقصد بيت خيمتنا الأرضي، أى الجسد كما ورد في (٢ كو٥:١).
- آدم بالعبرية مشتق من الأديم الذي هو تراب الأرض.
تفسير أيوب 3 | سفر أيوب 4 | تفسير سفر أيوب | تفسير العهد القديم | تفسير أيوب 5 |
القديس يوحنا ذهبي الفم | ||||
تفاسير سفر أيوب 4 | تفاسير سفر أيوب | تفاسير العهد القديم |