تفسير إنجيل لوقا أصحاح 11 – أ. بولين تودري
6- يعلمنا كيف نصلي (11: 1-13)
يبدو أن التلاميذ رأوا في الرب يسوع وهو يصلي سلامًا وفرحًا واتحادًا بالله لم يألفوه في صلواتهم اليومية التي تعودوها كيهود، فطلبوا منه أن يعلمهم كيف تكون هذه الصلاة الحارة. فرد يسوع قائلًا:
- من يريد أن يصلي فليقف أمام الآب بروح البنوة ويدعوه أبًا له.
- وليبدأ بتسبيحه وإعلان قداسته عندما يقدس حياتنا.
- وليشتهي أن يكون هو المالك علينا، ويجعلنا سببًا ليملك هو على حياة الآخرين فيأتي الملكوت.
- فلتخضع نفسه لمشيئة الرب الصالحة وتقبل كل شيء منه برضى وحمد.
- ولنقبل من يديه كل ما يقدمه لنا فهو يعرف احتياجاتنا قبل أن نطلب منه وهو الرازق ومعطي جميع الخيرات.
- ولنسامح بعضنا بعضًا حتى نستطيع أن نطلب منه غفرانًا لخطايانا الكثيرة.
- ولنسأله أن يحفظنا من كل شر وإذا سمح بالألم فليحفظنا من اليأس.
لقد علمنا الرب كيف نصلي وعلمنا أيضًا أن نسأله لكي يعطينا. أنه يعلم ما نحتاج إليه قبل أن نطلب منه، ولكنه يريدنا أن نسأل، ونطلب، ونقرع، ونتضرع بلجاجة حتى حينما يستجيب لنا نقدر قيمة عطاياه ونفرح بها.
فلنتعلم بالأولى أن نطلب من الله لكي يعمل روحه القدوس فينا بقوة ويقودنا إلى معرفته أكثر، وإلى إتمام مشيئته في حياتنا، وإلى تقديم النفس والجسد ذبيحة حب لمجد اسمه وانتشار ملكوته، وإلى محبة أخوتنا.
لقد أقبل ملكوت الله علينا (لو11: 14-28)
بهتت الجموع من شفاء المجنون الأعمى الأخرس (مت 12: 22) إذ تكلم وأبصر. ولكن بعض من القوم الواقفين وهم فريسيون (مت12: 24)، وكتبه من أورشليم (مر3: 22)، وهم واثقون من أنفسهم أنهم عارفون الناموس، رأوا الخير شرًا وقالوا عن المسيح أنه ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين (بعل كلمة معناها رب أو سيد أو زوج. وتقترن كلمة بعل باسم بلد أو شيء لتعبر عن إله هذا البلد أو هذا الشيء. وبعلزبول الاسم الأصلي له هو بعلزبوب وهو إله الذباب عند العقرونيين (2مل 1: 3) وهو لا يجعل الذباب يدخل المنازل. ولكن اليهود حرفوا الاسم إلى بعلزبول أي بعل الأقذار، لأنهم كانوا يحتقرون آلهة الوثنيين، ويعتبرونهم كشياطين (1كو10: 20). وسموا بعلزبول هذا رئيس الشياطين لأنه كان أكبر آلهة العقرونيين).
وهنا وجد الرب فرصة جديدة للتعليم فقال:
أ- الشياطين لا تأمر بالخير لأن كل أعمالهم شريرة، فهي لا تنقسم على ذاتها لكي تضمن ثبات مملكتها. هكذا الانقسام لن يثبت بيوتنا أو عائلاتنا أو كنائسنا أو مجتمعنا، بل سيجعلنا فريسة سهلة للعدو المشترك. “إن كنتم تنهشون وتأكلون بعضكم بعضًا فانظروا لئلا تفنوا بعضكم بعضًا” (غل 5: 15).
ب- ولكن بعملي هذا أعلن لكم ملكوتًا آخر غير ملكوت الشيطان أنه ملكوت الله الذي أقبل عليكم بتجسدي واقترابي منكم، فأنا أقوى من الشيطان وسأقيده وأنزع سلاحه منه وانهب بيته، لأني سأخلص البشر المربوطين برباطاته، سأخلصهم من سلطان الموت والخطية، وأعطيهم قوة لكي يعيشوا فيما لله.
وعندكم تلاميذي الذين هم أبناؤكم المولودين منكم ويهود مثلكم ولكنهم يشهدون لما أقول من الآن. فهم يخرجون الشياطين أيضًا لأنهم تبعوني في بساطة الإيمان فأعطيتهم سلطانًا أن يدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو. لذلك هم سيكونون قضاتكم ويحكمون فيكم. أنهم شهود لي أني بأصبع الله أي بروحه القدوس أخرج الشياطين. أنهم شهود لسلطان الله وملكه على كل شيء.
جـ- وإن كنت أنا قد خلصتكم من كل قيود الشر، فعليكم أنتم أن تتبعوا الخير لأن من ليس معي فهو عليَّ. حتى لا يرجع الشرير ويجد القلب فارغًا من عمل الصالحات فيرجع ويملك هو وآخرون أيضًا وتصير أواخركم أشر.
وهنا ارتفع صوت امرأة أعجبت بتعليمه فصارت تمدح أمه التي حملته وأرضعته فأضاف رب المجد بمديح من يسمع كلام الرب ويحفظه.
يا رب لقد كنت مقيدًا ومربوطًا برباطات العدو الذي أعمى بصيرتي وأبكم شفتي، ولكنك تحننت عليَّ وولدتني من جديد في المعمودية فخرجت أبصر وأتكلم، أبصر خلاصك العجيب لي من قبضة الشرير وصرت أتكلم وأشهد بهذه الغلبة صرت أسبحك في الليل والنهار لأنك قوي.
8- هوذا الأعظم ههنا (11: 29-32)
وبالرغم من المعجزات التي رآها الناس من الرب وأعجبوا بها، إلا أنه قام بعض منهم يطلبون منه أن يقدم لهم آية من السماء (عدد 16)، وهنا ذكرهم الرب يسوع بآية يونان النبي الذي كان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، وآمن أهل نينوى بمناداته. هكذا يكون ابن الإنسان في داخل القبر ثلاثة أيام وثلاث ليالي ثم يقوم، وعليهم أن يؤمنوا هم بذلك. وأيضًا ملكة التيمن التي سمعت عن حكمة سليمان وجاءت من بلدها البعيد لترى هذه الحكمة، وهوذا أعظم من سليمان ههنا.
ربي وإلهي.. إنني لا أختلف كثيرًا عن هذه الجموع المزدحمة التي وصفتها بأنها جيل شرير وقلبها قاسي، لأنك أنت الأعظم من يونان قريب جدًا مني، موجود على المذبح كل يوم، وما زلت ابحث عن حلول لمشاكلي الجسدية والأسرية والاجتماعية والروحية بعيدًا عنك. أعطني أن أقترب من مذبحك دائمًا، لآخذك في داخلي، وأحيا بقوتك، بل أعطني يدًا تعرف كيف ترتفع بالصلاة لك في كل الظروف، وتخرج ملآنة من فيض نعمتك.
9- النور الحقيقي، وكيف نبصره؟ (11: 33- 36)
لقد علم الرب يسوع أن هذه الجموع تحتاج أن تتعرف على النور الحقيقي ، منذ قليل كانوا يطلبون آية لكي يؤمنوا به، ولكن لو كانت المعجزة هي التي تنقصهم لكانوا آمنوا به عندما شفى الأعمى والأخرس. أنهم يحتاجون لنور تعاليمه وأقواله، وها هو يعلن لهم أن تعاليمه لم تكن في الخفاء، تحت مكيال، بل كلها ظاهرة، ليسمعها وينظرها الكل. أنهم ينقصهم الضمير الخالي من كل مصلحة خاصة، إذ أن الضمير بالنسبة للنفس، كالعين بالنسبة للجسد، فإن كان الضمير نقيًا، فالنفس ستضيء بلمعان كلما اقتربت من كلام الله.
10- شريعة الحب والصدق والرحمة (11: 37 – إلخ.)
لقد دعي أحد الفريسيين الرب ليأكل عنده، فريسي كلمة آرامية معناها مفرز أو منعزل. ولأنهم جماعة تدقق في العبادة لدرجة أنهم يتمسكون بالشكل أكثر من الجوهر، لذلك تعجب الفريسي حينما رأى الرب يتقدم للأكل دون أن يغسل يده، لأن الاغتسال عندهم يعني تطهيرًا وليس مجرد نظافة، ولذلك دعاهم الرب إلى الطهارة الداخلية من كل نية خبيثة، وفكر شرير، ورغبة قلب باطلة.
وقد عُرفوا بالرياء والنفاق، لذلك شبههم الرب بالقبور المبنية تحت الأرض، والذين يمشون عليها لا يعلمون أنها قبور مملوءة فسادًا.
وهكذا كانوا حريصين على تقديم عشورهم من كل شيء حتى أصغر الحبوب النعنع والشذاب (نبات صغير، مر الطعم، ينمو في فلسطين، ويستخدم في الأغراض الطبية)، البقول، وغير مهتمين بأن يقدموا الحب ويسلكوا بالحق.
أما الناموسيون، فهم أناس عارفون لناموس موسى ومتخصصون في تفسيره وتعليمه في المدارس والمجامع، وكان من عادة اليهود- أن يُعطوا الناموسي مفتاحًا عند تعيينه للوظيفة، وذلك عند بلوغه الثلاثين من عمره، إشارة إلى أنه ملزم أن يفتح كنوز الحكمة الإلهية التي في الناموس، لنفسه وللناس. ولكنهم أخطأوا إذ صاروا يُعلمون بتقاليد الشيوخ وعادات موروثة أكثر من تعليمهم لكلام الله. لذلك حمَّلوا الناس أحمالًا عسرة، وقتلوا وطردوا كل من أراد أن ينبههم لخطئهم من الأنبياء. وكان آخر من قتلوه هو زكريا بن برخيا لأنه حذرهم من التعدي على الوصية الإلهية. (2أي 24: 20-24).
أننا كثيرًا ما نضعف ونسلك كما سلك هؤلاء الناموسيون والفريسيون، حينما نتظاهر بالحب واللطف بين الناس، ونحن في بيوتنا منقسمون ومملوؤن بغضة وخشونة. وحينما ننادي بكلمات المسيح وتعاليمه، ونحن لا نعمل بها. وحينما نفرح بأعياد القديسين وتذكاراتهم، ولا نحاول أن نعيش حياتهم وبرهم وقداستهم. وحينما نواظب علي العبادات الكنسية، وننسي عمل الرحمة والحب بين الناس.
ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك.