تفسير إنجيل لوقا أصحاح 5 – أ. بولين تودري
4- ينصحنا بالدخول إلى العمق (5: 1-11)
لقد كان هناك أربعة من النفوس المنشغلة بقضاء واجباتهم اليومية، بطرس وأخوه أندراوس، وشريكيهما يعقوب ويوحنا، أبنى زبدي، أنهم يشتغلون بصيد السمك ولديهم سفينتين. لقد تعبوا الليل كله، وها نحن نراهم يغسلون الشباك من الأعشاب التي علقت بها، ويصلحون ما قد تخرق منها، لقد سلموا بأنه لا يوجد صيد هذه الليلة. ولكن قابلهم يسوع عند بحيرة جنيسارت (وتسمى أيضًا بحر طبرية أو بحر الجليل)، وأستخدم إحدى السفينتين الفارغتين من صيد السمك، وملأها من النفوس التي اصطادها بتعليمه.
نحن نظن أننا سيئ الحظ، حينما نجد صعوبة في توفير لقمة العيش، أو حينما تمر بنا أزمة أو خسارة ما، ولكن في الحقيقة أن يسوع يريد سفينة حياتنا فارغة قليلًا، لنحول أنظارنا إليه، وساعتها يأخذ بيدنا ويدعونا للدخول إلي العمق، ويطلب منا أن نجتاز ضيقاتنا بالإيمان قائلين “علي كلمتك القي الشبكة”.
كان ضروريًا أن يشعر بطرس بالسفينة الفارغة، حتى يتعلم درس الصيد الكثير بالإيمان.
5- يوصينا بطاعة الناموس (5: 12-16)
جاءه رجل مملوء برصًا، أي أمتد البرص إلى كل جسده، والأبرص حسب الشريعة اليهودية يعتبر نجس، لا يلمسه احد، ويعزل عن جماعة المؤمنين، لأن البرص يشير إلى حياة الخطية والشر، ولا يدخل إلى الجماعة مرة أخري إلا بعد الشفاء من المرض وإجراء طقوس تطهير كثيرة ذكرت في سفر اللاويين (لا 13، 14). لمسه الرب يسوع فتطهر، امتدت قداسته إلى النجس فصار طاهرًا. لم يكن محتاجًا بعد ذلك لتتميم الشريعة، إذ قد شفاه مُعطي الشريعة بذاته. ولكن الرب يسوع أمره أن يذهب للكاهن، لأنه لم يأت ناقضًا للناموس بل مكملًا له لأجل الإنسان.
ويقول القديس أمبروسيوس [إن كان تطهير الأبرص قد تم بكلمة الرب، فإن احتقار كلمة الرب هو البرص الذي يصيب الروح].
وها هو الرب يسوع يمد يده الآن ويطهرنا من خطايانا عندما نأتي إلى الأب الكاهن تائبين ومعترفين بخطايانا.
6- يغفر الخطايا (5: 17-26)
ها هو الرب يسوع يظهر سلطانه علي الأمراض الروحية، ويعلن أنه جاء ليهب الإنسان عطايا أعظم، أنه يغفر الخطايا. لقد جاءه إنسان مشلول، محمولًا بواسطة أربعة من أصدقائه، ودلوه من خلال الآجر (وهو غطاء من الطوب يوضع علي سقف الدار وقتيًا، ويمكن رفعه بسهولة عند الحاجة). أنه مريض جسديًا، ولكن الرب يسوع بعينيه الكاشفة رأي أنه مريض روحيًا، فأهتم بشفاء روحه، إذ منحه غفران الخطايا، ثم شفي جسده، إذ أمره أن يقوم ويحمل سريره ويمضي.
شكرًا لله، الذي يقبل تضرعات البعض (أصدقاء المفلوج)، من أجل غفران خطايا الغير.
7- يقبل الخطاة (5: 27-32)
زادت الجماعة التي اختارها الرب لتتبعه، فنظر عشارًا اسمه لاوي جالسًا في مقر عمله، حيث يجمع الضرائب، وناداه اتبعني، أنه خاطئ لأنه في عمله يجد فرصة لأن يجمع المال لنفسه بالظلم والقسوة، لذلك فهو منبوذ من الناس. ولكنه له مكان في قلب الرب، كمريض يحتاج إلى الشفاء من الظلم والقسوة، قبل الرب دعوة لاوي لمنزله، وفرح بتوبته، وجلس وسط العشارين أصدقاؤه، لعلهم يتوبون هم أيضًا.
وقبل لاوي الرب، فغير حياته، وغير اسمه ليصبح متى (كلمة عبرية معناها هبة الله)، وهو نفسه الذي استخدمه الوحي الإلهي ليسجل لنا إنجيل متى.
لقد تغير متى من عشار إلى رسول، فلا ييأس احد مهما كانت خطاياه، بل يعلم أن الرب أعطانا التوبة لغفران الخطايا والرجوع إلى حياة أفضل.
8- الثوب الجديد.. والخمر الجديد.. والحياة الجديدة (5: 33-39).
لقد أفادنا تذمر الفريسيين علي الرب. حتى نتعلم مفاهيم جديدة من إجابة يسوع عليهم. فالوقت الآن ليس مناسبًا للصوم، بل للإعلان عن العريس والفرح به. ومتى ارتفع العريس إلى السماء فسنطلبه بأصوام وطلبات. وكأن غاية العبادة ليست الصوم والنسكيات، بل التمتع بالإتحاد مع العريس السماوي، خلال هذه الأصوام والنسكيات، إن قدمت بالروح والحق.
فلا بد وسيصوم التلاميذ، بعد أن يرفع العريس عنهم. ولكنهم أيضًا سيصومون بفهم جديد. فبعد صعوده حل الروح القدس عليهم فصاروا أشبه بثوب جديد أو زقاق جديد. يمارسون العبادة بفكر جديد. فبعد أن كان الصوم في العهد القديم حرمانًا للجسد. صار في العهد الجديد شركة حب وفرح مع المسيح وفرصة لتحرير النفس وإنعاش القلب.