تفسير إنجيل لوقا أصحاح 9 – أ. بولين تودري

23- كرازة الرسل وكرازتنا (9: 1-9)

من جمال الرب أنه قبل أن يطالب الرسل بأن لا يرتبكوا باحتياجاتهم الجسدية، حين أرسلهم للكرازة. أعطاهم قوة لشفاء الأمراض، وسلطان لإخراج الشياطين. هكذا فعل معنا. أعطانا نعمة بنوة بالمعمودية. وثبت روحه القدوس فينا بالميرون. واتحد بنا في التناول. ثم طلب منا أن نعيش متممين وصاياه. كرازة الرسل ومعجزات الشفاء التي عملوها جعلت هيرودس يسأل بقوة من يعملون هذا. وهكذا سيرتنا نحن بحسب إنجيل المسيح تجعل أهل العالم يتساءلون. من نتبع. وبقوة من نعيش. وهذه هي كرازتنا.

24- أنه يهتم بتدبير أجسادنا مثل اهتمامه بأرواحنا (9: 10-17)

إلهنا وعده صادق. فقد طلب منا قائلًا “لا تهتموا بما تأكلون وبما تلبسون لأن الرب يعرف أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. أطلبوا أولًا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزداد لكم” (مت 6: 33).

جاءته الجموع في خلوته مع تلاميذه تطلب سماع كلام الحياة منه. وتطلب شفاء لأمراضها. لم يتأخر الرب عنهم. أعطاهم ما يريدون وفي النهاية لم يصرفهم بجوع أجسادهم بل أشبعهم بالخمسة خبزات والسمكتين. دون أن يطلبوا هم ذلك.

فلنتعلم أن لا نرتبك بالجسديات ونعطيها كل وقتنا. بل لنسعى ونجد في طلب الروحيات، ولنترك للرب ترتيب احتياجاتنا الجسدية.

25- يسأل هل نعرفه؟ (9: 18-22)

لقد أراد الرب أن يطمئن من جهة خاصته وتلاميذه أنهم يعرفونه جيدًا. يعرفون بنوته الفريدة لله. يعرفوا هدف تجسده أنه من أجل البشرية. يعرفون أنه هو الذي أشارت إليه النبوات. أراد أن يطمئن أن الأمر ليس مختلطًا عليهم مثل عامة الناس.

ونحن هل نعرفه جيدًا، أم مازال الأمر مختلطًا علينا. هل نعرف أنه هو وحده الذي يستحق حياتنا وكل مالنا لأنه ذُبح واشترانا بدمه. هل نستطيع أن نردد “منك الجميع ومن يدك أعطيناك” (أي 29: 14).

حينما ندرك هذه المعرفة. سيأتمنا الله علي أسراره الأكثر عمقًا. مثلما ائتمن التلاميذ علي حقيقة آلامه ورفضه من الشيوخ وموته وقيامته في اليوم الثالث.

26- علامة التبعية. حمل الصليب (9: 23-26)

[يأتي الشهداء حاملين عذاباتهم. ويأتي الصديقون حاملين فضائلهم. ويأتي ابن الله في مجده ومجد أبيه ويجازي كل واحد حسب أعماله التي عملها] هذا المشهد تضعه أمنا الكنيسة أمامنا في ختام التسبحة اليومية. حيث تصور كل من تبعوا المسيح بحمل الصليب كل يوم. وهم يرفعون في هذا الموكب علامة آلامهم ويدخلون بقوة إلى عرش الملك.

فمن يهلك نفسه لأجل السلوك في طاعة الوصية. وفي الشهادة للمسيح فهو يحفظها لحياة أبدية سعيدة. ومن يخلص نفسه بمفهوم هذا الزمان الحاضر من السلوك بالرياء والرشوة والتملق فهو يهلكها بحرمانها من هبات الرب للحياة الأبدية.

27- جيد أن نكون في حضرة الرب (9: 27-36)

إن هذا الملكوت الذي نجاهد من أجله كل حياتنا. نستطيع أن نعيشه من الآن ونحن في الجسد. فيوجد قوم رأوا ملكوت الله وهم مازالوا في الجسد. أنهم بطرس ويعقوب ويوحنا الذين تمتعوا بتجلي الرب يسوع ورؤية لباسه المبيض اللامع. لقد رأوا بصيصًا من مجده.

الملكوت حالة يعيشها الإنسان في إحساس بحضور الله معه. وليس مكان بعينه نصل إليه بعد زمان معين. “فها ملكوت الله داخلكم” (لو 17: 21).

كلما حرصنا أن نكون في حضرة الرب. نشركه في تدبير أمور حياتنا. فنحن نعيش ملكوته. ونضم زمان غربتنا علي الأرض إلى زمان أبديتنا.

28- كل شيء مستطاع للمؤمن (9: 37-43)

تقدم رجل إلى يسوع محتجًا، لأن له ابن يصرعه روح نجس، وقدمه للتلاميذ ليشفوه ولم يقدروا، وقال له “إن كنت تستطيع أن تفعل شيئًا لابني، فتحنن علينا وأعنا” (مر 9: 22). فأجابه الرب قائلًا “إن كنت تستطيع أن تؤمن، كل شيء مستطاع للمؤمن” (مر 9: 23)، مبينًا له أن سؤاله فيه شك في قدرته لأنه يقول “إن كنت تستطيع أن تفعل شيئًا..”، وإن سبب عدم شفاء التلاميذ لابنه هو عدم إيمانه هو بقدرتهم علي الشفاء وساعتها رد الرجل قائلًا “أؤمن يا سيد فأعن عدم إيماني” (مر 9: 24)، فمد يسوع يده وشفي ابنه.

29- يسوع يؤكد تعاليمه (9: 44-50)

لقد عاد الرب يؤكد موضوع آلامه مرة أخري لتلاميذه. أنه ذكره لهم، ولكنه في نفس الوقت أخفي قوة وقع الأمر عليهم حتى لا ينشغلوا بها كثيرًا الآن، أو لا يقلقهم، فإنه مازال عنده تعاليم كثيرة يريد أن يغرسها فيهم.

فإن التلاميذ محتاجين أن يفهموا أن طريق آلامه هو الطريق الوحيد لملكوته السماوي، وليس من خلال العظمة الزمنية، فعليهم أن يقبلوه مثل الأطفال المملوءين حبًا واتضاعًا.

وكذلك يوحنا منع من يخرج الشياطين باسم يسوع، أما يسوع فقال له دع الكل يعمل، فليس من الجيد أن نتعصب لجماعة دون الأخرى “ليس يتبع معنا”، مادام الكل يعمل من أجل الخير.

3- رحلة المسيح من الجليل إلى أورشليم (خدمته في اليهودية وبيرية) (9: 51 – 19: 27)

أنفرد القديس لوقا بتتبع مسيرة الرب يسوع من الجليل إلى أورشليم. حيث دامت أحداث هذه المسيرة ستة أشهر. ومر فيها علي عدة قري. وسجلها لنا البشير لوقا في عشرة إصحاحات من إنجيله.

فتعالي معي يا أخي لنتابع أعمال وتعاليم الرب يسوع في رحلته ليتألم من أجلنا.

1- الرب يسوع جاء ليُخَلِص: (9: 51-56)

حين اقتربت الأيام لارتفاع رب المجد علي الصليب من أجلنا. اتجه إلى أورشليم، لأنه هناك ينبغي أن يتألم ويموت ويقوم ويصعد عنا. وفي طريقه أرسل رسله إلى قرية للسامريين لإعداد الحاجات الجسدية من مأوي وطعام له ولهم. ولأن السامريين لا يحبون اليهود. وبالذات الصاعدون منهم للعبادة في أورشليم. لأنهم يعتقدون أن السجود ينبغي أن يكون عندهم في جبل جرزيم وليس في أورشليم، لم يقبلوا المسيح. وهنا غضب تلميذاه يعقوب ويوحنا وأرادا أن يُعبرا عن حبهما للمسيح بالانتقام ممن رفضوه كما فعل إيليا في القديم (2 مل 1). ولكن الرب يسوع لم يأت ليهلك بل ليخلص، فالتمس لهم العذر في رفضهم. فهم لم يرفضوه لشخصه المخلص بل رفضوه نتيجة جهلهم بما لأورشليم من رمز ومكانة، ونتيجة تعصبهم لعقائدهم.

2- ثلاثة شروط للتلمذة للمسيح (9: 57 – إلخ.)

قابل يسوع في الطريق ثلاثة أشخاص يطلبون التلمذة له.

الأول: متعجل في طلبه، وغير فاهم لأتعاب الطريق، يظن أن في تبعيته ليسوع كرامة ومجد لنفسه بين الناس. فوضع الرب أمامه الحقيقة كاملة لكي يراجع نفسه. من يريد أن يتبعني فليعلم أن ابن الإنسان ليس له أين يسند رأسه.

أعطني يا رب أن أقول بملء الفم “أتبعك أينما تمضي” بالرغم من معرفتي أن الطريق كرب والباب ضيق.

والثاني: في قلبه حب، ويريد أن يتبع يسوع، ولكنه متوانيًا إذ أن عليه التزامات وضرورات يؤجل بسببها تبعيته للرب. رفض الرب الارتباك بهذه الالتزامات حينما قال دع الموتى بالروح يدفنون موتاهم. أنه لم يقلل من أهمية هذه الالتزامات، إنما رفض أن يكون ارتباكنا بها أكثر من اهتمامنا به.

أما الثالث: فهو متردد بسبب عاطفته نحو عائلته. والرب لم يرفض هذه المشاعر فيه أيضًا، ولكنه نبههه بأنها إذا زادت يمكن أن تعطله عن تلمذته وتبعيته للرب يسوع. مثل الفلاح الذي يجب أن ينظر إلى محراثه ليكون مستقيمًا عميقًا ولكنه ينصرف عنه بالنظر إلى الوراء حيث يشغله شيء آخر. يداه علي المحراث في العمل ولكن أفكاره في موضع آخر. مثل هذا لا يحسن أن يحرث حقلًا.

أعطني يا رب أن يكون الاهتمام بشخصك وبنشر ملكوتك هو الأول والآخر في حياتي. وأتمم كل التزاماتي الأسرية والاجتماعية والجسدية، من خلال محبتي لك.

زر الذهاب إلى الأعلى