ملخَّص تعاليم العهد الجديد عن المعمودية
من كتاب المعمودية: الأصول الأولى للمسيحية
للأب متى المسكين
الفصل الثاني
الجزء التقليدي
أ – المعمودية من واقع الإنجيل وسفر الأعمال والرسائل
6- ملخَّص تعاليم العهد الجديد عن المعمودية
المعمودية جاءت في سفر الأعمال 21 مرَّة كمجرد إجراء عملي، وفي إنجيل ورسالة ق. يوحنا 13 مرَّة.
في سفر الأعمال:
- طقس المعمودية بالماء يحوي تعاليم الرسل التي يقابلها رد فعل الإنسان إزاء رسالة الخلاص.
- فالذين يسمعون ويتوبون ويؤمنون يُعمَّدون باسم يسوع المسيح فيتَّحدون في جماعة المسيحيين.
- منذ بدء المسيحية أخذت المعمودية معناها من إنجيل الخلاص في المسيح مصلوباً وقائماً من الأموات.
- المعمودية مربوطة بغفران الخطايا، والمعمودية مربوطة بالروح القدس وبوضع اليد.
في رسائل القديس بولس الرسول:
- المعمودية تحوي كل المعروف إنجيلياً منذ بدء التعليم المسيحي، لذلك فالقديس بولس يربط بين المعمودية وموت المسيح وقيامته وبذلك تتحقَّق الكريجما، أي تعليم الرسل الأساسي.
- والخلاص يعني الاشتراك بواسطة المعمودية في موت الرب وقيامته، المعبَّر عنه بالإيمان (غل 20:2)، وهو في نفس الوقت معنى المعمودية (رو 3:6و4).
- المعمودية هي لبس المسيح والحصول على التبني (غل 26:3و27) كنتيجة للإيمان.
- ثمر المعمودية هو التجديد الأخلاقي كنتيجة لعطية الروح القدس المربوطة بالمعمودية، حيث المحبة تفوق التكلُّم بالألسن.
- المعمودية اتحاد في جسد المسيح والباب المؤدِّي إلى مخصصات العهد الجديد في اسم يسوع المسيح وعمل الآب، الذي أقام المسيح من الأموات والذي يقيم المؤمن من الموت، وحالياً ينقله إلى حياة جديدة أخلاقياً (1كو 14:6، رو 4:6، كو 12:2و13، أف 6:4). والمعمودية قائمة أساساً على الإيمان (غل 24:3-26، 1كو 9:12، رو 8:6، كو 12:2، أف 13:1و5:4)، وبها يصير المعمَّد “في المسيح” (غل 26:3، رو 11:6، كو 10:2)، ويتحد بجسد المسيح (غل 28:3، 1كو 12:12و13، أف 3:4-6)، والكنيسة تصير إسرائيل الجديدة (غل 29:3، 1كو 9:6و10، كو 11:2، أف 14:1).
في إنجيل القديس متى:
في نهاية إنجيل ق. متى، أصل التقليد الكنسي بالنسبة للمعمودية وله صدى في إنجيل ق. مرقس، يفيد على أية حال أن المعمودية تأسَّست وصارت بدايتها ببداية الكنيسة ذاتها كصفة خاصة جدًّا لها ومميِّزة، كواسطة للالتحاق بالجماعة المسيحية الأُولى بسلطان قيامة المسيح:
(مت 18:28–20)
+ » فتقدَّم يسوع وكلَّمهم قائلاً: دُفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأُمم وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلِّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر. آمين «
- هنا النص يوفِّر لنا البرهان على أن تأسيس المعمودية هو من عمل المسيح.
- والبرهان الذي يوفِّر لنا أيضاً أصالة وجود هذا النص هو ما قاله بولس الرسول عن إرساليته الرسولية قائلاً: » لأن المسيح لم يرسلني لأُعمِّد بل لأُبشِّر «(1كو 17:1). يُفهم من هذا فوراً أن باقي الرسل أُرسلوا ليعمِّدوا بأمر الله والمسيح! وأن المعمودية هي تأسيس صادق من المسيح نفسه.
في كتابات القديس يوحنا الرسول:
- المعمودية تتم ظاهرياً بالماء وداخلياً بالروح لكنها ولادة من فوق!
- هي ولادة من فوق تؤهِّل مباشرة لدخول ملكوت الله.
- المعمودية المسيحية في الكنيسة هي المثيل المقابل لمعمودية المسيح في الأُردن وعلى الصليب بالدم.
- وهكذا أصبح نوال البنوية لله في المعمودية أمر استحقاق كمثيل للمثيل، خاصة بعد قبول الروح القدس.
- القديس يوحنا يعي تماماً علاقة المعمودية بموت المسيح واستوفاها بعبارة: » هذا هو الذي أتى بماء ودم « ويرمي بهذا الاصطلاح إلى قول المسيح أن له معمودية (صبغة) ينبغي أن يصطبغ بها.
في رسائل بطرس الرسول:
(1بط 18:3–21):
+ » فإن المسيح أيضاً تألَّم مرَّة واحدةً من أجلِ الخطايا، البارُّ مِنْ أجل الأثمةِ، لكي يقرِّبنا إلى الله، مُماتاً في الجسدِ ولكن محييً في الروحِ، الذي فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التي في السجن، إذ عصت قديماً، حين كانت أناة الله تنتظر مرَّةً في أيام نوحٍ، إذ كان الفُلْكُ يُبنَى، الذي فيه خَلَصَ قليلونَ، أي ثماني أنفسٍ بالماءِ. الذي مِثَالُهُ يُخلِّصُنَا نحن الآن، أي المعموديةُ، لا إزالةُ
وسخِ الجسدِ، بل سؤالُ ضميرٍ صالحٍ عن الله، بقيامة يسوع المسيح «
- هنا يؤسِّس ق. بطرس الحياة الجديدة بعد المعمودية على ضمير صالح على أساس قيامة يسوع المسيح من الأموات. ليس بجهد ذاتي من الإنسان بل بالله الآب الذي أقام ابنه يسوع المسيح من الأموات لكي يلدنا جديداً (1بط 3:1) لحياة جديدة، هو العامل فيها بقوته، التي أقام بها ابنه من الأموات.
- إن المعمودية المسيحية تعتمد أساساً في قوتها وفعلها على قيامة المسيح من الأموات، فالمسيح الذي دخل إلى راحته في الأمجاد السماوية هو الذي يعطي الحياة الجديدة للإنسان لأنه هو نفسه دخل إلى مثلها.
- كما يذكر بطرس الرسول أن القيامة والحياة الجديدة المطهَّرة من كل عيب تقوم على قوة الروح » مماتاً في الجسد ولكن محييً في الروح «(18). أي على موت المسيح وعلى الروح!
إشارات عن المعمودية في مواضع أخرى في العهد الجديد:
(عب 19:10–22):
+ » فإذ لنا أيُّها الإخوةُ ثقةٌ بالدخولِ إلى الأقداس بدم يسوع، طريقاً كرَّسه لنا حديثاً حيًّا، بالحجابِ، أي جسده، وكاهنٌ عظيمٌ على بيت الله، لنتقدَّم بقلبٍ صادقٍ في يقين الإيمان، مرشوشةً قلوبنا من ضميرٍ شريرٍ، ومُغتَسِلةً أجسادنا بماءٍ نقيٍّ. «هنا المفهوم عملياً أن يسوع المسيح بكونه كاهناً عظيماً على رتبة ملكي صادق بذبيحة نفسه للموت قد فتح لنا طريقاً حيًّا حديثاً. هنا الحي الحديث يشير إلى الذبيحة الحديثة فهي نظرة حادة إلى الأصل الذي انبثق منه سر العماد كطريق نقترب به إلى الله، بشجاعة الإيمان بناءً على شركة معه غير محدودة. هذا يقوله صاحب السفر لتشجيع القلوب المطهَّرة من ضمير يشتغل بالشر بسبب اغتسال أجسادنا، وهي لغة تكريس الكهنة في القديم حيث رش الدم هو من الذبيحة المقدَّسة، والاغتسال والتطهير بالماء طبَّقها المؤلِّف على المعمودية مثل ما قاله ق. بطرس في (1بط 21:3)، حيث الاغتسال بالماء يشمل فعلاً سرًّا متعمِّقاً في كيان المعمَّد أي نفسه، وذلك بسبب أن الذبيحة هي ذبيحة المسيح، ورش دم المسيح يُطهِّر كما يقول ق. بولس حتى الضمائر من الأعمال الميتة (عب 14:9).
1 – هنا واضح أن سفر العبرانيين يعطي المعمودية معناها على أساس موت المسيح على الصليب كذبيحة حيَّة!
2 – ولكن الملاحَظ في سفر العبرانيين أنه ينتحي ناحية جديدة في ربط المعمودية بموت المسيح تُخالف الذي علَّم به ق. بولس. فالقديس بولس جعل الانغمار في ماء المعمودية، بينما سفر العبرانيين يؤسِّسه على رش الدم كطقس خيمة الاجتماع في تكريس أي تقديس الكهنة.
3 – كما نُلاحِظ أن المعمودية هنا لا تقوم فقط على موت المسيح بل على الإيمان (عدد 22) وعلى الوضع الأخلاقي الجديد (عدد 24): » ولنلاحِظ بعضنا بعضاً للتحريض على المحبة والأعمال الحسنة « وعلى الرجاء (عدد 23): » لنتمسَّك بإقرار الرجاء راسخاً لأن الذي وعد هو أمين «
- الاستنارة صفة المعمودية:
+ » لأنَّ الذين استنيروا مرَّة، وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس … وسقطوا، لا يمكن تجديدهم أيضاً للتوبة. «(عب 4:6-6)
+ » ولكن تذكَّروا الأيام السالفة التي فيها بعدما أُنرتم صبرتم على مجاهدة آلام كثيرة. «(عب 32:10)
وهكذا نرى أن تسمية المعمودية بالاستنارة قديمة قِدَم الإنجيل والرسائل.
- المعمودية تعني الميلاد الثاني وتحقِّق التجديد بقوة الروح القدس:
+ » ولكن حين ظهر لطف مخلِّصنا الله وإحسانه – لا بأعمال في برٍّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته – خلَّصنا بغُسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس، الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلِّصنا. حتى إذا تبرَّرنا بنعمته، نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية. «(تي 4:3-7)
1 – هذا يثبت أن التغيير الحادث لهم من حياة شريرة منحلة إلى حياة برّ هو من عمل قوة الله المخلِّصة بلطف الله crhstÒthj وإحسانه filanqrwp…a أي محبته للبشر التي فجأة أُظهرت للعالم في المسيح، ليس بجهد بشري بل بسبب طبيعة الله الرحومة التي أنعمت بغسل الميلاد الثاني regeneration والروح القدس.
2 – جعل “غسل الميلاد الثاني والروح” مبادرة سماوية “انسكبت” في جملتها مرَّة واحدة كما
“انسكب” الروح القدس يوم الخمسين، بقصد “تبرير الإنسان” بنعمة الله.
3 – غاية الغسل للميلاد الثاني والروح هو: » فإذ قد تبرَّرنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية «
4 – وعليه يبدأ يعيش الآن الإنسان هنا على رجاء الحياة الأبدية الآتية.
5 – هكذا تربط هذه الرسالة بين المعمودية والروح القدس. كما رأينا سابقاً في (1كو 6: 11-13، 2كو 22:1، أف 13:1 و4:4و5).
6 – والمُلاحَظ أنه هنا يذكر الله كمخلِّص، ووصف المعمودية بالميلاد الجديد paliggenes…a ووصف عمل الروح القدس بالتجديد ¢nakainèsewj. هذه أمور جديدة ليس بالألفاظ والمعاني ولكن من واقع السر.
7 – وصف عمل الله في المعمودية بأنه » سكب علينا بغنى بيسوع المسيح «يعتبر تعبيراً جديداً.
8 – في الرسائل السابقة كانت النعمة والتبرير هي حاصل موت المسيح، ولكن هنا تعود إلى صلاح الله وإحسانه.
9 – نلاحظ هنا في الرسالة إلى تيطس أن “موت المسيح” لا يتصدَّر عمل المعمودية ولكنه موجود.
10 – هنا عمل المعمودية معتبر كغسل كما سبق أن رأينا في (أف 26:5).
وأخيراً نستخلص من تعليم العهد الجديد عن المعمودية:
- أن التبني وعطية الروح القدس وفعله في المعمودية في العهد الجديد هذه كلها مثيل لمعمودية المسيح.
- كل التعاليم الواردة في العهد الجديد تكشف عن مدى أهمية المعمودية ورهبتها والتجديد الأخلاقي فيها لا يُعلَّل إلاَّ كنتيجة لعمل الله والمسيح والروح القدس.
- في كل أمثلة المعمودية في العهد الجديد هي في الحقيقة طقس له معناه ومبناه وقيامه الثابت في أساس نمو الكنيسة ووجودها.
- الأساس الروحي اللاهوتي لقيام المعمودية وأصولها الأُولى قائم في موت المسيح وقيامته، وفي الخلاص الذي تمَّ بهذا الموت وهذه القيامة، حيث فعل الموت والقيامة متجدِّد في المعمودية، فهو واسطة خلاص بالدرجة الأُولى.
- لذلك فشكل الطقس خارجياً لا يعبِّر إطلاقاً عن مضمونها الرهيب كسر الأسرار.
- إن تطوُّر المعمودية بمرور الزمن لتصبح من نصيب الصغار حتى إلى 8 أيام جعل المعمودية غائبة عن فكر الناس جميعاً. ولكن الحقيقة هي أن الإنسان المسيحي مهما بلغ من العمر فالمعمودية هي أُمّه التي لم يفارق رحمها. لذلك فشكل المعمودية وواقعها يستحيل فصلهما لأنهما معاً في كيان الإنسان وحدة واحدة لا تنفصل.
- المعمودية تحيا مع الإنسان إلى النهاية وتستمر من جيل إلى جيل طالما استمرَّت الحياة المسيحية، لأنها في مصدرها الأول كانت أمراً إلهياً صدر من المسيح بعد قيامته كما هو وارد في إنجيل ق. متى (28: 18-20). فكما قال الله ليكن نور فكان وهو قائم حتى اليوم كيوم خلقته، كذلك المعمودية أصل الاستنارة للإنسان الجديد فهي امتداد لخلقة النور، ولكن على مستوى السماء وقلب الإنسان.
- والمعمودية ستظل مرتبطة -كيوم ما أمر بها المسيح -بالتلمذة بكل معناها، فطالما كانت هناك تلمذة جديدة فهناك معمودية حتماً » تلمذوا … وعمِّدوهم. «(مت 19:28)
- لهذا اعتبرت المعمودية سر المسيحية!!
- فإن كان سر المسيحية الأعظم هو المسيح، فالسر الذي ربط المسيح بالإنسان المسيحي هو المعمودية.
التعليم عن المعمودية في رسائل بولس الرسول | كتب الأب متى المسكين | ختم الروح القدس (سر التثبيت) |
كتاب المعمودية الأصول الأولى للمسيحية | ||
المكتبة المسيحية |