حول صفات الله
حول صفات الله
نعتقد دائماً أن مضمون ايماننا بعيداً كل البعد عن أى خداع أو تضليل، وندرس القضايا الإيمانية حتى تكون لنا بقدر الامكان صورة واضحة نقية ومتحررة من كل خطاً ومن أي معنى كاذب. واذ نميز بين المعرفة الكاملة عن الله وبين المعرفة الصحيحة لا يفوتنا أن ننبه إلى أن الله غير محدود ولا يدرك ادراكاً تاماً الا من قبله هو نفسه وفق ما يقول به الكتاب المقدس “ليس أحد يعرف الابن الا الآب ولا يعرف الآب الا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له” (مت ۲۷:۱۱) ” أمور الله لا يعرفها أحد الا الله” (١کو ١١:٢). ولكن لا نشك مطلقاً – حسب ما ذكرنا آنفا – أن الإنسان، وان كان يصعب عليه بسبب محدوديته أن يعرف الله معرفة تامة وأن يتعمق سر الألوهية، الا أنه يستطيع أن يكتسب عن الله معرفة صحيحة ومؤكدة وخلاصية .
إن الإنسان لا يعرف الله كما يعرف الله نفسه ولكن كما يكشف له الله وبقدر ما يظهره للإنسان. وعلى ذلك فإن إعلانات الله هى المصدر الوحيد الأمين والصادق، الذي يمكن أن يستقى منه المؤمن المعرفة الصحيحة عن الله، والخالية من كل خداع أو تضليل مما يساعده على تنمية إيمانه والتقدم في طريق الكمال الروحي.
واذ نستنير من خلال الإعلانات الإلهية بالاسماء التي تنسب الى الله. وبحسب ما تفسر هذه الأسماء من قبل الكنيسة فإننا نستطيع أن نعرف أن الله الكائن المطلق غير المحدود وهو روح لا نهائى فى الكمال. يتميز عن الخليقة التي ابدعها ويسمو عنها سموا لا نهائياً، ولكنه في نفس الوقت يظل مع الخليقة في علاقة دائمة مباشرة يحكمها ويسوسها ويعتنى بها. واذ يتكون لنا هذا المفهوم السليم عن الله فإننا لا نتعرض للوقوع فى خطأ المذاهب الفلسفية المتطرفة مثل مذهب وحدة الوجود ومذهب التألية الطبيعي.
أما مذهب وحدة الوجود وقد سبق الاشارة اليه اشارة مقتضبة فهو مذهب الذين يوحدون بين الله والعالم ويزعمون أن كل شيء هو الله. وهو مذهب قديم أخذت به البراهمانية والرواقية والأفلاطونية الجديدة والصوفية. فالبراهمانية يردون كل شيء الى الله ويعتقدون أن براهمان هو الحقيقة الكلية ونفس العالم وأن جميع الأشياء الأخرى ليست سوى أعراض ومظاهر لهذه الحقيقة. ( جميل صليبا : المعجم الفلسفي – المجلد الأول – المجلد الثاني)
والرواقيون يقولون أن الله واحد وأن العالم يفيض منه كفيضان النور عن الشمس وان للموجودات مراتب مختلفة الا أنها لا تؤلف مع الله الا موجودا واحدا. والمتصوفون يقولون ان الله هو الحق وليس هناك الا موجود واحد وهو الموجود المطلق اما العالم فهو مظهر من مظاهر الذات الالهية وليس له وجود فى ذاته لأنه صادر عن الله بالتجلى.
ولمذهب وحدة الوجود عدة صور جديدة كوحدة الوجود الاسبينوزية التي تقرر أن الله وحده هو الموجود الحق، ووحدة الوجود المثالية (هيجل) التي تقرر ان الله هو الروح الكلى الكامن فى الأرواح الجزئية ووحدة الوجود الطبيعية التي توحد الله والطبيعة.
ومذهب وحدة الوجود صورة من صور الوحدانية (Monisme) والكمونية (Immenentisme) هو مقابل لمذهب التأليه الديني (Theisme) ومذهب التأليه الطبيعي (Heisme).
وأما مذهب التأليه الطبيعى: فهو أيضاً لا يتفق مع مفهومنا للألوهية ذلك أننا إذا كنا نتحدث عن سمو الله عن الخليقة إلا أننا نشير الى علاقة الله بخليقته وتدخله فى حياة البشر، ولا نبعد الخليقة عن اهتمام خالقها الصالح، كما يذهب الى ذلك أصحاب مذهب التأليه الطبيعى الذين على الرغم من أنهم يثبتون وجود الله بالعقل، الا أنهم يرفضون التسليم بالوحى والتغلغل في معرفة صفات الله وعنايته ولا يسلمون يتدخل ارادة الله فى العالم على نحو ما أوضحنا سابقا .
ان الله الذى نؤمن به له کیان شخصی وهو واحد روح لا نهائي الكمال بسيط لا يقبل التجزئة. أنه يسمو عن العالم ولكنه يتدخل فى العالم وفي احداث التاريخ.
مدلولات الأسماء «التسميات » الالهية
بلا شك. ليس هناك اسم من الأسماء يمكن أن يقدم تصوراً تاماً عن الصفات الالهية الله لا يمكن أن يسمى أما إذا أخذنا التسمية فى المعنى النسبي، فيمكن للأسماء فى هذه الحالة أن تقدم لنا شيئا عن الله.
وبوجه عام يمكن أن نقرر أن أى اسم من الأسماء الالهية، سواء يطلق على من قبل الناس أو سواء يذكر فى الكتب المقدسة، فإنه لا يدل على مفهوم الطبيعة الالهية دلالة مطلقة، ولكنه يقدم فقط تفسيرا ما عن الأمور التي تتصل بالله انظر
1. Origen, Martyr. Prolr. 46, B. 9,64 : Contra Cels. VI, 65, B. 10, 110.
2. Justin, I Apol, 61, B. 3, 195.
3. Greg. of Nys. (being not three Gods). M. 45, 121.
وحتى لفظ «الله» الذي نستعمله فإنه لا يقدم لنا الا القليل عن فاعلية الطبيعة الالهية وعن الجوهر الالهى الذى يظل بالنسبة لنا غير مدرك ولا يمكن الدنو منه بدرجة كافية .
ان جوهر الله لا يمكن للعقل البشرى أن يحتويه ولا يمكن لاسم من الأسماء أن يستوعبه. انظر :
1. Greg. of Nys., against Eunom. XII, M. 45, 1108.
2. Greg. Naz. log. 30 18. + 17 M. 36, 128, 125.
۱ – الكائن:
هذا الاسم هو أكثر الأسماء دلالة على الجوهر الالهى لأنه يشير الى الوجود كشيء واجب لابد أن يكون بالنسبة لله ولا يرتبط بموجود آخر قبله أو بعده. وهذه التسمية اعلنها الله نفسه عن نفسه، فلقد جاء في سفر الخروج :
” فقال موسى لله، ها أنا أتى الى بنى اسرائیل واقول لهم اله آبائكم أرسلني اليكم. فاذا قالوا لي ما اسمه فماذا أقول لهم. فقال الله لموسى “أهيه الذي أهيه“، وقال هكذا تقول لبنى اسرائيل أهية أرسلنى اليكم” (خر ١٤،١٣:٣) وقال الله أيضاً لموسى هكذا تقول لبنی ،اسرائیل یهوه اله ابائكم اله ابراهيم واله اسحق واله يعقوب ارسلنى ..اليكم هذا اسمى الى الأبد، وهذا ذكرى الى دور فدور (خر 3: 15)
ومن الملاحظ هنا أن الله يشير الى ذاته باسمين هما أهية، ويهوه والاسمان بمعنى واحد في صيغتين مختلفتين من فعل الكينونة في العبرية فأهيه هو صيغة المضارع للمتكلم المفرد بمعنى أكون أو أنا هو (I am) މ «أهيه الذي أهيه»، بمعنى : أكون الذى أكون كما أن «يهوه» هو صيغة المضارع للغائب ومعناها يكون He is والمقصود من هذين الاسمين المباركين :
1- ان الله تعالى هو الاله الكائن وحده الذى لا شريك له في الربوبية، وبذلك فجميع آلهة الأمم الوثنية آلهة كاذبة.
2- وأنه هو الكائن الواجب الوجود أى أنه لابد أن يكون.
3- والكائن بذاته أى الذى لم يوجده أحد ولا يعتمد فى وجوده على أحد، فهو اذن ليس مخلوقا ولا مصنوعا مثل آلهة الأمم.
4- وهو الكائن دائما أى الأزلي الأبدى
(نجيب جرجس : سفر الخروج مطبعة الأنبا رویس)
فالله اذن يتكلم عن نفسه باعتباره : الذي يوجد بذاته الكائن المطلق الذي لا يستمد وجوده من مصدر آخر ولكنه يوجد بنفسه انه الكائن الذي يوجد ولذلك يقال عن الله أنه «الحاضر دائماً وهو حضور لا يعتريه تغير. أنظر
August., Sermo. VI, n. 4.
وفي العصور الوسطى ساد للتعبير عن الجوهر الالهى والوجود الذاتي. الاصطلاح الذي استعمله أنسلم aseite وهو ما يمكن أن نترجمه «بالقيومية» وتعنى قيام الموجود بذاته، أو وجوب وجوده من ذاته وهى تقال على الله لأن الله حي قيوم لا يشاركه فى هذه الصفة موجود والقيومية تقابل التبعية abaliete وهى كون الموجود قائم بغيره. وفى اللغة اليونانية استعمل يوحنا الدمشقى للتعبير عن القيومية الاصلاح autousia وهو اصطلاح لم يكن مجهولا عند الآباء السابقين، فالقديس اثناسيوس الرسولى في حديثه عن صفات الابن (الحكمة- القوة- البر- الفضيلة ) يبين أنها مثل صفات الآب لا تستمد من مصدر خارجی. وبهذه الصفات التي تعطى للابن والآب من قبل القديس أثناسيوس لا يكون الله فكرة مجردة، بل شخصاً له كيان ذاتى الكائن الذى يوجد بنفسه والذي لا يعتمد وجوده على علة خارجية، ووجوده لا يتغير وهو الحق والمطلق، وهو كائن الكائنات لأنه هو علة هذه الكائنات التي ليس لها كيان ذاتى بل أخذت كيانها بأمر من الله.
+ ان استعمال اصطلاح «القيوم» أو «الموجود بذاته» أو «قيام الموجود بذاته»، كل هذه الاصطلاحات عندما تستعمل عن الله تبعدنا عن الأخطاء التي يمكن أن تتضمنها عبارة «علة ذاته». ذلك أن عبارة «علة ذاته» عندما تستعمل عن الله تعنى ان الله يتوقف وجوده على علة فى ذاته كما تحمل فكرة تحقق شيء لم يكن متحققا بعد أى تتضمن فكرة النقص والتطور وهو ما لا يتفق مع بساطة الله وعدم قبوله للتغير. وكيف يمكن أن نتصور كاننا يفعل قبل وجوده أي كيف نتصور أن الله قبل أن يوجد كان يفعل فى ايجاد ذاته الا اذا تصورنا أن هناك علة سابقة أوجدت في الله قوة الفعل هذه. كل ذلك يدفعنا الى اعتبار عبارة «علة ذاته» عبارة غير دقيقة للتعبير عن جوهر الله أنظر :
1. Greg. of Nys. against Eunom. XII, M. 45, 033.
2. Cyril of Jer. Catech IV, 4, M. 33,457
ان عبارة «الموجود بذاته لا تعنى أنه ينتج نفسه أو يحقق ذاته، كما توحى عبارة «علة ذاته».
٢ – الله “روح”
هذه التسمية لله بأنه «روح» جاءت على لسان السيد المسيح في حديثه مع المرأة السامرية “الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا” (يو ٢٤:٤). وهكذا يكون السيد المسيح قد حدد ان الله لا جسم له، فلا تنسب اليه خواص المسادة. الله لا يتغير ويختلف في طبيعته عن طبيعة المخلوقات وهو كروح كاملة غير محدودة هو أيضاً غير محدود في قوته وفى عظمته، وهو يقاس بالأزمنة والدهور. أنظر : لا
M. Basil Holy Spirit 9, 22, M. 32, 107.
الله شخص له شعور ومعرفة تامة كاملة بذاته نعلم أن الشخصية هي الصورة الأسمى للوجود فكيف يجوز لنا أن ننكرها على الروح الكامل غير المحدود؟ ان الله ليس مجرد قوة بسيطة عمياء، أو قانون (ناموس) أو حياة أو كائن عديم الضمير (مجرد من المبادىء الأخلاقية ) ولا يجب أن يختلط أو يمتزج بالعالم أو أن يدرك على نحو ما نجد في مذهب وحدة الوجود متحدا بصورة تامة بالعالم ولكنه الجوهر المطلق الشخصى الذى ليس عن احتياج ما بل بحرية مطلقة وضع نفسه المركز والبداية والنهاية الألف والياء لكل ما خلق فى زمن بواسطته. وعندما نتحدث عن الله باعتباره شخصا يسمو عن العالم ولا يتحد به أو يوجد العالم خارجاً عنه، فنحن هنا لا نحد الله أو نحدده. لقد كان من الممكن أن يحد الله بالعالم لو كنا نؤمن أن العالم قد وجد بنفسه ولم يخلقه الله وأن له وجوداً أزلياً، ولكننا نؤمن أن العالم كان له تصميم أزلى عند الله وأنه قد تحقق في زمن بفعل المشينة الالهية التي خلقت العالم.
+ ان الله يدرك ملء وجوده وجوهره فى أعماق ضميره، وهكذا يعرف نفسه لأنه كيف يكون الله كاننا كاملا وفى نفس الوقت لا تكون له معرفة بكماله.
+ ان الخلط بين الله والعالم أو القول باتحاد بين الله والعالم، على نحو ما يزعم أصحاب مذهب وحدة الوجود يجب – باسم العاطفة الدينية والضمير – أن يرفض ان عاطفة الاحتياج الى ان ندخل في علاقة شخصية مع الله تظل غير متحققة اذا لم يكن الله بالنسبة لنا يمثل أنا أخرى متميزا تماماً عن ذواتنا. إن الصلاة تصبح في هذه الحالة حماقة والمحبة نحو الله توجه في هذه الحالة نحو محبة هذه القوة الطبيعية العمياء التي تعى بنفسها فقط من خلال الإنسان وكيف للإنسان أن يطيع أو أن يعتمد على هذه القوة التي تتوقف هي بدورها على الإنسان، كما لو كانت في حاجة اليه ذلك لأنه خارجاً عن الإنسان تظل هذه القوة غير واعية وعمياء. وهكذا فإن مذهب وحدة الوجود يصنع الهه بنفسه، وينتهى لأن يكون عبادة ذاتية للإنسان.
إن ضميرنا يثور على هذا الخلط بين الله والعالم لأنه ينتفى مع هذا الخلط معنى الخطيئة والفضيلة أن فحص الذات وتأنيب الذات تصبح أموراً وهمية ذلك لأن الخطيئة أو الاثم يصبح جزءا ضروريا من المجموع الذي هو في جوهره مع واحد الله .
ان الشر الاخلاقي لم يعد شرا لأن هذا الذى ندعوه شراً هو بالأحرى طبيعي وضرورى وبوجه عام هو خير ويصبح علم الأخلاق من خلال هذه الوجهة من النظر. آليا نفسيا .
إن النظرة الصحيحة لله تضعه في موضع أسمى من كل مخلوق .
يقول اثناسيوس الرسولى فى كتابه ضد الوثنيين :
اذن من يكون هذا البارىء ؟ لأن هذه نقطة يجب توضيحها، لنلا يتوهم الإنسان بارنا آخر بسبب جهله للبارى الحق فيتردى مرة أخرى في ضلالة الالحاد القديمة على انني اعتقد أنه لا يوجد من يتسرب اليه الشك في هذه الحقيقة. لأنه ان كانت ادلتنا قد برهنت أن الهة الشعراء ليست آلهة واثبتت خطأ من يؤلهون الخليقة، وبينت بصفة عامة أن العبادة الوثنية كفر والحاد وفساد، ينتج عن هذا حتما من استبعاد هذه الآلهة ان الديانة الحقيقية بجانبنا، وأن الاله الذي نعبده ونكرز به هو الاله الحق الواحد الذى هو رب الخليقة ،وبارى كل الوجود ومن يكون هذا سوی أب المسيح السامى فى القداسة المتعالى فوق كل الموجودات المخلوقة، الذي کربان ماهر – يدير دفة كل الأشياء بحكمته وكلمته ربنا ومخلصنا المسيح ويحفظها وينظمها ويفعل كل ما يراه صالحاً ؟ على أن ما عمل وما نراه حادثا هو الأصلح، طالما كان هو ما يريده وهذا يعسر على الإنسان ان يرفض الاعتقاد به لأنه لو كانت حركة الخليقة غير معقولة، ولو كان الكون يسير بلا خطة يحق للإنسان أن لاى يصدق ما نقول اما ان كان قائما بالدقة والحكمة والمهارة وان كان منتظما كل الانتظام فى كل نواحيه نتج عن هذا أن ذاك الذي هو أعلى منه ونظمه ليس الا عقل أو ( كلمة الله ولا أقصد بالكلمة تلك القوة الغريزية المودعة في كل الأشياء المخلوقة التي اعتاد البعض أن يسموها المبدأ الخلقى القدرة على خلق النوع والعديمة النفس التي ليست لها قوة المعقولية أو التفكير، بل تعمل من الظاهر حسب فطنة من يستخدمها. ولا أقصد كلمة الكائنات العاقلة والمكونة من مقاطع وتتلون حسب قوة تعبيرها بل أقصد «الكلمة» الحى القوى كلمة الله الصالح، اله الكون نفس «الكلمة» الذى هو الله (يو ١:١ ) . الذى وهو يختلف عن كل الأشياء التي خلقت، وعن كل الخليقة، فهو «الكلمة» الواحد للآب الصالح، الذي بعنايته نظم هذا الكون وينيره. واذ هو «الكلمة» الصالح للأب الصالح فقد أبدع نظام كل الأشياء. وأنظر أيضاً
Orig. against Cels. VI, 71, B. 10, 114.
واذا كان الله يسمو عن العالم فهو من ناحية أخرى حاضر في العالم دون أن يكون مختلطا أو متحدا به. فهو غير محدود بينما أن العالم محدود والعالم ليس بعيداً عن اهتمام الله لان الله يهتم بالعالم ويعتنى به.
وفي حديث يوحنا الدمشقى عن اسماء الله يرى أن «الكائن» هو اسم الله الأكثر وفي اختصاصاً. والاسم الثاني هو الله Theos المشتق من كلمة Theein بمعنى : ركض وامتد وأحاط بالكل أو من كلمة aithin بمعنى أحرق لأن الله نار تحرق كل الشرور أو من كلمة Theasthai بمعنى : شاهد الكل لأنه لا يغفل عن شيء ويلقى نظره على الكل فيشاهد كل شيء قبل وجوده مفكرا بتجريد في كل فرد أيضاً. بحسب فكره المريد خارجاً عن الزمن الذى هو تحديد سابق وصورة ومثال يتحقق في الوقت الذي سبق تحديده وعليه ان الاسم الأول «الكائن» تعبير عن الوجود وعن ماهية الوجود. أما الثانى «الله» فهو تعبير عن الفعل والاسماء : لا بدء له، ولا يبلى، وغير مصنوع أو غير مخلوق، ولاجسم له، ولا يرى وما شاكلها تدل على ما ليس هو اى على انه لم يبدء وجوده ولا يفنى ولم يخلق وليس له جسد ولا يرى. وتدل الاسماء صالح وصديق وبار وما ماثلها على ملحقات الطبيعة لا على الجوهر نفسه. وتدل الأسماء رب وملك وما ماثلها على حالة من يتميزون عنه فهو سيد من يسود عليهم وملك من يتملك عليهم، وخالق من خلقهم وراعى من يرعاهم.
– ( المائة مقال في الإيمان الارثوذكسي – الكتاب الأول – الرأس التاسع. ترجمة الارشمندريت ادریانوس شکو)
الأسماء الأخرى التي ينسبها الكتاب المقدس الى الله:
الوهيم: فى حالة الجمع ويعنى الله القدير أو القادر على كل شيء، ويطلق هذا الاسم في بعض الأحيان على الملائكة والبشر (مز ٦،۱:۷۱، يو ٢٤:١٠)
أدونای : وله نفس معنى كلمة «الوهيم». وقد استعمله الاسرائيليون بدلا من كلمة يهوه» الذي كان يتحاشى الاسرائيليون استعماله بدافع من التبجيل لله.
وفي الترجمة السبعينية ترجم بكلمة «رب» Kyrios
وقد جاء في قاموس الكتاب المقدس للدكتور بطرس وآخرين عن هذه الأسماء ما يلى:
في العهد القديم باللغة العبرية ثلاث مترادفات رئيسية لاسم الجلالة وهى «الوهيم» و «یهوه» و «أدونای». فالاسم الأول مستعمل كثيرا في الأصحاح الأول من سفر التكوين ويكثر استعماله فى مز ٤٢-٧٢ تلك المزامير التي سميت بمزامير الوهيم ويستعمل على التبادل مع الاسمين الآخرين فيما بقى من أسفار العهد القديم.
ويدل هذا الاسم على صفة الله كالخالق العظيم وعلى علاقته مع جميع شعوب العالم من أمم ويهود. أما الاسم الثانى فيدل على علاقة الله مع بنى اسرائيل وهو اله تابوت العهد واله الرؤيا والإعلان وإله الفداء. أما «أدوناى» فتستعمل في مخاطبة . الله بخشوع ووقار وهيبة وكان اليهود يستعملون أدوناى أيضا عوضا عن يهوه. وهى كلمة لم يكونوا يلفظونها على الاطلاق. غير أن هذه الكلمات الثلاث لا ترد في الترجمة العربية بصيغها العبرانية انما تستعمل بدلا منها الفاظ : الله – ويهوه – والرب أو السيد.
سادای: الذى تترجمه الفولجاتا “القادر على كل شيء”. ويترجم في السبعينية ضابط الكل وفى بعض الأحيان «الرب». وفى العربية يترجم في الطبعة البيروتية «الله القدير القادر على كل شيء» (انظر تك ١:١٧ ، ٣:٤٨ ، ٢٥:٤٩) ، ويشير الاسم الى اهتمام الله بالعالم. ويميز أوريجينوس بين هذا الاسم وبين «الصباووت» الذي يعنى : رب القوات أو رب الجنود الضابط الكل. أنظر :
.45+ Orig. Martyr. Protr. 46, against Cels. V. 45, B. 10, 64
ويشير هذا الأسم الى الارواح الخادمة لله التي تستمع إلى صوته وتنفذ
+ وهكذا يبدو من هذه الأسماء، ان الله يسوس العالم ويحكمه ويهتم بأمره ویدیر شنونه وليس كما يعتقد أصحاب مذهب التأليه الطبيعى الذين ينكرون تدخل الله في شئون العالم.
ان الكتاب المقدس يقدم الله الذى يحب العالم ويستمر يهتم ويعتنى به كما قال السيد المسيح “أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل يو ١٧:١٤. أنظر :
1. Greg. Naz. log. 30, 19 M. 36, 128.
2. Athanas. Nic. II, M. 25, 433.
الوحدة الالهية المطلقة الله (الواحد المطلق)
ان المعنى الحقيقى للألوهية يقود بالطبيعة الى الإيمان بوجود اله واحد وعلى الدوام يؤكد الكتاب المقدس هذه الحقيقة ويرفض آلهة الأمم ومن الأمثلة على ذلك : + ” انك قد أريت لتعلم أن الرب هو الاله ليس آخر سواه” تث ٣٥:٤ ” أنا هو الرب الهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية لا يكن لك ألهة أخرى أمامي لا تصنع لك تمثالا منحوتاً صورة ما مما في السماء من فدة، وما في الارض من أسفل وما فى الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن لأني أنا الرب اليك اله غيور أفتقد ذنوب الآباء فى الأبناء وفى الجيل الثالث والرابع من الذين ببعضونتي (تث ٥: ٦-٩)
+ “يارب اسمك الى الدهر. يارب ذكرك الى دور قدور … أصنام الأمم فضة وذهب عمل أيدى الناس لها أفواه ولا تتكلم لها أعين ولا تبصر لها آذان ولا تسمع. كذلك ليس في أفواهها نفس… يا بيت أسرائيل باركوا الرب” (مز ۱۳:۱۲٥-۱۹).
+ ” التفتوا الى واخلصوا يا جميع أقاصى الأرض لأنى أنا الله وليس أخر ” (إش ٢٢:٤٥) .
+ ” نعلم أن ليس وثن فى العالم وأن ليس اله أخر الا واحدا. لأنه وان وجد ما يسمى الهة، سواء كان فى السماء أو على الأرض، كما يوجد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون لكن لنا اله واحد الآب الذى منه جميع الأشياء ونحن .له ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به” اکو (٤:٨-٦)
+ ” لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح” (اتی ٢ :٥).
+ ” وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الاله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته ” (يو (٣:١٧)
أنظر :
1. Cyril of Alex. John X1, 5 M 74 485
2. M. Basil, against Eunom, log. 4 M. 29, 705.
3. Athanas, against Arian. log. 3, 9 M. 26, a 337.
أن الوحدة بالنسبة لله يجب أن نميز فيها بين الوحدة العددية والوحدة الفردية ووحدة النوع. واذا كان من الممكن أن ننسب الوحدة العددية والوحدة الفردية بعض التحفظات – الى الألوهية فإن الوحدة النوعية لا يمكن بأي حال من الأحوال تنسب الى الله[1].
وبصفة مبدئية نقول :
الوحدة ضد الكثرة لأنها كون الشيء بحيث لا ينقسم والكثرة كونه بحيث ينقسم. وتطلق الوحدة على كل ما يطلق عليه الواحد لأنها صفة له، فنقول : وحدة ووحدة العالم والوحدة أيضاً هى الواحد فيقال مثلا ان الوحدة أو الواحد أصغر الأعداد وأن كل عدد لاحق يتألف من اضافة الواحد الى العدد السابق.
وبالنسبة لله عندما نتكلم عن الوحدة العددية. يجب ألا نغفل أن الوحدة العددية الحسابية تفترض كثرة أخرى اذا أضيفت على الواحد نتج عنها تضاعف الواحد وتصيره كثرة، فمثلا الرجل الواحد يقال عنه «واحد» لأنه يوجد أيضاً رجال آخرون مثله وهو بالنسبة لهؤلاء الرجال الآخرين يقال عنه «واحد». أما بالنسبة لله فإن الأمر يختلف ذلك لأن الوحدة الالهية لا تفترض وجود آلهة أخرى فهى عندما تطلق على الله، لا تقال عليه لتحدد وضعه بالنسبة لكائنات أخرى تشبهه على نحو ما قلنا عن الرجل أنه واحد» بالنسبة للرجال الآخرين ولهذا أكد اكليمنضس الاسكندرى ما تتميز به الوحدة في الالوهية من سمو. أنظر
Clement of Alex. Paid. 1, VIII 71, B. 7, 112.
فالله واحد ولكن ليس هناك من يماثله في هذه الوحدة، على نحو ما نجد في الوحدة العددية وذات الله لا تنقسم ولا تختلط بأى موجود آخر، فوحدته الالهية لا يشاركه فيها أحد وهي وحدها التي يمكن أن تسمى بالوحدة الالهية.
+ وعندما نتكلم عن الوحدة الفردية، فمن الممكن أن ننسبها الى جوهر الله البسيط الواحد، مع مراعاة انها تشير الى الله هنا باعتباره واحدا لا يتجزأ. فإذا نظرنا الى الله باعتباره يتكون من مجموعة أجزاء كما هو الحال بالنسبة لكيان الانسان الواحد الذي يتكون من عدة أجهزة وأعضاء فإن الله فى هذه الحالة يكون مكونا من اجزاء غير متشابههة. ومن هذا الاختلاف والتغاير يتكون الكيان الكامل لله على نحو ما نجد عند الانسان فإن اعضاءه تختلف فيما بينها فالبصر غير السمع والسمع غير اليد، ومن هذه الأعضاء المختلفة الوظائف يتكون الجسد الانساني ولكن الله لا جسم له وهو غير محسوس وغير ملموس وهذا هو ما علم به أوريجينوس منبها أنه لا يجب أن ننظر الى الله كجسم بل هو طبيعة عاقلة نيرة بسيطة لا تقبل اضافة شيء. وليس فيه ما هو أكبر أصغر وهو عقل منه تأخذ كل طبيعة عاقلة بدايتها والعقل لا يحتاج في تحركاته وعملياته الى مكان ولا الى أى شيء آخر من خصائص المادة.
Origen : De principiis 1, 1, 6.
كذلك يلاحظ أن هذه الوحدة الالهية ليست هى صفة الهية مثل الصفات الأخرى (كالقداسة والحكمة ) ولكنها شرط مطلق للوجود الالهى حتى أنه فيما يلاحظ القديس اثناسيوس أن القول بالهة كثيرة هو فى نفس الوقت قول بعدم الالوهية.
يقول القديس أثناسيوس فى الفصل الثامن والعشرين من رسالته إلى الوثنيين : كيف يمكن أن تكون هذه الأشياء آلهة وهى مفتقرة لمساعدة بعضها البعض، وكيف يليق أن نسأل منها اى شيء أذا كانت هى أيضا تطلب المساعدة لنفسها بعضها من بعض؟ لان الحقيقة المسلم بها عن الله أنه ليس فى حاجة الى شيء بل هو معتمد على ذاته مستقل بذاته ومنه تستمد كل الأشياء كيانها وهو يخدم الكل قبلما يخدمه الكل فكيف يجوز ان ندعو الشمس الها والقمر وسائر اجزاء الخليقة التى ليست من نوع الالهة بل هي مفتقرة المعونة بعضها البعض. ويقول ايضا فى الفصل التاسع والعشرين من نفس الرسالة
إن كان الله بطبيعته لا جسد له وغير منظور ولا ملموس فكيف يتخيلون أن الله جسد ويعبدون بكل اكرام إلى تلك الأشياء التى نراها بأعيننا ونلمسها بأيدينا ؟
وأيضاً أن كان ما قيل عن الله حقيقيا. أى أنه قادر على كل شيء وأنه لا سلطان لأى شيء عليه بل له السلطان والسيادة على الكل فيكف عجز أولئك الذين يؤلهون الخليفة عن أن يروا أنها لا تستوفى هذا الوصف عن الله ؟ لأنه حينما تكون الشمس تحت الأرض فإن ظل الارض يجعل نورها غير منظور بينما فى النهار تحجب الشمس القمر بشدة ضيانها. والصقيع كثيراً ما أضر ثمار الأرض والنار تطفأ بغزير المياه، والربيع يلزم الشتاء بان يفسح له المجال، بينما الصيف لا يسمح للربيع بأن يتعدى حدوده، وهو بدوره يمنعه الخريف من أن يتعدى أوانه اذن فإن كانت الهة لوجب أن لا يقهر أو يحجب بعضها بعضاً، بل أن تتعاون على البقاء دواما وتؤدى وظائفها متعاونة ولكن ان لم يكن أي شيء من هذه ممكنا يناقض بعضها بعضا فكيف يظل ممكنا أن يعطى اليها اسم الآلهة أو تعبد بالاكرام اللائق بالله مع أنها مخالفة بعضها لبعض، وفي نزاع مستمر وعاجزة عن أن تتحد معا ؟
Athanas, against Hellen. 28, 29, M. 25, 56, 57,60.
(ترجمة القمص مرقس داود)
فإذا لم يكن الله واحدا فقط، فإن الله لا يكون. فيما يقول ترتليانوس
. Tertull Adver, Masc. 1, 3, m. 2, 274.
+ ان الأدلة على ان الله واحد تعتمد بالأكثر على معنى الكمال المطلق الذي ينسب إلى الله، والذي لا يمكن أن يكون غير واحد ويكون غير منقسم :
أ – فإذا أخذنا بالقول بعدة آلهة فإننا نفترض اختلافا بينها، ذلك لأنه اذا لم يكن هناك أى أختلاف بينها تكون بلا شك الها واحدا وليس الهة كثيرة. واذا وجد اختلاف بينها، فأين هو الكمال؟
Damas., mnym. 1, 5, M. 94, 801.
ب – فإذا وجد لذلك فإن نظام العالم واتساق قوانينه يفترض وجود اله واحد أكثر من اله فى العالم، فكيف يسود نظام واحد في العالم؟
1. Athanas., against Hellen. 38, M. 25, 76.
2. Justin, Horatory address to the Greeks, 17 B. 4, 27.
ج – كذلك فإن عدم وجود عوالم كثرة مختلفة منفصلة بعضها عن بعض، بل عالم واحد يؤكد وجود اله واحد لأنه لو وجد آلهة كثيرون فقد كان لابد أن توجد عوالم كثيرة، لأنه كيف نفسر أن الالهة لكثيرة تخلق عالما واحدا الا اذا كان بسبب ما يمكن أن ينسب اليها من الضعف.
Athanas, against Hellen 77.
ويقدم الأسقف ايسيذورس فى بيان وحدة ذات الله الأدلة التالية :
البرهان الأول : انما يستدل على الخفى بالظاهر وعلى المؤثر بالاثر وعلى الفاعل بفعله. والظاهر لنا أن هذا العالم واحد لأنه مرتبط بنظام واحد فيلزم أن يكون الذي خلقه ونظمه واحداً فقط.
البرهان الثاني: من الضروري أن تقف معلولات العالم الممكنة عند حد علة أولى موجبة لا أول لها والا لوجب فى سلسلة هذه المعلولات التسلسل وذهبت بلا نهاية. فالبرهان الذى يدل على أن العالم مصنوع يدل أيضا على أن صانعه واحد.
البرهان الثالث : اذا قدر وجود صانعين لهذا العالم فيكونان أما متساويين بالقوة أو مختلفين بمعنى يكون أحدهما أقوى من الثانى فإن تساويا منع احدهما الآخر من الفعل، وان اختلفا منع الأقوى الأضعف من الفعل أيضاً، فعلى الحالين لا يمكن ان يكون صانع هذا العالم أكثر من واحد.
البرهان الرابع: اذا قدر وجود الهين فيلزم ان نقدر وجودهما منذ الأزل ويلزم ان نقدر وجود كل واحد منهما فى مكان أزلى وبينهما خلاء أزلي، ويثبت بذلك وجود خمسة أشياء أزلية وكل ذلك من الشناعات والمحالات.
البرهان الخامس : اذا شغل اله مكانا لا يشغله الاله الاخر دل ذلك على ان ذات كل منهما محيزة والذات المحيزة ممكنة وحديثة وبالتالي غير اله.
(المطالب النظرية ص ۱۰۹ – ۱۱۰)
حول صفات الله وتصنيفها
إن النور الرائع الأبدى البسيط وغير المركب لكمال الله المطلق وغير المحدود يسقط على أعين عقولنا وأذهاننا البشرية ويتحلل الى ألوان مختلفة من خلال ادراكنا الضعيف المحدود واذا كان الله فى جوهره وطبيعته يفوق كل فكر ولا يمكن ادراكه فإننا فقط من خلال أعماله المختلفة المتجهة الى الخارج، تأخذ معرفة ضرورية لخلاصنا. ونحن ننسب الى الله صفات كثيرة بقدر ما يعبر عن علاقاته بالعالم الخارجي ومهما كنا نميز بين هذه الصفات المختلفة، فإننا يجب الا نغفل أن جوهر الله بسيط بساطة مطلقة. على أن هذا التمييز ليس هو مجرد ادراك وهمى لعقولنا، بل له اساس في الحقيقة الالهية.
والواقع أنه من غير الممكن أن نتجنب هذا الادراك الانساني لعلاقات الله مع هذا العالم المحدود ومع الانسان ان معرفتنا بكمال الله لابد أن تتم بالمقارنة بادراكاتنا الحسية بمعنى أننا بالنظر الى العالم المحسوس ننتهى الى القول بوجود الله كعلة لهذا العالم. ونعطى لهذه العلة (الله) كل صفات الخير بدرجة اسمى مما توجد في الخليقة. وبالاضافة الى هذا فإننا نسلب عن الله كل صفة من صفات غير الكمال التى توجد في الخليقة في الوقت الذي ننسب فيه الى الله صفات الكمال التى نكتشفها فى الخليقة. وعلى هذا النحو ننتهى الى تحديد صفات الله. ونحن نفصل بين هذه الصفات ليس لأنها تنفصل موضوعياً بل بسبب محدودية العقل البشرى وبسبب الحاجة الى الدراسة والى التنظيم العقلى.
ماذا نقصد عندما نقول صفات «أو أسماء » الله ؟
نقصد بالصفات الخواص التى تميز الموجود عن غيره من الموجودات، وتعطيه أن يكون ما هو عليه وعلى ذلك فصفات الله نقصد بها ما يخص الله وما يميزه عن سائر الكائنات. ويسميها الرسول بطرس فضائل الله وهى أيضاً كمالات الطبيعة الالهية التي يتميز بها جوهر الله البسيط غير المركب عن العالم الخارج عنه والتي بها يظهر الله الكائن الكامل غير المحدود.
ولقد سبق وذكرنا أن جوهر الله لا يمكن ادراكه ادراكاً كاملا، وعلى ذلك فإذ نتحدث عن صفات الله فإننا يجب الا ننسى أنه لا توجد صفة أو اسم يمكن أن يعبر تعبيرا كاملا عن الطبيعة الالهية بحيث يمكن أن يعطينا هذا الاسم معرفة بكل ما يخص الجوهر الإلهي.
إن ما تعطيه لنا صفات الله واسماؤه، بما فى ذلك ما ورد منها في الكتاب المقدس ليس هو المعرفة الكاملة للطبيعة الالهية ولكن شيئا ما حول هذه الطبيعة. فالله من حيث طبيعته يفوق كل أدراك ويعلو عن كل فهم. أنظر:
Greg of Nys. against Eunom. XII, M. 45, 957, about not being three Gods, M. 45 121
+ أن الكثير من الصفات (أو الاسماء) تشير لا الى ما يكون عليه الله (أى ما هو ) بل الى ما لا يكون عليه أى ما ليس هو ( ومن امثلة هذه الصفات : عديم الغم (alypos) بلا رداءة (akakos) بلا شر (aponyros) – غير مضطرب (atarachos) غير حانق (aorgytos) عديم التأثر (apathys) لا عيب في (anepilyptos) بلا جسم غیر مولود (agennytos) بلا بداية (anarchos) – لا – – (asomatos) (analutos) لا يفنى (aphthartos).
وبلا شك فإن كل هذه الصفات لا تعطينى ما تكون عليه الطبيعة الالهية بل ما لا تكون عليه انها لا تتحدث عن الله ما هو بل تتحدث عما ليس هو. انظر:
1. Greg. of Nys. against Eunom. XII, M. 45, 957.
2. Greg. Naz. log. 28, 9 M. 36, 36.
3. Cyril of Alex.. Thys. log. 31. 75, 452.
اننا نقول ان الله ليس هو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو عشرين أو ثلاثين ولكن لا نقول انه عشرة انظر: Greg. Naz, ibid.
– على أن الصفات أو الأسماء غير السلبية والتي لها معنی ایجابی (مثل : الصالح – البار – النور – الحياة) أيضا لا تستوعب معنى الطبيعة الالهية ولا تستطيع أن تقدم معرف رفة كاملة عن كنه الجوهر الالهى الكامل غير المحدود. ولذلك نقول مع القديس باسيليوس الكبير : ان أعمال الله هى دلالات على قوة الخالق وحكمته ولكن ليس على جوهره بل وأكثر من ذلك فهى لا تدل على كمال قوة الله لأن الله في خلقته لا يضيع كل قوته فى الخلقة. وكما أننا لا نستطيع من التأمل فى دار ما، أن ندرك جوهر الباني أو قدراته وصفاته الأخرى. هكذا بالأحرى بالنسبة لله غير المحدود، فإننا لا نستطيع أن ندرك عن طريق مخلوقاته جوهره الالهى أو نسبر غور أعماق صفاته. ان عقولنا المحدودة تعجز عن ان تدرك عمق الصفات الالهية. نحن نعرف مثلا ان الله حكيم ولكننا نجهل مقدار الحكمة التي يكون عليها الله. وهكذا الأمر بالنسبة للصفات الأخرى، فنحن نعرف أن الله عظيم ولكننا نجهل مقدار هذه العظمة. ونحن نعرف أن الله حاضر في كل مكان ولكننا نجهل كيفية هذا الحضور. لذلك يقول الرسول بولس “الآن أعرف بعض المعرفة اكو ١٢:١٢. نحن اذن لا نعرف الله كما هو عليه بل كما يمكن لعقولنا المحدودة أن تعى وان تسع. أنظر :
M. Basil, against Eunom. II, 32, M. 29, 648.
1. Theodoros Mopsouestias, Hellen. Therap. pathym, II, M. 83, 856.
2. Greg, of Nys. (about not being three Goods), M. 45, 121.
3. Athanas, Nic. Syn, 22, M. 25, 453.
4. Chrysost., akatalypt. log. 1, 5. Monf. 1, 550..
5. Cyril of Jer, Catech 6, 2, M. 33, 540.
صفات الله في علاقتها
ببساطة الجوهر الالهي
اذا كنا ننسب الى الله صفات كثيرة عن طريقها يمكن ان نعرف شيئا ما عن طبيعة الله وجوهره، فنحن لا نغفل ولا ننسى أن جوهر الله بسيط غير مركب. وعلى ذلك فإن
هذه الصفات يجب أن لا تمس مطلقا بساطة الله ولا يجب أن تقود الى فهم مركب لطبيعة الله، لأننا اذا انتهينا الى الفهم بأن هذه الصفات تؤدى الى تركيب في طبيعة الله. فإن هذا يعنى من ناحية أن طبيعة الله طبيعة مركبة ومن ناحية أخرى أن الطبيعة الالهية تتكون من أجزاء مختلفة، لأن كل صفة من هذه الصفات تختلف عن الصفة الأخرى. أنظر :
M. Basil., against Eunom. Book 1, 15, M. 29., 546.
ويؤكد هذا القول أيضاً يوحنا الدمشقي، فهو يرى أن هذه الصفات التي ننسبها الى الله (مثل غير مخلوق – لا بداية له – بلا جسم – غير مائت – سرمدی – صالح – خالق وغيرها ) لا يجب مطلقا أن تؤخذ على أنها تشير الى اختلافات جوهرية، والا فمعنى هذا أن الطبيعة الالهية التى تتكون من مثل هذه المكونات ليست طبيعة بسيطة بل مركبة. أنظر :
Damasc. mnym. 1. 9. M. 94 936.
إننا ننسب الى الله صفات كثيرة ولكن كما يشير اثناسيوس الرسولى، ليس هناك نوعية فى الله لأن جوهر الله بسيط. انظر:
Athanas. Epistle to African Bishops, 8, M. 26, 1043 + Nic. Syn. 22, M. 25, 453.
وأنظر أيضا Greg. Naz. log. 28, 7, M. 26, 33
ان هذه الأسماء والصفات التى ننسبها الى الله، تعطى لله من قبلنا. ونحن نسمى الله أو نصفة بأنه صالح وبار وضابط الكل، ليس لأن الله فى ذاته مختلف ومتغاير ومركب بل هو واحد وبسيط ويرسل آلاف الأفعال. ان جوهر الله البسيط غير المركب وغير المنقسم وغير المتغير، يعرف لدينا من خلال العلاقات والأفعال المختلفة. وعلى ذلك يمكننا ان نقول مع القديس باسيليوس الكبير، أن افعال الله مختلفة ولكن جوهره بسيط وأننا نعرف الله من خلال أفعاله أما جوهره فإننا نقترب منه فقط ولكن لن يكون في متناول أيدينا أن افعال الله تنزل الينا أما جوهره فإنه يتعذر الوصول اليه.
M. Basil Epistle 234, 1. M. 32, 869.
جاء في كتاب “رؤوس المعرفة ” للشيخ الروحاني :
الله “الذي هو واحد وحده ولا يفتش ولا يدرك ولا يفحص من كل ما خلق وأتى الى الكون. وإذ هو هكذا يفتش ويفحص بمكوناته ليس اقول طبيعته بل قوة أعماله كمثل الصانع لا يرى لكن مهارة حكمته، كذلك أيضا الله، ليس طبيعته ترى بل قوة حكمته الله مفرز بالجوهر ومفرز بالفعل بالجوهر هو أيضاً من الكل بعيد، وبالفعل أيضاً للكل قريب وللكل يحيى إن كان طبعه بعيد من الكل وفعله لاصق للكل اذن قوته ماسكة الكل. ولكل يحيى ولكل يقيت”
القمص يوساب السرياني : رؤوس المعرفة للشيخ الروحاني – عن مخطوط رقم ١٨٤ نسكيات بدير السريان – ص ۲۹,۱
بلا شك، فإن اعمال الله التى تتم نحو الخارج وفى زمن تتميز عن جوهر الله. فإذا لم يكن هناك هذا التمييز فإن معنى ذلك ان هذه الأفعال سرمدية (ازلية ابدية) أو هي مولودات سرمدية من الطبيعة الالهية وتكون شبيهة بالله وتكون الخليقة بلا بداية. وعلى ذلك يجب ان نميز بين جوهر الله وبين الأفعال الخاصة بعلاقة الله بالعالم والانسان والتي تتم في زمن ولكن من ناحية أخرى لا يفوتنا أن نؤكد أن أفعال الله التي تتم في زمن لا تدل على تغيير فى الله، لأنها تدخل فى خطة الخلق السرمدية. ولأن تنفيذها في زمن لا يحتاج الى تغيير في طبيعة الله، كما سوف نشير الى ذلك فيما بعد.
+ والى جانب هذه الأفعال الخاصة بعلاقة الله بالعالم وبالانسان هناك اعمال الله الأزلية، وهي الأفعال التي تظهر فى الحياة الداخلية لله أو فى علاقة الله بنفسه مثل ولادة الابن من الأب قبل كل الدهور وانبثاق الروح القدس من الآب ومثل المعرفة التي تكون للأقانيم الثلاثة عن نفسها حسب قول السيد المسيح “لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله” اکو ۱۰:۲ ويدخل فى ذلك أيضاً معرفة الله الأزلية لذاته باعتباره الحق المطلق، وحبه الأزلي لذاته باعتباره الخير المطلق. فلا يجب أن نتصور الله كائنا ساكنا بل هو كائن ازلي حي فاعل.
فيجب اذن ان نميز بين الأفعال الخارجية التي تتم فى زمن (مثل فعل الخلق والعناية بالعالم وتدبير شئونه وعمل الله الخلاصى) وبين الأفعال الداخلية الأزلية التي تختص بالله بينه وبين ذاته. وبينما نصف جوهر الله وفعله الخاص بذاته بالأزلية والأبدية (السرمدية)، فإننا نصف فعل الله المتصل بالعالم بالديمومة والاستمرار.
قد يبدو من الصعب ان نجمع بين بساطة الجوهر الالهى وبين ما ينسب لهذا الجوهر من صفات واسماء كثيرة على اننا فى الواقع لا نتلف هذه البساطة في الجوهر الالهى بسبب التمييز بين صفات كثيرة. أن ما نحتاجه الآن هو محاولة فهم طبيعة هذه الصفات.
+ هذه الصفات الكثيرة التى ننسبها الى الكمال الالهى هى حسب الادراك على ان هذا الادراك لا يرد فقط إلى العقل الانساني وليس كذلك هو ادراك كاذب، بل له أصوله في حقيقة الوجود الالهى، ويشير الى علاقات حقيقية والى اعمال الله.
M. Basil., against Eunom, Book, 1, ch. 5+ 7, M. 29, 520, 524.
وكما يلاحظ القديس كيرلس الأورشليمى ان نسبة اسماء أو صفات كثيرة الى الرب يسوع لا تغير من حقيقة ان الرب يسوع رب واحد وأننا نتكلم عن ابن الله الوحيد لا عن ابناء كثيرين. فقد يلقب ابن الله بالباب أو الطريق أو الحمل، وهذه جميهعا تشير الى الابن الوحيد وليس الى ابناء كثيرين أنظر :
Cyril of Jer. Catech, 10, 3, M. 33, 661.
ويتحدث Owen عن الصفات الالهية فيقول :
ان التمييز بين جوهر الله وبين صفاته، وكذلك التمييز بين هذه الصفات لا يجيء من جانب الله، ولكن من جانب ادراكنا ومن ناحية أخرى فإن هذا التمييز لا يبنى على ادراكات وهمية بل يقوم على أساس حقيقيي، ذلك ان الجوهر الالهى يظهر ذاته في اعماله حسب طرق مختلفة .
+ من بين القدماء، فإن الافنومانيين والأريوسيين أنكروا كل تمييز بين صفات الله وجوهره باعتبار أن أي تمييز – وحتى هذا العقلى – لا يتناسب مع بساطة الله واختصروا كل الاسماء الى واحد فقط وهو «غير المولود». وزعموا ان الأسماء جميع مترادفة. لكن الآباء تصدرا لهذه الاراء الخاطئة مبينين أن الكتاب المقدس ليس عبثا يشير الى اسماء وصفات كثيرة للطبيعة الالهية فيسمى الله : القاضي البار – القوى الطويل الأناه – الحقيقي – وغير ذلك الكثير. وكل اسم من هذه الاسماء يعبر عن معنى خاص –
Greg. of Nys, against Eunom. XII 1, M. 45, 1069 + 396.
ومن بين المحدثين من يقول بما قال به الافنومانيون وهم الذين يسمون بالاسميين Nominatisles فهؤلاء يؤكدون الترادف بين صفات الله الكثيرة او بين اسمائه ويعتبرون هذه الصفات أفكارا ذاتية عن الجوهر الالهى وليس لها مدلول حقيقى بالنسبة لله.
+ وفى كتاب اللاهوت النظامي ” للكنيسة البروتستانتية، جاء عن الصفات الالهية ما يلي:
إن للجوهر الالهى غير المحدود السرمدى غير المتغير صفات خاصة به معلنة في الطبيعة والكتاب. ومعرفته تعالى بدون تلك الصفات والفضائل الالهية مستحيلة لأنها ضرورية لطبيعة اللاهوت فبدونها لا يكون الله وهذه الصفات ظاهرة في الكتاب المقدس وفي أعمال الله وعنايته ولا سيما في عمل الفداء ولا يمكن انفصالها عن جوهر اللاهوت. فإذا قلنا معرفة الله تعنى أن جوهر اللاهوت عارف بكل أمر واذا قلنا محبة الله نعنى ان جوهر اللاهوت محب ولذلك صفات الله هى أزلية سرمدية غير متغيرة كالله ذاته. ويجب أن نحذر فى اظهار النسبة بين صفات الله وجوهره، وبين نسبة صفاته بعضها الى بعض من غلطين وهما التعبير عن الله كأنه كانن مركب من أجزاء مختلفة، وجعل كل الصفات صفة واحدة. وقد أخطأ البعض في قولهم أن جودة الله هي الصفة الوحيدة عنده وكل ما سواها من الصفات الالهية انما هو اظهار الجودة على هيئات متنوعة … وهو باطل… (ص ۲۷۰).
ملخص توضیحی
لقد قلنا ان الله لا يمكن ادراكه ادراكاً تاماً بواسطة العقل البشرى ولكن لدينا من اعلانات الله ما يشير الى الصفات المختلفة التي تنسب الى الله فهو بار وقدوس وكلى الحكمة. وهذه الصفات يطلق عليها بعض اللاهوتيين attributa في مقابل الصفات الذاتية الخاصة بالاقانيم الثلاثة والتى يطلقون عليها Proprietates وعند الحديث عن الله في أفعاله كخالق وقاض تستعمل كلمة Praedicata.
وهنا ينشأ التساؤل: ما طبيعة هذه الصفات وما علاقتها بالجوهر الإلهي وما علاقتها بعضها ببعض؟
أما بالنسبة لطبيعة هذه الصفات، فيجب أن نرفض بشدة القول بأن هذه الصفات هي تميز حقيقى فى جوهر الله كما لو كان الجوهر الإلهى يتكون من اجزاء أو مجالات منفصلة مكانيا. فهذا لا يتفق مع بساطة الله.
كذلك ليس صحيحاً القول بأن هذه الصفات الإلهية هى من خلق اذهاننا ولا تكشف عن الجوهر الإلهى والنظر اليها كصفات مترادفة كما قبل ذلك بعض فلاسفة العصور الوسطى الذين يدعون بالاسميين. فلو أن اسماء الله (صفات الله كانت مجرد ادراکات ذاتية للجوهر الإلهى وكانت الصفات التي تصف الله مثل كونه قدوسا وبارا لا تشير إلى أن الله حقيقة هو بار وقدوس بل تشير فقط الى مجرد ادراكاتنا، فإن هذا ينقض الإعلانات الإلهية ويبطل العاطفة الدينية ويسلب الإيمان من حقائقه ان العطش الديني نحو تكوين تصورات ما عن الله لن يقف عند مجرد تقبل الله ككائن مطلق غير محدود ولكنه يتجه الى الله كما الى أب غنى بالكمالات الأخلاقية
إن هؤلاء الذين يقولون ان صفات الله مجرد ادراکات شخصية، يزعمون أن تقبل وجود صفات حقيقية في الله يؤدى الى :
أ – مخاطر القول بوجود شيء ما ثانوی وکمالی غیر (جوهرى) في الجوهر الإلهي.
ب – يبطل بساطة ووحدة الجوهر الإلهى ويحول الله الى حامل لصفات كثيرة متنوعة .
ج – يبطل صفة الله ككائن مطلق، ويخضع الله للصفة التي تصفه. فاذا أطلقنا على الله بأنه بار، فإنهم يقولون أن البر «كفكرة أعلى» يشارك فيها الله والانسان.
على أن هذه الادعاءات لا تثبت أمام النقد :
أولا : أن الصفات فى الله لا تؤدى الى القول بشيء ما ثانوى أو غير جوهري في الذات الإلهية. ذلك لأن هذه الصفات ليست عرضية وكمالية غير جوهرية بل هي تعبيرات عن الجوهر الإلهى متحدة فى جملتها بالجوهر الإلهي.
ثانياً : ثم أن هذه الصفات لا تحول الجوهر الإلهى الى شيء ما مركب ومكون من مجموعة من الأجزاء ذلك لأن الصفات الإلهية ليست تميزا فى الجوهر الإلهي نفسه ولكنها تعبر عن العلاقات بين الجوهر الإلهى البسيط وبين الموجودات المحدودة وأحوالها.
ثالثاً : أن وصف الله بصفة ما لا يعنى أن الله يشارك في هذه الصفة، فعندما نصف الله بالعدالة، فنحن ننظر الى الله باعتبار أن العدالة توجد فيه بصورتها الكاملة، فعندما ننسبها الى الله فلن يكون ذلك بصورة تركيبية بل تحليلية.
ان النظرية الحقيقية عن صفات الله تقع فى موضع وسط بين النظرية الاسمية والنظرية التى تقول بالتمييز الحقيقى للصفات في الجوهر الإلهي نحن لا نقبل الصفات كمجرد ادراكات ذهنية ذاتية، ولا نقول بأن الصفات تمثل تميزا موضوعياً في الجوهر الإلهى، ولكننا نقول بالصفات الإلهية باعتبارها تمثل ادراكات ذاتية لعلاقات حقيقية بين الله غير المحدود وبين حقيقته المحدودة.
ومهما يكن من أمر فإن الجوهر الإلهى يظل بعيداً عن أن ندركه ادراكا تاما. ومهما كانت الصفات التي تنسب لهذا الجوهر، فإنها لا تستطيع ان تحقق المعرفة الكاملة به. لأن الجوهر الإلهى يكشف من خلال أعماله وكما أننا نستطيع أن نتعرف من خلال الفنون على الفنان كذلك فإننا نستطيع من خلال المخلوقات أن نكتشف العلاقات المختلفة بين الجوهر الإلهى والعالم. ومن خلال هذه العلاقات يتكشف الجوهر الإلهي بصورة ما. اما في التشابه او الاختلاف او باعتباره القوة الفاعلة بطرق متنوعة مختلفة.
وعلى ذلك، فمن خلال الصفات الإلهية، يمكننا أن ندرك بصورة ما غير كاملة. وعلى الجوهر الإلهى، وهكذا فإن الجوهر الإلهى، مدركا في مقابل التحديد الزمني للمخلوقات هو سرمدية الله وفى مقابل قوة المخلوقات المحدودة هو القوة المطلقة غير المحدودة.
على هذا النحو. تبدو هذه الصفات كأنها ذاتية، ولكن من ناحية أخرى فإن هذه الادراكات الذاتية لا يجب أن تدرك كأنها من خلق الذهن البشرى، بل باعتبارها تعبر عن علاقة حقيقية بين الله والعالم.
وكما يحدث لأشعة الشمس، فشعاع الشمس من حيث جوهره هو واحد ولكنه حسب اختلاف طبيعة الأشياء التي يسقط عليها يختلف من الشيء الواحد الى الآخر. فهو قد ينير وقد يدفىء وقد يلين وقد يجفف، هكذا الأمر بالنسبة للجوهر الإلهي فهو واحد وبسيط ولكنه يتمثل من خلال عقولنا في علاقات كثيرة ومتنوعة. أنظر:
M. Basil, against Eunom. 1, 13.
الحديث عن الله فى علاقات تختص بالبشر
لقد قلنا فيما سبق أن صفات الله هى تعبيراتنا التي ننسبها الى الجوهر الإلهي وهي تعجز عن أن تقدم وصفاً كاملا عن هذا الجوهر، بسبب محدودية ادراكاتنا وعقولنا البشرية. ولذلك فإن الصفات تحمل على الدوام عنصرا بشريا مهما حاولنا أن نخلص الصفات الإلهية من هذا العنصر والكتاب المقدس يقيم اعتباراً للضعف البشرى ولمحدودية العقل الانساني، ولذلك ينسب الى الله صفات وعواطف مما نجده في عالم الانسان أي يبدو الله وله يد وعين وأذن واحيانا يرضى وأحياناً يغضب كما يتبين من الأمثلة التالية :
“يمين الرب صانعة ببأس عين الرب مرتفعة يمين الرب صانعة بباس (مز ١٥:١١٦ ،١٦)
” يداك صنعتاني وأنشأتاني” (مز ۷۳:۱۱۹).
” عيناه تنظران اجفانه تمتحن بنی ادم” (مز ٤:١١)
” وجه الرب ضد عاملى الشر” (مز ١٦:٣٤).
“أمل يارب أذنك أستجب لی” (مز١:٨٦)
” اولئك صرخوا والرب سمع (مز ١٧:٣٤).
” تحجب وجهك فترتاع” (٢۹:١.٤)
“لا تحجب وجهك عنى فأشبه الهابطين فى الجب” (مز ٧:١٤٣).
“سمعت صوتك فى الجنة فخشيت” (تك ١:٣).
“فحزن الرب أنه عمل الانسان فى الأرض” (تك ٦:٦).
“فتنسم الرب رائحة الرضا” (تك ٢١:٨).
“فنزل الرب لينظر المدينة والبرج” (تك ٥:١١).
وغير ذلك الكثير.
+ وبلا شك فإن من واجب العقيدة ان تبعد عن الله كل صفة بشرية، وأن تؤكد ان الكائن الأعلى اله وليس انسانا. وهذه التشبيهات البشرية يجب أن لا تقودنا لنرسم صورة بشرية لله ليفعل كل ما يفعله الانسان أو لنجعل من الانسان مخلوقا شبيها بالله.
ولذلك نجد في نبوة هوشع اشارة واضحة الى الفاصل الطبيعي بين الله والانسان اذ يقول الرب على لسان هوشع لا أجرى حمو غضبي لا أعود أضرب افرايم لأنى الله لا انسان القدوس في وسطك فلا آتى بسخط (هو ٩:١) أنظر
Clem of Alex, Strom. II 16, B. 7, 334.
ومن اجل هذا يجب أن نلاحظ أن الكتاب المقدس لم ينسب كل شيء في الانسان الى الله الا الاحشاء باعتبارها مركز العواطف النبيلة عند الانسان ويلاحظ هنا أن الكلمة العبرية التي تعنى احشاء نقلت في الترجمة السبعينية الى كلمة eiktirmos التي تعنى العطف والحنان ولم تنسب الى الله مثلا «الكلى» أو أى عضو من الجهاز الهضمي أو التناسلي. وكذلك من بين الحواس، فاذا كان قد نسب الى الله مثلا منها : حاسة الشم والبصر والسمع، الا أنه لم ينسب الى الله مثلا حاسة التذوق لما فيها من مدلول أكثر مادية. وهذا ما نلاحظه أيضاً عند استعمال الأعضاء التي تستخدم للتعبير عن قوة الله. فقد نسبت اليد الى الله ولكن لم ينسب اليه الكتف وعظم الكتف الذي يدل على أنه يحمل عبنا أو ثقلا .
وبالاضافة الى هذا نقول : لقد نسب الى الله الفكر والادراك ولكن لم ينسب اليه القصور أو التخيل أو التوهم.
+ والواقع انه من الطبيعى للانسان عندما يتكلم عن الله أن يصيغ كلامه في أسلوب بشرى، خاصة وان الانسان خلق على صورة الله ،ومثاله فيكون من المناسب أن نتكلم عن الله من خلال تكويننا البشرى أو الصورة التي خلق عليها أنظر :
Damas. 1, 11, M. 94, 841.
ومن ناحية أخرى فإن الله نزل الينا حتى نستطيع نحن أن نرتفع نحوه، فيما يقول القديس أوغسطينوس :
Condenscendit nobis Deus, ut nos consurgamus.
وأنظر كذلك تعليق القديس يوحنا ذهبي الفم على المزمور السابع
Chrys. Ps. 7, 11, Monf. 5, 81.
على أننا اذا كنا ننسب الى الله بعض التشبيهات البشرية حتى يمكننا بقدر ما أن ندرك الحقيقة الإلهية فإننا يجب من ناحية أخرى أن نبحث عما تدل عليه هذه التشبيهات أو عما تتضمنه وتشير اليه من حقائق الهية واضعين في اذهاننا أن كل ما ينسب إلى الله من أمور حسية يحمل معنى رمزيا وروحياً وعلينا ان نبحث عن هذا المعنى المختفى وراء هذه التشبيهات المادية.
- النوع في اصطلاح المناطقة هو الكلى المقول على كثيرين مختلفين بالعدد، في جواب ما هو. كالإنسان لمتى ومرقس ويوحنا وغيرهم وقيل أنه المعنى المشترك بين كثيرين فنسبة الوحدة النوعية لله تعنى أن هناك أفرادا آخرين يشتركون مع الله فى الوحدة فبين الله وبين هؤلاء الأفراد توجد صفات مشتركة. وهذا بلا شك يناقض الوحدة الالهية المطلقة أن الله ليس واحدا.