تفسير المزمور 17 للقمص متى المسكين

دراسة

صاحب المزمور وزملاؤه (۱۱) محاطون بالرجال المتكبرين وبأعداء لا يشفقون، وانتحوا لهلاكهم. واحد بينهم ظاهر مشهور بعداوته (۱۲). مثل هذه المناسبة في حياة داود موصوفة بدقة في (اصم٢٣: ٢٥ ٢٦)

+ وذهب شاول ورجاله للتفتيش فأخبروا داود فنزل إلى الصخر وأقام في برية معون. فلما سمع شاول تبع داود إلى برية معون فذهب شاول عن جانب الجبل من هنا وداود ورجاله عن جانب الجبل من هناك. وكان داود يفر في الذهاب من أمام شاول وكان شاول ورجاله يحاوطون داود ورجاله لكي يأخذوهم».

فأفكار ولغة المزامير موجود نظيرها في مزامير داود. خاصة مزامير (۷)، (۱۱). لكن كثيراً من النقاد يرجعون هذا المزمور مع مزمور (١٦) إلى زمن متأخر (خطأ) في السبي (اتجاه خاطئ).

شرح وتفسير المزمور على مستوى كل التوراة

۱ – اسْمَعْ يَا رَبُّ لِلْحَقِّ أَنْصِتْ إِلَى صُرَاخِي. أَصْغِ إِلَى صَلَاتِي مِنْ شَفَتَيْنِ بِلَا غِشَ»:

«الحق»:

ترجمت البر أو العدل بسبب البر ودعاء الحق يظهر صاحب المزمور أمام القاضي البار، وبسبب الثقة في صحة وأصالة دوافعه نحو الله ونحو البشر صار له ضمير جيد، وهذا لا يجارى كشرط للصلاة الحارة.

«صراخي»:

الكلمة تظهر نوعاً من الصلاة، فهي مجلجلة، دوافعها شرور جعلت التوسل واثقاً، فهي صلاة نافذة خارقة المفاصل، تعبر عن عواطف مترعجة، انظر: (مز ١:٦١):
+ «اسمع يا الله صراخي واصغ إلى صلاتي».

وأيضاً: (إر ١٦:٧):
+ «وأنت فلا تصل لأجل هذا الشعب ولا ترفع لأجلهم دعاء (في العبري: صراخاً) ولا صلاة ولا تلح علي لأني لا أسمعك».

«من شفتين بلا غش»:

أطلقتها بدون قصد عاش فلا يوجد فيها رياء، انظر: (مز ۷:۱۰):
+ «فمه مملوء لعنة وغشا وظلماً. تحت لسانه مشقة وإثم».

۲ – «مِنْ قُدَّامِكَ يَخْرُجُ قَضَائِي. عَيْنَاكَ تَنْظُرَانِ الْمُسْتَقِيمَاتِ»:

انظر: (مز ٦:٣٧):

+ ويخرج مثل النور برك وحقك مثل الظهيرة».

وأيضاً: (إش ٤٢: ١و٣و٤):
+ «هوذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به نفسي وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم… قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يُطفئ لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق
في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته».

وأيضاً: (حب ٤:١):

+ «لذلك جمدت الشريعة ولا يخرج الحكم بتة لأن الشرير يحيط بالصديق فلذلك يخرج الحكم معوجاً».

أخرج القضية الحقي أعطها قوة وحقق وبرهن العدل في قضيتي.

«عيناك تنظران المستقيمات»

الأفضل في الترجمة: “ليت عينيك تنظران بالعدل والإنصاف“.

 «3 جَرَّبْتَ قَلْبِي. تَعَهَّدْتَهُ لَيْلاً. مَحَّصْتَنِي. لاَ تَجِدُ فِيَّ ذُمُومًا. لاَ يَتَعَدَّى فَمِي.
 4 مِنْ جِهَةِ أَعْمَالِ النَّاسِ فَبِكَلاَمِ شَفَتَيْكَ أَنَا تَحَفَّظْتُ مِنْ طُرُقِ الْمُعْتَنِفِ.
 5 تَمَسَّكَتْ خُطُوَاتِي بِآثارِكَ فَمَا زَلَّتْ قَدَمَايَ.» :

اللغة الجريئة للضمير الصالح.

«جربت قلبي تعهدته»:

انظر: (مز ٤:١١):

+ «الرب في هيكل قدسه الرب في السماء كرسيه عيناه تنظران، أجفانه تمتحن بني آدم»

وأيضاً: (مز ٥:١١):

+ الرب يمتحن الصديق. أما الشرير ومحب الظلم فتبغضه نفسه».

«ليلا»

حينما يهدأ الإنسان ويرى نفسه رؤية صحيحة بلا تحيز، انظر: (مز ٤:٣٦):
+ يتفكر بالإثم على مضجعه».

«محصتني لا تجد في ذموماً»:

انظر: (مز ١٠:٦٦):

+ «لأنك جربتنا يا الله. محصتنا كمحص الفضة».

لا يوجد في ما يصيب غرضي وسلوكي.

«لا يتعدى فمي»:

لا بفكر ولا بعمل ولا بشيء يخاف من فحص الله.

«من جهة أعمال الناس فبكلام شفتيك أنا تحفظت من طرق المعتنف»:

كإنسان بين الآخرين أطاع كل أقوال الله وعين طريق العنف والعنفاء وامتنع من السير فيه ممتنعاً عن اجتماعاتهم ومثلهم. ووصايا الله كانت ما يحفظه وكانت تعطيه النظام والقوة لسلوكه وطريق العنفاء هو ضد طريق الحياة، انظر: (مز ١١:١٦):

+ « تعرفني سبيل الحياة …».

انظر: (أم ١٩:١)

+ «هكذا طرق كل مولع بكسب. يأخذ نفس مقتنيه».

وأيضاً: (أم ١٣:٢):

+ «التاركين سبل الاستقامة للسلوك في مسالك الظلمة».

«المعتنف»:

السرقة بعنف تذكر أنها المثل الأكثر شيوعاً للأعمال الشريرة الخاطئة للقريب، انظر: (إر ١١:٧):
+ «هل صار هذا البيت الذي دعي باسمي عليه مغارة لصوص في أعينكم. هأنذا أيضاً قد رأيت
يقول الرب».

وأيضاً: (حز ۱۰:۱۸)

+ «فإن ولد ابناً معتنفاً سفاك دم ففعل شيئاً من هذه».

ولكي نرى المثل الصحيح من حياة داود انظر: (١صم ٢٥: ٣٢-٣٤):
+ «فقال داود لأبيجايل. مبارك الرب إله إسرائيل الذي أرسلك هذا اليوم لاستقبالي. ومبارك عقلك ومباركة أنت لأنك منعتني اليوم من إتيان الدماء وانتقام يدي لنفسي. ولكن حي هو الرب إله إسرائيل الذي منعني عن أذيتك إنك لو لم تبادري وتأتي لاستقبالي لما أبقي لنابال إلى ضوء الصباح بائل بحائط».

وأيضاً :(١صم ٢٤: ۱۰-۱۱)
+ «هوذا قد رأت عيناك اليوم هذا كيف دفعك الرب اليوم ليدي في الكهف، وقيل لي أن أقتلك ولكنني أشفقت عليك وقلت لا أمد يدي إلى سيدي لأنه مسیح الرب هو. فانظر يا أبي انظر أيضاً طرف جبتك بيدي فمن قطعي طرف جبتك وعدم قتلي إياك اعلم وانظر أنه ليس في يدي شر ولا جرم و لم أخطئ إليك، وأنت تصيد نفسي لتأخذها».

ومجمل الآية (٤): لأن أعمال الناس عملت ضد كلمات شفتيك فهي لا تطاق.

«تمسكت خطواتي بآثارك. فما زلَّت قدماي»:

«آثارك»:

أي طرقك الممهدة بالنعمة.

«زلت»:

أخفقت.

«6أَنَا دَعَوْتُكَ لأَنَّكَ تَسْتَجِيبُ لِي يَا اَللهُ. أَمِلْ أُذُنَيْكَ إِلَيَّ. اسْمَعْ كَلاَمِي. 
7مَيِّزْ مَرَاحِمَكَ، يَا مُخَلِّصَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ، بِيَمِينِكَ مِنَ الْمُقَاوِمِينَ. 
8احْفَظْنِي مِثْلَ حَدَقَةِ الْعَيْنِ. بِظِلِّ جَنَاحَيْكَ اسْتُرْنِي 
9مِنْ وَجْهِ الأَشْرَارِ الَّذِينَ يُخْرِبُونَنِي، أَعْدَائِي بِالنَّفْسِ الَّذِينَ يَكْتَنِفُونَنِي.»

بعد أن عرض أعمال كماله . رجع إلى صلاته.

«أنا دعوتك لأنك تستجيب لي»:

تصدر كلمة أنا “ ، الجملة تشديد على شخصيته. دعوتك وفي ملء الثقة أنك ستستجيب لي.

«یا الله»:

يقصد ”إيل“ استمع صلاتي.

«ميز مراحمك»:

أظهر إحساناتك العجيبة انظر: (مز ۲۱:۳۱)

+ «مبارك الرب لأنه قد جعل عجباً رحمته لي في مدينة محصنة».

وكلمة “ميز” تشير إلى حسن تداخله في شئون الله لأن الحاجة ألزمته فهي شديدة ولكن في اعتقاده الله أقوى. وهناك آيات مشابهة لكلماته: يا مخلّص المتكلين عليك بيمينك».

انظر: (مز ٥:٦٠):

+ «لكي ينجو أحباؤك. خلص بيمينك واستجب لي».

وأيضاً: (مز ٦:٢٠):

+ «الآن عرفت أن الرب مخلّص مسيحه يستجيبه من سماء قدسه بجبروت خلاص يمينه».

«احفظني مثل حدقة العين بظل جناحيك استرني»:

«مثل حدقة العين»:

اصطلاح يحمل أرق وأعز وصف للحماية بغيرة وعناية فائقة، انظر: (تث ۱۰:۳۲):
+ «وجده في أرض قفر وفي خلاء مستوحش خرب أحاط به ولاحظه وصانه كحدقة عينه».

وأيضاً: (أم ٧: ٢):

«احفظ وصاياي فتحيا وشريعتي كحدقة عينك».

وأيضاً: (زك ٨:٢):

+ «لأنه هكذا قال رب الجنود. بعد المجد أرسلني إلى الأمم الذين سلبوكم. لأنه من يمسكم يمس حدقة عينه».

«بظل جناحيك استرني»:

صورة محببة مأخوذة من عناية الأم للطائر بأولادها، انظر: (مت ۳۷:۲۳):
+ «يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك
كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها و لم تريدوا».

على أنه لم يكن في إسرائيل مباشرة في استئناس الطيور، انظر: (مز (٦:٣٦):
+ «عدلك مثل جبال .الله. وأحكامك لجة عظيمة. الناس والبهائم تخلّص يا رب (لم يذكر الطيور)».

انظر: (مز ١:٥٧)

+ « ارحمني يا الله ارحمني، لأنه بك احتمت نفسي وبظل جناحيك أحتمي إلى أن تعبر المصائب».

وأيضاً: (مز ٧:٦٣):

+ «لأنك كنت عوناً لي وبظل جناحيك أبتهج».

وأيضاً: (مز ٤:٩١):

+ «بخوافيه يظللك وتحت أجنحته تحتمي. ترس ومجن حقه».

وهذه الصورة تتبع صورة النسر لأن يهوه كان يرعى ويقود شعبه كالنسر وأولاده الصغار.

«الذين يكتنفونني»:

وتعني الذين يضغطون علي لتخريب حياتي. انظر: (مز ٥:١٢):
+ «من اغتصاب المساكين من صرخة البائسين الآن أقوم يقول الرب».

«أعدائي بالنفس»:

أعدائي للموت فليس يرضيهم إلا أخذ نفسي، انظر: (اصم ١١:٢٤):

+ «وأنت تصيد نفسي لتأخذها».

فالمعنى الحقيقي لكلمة “بالنفس” هو قصد الموت، انظر: (مز ۱۲:۲۷):

+ لا تسلّمني إلى مرام مضايقي. لأنه قد قام عليَّ شهود زور ونافث ظلم».

«10قَلْبَهُمُ السَّمِينَ قَدْ أَغْلَقُوا. بِأَفْوَاهِهِمْ قَدْ تَكَلَّمُوا بِالْكِبْرِيَاءِ.
11فِي خُطُوَاتِنَا الآنَ قَدْ أَحَاطُوا بِنَا. نَصَبُوا أَعْيُنَهُمْ لِيُزْلِقُونَا إِلَى الأَرْضِ.
12مَثَلُهُ مَثَلُ الأَسَدِ الْقَرِمِ إِلَى الافْتِرَاسِ، وَكَالشِّبْلِ الْكَامِنِ فِي عِرِّيسِهِ.»:

في هذه الآيات بين أخلاق أعدائه.

إن الخصب والنجاح أنتج اعتداداً بالذات وشعوراً باحتقار الآخرين. انظر: (مز ۷۳: ۷و۸):
+ «جحظت عيونهم من الشحم جاوزوا تصورات القلب يستهزئون ويتكلمون بالشر ظلماً من
العلاء يتكلمون».

وأيضاً: (أي ٢٧:١٥):

+ «لأنه قد كسا وجهه سمناً وربي شحماً على كليتيه».

وقد أغلقوا قلوبهم ضد كل التأثيرات وكل رحمة، انظر: (١يو ١٧:٣):

+ «وأمَّا مَنْ كَان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجاً وأغلق أحشاءه عنه فكيف تثبت محبة الله فيه».

«قد تكلموا بالكبرياء»:

انظر: (مز ۳:۱۲)

+ «يقطع الرب جميع الشفاه الملقة واللسان المتكلم بالعظائم».

وأيضاً: (مز ۱۸:۳۱):

«لتبكم شفاه الكذب المتكلمة على الصديق بوقاحة بكبرياء واستهانة».

وأيضاً: (مز ٦:٧٣):

+ «لذلك تقلدوا الكبرياء لبسوا كثوب ظلمهم».

وفي الآية (۱۱) يتضح أنهم قد أدركوا صاحب المزمور وأحاطوا به وابتدأوا يلاحظونه بكل دقة ليجدوا فرصة ليردوه أرضا، انظر: (مز (۳۲:۳۷)

+ «الشرير يراقب الصديق محاولاً أن يميته».

«مثل الأسد القرم»:

الأسد العجوز المتدرب على القنص والقتل، انظر: (مز ۱۳:۲۲)

+« فغروا عليَّ أفواههم كأسد مفترس مزمجر».

وكان هذا واحداً من أعدائه (لو صح أن المتكلم داود فيكون هو شاول وهو ماهر في القسوة والمكر والحيلة)، انظر: (مز۲:۷)

+ «لئلا يفترس كأسد نفسي هاشماً إيَّاها ولا منقذ».

۱۳ – «قُمْ يَا رَبُّ تَقَدَّمَهُ. اصْرَعْهُ. نَجِّ نَفْسِي مِنَ الشَّرِّيرِ بِسَيْفِكَ»:

يطلب المعونة: قابله وجهاً لوجه، إذا هو استعد ليقفز أحنه أرضاً اجثم فوقه وأرغمه على الخضوع.

انظر: (مز ۳۹:۱۸)

+ «تمنطقني بقوة للقتال تصرع تحتي القائمين علي»

هذا مثل الأسد في راحته (تك ٩:٤٩):

+ «يهوذا جرو أسد (شبل). من فريسة صعدت يا ابني، جثا وربض كأسد و ـد وكلبوة. مَنْ يُنهضه؟».

١٤ – «مِنَ النَّاسِ بِيَدِكَ يَا رَبُّ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا نَصِيبَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ بِذَخَائِرِكَ تَمْلأُ بُطُونَهُمْ يَشْبَعُونَ أَوْلاداً وَيَتْرُكُونَ فُضَالَتَهُمْ لَأَطْفَالِهِمْ»:

من الأشرار استخدم سيفك ولكن من الناس استخدم يدك، انظر: (مز ۱۲:۷):
+ «إن لم يرجع يحدّد سيفه. مد قوسه وهيأها».

«من أهل الدنيا»:

المحبوبون للعالم وما فيه الذين يذهبون بذهابه، انظر: (يو ١٩:١٥):
+ «لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته. ولكن لأنكم لستم من العالم …» نصيبهم في هذا العالم فقط. ولكن يهوه هو نفسه نصيب الأتقياء، انظر: (مز ٥:١٦): + «الرب نصيب قسمتي وكأسي. أنت قابض قرعتي».

هؤلاء الناس الذين من العالم قانعون بقسمة مادية زائلة من الأشياء، انظر: (مز ٦:٤٩): + «الذين يتكلون على ثروتهم وبكثرة غناهم يفتخرون».

وأيضاً : (۳:۷۳):

+ . «لأني غرت من المتكبرين إذ رأيت سلامة الأشرار».

لذلك يعاملهم الله بمقتضى شهوة قلوبهم فينعمون فقط بشهواتهم السفلى، انظر: (في ١٩:٣):
+ «الذين نهايتهم الهلاك، الذين إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات».

والذي يشرق شمسه على الأشرار والصالحين يملأ بطونهم من مخازنه ويعتني بالناحية الحيوانية لطبيعتهم، انظر: (أي ١٨:٢٢):

+ «وهو قد ملأ بيوتهم خيراً. لتبعد عني مشورة الأشرار».

ويتركهم يخلفون أولاداً كما يشاؤون ونجاحهم يستمر ويمتلكون ما يشاءون ويتركون هذا كله لأولادهم وعائلاتهم.

١٥ – «أَمَّا أَنَا فَبِالْبِرِّ أَنْظُرُ وَجْهَكَ. أَشْبَعُ إِذَا اسْتَيْقَظْتُ بِشَبَهِكَ»:

ويعمل صاحب المزمور مقارنته بين ما يطلبه الأشرار ويأخذونه مع مطالبه الروحية وإلهاماته، فهو لا يمانع ولا يشكو من نجاحهم وفلاحهم، فهي لا تمثل له تجربة لصبره ولا معثرة لأخلاقه كما هي في (مز۳۷: ۳٫۱)

+ « لا تغر من الأشرار ولا تحسد عُمَّال الإثم… اتكل على الرب وافعل الخير. اسكن الأرض  وارع الأمانة».

وأيضاً: (مز ۱۲:۷۳):

+ «هوذا هؤلاء هم الأشرار ومستريحين إلى الدهر يكثرون ثروة».

فبركاتهم ليست ولا إلى لحظة تقارن بما أعطاه الله أن يرى وجه يهوه» ويستمتع بشركة معه، أمامه وكل البركات التي تنبع منه فهي حقيقة داخلية التي توازي وتتصل بكيف يتراءى في هیکله انظر: (مز ١١:١٦):

+ تعرفي سبيل الحياة. أمامك شبع سرور. في يمينك نعم إلى الأبد».

والبر هو شرط رؤياه والتفرس فيه لأن الخطية وحدها هي التي تفصل الإنسان عن ا الله، انظر: (مت ه: ٨)

+ «طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله».

وأيضاً: (عب ١٤:١٢):
+ «اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب».

 

ويختم بصلاة جريئة حتى يسمح له إلى هذه الدرجة العليا إلى هذا الامتياز الذي تنعم به موسی ويشبع بشبه يهوه، انظر (عد ١٢: ٦-٨)

+ «فقال : اسمعا كلامي الرب يتكلم إن كان منكم نبي للرب فبالرؤيا أستعلن له في الحلم أكلمه، أما عبدي موسى فليس هكذا، بل هو أمين في كل بيتي، فماً إلى فم وعياناً أتكلم معه لا بالألغاز، وشبه الرب يعاين». 

نتكلم عالمياً حين نقول إن الإنسان يكون مسروراً وشبعاناً حينما يرى نفسه منعكسة على أولاده، ليس أقل من هذا يكون منظر الرب في شكل الله ليشبع داود، انظر: (مز ١١:١٦):
+ «تعرفني سبيل الحياة أمامك شبع سرور. في يمينك نعم إلى الأبد».

ولكن ما معنى حينما أستيقظ، أليس بعد انتهاء أتعاب الليل يكون المعنى، ولكنه يقصد:
۱ – التجديد اليومي لهذه الشركة انظر: (مز ۱۳۹: ۱۷ و ۱۸)
+ «ما أكرم أفكارك يا الله عندي ما أكثر جملتها. إن أحصها فهي أكثر من الرمل. استيقظت وأنا
بعد معك».

٢ – وعلى المستوى الروحي العالي يكون معنى الاستيقاظ هو القيام من الموت ليرى وجه الله في العالم الآخر والموت يكني عنه بالنوم، انظر: (مز ۳:۱۳):
+ «انظر واستجب لي يا رب إلهي. أنر عيني لثلا أنام نوم الموت».

والقيامة هي اليقظة الحقيقية، انظر: (إش ١٩:٢٦):
+ «تحيا أمواتك تقوم الجثث استيقظوا ترنموا يا سكان التراب». 

وأيضاً: (دا ٢:١٢):

+ «وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون، هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي».

وواضح أن عقيدة الحياة الأبدية ظاهرة في الكلام لأنه من غير المعقول أبداً أن يكون لداود شركة مع الله يومياً[1] وتتجدد باستمرار ويحدث أن تنقطع فجأة وتنتهي بالموت، لأن الشركة مع الله تعني الحياة الأبدية، وإن كانت كسبق .معاينة فداود كان له صدى من الرجاء الكبير، ولكن، وكيف ومن أين استقاه فهذا لم ينكشف، ويكفي أن يعبر عن السماء أنها موضعه

ومن الصعب والمستحيل أن نقرأ كلمات هذا النبي ولا نصلها بالإنجيل. فداود إرهاصة إنجيلية، هذا تحققه ق بولس، انظر: (رو ۱۷:۱):

+ «كما هو مكتوب أما البار فبالإيمان يحيا [ مأخوذة من حبقوق ٤:٢]».

ومنظر وشكل الآب هو الابن المتجسّد الذي لم يوجد فقط منذ العهد الجديد بل كان قائماً عاملاً في كل أحداث العهد القديم، وتجليه حقيقة دهرية، انظر: (۲کو ۱۸:۳):
+«ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف …».

أما موسی فكان يلزم له أن يضع برقعاً. أما داود فبالرؤيا. ويلزم أن نلاحظ أن كل العهد القديم لم يتكلم صراحة عن القيامة والحياة الأخرى ولكن بالتلميح غير الصريح الذي يُفهم منه ذلك. فمثلا الترجوم وأكويلا وسيماخوس وجيروم كلها أعطت نسخاً حرفية والسبعينية قالت: “سأكون سعيداً حينما يظهر مجدك، والسريانية تقول: “حينما تظهر أمانتك وثيئودوتيون يقول: “حينما تظهر يدك اليمني” هكذا اختلفت الألفاظ ولكن المعنى الضمني واحد فكلمة: مجدك التي جاءت في رسالة کورنثوس جاءت شكلك في السبعينية كما هي في سفر العدد (۸:۱۲): “فماً إلى فم وعياناً أتكلم معه لا بالألغاز. وشبه الرب يعاين” هذه تكشف عن إمكانية رؤية شبه الرب في العهد القديم. 

  1.  يقول العالم Delitzsch: المقارنة هنا ليست بين الحياة الحاضرة والمستقبلة ولكن بين العالم والله. فنحن هنا نواجه أعماق العهد القديم ومعتقداته، فكل البركة والمجد للحياة المستقبلية التي رأيناها ومارسناها في العهد الجديد هي انکشاف و استعلان ما هو عند يهوه للعهد الجديد. فيهوه هو أعلا الصلاح الذي ارتفع فوق الأرض والسماء، الموت والحياة، ليخضع الكل صاغراً له دون أن ينكشف بالمعرفة مستقبل الحياة والسعادة القادمة إلا في ميعادها، حيث ظهر فيه ملء الحياة بالرغم من صورة الموت التي كان يعاينها العهد القديم.
تفسير مزمور 16مزمور 17تفسير سفر المزاميرتفسير العهد القديمتفسير مزمور 18
القمص متى المسكين
تفاسير مزمور 17تفاسير سفر المزاميرتفاسير العهد القديم
 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى