تعليقات لامعة على سفر التكوين للقديس كيرلس عمود الدين
المقالة الثالثة: 2- آبرام وإسحق
«وحدث بعد هي الأمور أن الله امتحن إبراهيم فقال له : « يا إبراهيم » . فقال : « هاأنذا » . فقال : « خذ ابنك وحيد الذي تحبيه إسحق واذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك » (تك 22: 1–2) . هذا ما أعلنه الله لإبراهيم وللتو شد البار على حماره – كما هو مكتوب – وأخذ اثنين من غلمانه معه ، وأخذ إسحق ابنه المحبوب وارتحل مسرعاً لكي يقدم الذبيحة . عندما وصل إلى ذلك المكان المقدس، في اليوم الثالث قال لغلاميه : « اجلسا أنتما هنا مع الحمار وأما أنا والغلام فتذهب إلى هناك ونسجد ثم نرجع إليكما . فأخذ إبراهيم حطب المحرقة ووضعه على إسحق ابنه وأخذ بيده النار والسكين . فذهبا كلاهما معاً. وقال إسحق لإبراهيم أبيه : « یا أبي » . فقال : « هاأنذا يا ابني » ، فقال : « هوذا النار والحطب ولكن أين الخروف للمحرقة ؟ » . فقال إبراهيم : « الله يرى له الخروف للمحرقة يا اني » . فذهبا كلاهما معاً » ( تك 5:22- 8).
هكذا بنى المذبح ، ورتب الحطب فوقه ، وربط إسحق ابنه ، ووضعه فوق الحطب الذي على المذبح ، وأمسك السكين ، فمنعه صوت الملاك قائلا له : لا ينبغي أن تذبح ولدك ؛ لأن الله علم مدى استعدادك الصالح . ثم بعد ذلك رأي البار كبشاً ممسكا في الغابة بقرنيه ، وقام البار بتقديمه ذبيحة بدلاً من ولده. وهكذا نزل إلى غلاميه ومعه ابنه سليماً.
حيث إننا لخصنا بإيجاز القصة الطويلة بعرض سريع ، فإننا لن نتردد أبدا في شرحها على قدر استطاعتنا ، ونبين أن مخلصنا قد سبق أن صور في تلك الأحداث أما إنكان البعض لا يتتبعون كل الأقوال الواردة بخصوص هذا الحدث ، فهذا ما لا نقبل أن نفعله . إذ في مرات كثيرة يختفي المعنى الروحي في أثناء الحدث . وذلك مثل زهور المراعي التي قد تكون ملفوفة بأوراق لا قيمة لها . لكن إذا قطع أحد هذه الأوراق فسيجد داخلها ما هو مفيد ( يقصد رائحة الزهور العطرة).
والآن نبدأ حديثنا بالشرح الرمزي . كون أن إبراهيم الطوباوي وضع في اختبار وأُمر أن يقدم ابنه المحبوب ، وأنه تضايق طبعاً كأب ، وجُرح بمخراز الطبيعة الساخن ( الحنان الأبوي ) ، لكنه اختار الموقف الذي يخفي صلاح الله ، كأنه جد ما قاله الإنجيل فيما بعد : “ لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد كي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3: 16).
أتحدث إنسانياً لكي أظهر المعني بكل وضوح، فأقول: إن الله الآب تأثر تأثراً عميقاً وهو يقدم ابنه للموت لأجلناء بالرغم من أنه كان يعرف أنه سوف لا يعاني شيئاً كإله لأنه غير قابل للتألم. كما كان يدرك مدى المنفعة التي ستنتج عن الموت، أقصد خلاص الكل وهبة الحياة، فلم يتأخر الآب – عن خلاصنا – بسبب محبته تجاه ابنه، لذلك قال عنه بولس الرسول: “الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كي لا يهنا أيضاً معه كل شيء؟” (رو32:8 ) وكيف كان يمكن أن تظهر عظمة محبة الله الآب لنا، لو لم يظهر لنا مدی احتماله لكل هذه الأمور مسلم ابنه لأجلنا؟ لأن عبارة “لم يشفق” التي قالها بولس الرسول تجعلنا نفكر فيها هكذا. وهذه الأقوال لا تقال أعتباطاً، بل عن أولئك الذين يشرعون في عمل شيء عظيم وجليل، وبالمثل أيضا: اوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك، لا تُمسكي، أطيلي أطنابك وشددي أوتادك لأنك تمتدين إلى اليمين وإلى اليسار” (أش 54: 2 -3)، وأيضاً: لا تخافي لأنك لا تخرين” (أش 54: 4)، وكذلك: “أنقذ المنقادين إلى الموت والممدودين للقتل “(أم 24: 11، انظر مز 81: 4). ومثل هذه الكلمات تقال أيضا عن عبارة: “خذ ابنك حبيبك [1]
أما الخادمان اللذان كانا يصاحبان الرجل السن إبراهيم ويتبعانه من الخلف لمدة يومين أو ثلاثة، فهما مثال للشعبين اللذين دعيا للخضوع للناموس، أقصد إسرائيل ويهوذا ، وهما اللذان آمنا بأنه ينبغي عليهما أن يتبعا وصايا الله الآب مثل الخادمين اللذين كانا مع إبراهيم . هذان الشعبان لم يعرفا الابن الذي به خُلق الكل ، ولا اعترفا بمن هو وارث للآب الذي يشير إليه إسحق الصغير الذي كان موجوداً في حضن أبيه بأروع صورة ، رغم أنه لم يكن بعد سيد البيت. أما الابن ، فهو كان كائنا وسيكون كائنا على الدوام ، وهو الرب والإله الكلي الكمال . ولكنه بسبب أنه لم يكن معروفاً من الجميع وخاصة اليهود عديمي التقوى الذين كان نظرهم دائماً إلى الجسد فقط ، فإنهم ظنوا أنه شخص عادي لا نفع منه . إذ أنه كان حينئذ في الصورة التي تناسب ذهن البشر ومعرفتهم ، فبدا وكأنه صغير وحقير عند البشر الصغار . أما بالنسبة للعظماء ، فإنه عظيم ، وهذا ما يقوله الأنبياء : « یا رب إله الجنود من مثلك قوي رب وحقك من حولك ؟ » ( مز ۸۹ : ۸ ) ، ويقصد بالذين حوله أولئك الذين اقتربوا إليه بقلب مستقیم . أما الذين لم يقتربوا إليه هكذا، فإن بولس يشعر بالألم بسبهم وهو يقول لهم : « إلى أن يتصور المسيح فيكم » ( غل 19:4 ) ، أي إلى أن تنطبع ملامح الألوهية الفائقة للطبيعة رويداً رويداً في ذهن هؤلاء[2]. وكون أن الغلامين تبعا إبراهيم لمدة ثلاثة ايام ولم يسمح لهما بأن يصعدا معه إلى المكان العالي والمقدس ، بل أمرهما بأن يجلسا مع الحمار ، فهذا يعلن أن مسيرة الشعبين إلى الله حسب الناموس ستمتد حتى السنة الثالثة ، أي الزمن الأخير ، وهذا يشير إلى الزمن الذي فيه ولد المسيح لأجلنا . لأن الوقت له ثلاثة قياسات هي الماضي والحاضر والمستقبل . وهكذا كأنه في الوقت الثالث ، أي الزمان الأخير . والكتاب المقدس يقول إن المسيح جاء في الزمن الأخير[3].
ورغم إن الشعب الإسرائيلي اتبع الله بواسطة الناموس حتى الزمن الذي أتی فيه مخلصنا، إلا أنه لم يرد أن يقبل المسيح بالإيمان في مسيرته نحو الموت لأجل الجميع ، أو بالحري ، فإن هذا الشعب تعوَّق عن اتباع المسيح بسبب خطاياه الكثيرة . فهذا الشعب كان مصاباً بالبلادة وعدم الإحساس الذي يرمز إليه الحمار الذي ظل مع الغلامين . فالحمار يرمز لانعدام التبصر الذي يلد بلادة إحساس . وكون الأب إبراهيم ارتحل مع ابنه ، في حين ظل الغلامان في مكانهما بعدما أخبرهما أنه سوف يعود إليهما ومعه ابنه ، إذ قال : « أجلسا أنتما هنا مع الحمار وأما أنا والغلام فنذهب إلى هناك وتسجد ثم نرجع إليكم » ( تك 22: 5 ) ، فهذا يشير إلى ابتعاد الله المؤقت عن أبناء إسرائيل ، ثم رجوعه إليهم عندما يؤمنون بالمسيح في آخر الأزمنة . لأنه بعدما يؤمن جمهور الأمم[4] بالمسيح عندئذ سوف يخلص بقية إسرائيل ( انظر رو 11: 26) . أما وأن إبراهيم الطوباوي لم يقل للغلامين بوضوح أنه ذاهب ليقدم ابنه ذبيحة ، فهذا يشير إلى أن الشعوب اليهودية يصعب عليها تصدیق سر المسيح ، وهذه الحقيقة أظهرها المسيح بكل وضوح حين كان يتحدث مع اليهود بأمثال ، أما التلاميذ فقال لهم : « لأنه قد أُعطي لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات وأما لأولئك فلم يُعط » ( مت ۱۱:۱۳ ) .
وكما أن الفتى الصغير اسحق حمل الحطب الذي أُعطى له من أبيه ، وذهب به إلى مكان تقديم الذبيحة ، هكذا حمل المسيح الصليب على كتفه وتألم خارج المحلة وكانت هذه هې :إرادة الله الآب ، وليست إرادة بشرية . وهذا ما قاله المسيح نفسه لبيلاطس البنطي : « لم يكن لك علي سلطان البتة لو لم تكن قد أُغطيت من قوق » ( يو ۱۱:۱۹ ) . أي أن اسحق عندما حمل الحطب ، كان يشير إلى آلام المسيح وموته ، أما تقديم الكبش المُعطى من الله ذبيحة على المذبح ، فهذا يشير إلى حقيقة أن المسيح أصعد جسده ذبيحة ذكية إلى الآب ، ذلك الجسد الذي قيل عنه أنه أخذه من الله الآب بحسب ما ورد في المزمور : « ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأت لي جسداً . بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسر . ثم قلت ها أنذا أجيء في درج (رأس) الكتاب مكتوب عني لأفعل مشيئتك يا الله » ( عب 5:10- 7 ، مز 40 : 7) . ولكنه هو نفسه الكلمة الذي ولد من جوهر الله الآب وتجسد من العذراء وسُمر على الصليب ، إلا أنه إله غير متألم وغير مائت [6]، وهو منزهعن أي ألم وأي موت .
وهذه الأمور التي قيلت لأجلنا ، هي تشير حقا للمسيح ، ويؤكد هذا المكتوب : « في درج ( رأس ) الكتاب مكتوب » . الكتاب طبعاً مكون من من خمسة أجزاء ، وهو كل كتابات موسى النبي ، ودرج أو رأس الكتاب ، أي بدايته هو سفر التكوين الذي وردت فيه الأقوال التي تشير إلى المسيح . وفي الكتب المقدسة كلمة « رأس» تعني « بداية » ، وسوف تعلم هذا جيداً عندما تدرك ما قاله بولس الرسول : « إن رأس كل رجل هو المسيح . وأما رأس المرأة فهو الرجل ، ورأس المسيح هو الله » ( 1 کو 3:11، أف 23:5). أي بداية الرجل هو المسيح لأن المسيح خلقه من العدم. أيضا بداية المرأة هو الرجل بحسب المكتوب : « فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي . هذه تدعى امرأة لأنها من أمرئ أُخذت » ( تك۲۳:۲) . ورأس المسيح هو الله نفسه ؛ لأن الابن أتی منه بحسب الطبيعة وهو أزلي [7] مع الآب الذي ولده.
حسن جداً أن ينكشف لنا المسيح من خلال هذه الأمور التي يخبرنا با الكتاب . ويستحق إبراهيم الطوباوي منا إعجاباً عظيماً، ومدائح فخمة ليكون ممجداً ومكشوفاً للجميع في كل مكان ، وكذلك علينا أن نفحص فكر الله فحصاً عميقاً. إذ أن الله امتحن إبراهيم الطوباوي ، وهو يعلم تماماً ما سوف يحدث . فكل شيء معروف ومكشوف أمام ذاك الذي يعرف الكل ، كما هو مكتوب : « من هو الذي يخفي فكره عني ويحفظ في قلبه أقوالاً ظانين أنه يخفيها» ( أي ۲:۳۳ س ) ، ويقول في أشعياء : « أنا الرب وليس آخر لن أتكلم بالخفاء في مكان من الأرض مظلم أنا الرب متكلم بالصدق مُخبر بالاستقامة » ( أش 45 : 19 – 22) . لذلك فإن الذين يقولون إن إله الجميع كان يجهل الأمور التي سوف تحدث من امتحان إبراهيم ، وأنه لذلك أدخله الامتحان ، مثل هذا القول هو هذيان ولا يليق أن يقال عن الله . فقد كان ضروري أن يمجد الله إبراهيم رأس البر ، ليس في الخفاء ، بل أن يتمجد من الجميع عندما يعرفون هذا الامتحان الذي هو من نصيب كل الصالحين . فكان ينبغي أن يكرز به من خلال الكتب المقدسة لطاعته واحترامه الشديد لأوامر الله . وأستطيع أن أقول إنه لم يكن عنده شيء أعظم من هذه الأوامر الإلهية . وقد وصل إلى مثل هذا المستوى من الإيمان حتى أنه تجاهل محبته الطبيعية لابنه ولم يخف أن يتهم بأنه قتل ابنه. والغريب جداً أنه كان ينتظر وعد الله بأن يصير أباً لكثير من الأمم . هكذا قدم ابنه ليكون ذبيحة بدون أن يفقد رجاءه في إتمام الوعد الذي وعده به الله بقسم . ولقد كان هذا الامتحان مفيداً له ، بالرغم من أنه كان قد اجتاز فترة مؤلمة . إذ قد استشف من هذا الأمر ما سيحدث في المستقبل ، أقصد الحدث الذي لا ينطق به ، أي معجزة القيامة العجيبة من الأموات ، وأيضاً سر التقوى العظيم ، سر تأنس الابن الوحيد . وهذا ما يقوله بولس الرسول : « بالإيمان قدم إبراهيم إسحق وهو مُجرب قدَّم الذي قبل المواعيد ، وحيده . الذي قيل له : « إنه بإسحق يدعي لك نسل » . إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات أيضا ، الذين منهم أخذه أيضا في مثال » ( عب ۱۷:۱۱-۱۹).
لقد تعلم البار محبة الله ، خلال اجتيازه لهذا الامتحان بطريقة مفيدة لنا ، أن الله الآب کشف له أنه سوف يظهر عمانوئيل كأصل[8] وبداءة جديدة لربوات الأمم ، وذلك بموته لأجل خلاص العالم . هذه هي المحبة الفائقة للطبيعة التي لا يُعبر عنها ، إذ أنه : « لم يشفق على ابنه » كما قلنا « بل بذله لأجلنا أجمعين » (رو ۳۲:۸) ، نحن الذين نلنا التبرير بالإيمان وصرنا أولاداً لأبي الآباء إبراهيم.
وإن كان ينبغي أن أتحدث عن مأساة بشرية ، فسأقول إن الأزمة التي تعرَّض لها إبراهيم كانت قاسية جداً وغير محتملة . فقد أمره الله أن يقدم ابنه إسحق ذبيحة . وأتساءل یا ترى ، ما الذي كان يفكر فيه إبراهيم وهو يتمم هذا الأمر ؟ لقد كان رجلاً في سن الشيخوخة وله ولد وحيد ولد وهو في هذا السن المتقدم ، ولم تكن لديه فرصة أن ينجب أولاداً آخرين ، وزوجته كانت متقدمة في السن ( لأن سارة كانت في سن الشيخوخة ) . وأُمر أمراً حاسماً، أن يقدم ابنه الوحيد الذي كان يتشوق لاستمرار وجوده معه ، والذي تمنى كثيراً بأن يكون له مثل هذا الابن .
بأي يد أغمد الشيخ السكين في ابنه الصغير وتجرَّأ على ذبح ابنه ؟ أليس أمراً طبيعياً أن يفكر أفكارة مؤلمة وغير محتملة ، بل وكانت هذه الأفكار تعذب نفس هذا البار؟
وأيضا كانت تضغط عليه طبيعته كأب مذكرة إياه أن يظهر مشاعر محبته وحنانه تجاه ابنه ، لكنه امتثل للأمر الإلهي ضد طبيعته بالرغم من كل هذا.
إن البار يستحق إعجاباً عظيماً، وتقديراً كبيراً لمحبته لله التي يستحق عليها كل ثناء . لأنه قدم ذبيحة العبادة العقلية[9] ناسياً نوامیس الطبيعة ومتخليا عن الحنان الأبوي. ولم يشأ أن يستبدل محبته لله بأي شيء من الأشياء الأرضية . لذلك مُجد ودعي خليل الله والأمر الذي كان ينتظره قد تحقق ، والأمر الذي ترجاه قد صار فعلا . لأنه صار أبا لأمم كثيرة ولا تُحصى ، وذلك في اسم المسيح الذي يحق له وبه ومعه الله الآب المجد مع الروح القدس إلى أبد الآبدين آمين.
- يقصد اللي كيرلس أن هذه العبارة هي على نفس مستوى الاقوال الجريئة التي سبق واوردها من سفر أشعياء والأمثال والمزامي والي توحي بحدوث أمر عظيم وجرئ.
- سبق للقديس أثناسيوس التأكيد على أن الابن هو واحد مع الآب في الجوهر ، وبفضله نكون نحن على صورته ، إذ يقول : قيل عن الابن وحده إنه الصورة الحقيقية للآب ومن جوهره ، ورغم أننا قد خلقنا حسب الصورة ودعينا صورة الله ومجده فذلك ليس من ذواتنا ، بل بسبب صورة الله ومجده الحقيقي الساكن فينا ، الذي هو كلمته ، والذي صار جسداً لأجلنا فيما بعد ، لكي ننال نحن نعمة هذه الدعوة » ويستمر قائلا : « وحيث إن فكر الأريوسيين هذا يظهر غير لائق وغير معقول ، لذلك فمن الضروري أن يرجع هذا التماثل وهذه الوحدة بين الآب والابن إلى جوهر الابن نفسه ، لأنه إن لم يكن سبب التماثل هو وحده الجوهر ، فلن يظهر أن الابن يملك شيئا أكثر من المخلوقات » . ضد الأريوسيين ۳ : فقرة ۱۰ ، ۱۱ .
- في موضع آخر يقول القديس كيرلس : “ إن الرسول ( بولس ) يحدد على ما أعتقد ، أن الفترة الوحيدة التي تتناسب مع الوساطة هي الأزمنة الأخيرة ، والتي فيها حسب كلام الرسول الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله ، لكنه أخلى نفسه آخذاًصورة عبد ” ورغم أنه الإله والرب فلکی يُرجعنا بواسطة ذاته لله الآب ولكي يصالح الكل – حسب المكتوب “عاملاً الصلح بدم صليبه سواء كان ما على الأرض أم ما في السموات” لكي يصنع ذلك كله ، توسط كإنسان . ولهذا يقول بولس “نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله وذلك بالاتحاد بشخص المسيح . ولأن طبيعة الإنسان لا تحتمل أن تستوعب مجد الله في حالته الأولى قبل التجسد ، فقد لبس الابن الوحيد لأجلنا ولأجل منفعتنا جسدنا – وتشبه بنا . حوار حول الثالوث ، مرجع سابق ، ج ۱.
- يشرح القديس كيرلس – في موضع آخر- خلاص الأمم ، إذ يقول : “ وأولئك الذين أعتمت قلوبهم منذ القدم بظلمة إبليس ، قد أنار لهم بإشراقه کشمس للبر ، وجعلهم أبناء لا لليل والظلمة فيما بعد ، بل أبناء للنور والنهار كقول بولس الرسول ( 1 تس 5 : 5 ) . وأولئك الذين كانوا عمياناً ‘ ‘ لأن المضل أعمى قلوبهم قد استعادوا بصرهم وعرفوا الحق ، وكما يقول أشعياء “صارت ظلمتهم نور ” ( أش 42: 16) ، أي صار الجهال حكماء وأولئك الذين كانوا في الخطية عرفوا مسالك البر ، والآب أيضا يقول للابن في موضع ما ‘ ‘ أجعلك عهداً للشعب ، لتفتح عيون العمي ، لتخرج من الحبس المأسورين ، من بيت السجن الجالسين في الظلمة ( أش 42 : 6 ، 7 ) ، لأن الابن الوحيد جاء إلى هذا العالم وأعطى عهداً جديداً لشعبه ، الإسرائيليين ، الذين منهم ولد حسب الجسد ، وهو العهد الذي أعلن عنه سابقاً جداً بصوت الأنبياء . ولكن النور الإلهي السماوي أضاء أيضا على الأمم ، وذهب وبشر الأرواح في الجحيم ، وأظهر نفسه لأولئك الذين كان مغلقاً عليهم في بيت السجن ، وفك قيود الجميع وحررهم . تفسير لوقا ، مرجع سابق ، ص 84 .
- يؤكد القديس يوحنا ذهبي الفم أثناء تفسير رسالة رومية في العظة الثامنة عشر ( رو 11: 1- 6 ) ، ويستكملها بالعظة التاسعة عشر ( رو 7:11- 34 ) على أن الله لم يرفض شعبه ، ويستشهد بموقف إيليا النبي وما حدث آنذاك ، إن أبقى الله لنفسه في ذلك العصر سبعة آلاف نفس لم تنحن لبعل . لكنه يؤكد على أن الخلاص يتحقق بنعمة الله فقط ، وليس بالناموس ، لأن التمسك بأحكام ووصايا الناموس سيؤدي إلى حرمان المتمسكين به من نعمة الله . لذلك وحتى لا يبدو أن هذا كلاماً غريبا ، قال إن هناك سبعة آلاف قد خلصوا بالنعمة إذ يقول فكذلك في الزمان الحاضر أيضا قد خلصت بقية بالنعمة ” ( رو 11 : 5 ) بل قال أيضاً أبقيت لنفسي يؤكد أيضا على أن النعمة تخلص فقط الذين يقبلوها ، وليس الذين يتحولون عنها ويقاومونا ’ ’ . شرح رسالة رومية.
- يشدد القديس كيرلس على أن الابن بكونه إلهاً هو الحياة من حياة الله الآب ، وبالتالي هو غير المائت ، إذ يقول : “ وإذا ماذا تقول ؟ ‘ ‘ رب واحد بالحق ، وإيمان واحد ، ومعمودية واحدة ( أف 5:4 ) . لأنه ابن ورب واحد ، وليس أن الكلمة اتخذ إنساناً بحسب الاتصال وأعلن أنه شريك لكراماته الخاصة ، ونقل إليه البنوة والربوبية ، كما يقول ويكتب بعض الذين يهذون . ولكن هو الكلمة الذي من الله ، النور الذي من النور ، الذي تأنس وتجسد . ونحن نعتمد في موت ذاك الذي تألم إنسانياً في جسده الخاص ، ولكنه ظل غير متألم إلهياً وحياً على الدوام ، لأنه هو الحياة من حياة الله الآب . لذلك هُزم الذي تجاسر أن يهاجم جسد الحياة ، وهكذا أيضا أبيد الفساد الذي فينا وضعف سلطان الموت نفسه ، ولذلك يقول المسيح : “ الحق الحق أقول لكم ، إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه ، فليس لكم حياة فيكم . رسائل القديس كيرلس ، الجزء الرابع ، رسالة 55 فقرة 38
- يؤكد القديس أثناسيوس على الولادة الأزلية للابن ، إذ يقول : “ إن الا يصر من العدم ، ولا يحسب في عداد المخلوقات إطلاقاً، بل هو صورة الآب وهو الكلمة ، ولم يكن قط غير موجود ، بل هو موجود على الدوام ، وهو الشعاع الأزلي لنور هو أزلي . لماذا إذن تتخيلون أن هناك أزمنة سابقة على الابن ؟ أو لماذا تجدفون على الكلمة بأنه لاحق وتالي للدهور وهو الذي به قد صارت الدهور ؟ ” . ضد الأريوسيين ، المقالة الأولى ، فقرة ۱۳
- يؤكد القديس كيرلس في موضع آخر على هذه الحقيقة قائلا : “ نحن ازدهرنا بموت المسيح وصرنا موجودين ومحفوظين آخذين المسيح الحياة والجذر الثاني للجنس البشري السجود والعبادة بالروح والحق ، ص 473
- يستخدم القديس كيرلس التعبير الذي استخدمه الرسول بولس : “ عبادتكم العقلية ” رو ۱:۱۲ ويشرح القديس يوحنا ذهبي الفم الاختلاف بين العبادة الجسدية والعبادة العقلية ، متسائلا : “ أخبرني يا بولس ماذا تطلب ؟ يطلب أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية ولأنه تكلمعن “ذبيحة ” ولكي لا يعتقد أحد أنه يأمر أن يقدموا أجسادهم ذبائح ، أضاف كلمة “ حية . بعد ذلك يميز هذه الذبيحة عن الذبيحة اليهودية ، بقوله : “ مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية ، خاصة وأن الذبيحة اليهودية جسدية وليست مرضية تماماً. لأن النبي يقول : “ من طلب هذا من أيديكم أش ۱ : ۱۲. وفي مواضع أخرى كثيرة جدا يتضح الله كان يرفض هذه الذبائح ، لكنه لم يرفض هذه الذبيحة العقلية ، وحتى إن كانت الذبيحة اليهودية ما زالت تُقدم ، فإنه طلب هذه الذبيحة العقلية . ولهذا قال : “ ذابح الحمد يُمجدي ” . مز5 : 23. وأيضا “أسبح اسم الله بتسبيح وأعظمه بحمد . فيستطاب عند الرب أكثر من ثور بقر ذي قرون وأظلاف” (مز 69 : 31- 32). وفي موضع آخر من الكتاب نراه يرفض هذه الذبيحة الحيوانية ، قائلا : “ هل أكل لحم الثيران وأشرب دم التيوس . اذبح لله حمداً وأوف العلی نذورك ’ ’ مز 50: 13– 14. هكذا فإن الرسول بولس هنا يأمر أن يقدموا أجسادهم ذبيحة حية ” . شرح الرسالة إلى رومية ، ص 4۸۰ .