زك 12:11-14 فقلت لهم إن حسن في أعينكم فأعطوني أجرتي وإلاَّ فامتنعوا
12فَقُلْتُ لَهُمْ: «إِنْ حَسُنَ فِي أَعْيُنِكُمْ فَأَعْطُونِي أُجْرَتِي وَإِلاَّ فَامْتَنِعُوا». فَوَزَنُوا أُجْرَتِي ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. 13فَقَالَ لِي الرَّبُّ: «أَلْقِهَا إِلَى الْفَخَّارِيِّ، الثَّمَنَ الْكَرِيمَ الَّذِي ثَمَّنُونِي بِهِ». فَأَخَذْتُ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ وَأَلْقَيْتُهَا إِلَى الْفَخَّارِيِّ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. 14ثُمَّ قَصَفْتُ عَصَايَ الأُخْرَى «حِبَالاً» لأَنْقُضَ الإِخَاءَ بَيْنَ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ. (زك 12:11-14)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
خيانتهم للمسيا [12-14].
لم يرد الله أن يقدم هذه الصورة القاتمة عما يصل إليه أهل الختان بسبب رفضهم للمسيا دون الكشف عن صورة هذا الرفض في عملية الخيانة التي يقوم بها يهوذا ضد سيده مقابل ثلاثين من الفضة، تمثل خيانة الشعب كله، إذ قيموه بثمن عبد يستحق الموت.
“فقلت لهم إن حسن في أعينكم فأعطوني أجرتي وإلاَّ فامتنعوا، فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة، فقال ليّ الرب: القها إلى الفخاري في بيت الرب” [12-13].
أولاً: ما هي الفضة التي قُدمت كثمن لخيانة الرب؟ يقول القديس ديديموس الضرير: [لنتناول الأجرة والفضة من الناحية الروحية. غالبًا ما تُشير الفضة إلى العلم الإلهي والكلمة الإلهية، كالقول: “كلام الرب كلام نقي فضة مصفاة في بوطة في الأرض ممحوصة سبع مرات” (مز 12: 6)، وجاء فى الأمثال: “لسان الصديق فضة مختارة” (أم 10: 2). هنا كلمة “لسان” تعني “كلام”. لكن ليس كل كلمة “فضة” تؤخذ بمعني صالح، إذ يقول الرب عن كهنة اليهود الضالين: “صارت فضتك زغلاً” (إش 1: 22). هنا لا يتهم الفضة في ذاتها وإنما كلامهم المخادع، فيقول الرب عن الناطقين بهذا الكلام: “فضة مرفوضة يدعون، لأن الرب رفضهم” (أر 6: 3)، إذ رفض المخادعين للغيرة وكاسري الوصايا. بنفس الطريقة نفهم ما قيل في الأمثال إن الفضة المعطاة للخداع يجب أن تؤخذ على أنها قطعة من الفخار (أم 26: 23)، هذا هو كلام الذين لا يهتمون إلاَّ بالأرضيات (الفخار الترابي) الذين قيل عنهم بإشعياء: “صوتهم يأتي من الأرض” (إش 8: 19). إذن توجد أنواع من الفضة، فإذ قرر أهل الختان اجرة عن من تألم من أجلهم ثلاثين من الفضة (مت 20: 28؛ مر 10: 5؛ يو 10: 15)… دفعوا فضة مغشوشة… مقدمين كلام غش. وفي المسيحية أيضًا يوجد أُناس معتقداتهم خاطئة “السالكون في مكر والغاشون كلمة الله” (2 كو 4: 2)، يفهمون كلمة الله حسب أهوائهم. هؤلاء يجب أن نحذر منهم ونحسب أحاديثهم فضة مغشوشة[62]].
كأن اليهود وأصحاب البدع إذ يقدمون كلمات غاشة ومخادعة يبيعون السيد بفضة غاشة!
ثانيًا: حسبوه عبدًا فدفعوا الثمن ثلاثين من الفضة ثمن العبد (خر 21: 32). ولعل رقم 30 يرمز إلى تدنيس الحواس الخمسة، فإن كان رقم 6 يُشير إلى النقص[63] فإن رقم 5 (الحواس) مضروبًا في 6 ينتج 30. وكأن خيانة السيد المسيح ثمنها هو تدنيس حواسنا لحساب عدوه إبليس عوض تقديسها له.
ثالثًا: ماذا يعني بالفخاري الذي ألقيت فيه الفضة في بيت الرب؟ يرى القديس ديديموس الضرير إن الفضة الغاشة التي دفعت ثمنًا للسيد المسيح لخيانته تلتقى في بيت الكتاب المقدس الذي هو بيت الفخاري حيث النار الفاحصة فيفضح خداعاتهم ويكشف تعارضهم مع النبوات الخاص بالسيد.
رابعًا: إذ يتعامل الفخاري مع التراب والطين مع النار فإن إلقاء الفضة في بيت الفخاري يعلن عن طبيعة قلبهم الترابي الأرضي، لا يليق به أن يوضع في القصور أو الخزائن وإنما في التراب.
خامسًا: بهذا الثمن أُشتري حقل دعي “حقل الدم” أُستخدم لدفن الغرباء (مت 27: 7) إشارة إلى قبول الأمم حيث ندفن مع المسيح بثمن دمه لنقوم معه. يقول القديس جيروم: [ثمن المسيح هو موضع دفننا وقد دُعى الحقل “حقل دم”، إنه حقل دم اليهود لكنه موضع دفننا، لأننا نحن غرباء وأجنبيون وليس لنا موضع راحة. لقد صلب ومات ونحن دفنا معه[64]].
سادسًا: يختم حديثه عن رفض المسيا وخيانتهم له بالقول: “ثم قصفت عصاي الأخرى حبالاً (الوحدة) لأنقض الاخاء بين يهوذا وإسرائيل” [14]. ويري القديس ديديموس الضرير أن العصوين يجتمعًا معًا ويتحدا كعصاة واحدة كما جاء في (حز 37) عندما يرجع اليهود في آخر الدهور ويقبلوا السيد المسيح فيصيروا مع يهوذا (كنيسة العهد الجديد) واحدًا بدخولهم الإيمان.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
الآيات (10-14): “فأخذت عصاي نعمة وقصفتها لانقض عهدي الذي قطعته مع كل الأسباط. فنقض في ذلك اليوم وهكذا علم أذل الغنم المنتظرون لي أنها كلمة الرب. فقلت لهم أن حسن في أعينكم فأعطوني أجرتي وإلا فامتنعوا.فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة. فقال لي الرب إلقها إلى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنوني به.فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب. ثم قصفت عصاي الأخرى حبالاً لأنقض الإخاء بين يهوذا وإسرائيل.”
قد يكون هذا المشهد تم في الهيكل بين النبي كممثل لله. وهو يقوم بدور الراعي وبين من تقلدوا الخدمة الكهنوتية بعد يهوشع. وهناك تصور لما حدث، فبعد أن طرد النبي الرعاة الثلاثة يبدو أنه قد رُفِض من التجار أصحاب الغنم. وهؤلاء يبدو أنهم كانوا أصحاب للكهنة، فذهب لهم في الهيكل. وقصف عصاه نعمة= علامة رفضه في أن يستمر في رعاية القطيع، وكرمز للمسيح تكون علامة لقطع نعمته ورحمته وعنايته عن اليهود وبذلك تجردت الأمة اليهودية من أمجادها (مت43:21). وفي (11) فنقض في ذلك اليوم= أي يوم رفض المسيح نقض العهد بين الله والأمة اليهودية عَلِم أذل الغنم= هم قطيع المسيح الصغير “لا تخافوا أيها القطيع الصغير فإن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت” بعد أن حرم اليهود منه. وشعب المسيح وهم أذل الغنم فهموا أن اليهود قد رفضوا، أما اليهود أنفسهم فلم يفهموا بعد. وفي (12) حينما حدث الخلاف بين النبي والتجار وذهب للهيكل فهو طلب منهم أن يقيموه كراعٍ خدم قطيعهم، فاستهتروا بالنبي وقيموه بثلاثين من الفضة= ثمن العبد كأنهم يقولون له، خدماتك لنا كانت بلا قيمة، وهكذا قيموا الرجل الذي خدمهم بأمانة، وكان قلبه يبكي لأجلهم، وهو طرد الرعاة الثلاثة لمصلحتهم.و بنفس هذا المبلغ قيموا المسيح الذي أخلى ذاته أخذاً صورة عبد من أجلهم، وجاء ليطرد لهم رعاتهم غير الأمناء الذين نهبوهم، ولكنهم أهانوا المسيح الذي بكي لأجلهم وفي (13) إلقها إلى الفخاري= الله يأمر النبي أن يلقي هذا الثمن المهين في حقل. الثمن الكريم= هي كلمة تهكم على الثمن الذي قيموا به النبي، والذي سيقيموا به المسيح بعد ذلك. وقد يكون فيه إشارة أنه ثمن لدمٍ كريم (1بط19:1). وواضح طبعاً التطابق مع ما حدث مع المسيح ووضوح النبوة. وقد قام زكريا النبي بإلقاء الثلاثين من الفضة للفخاري في الهيكل. ولاحظ أن الفخاري يتعامل مع الطين وهذا هو طبيعة قلبهم الترابي. وبالنسبة لما حدث مع المسيح فإنهم بهذا الثمن أي الثلاثين من الفضة أي ثمن دم المسيح اشتروا حقلاً (حقل الدم) لدفن الغرباء (مت7:27). وهذا يشير لقبول الأمم حيث ندفن مع المسيح بثمن دمه لنقوم معه. وفي (14) قصفت العصا حبالاً= أي نتيجة عملهم أصبح لا وحدة بينهم وبين بعضهم ولا بينهم وبين الله، وهذا يشير لتشتتهم في كل أنحاء الأرض بعد صلبهم للرب ولاحظ أن المسيح أتى ليجعلنا واحداً ومن يرفض المسيح يفقد الوحدة (يو21:17).