سبقت عيناي وقت السحر
في أحد الأيام كنت أستعد لأصلي صلاة باكر ولكنني تريثت قليلاً حتى أستمع إلي شقشقة العصافير التي تحتل شجرة بجوار المنزل، وكانت تصاحبها أصوات أخرى ترتفع في نفس الوقت فأدركت أن أصوات المخلوقات غير العاقلة ومظاهر الطبيعة تشارك في هذه الصلوات والتسابيح بأصوات لا يمكن ترجمتها إلى لغات البشر، وتذكرت القطعة رقم 19 من المزمور رقم 119 (المزمور الكبير ) حيث يقول الوحي علي لسان داود النبي: سبقت عيناي وقت السحر لاتلو في جميع أقوالك وربطت ذلك بالآية الثامنة من المزمور رقم 57وفيها يقول الوحي “أنا استيقظ سحراً” (والسحر – آخر الليل قبل الفجر).
إن العصافير وكافة المخلوقات غير العاقلة بما فيها الجماد الذي لا نسمع له صوتاً تسبق الإنسان وهو المخلوق العاقل في الإسراع في تقديم الصلوات والتسابيح الله وتمجيد اسمه القدوس وذكر عجائبه في الكون وذلك قبل حلول الفجر وقبل أن يبدأ اليوم الجديد وهي بذلك تنتهز فرصة السكون الذي يسبق الضوضاء الصادر عن الدنيا والتي قال عنها قداسة البابا شنوده الثالث في إحدي قصائده نزيه السمع لا أصغي إلي ضوضاء أهاليها. إن الضوضاء تشغل الناس وتبدد السكون الذي يحتاج إليه الإنسان لكي يتصل بالخالق العظيم ويناجيه قبل الانخراط في سائر الأنشطة البشرية التي تجذبه إلى دوامة الحياة الدنيا وتشغله بمشاغلها وصدق من سماها (الدنيا) فذلك يجعلها في موقعها الحقيقي أي في الدرجة السفلي من الاهتمام حتي نتجه بأفكارنا إلي الدرجات الأعلي حتى نصل بفكرنا إلي الملكوت وبالتالي نشعر بمكانته العظيمة وترتفع الأصوات التي تعبر عن التسابيح والصلوات مصحوبة بصلوات وشفاعات الشهداء والقديسين الذين سبقوا وأرضوا الله منذ البدء ولذلك يقول الرب في (أم 8: 18) “الذين يبكرون إلى يجدونني”.
إن الله موجود في كل مكان وزمان ويحب أن يستمع إلى أصواتنا التي تقدم له التسابيح والصلوات والتماجيد والابتهالات قبل أن يبدأ النهار، وبما أنه موجود ودائم الوجود فإنه قادر علي الاهتمام بنا نحن عبيده الصارخين إليه نهاراً وليلاً تماماً مثلما يهتم بالمخلوقات الأخري التي تسبقنا في التبكير إليه. ويقول في إنجيل لوقا:
“الیست خمسة عصافير تباع بفلسين وواحد منها ليس منسياً أمام الله”، وتعرف العصافير هذه الحقيقة بالفطرة وتدرك تماماً مدي اهتمام الخالق بها ولكن ذلك لا يدعوها إلى الاستكانة والكسل رغم أنها تري كل يوم أن رزقها سيأتيها في موعده ورغم ذلك فإنها تبكر قبل غيرها من المخلوقات فتسبق غيرها في رفع الصلوات والتسابيح معبرة عن شكرها لكافة إنعاماته وعطاياه.