تفسير المزمور 15 للقديس أغسطينوس

عظة في المزمور الرابع عشر(بحسب السبعينية)
الصديق الحقيقي

بعد أن أحزنت النبي التجاديف يعرض لنا الفضائل التي يجب أن تتحلى بها النفس لكي تنعم بفرح الربّ وتدخل أقداسه.

مزمور لداود (15: 1)

1 – لا يُطالعنا العنوان بأية صعوبة . «يا ربّ، أي مسافر يجد ملجاً في خبائك؟» (15: 1). أحيانًا يُطلق اسم الخيمة أو الخباء على المسكن الأبدي. وهو بمعناه الحصري مخيم حربي، من هنا يُطلق على الجنود اسم جيران الخيمة لأنّ خيمهم كانت متلاصقة. وثمة مبرر آخر يدفعنا إلى فهمه بهذا المعنى، في ما قاله النبي: «أي مسافر يجد ملجأ ؟». والحال، فإننا، في الأرض، في حرب مع إبليس، ونحن بحاجة إلى خباء نستريح فيه . وهذا الخباء يعني، بخاصة، إيماننا بالتدبير المؤقت للتجسّد الذي تمّ في هذه الحياة، بالرب، لخلاصنا. «من يستريح في جبل قُدسِك؟» (15: 1). لعلّ النبي يُحدّد لنا هنا، مسبقا، المسكن الأبدي أمّا الجبل فينبغي أن نفهمه على أنه محبّة المسيح الفائقة في الحياة الأبدية.

2 – «السالك في البرارة بلا عيب» (15: 2): قول سوف يتبسط فيه.

 3 – «والمتكلم بالحق في قلبه» (15: 2) ذاك أن بعضهم يحملون في شفاههم حقيقة ليست في قلبهم مثل إنسان يُرشدنا إلى طريق يعرف أنها تعج باللصوص، ويقول لنا : في هذه الطريق لن تخشوا أي لص. فإن لم نلتق حقا بأي لص، فهذا يعني أنه نطق بحقيقة لم تكن في قلبه . كان يُفكّر على عكس حقيقة نطق بها من غير علمه . ليس إذا من الصدق بشيء، أن نحمل في أفواهنا حقيقة لا نحملها في قلبنا أيضًا. «الذي لا يكذب بلسانه» (15: 3) . اللسان يكون كاذبًا عندما لا يتطابق الكلام مع الفكر المحتجب في قلبنا. »ولا يصنع بقريبه شرا». ونعلم أن كلمة القريب تشمل جميع الناس »ولا يتبنى العار الذي يلصق بإخوته» (15: 3) أي لا يُصدّق الإتهامات التي يُرشق بها، لا حَقًّا ولا باطلا.

4 – «الذي حضوره دمّر الشرِّير» (15: 4). الكمال للإنسان ألّا يكون للشرير عليه أي سلطان ويكون في عينيه كالهباء، أي أن يعرف ذلك الإنسان، تمام ،المعرفة، ألا وجود للشرير ما لم تُشح النفس بوجهها عن بهاء الخالق الأزلي، للتعلّق بجمال خليقة صُنعت من العدم . ولكنّه يُكرم الذين يتقون الربّ (15: 4)، نظير ما يصنع الربّ نفسه، لأن رأس الحكمة مخافة الله (يشوع بن سيراخ 1: 16). هذا ما يتعلق بالكاملين وما يلي من المزمور موجه إلى المبتدئين .

5 . من تعهد بالقسم لقريبه، ولم يُخلف؛ ومن لا يُعطي فضته بالربا، ولا يقبل الرشوة على البريء (15: 4-5) ليست هذه من الفضائل الكبرى، غير أنّ الذي لا يستطيع أن يُمارسها، يكون أقل قدرةً على النطق بحسب الحقيقة التي يعرفها في قلبه، فلا يستخدم لسانه للمكر، بل ينطق بما يظنّه حقيقة، وتكون الكلمة على فمه، على الدوام : نعم نعم ولا لا (مت 5: 37) ؛ ويكون أيضًا أقل قدرة على عدم الإساءة إلى قريبه أي إلى أي كان وعلى عدم الإصغاء إلى المسيء لإخوته. إن عدم الإساءة إلى القريب، وعدم الإصغاء إلى المسيء للإخوة، هي أعمال الإنسان الكامل الذي يقضي وجوده على الأشرار. وعلى الرغم من أن تلك الفضائل هي ادنى رتبة، فإن النبي يُسارع فيستخلص : «فمن عمل بذلك سيبقى ثابتا إلى الأبد» (15: 5)، أي أنه يتوصل إلى صنع الأعمال الكاملة، التي تؤهلنا إلى ذلك الثبات الذي لا يتزعزع. ولعلّ النبي لم ينتقل في استنتاجه، من غير مسوّغ، من الزمن الماضي في عبارة الذي حضوره دمّر الشرير»، إلى المستقبل في عبارة «سيبقى ثابتا إلى الأبد». 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى