يو8: 46 من منكم يبكتني على خطية؟…

 

“مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ فَإِنْ كُنْتُ أَقُولُ الْحَقَّ، فَلِمَاذَا لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي؟ ” (يو8: 46)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

“من منكم يبكتني على خطية؟

فإن كنت أقول الحق،

فلماذا لستم تؤمنون بي؟” (46)

كمقاومين للحق كانوا يفحصون كل كلمة وكل تصرف للسيد المسيح، لا ليتعرفوا عليه، وإنما لكي يجدوا علة عليه، لهذا سألهم: “من منكم يبكتني على خطية؟” هنا يضع الخطية مقابل الحق، وكأن الحق والبرّ واحد، كما أن الخطية والكذب أو البطلان هما واحد. الحق يظهر من ثمره الذي هو البرّ، كما ينفضح الكذب بثمره الذي هو الخطية.

كلمة “يبكتني” في اليونانية اصطلاح قانوني يحمل معنى إقامة الدليل ضد المتهم. فليس من يمكن أن يقف ضد يسوع المسيح، ولا من يشهد عليه. وأما الروح القدس فيبكت العالم (يو ١٦: ٨)، مقدمًا الدليل الثابت على خطيته، وسقوطه ضد الدينونة والحكم.

v إنه ربنا وحده الذي لم يفعل خطية (١بط ٢: ٢٢)، الذي جُرب في كل شيءٍ مثلنا بدون خطية (عب ٤: ١٥)، القادر أن يوجه هذه الكلمات لكل الذين يعرفونه. الآن افهم الكلمات: “من منكم” أنها قد قيلت ليس فقط للذين كانوا حاضرين، بل ولكل الجنس البشري، كمن يعرفها بمعنى: مَنْ مِنْ بين جنسكم؟ أو أي نوع من الإنسان يمكنه أن يتهمني بالخطية؟ تأكدوا أنه لا يوجد.

v على أي الأحوال يمكن للمخلص أن يقول هذا، ليس فقط للبشر، بل وأيضًا لإبليس والقوات الخاضعة له، إذ لا يستطيعوا أن ينطقوا باتهام ضده بالخطية. هذا القول بالحقيقة يتفق مع العبارة: “رئيس هذا العالم يأتي لا يجد فيّ شيء” (راجع يو ١٤: ٣٠).

v ونحن أيضَا باجتهادٍ عظيمٍ يمكننا بعد فترة من الزمن أن نستعيد ثقتنا حتى في وقت خروجنا نقول لإبليس وملائكته الذين يطلبون فرصة ضدنا: “من منكم يبكتني على خطية؟”.

العلامة أوريجينوس

فاصل

تفسير الأب متى المسكين 

 

45:8 -46 وَأَمَّا أَنَا فَلأَنِّي أَقُولُ الْحَقَّ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي. مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ فَإِنْ كُنْتُ أَقُولُ الْحَقَّ فَلِمَاذَا لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي؟

المسيح يبدأ قوله بـ «أما» وكأنه يعطى المقابل لإبليس الذي تبناهم وأصبح ينطق فيهم كأولاد طاعة للشر وأساتذة لمقاومة الحق. المسيح ها هو النقيض «لأبيهم»، والمنافق لهم ولأفكارهم. لو كان المسيح يتكلم بالكذب (وحاشاه)، لصدقوه، لأنه يتكلم مما لهم ولأبيهم, وللعالم الذي أحبوه وعبدوه؛ و«لكن أما أنا فلأني أقول الحق لستم تؤمنون بي». التقابل هنا صارخ بين «هم» و«الكذب» من جهة، و«أنا» و «الحق» من جهة أخرى.
‏والآن يتضح لنا لماذا لا يؤمنون بالمسيح، مع أن المسيح يقول الحق؟! ذلك لأن طبيعتهم التي تساوت في سلوكها مع حيل الشيطان وتزييفه للحق، أصبحت ضد الحق, أينما كان, فأصبح إيمانها بالحق أو بالمسيح أمر مستحيل عليهم.
ثم أخيراء وفي كلمة واحدة استعلنها لنا المسيح, فإن كل من هو ليس ابن الحق، هو ابن إبليس بالضرورة.
«من منكم يبكتني على خطية؟»: المسيح هنا يجمع كل أنواع الكذب ومقاومة الحق في كلمة واحدة هي «الخطية»، والتي ينصب معناها على من يتعدى الحق, بحسب قياس نص قانون الله، أي الوصية. والخطية لا تشمل العمل فقط بل والنية أيضاً. كما أن الخطية مربوطة بالمشاعر والعواطف والسلوك، لذلك يستحيل أن تعيش الخطية في الإنسان دون أن تعلن عن نفسها، ومن هنا يمكن معرفة الخاطىء بأدلة كثيرة.
‏ويلاحظ هنا أن المسيح يبلور الجزء الأول من الآية: «لأني أقول الحق» في مفهوم عملي واضح بقوله: «من منكم يبكتني على خطية؟»، بمعنى أن المسيح يقول الحق ويعمله؛ وبهذه الكلمة: «قن منكم يبكتني على خطية»، يضح قياس الحكم على أن ما يقوله هو حق، فإذا لم يعثروا له على خطية، أصبح الحكم عليهم لازماً بأنهم يقاومون الحق. كما أصبح الحكم على السيح بأنه من الله حتماً لأنه بلا خطية، في مقابل اضطراري أنهم من إبليس لأن ليس فيهم حق, ولكن ليس معنى هذا أن المسيح يعطي حقاً لليهود أو لأي إنسان أن يقيس عليه سلوكه أو يحكم على شخصه بأي حال من الأحوال، ولكن الذي طرحه المسيح دائماً ليكون قياساً هو«كلمته». فالكلمة طرحها المسيح للفحص لندرك منها أنه هو من الله وابن الله؛ وهنا يقول المسيح لليهود: «وأما أنا فلأني أقول الحق»، وهكذا يطرح المسيح قوله للفحص قياساً على سلوكه الذي يتحدى به فكر الإنسان الفاحص. وكأنه يقولها صراحة: «أنا بلا خطية», «ما أقوله هو الحق», وهكذا وبالضرورة فإن كل من لا يؤمن يدان، بل وكل من لا يؤمن، فهو ليس من الله.
«يبكتني»: وتأتي في اليونانية ( )، وهذه الكلمة بحد ذاتها هي اصطلاح قانوني يفيد الفحص المضاد من محامي الخصم، وهو نوع من «إقامة الدليل الضد», وهي تقوم على إثبات الخطأ بالدليل المدعم، إما بشهادة الشهود، أو بالوثائق الدامغة، أو بمهارة المحقق في جعل المتهم يعترف ضد نفسه. وقد أورد إنجيل يوحنا هذا الاصطلاح في 8:16 عن الروح القدس أنه «يبكت العالم على خطية … ».
والمسيح بقوله: «من منكم يبكتنى على خطية» يكون قد كشف كشفاً واضحاً عن المستوى الذى تعيش به بشريته, فهو مستوى يفوق قامة البشر حيث يستحيل أن يوجد إنسان بلا خطية.
وبهذا يكون هذا النص هو استعلان للمستوى الإلهي الذي كان يعيشه المسيح في بشريته, وهو المعروف في اللاهوت: أن المسيح «بلا خطية»: «لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضففاتنا بل مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية» (عب15:4)
‏«فإن كنت أقول الحق فلماذا لستم تؤمنون بي؟»: والمسيح يقصد, بقوله هذا، أنه إذا لم يبكتني أحد عل خطية الكذب والتزييف، إذن، فأنا لا أكذب ولا أزيف الحق، أي إني أقول الحق, فإن كنت أقول الحق، فلماذا لم تستجيبوا للحق فـ «تؤمنوا بي» : حيث تجيء «تؤمنون» هنا خالية من الحرف «بي» أي بمعنى «تصدقونني» في الأصل اليوناني.

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

الآيات (45 ،46): “وأما أنا فلأني أقول الحق لستم تؤمنون بي. من منكم يبكتني على خطية فان كنت أقول الحق فلماذا لستم تؤمنون بي.”

أمّا= المسيح يعطي المقابل لإبليس، فالمسيح هو النقيض لأبيهم. وهنا المسيح يشرح لهم لماذا لم يقبلوه بكل الصراحة. هذا لأن طبيعتهم صارت متساوية مع إبليس وهو الذي يقودهم فلا ينجذبون للحق. من منكم يبكتني على خطية= كلمة يبكتني هنا تعني إقامة دليل على المتهم. الخطية هنا تجمع كل أنواع الكذب ونفاق إبليس ضد الحق. فقول المسيح من منكم يبكتني على خطية يتساوى مع إني أقول الحق وأعمل الحق. وإذا لم يعثروا له على خطية صار لزاماً عليهم أن يعترفوا بأنهم يقاومون الحق، وبأن المسيح فعلاً من الله بل هو الله، فهل يوجد إنسان بلا خطية؟ بل الكل زاغوا وفسدوا (رو12:3). يبكتني= أي يقيم دليل على خطأ صدر مني. وبهذا القول يثبت المسيح أنه فوق مستوى البشر. فمن هو الذي بلا خطية، هذا إستعلان لمستواه الإلهي.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى