يو5: 4 أن ملاكًا كان ينزل أحيانًا في البركة، ويحرك الماء،
“1وَبَعْدَ هذَا كَانَ عِيدٌ لِلْيَهُودِ، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 2وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ. 3فِي هذِهِ كَانَ مُضْطَجِعًا جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ. 4لأَنَّ مَلاَكًا كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَانًا فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلاً بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ. 5وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً. 6هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعًا، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَانًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟» 7أَجَابَهُ الْمَرِيضُ:«يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ». 8قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». 9فَحَالاً بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ.” (يو5: 1-9)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“في هذه كان مضطجعًا جمهور كثير،
من مرضى وعمي وعرج وعسم،
يتوقعون تحريك الماء”. (3)
ذكر من بين المرضى فقط ثلاث فئات، وهي العمي والعرج العسم، وهي الفئات العاجزة عن النزول إلى الماء، لذلك تجمع منهم عدد كبير حول البركة في الأروقة الخمسة.
“لأن ملاكًا كان ينزل أحيانًا في البركة،
ويحرك الماء،
فمن نزل أولاً بعد تحريك الماء كان يبرأ من أي مرض اعتراه”. (4)
يرى البعض أن هذا الملاك لم يكن ينزل في البركة يوميًا، وإنما في مواسمٍ معينة، خاصة في الأعياد الثلاثة الكبرى. وأن هذا العمل من قبل الله ليؤكد للشعب أنهم وإن كانوا قد حُرموا من الأنبياء وعمل المعجزات فإن الله لن ينساهم، وهو مهتم بهم.
يرى البعض أن هذا الأمر بدأ بعد أن بنى رئيس الكهنة اليشاب Eliashib حائطًا نحو أورشليم وقدسه بالصلاة، فشهد الله بقبوله ذلك خلال هذا العمل المعجزي للبركة. وآخرون يرون أن ذلك بدأ بميلاد السيد المسيح، وآخرون بعماده. ويرى د. لايتفوت Dr. Lightfoot أنه جاء في يوسيفوس المؤرخ أنه في السنة السابعة من هيرودس، أي الثلاثين قبل السيد المسيح حدث زلزال عظيم. وحيث أن نزول الملائكة تصحبه أحيانًا زلازل، فربما كانت هذه هي السنة الأولى لبداية نزول ملاك على البركة. ويرى البعض أن هذا الأمر توقف بموت السيد المسيح.
بقوله “كان ينزل” Katebainen في الماضي يوضح أن هذا الأمر كان قد توقف عند كتابة السفر، بينما يتحدث عن البركة إنها كانت قائمة في أيامه.
عدم الإشارة الصريحة إليها في كتابات يوسيفوس وفيلون وغيرهما من الكتاب اليهود يشير إلى أن هذا العمل لم يبقَ إلى زمنٍ طويلٍ، أو لم يكن قائمًا أثناء كتابتهم.
الاستحمام، خاصة في مكان عام بإلقاء الشخص بسرعة في الماء غالبًا ما قد يصيبه ضررًا، لكن هنا كان المريض، أيًا كان مرضه، يبرأ إن نزل أولاً إلى الماء.
v “لأن ملاكا كان ينزل أحيانا في البركة ويحرك الماء“(4)، ويهب معه قوة شفاء، حتى يتعلم اليهود أن رب الملائكة يقدر بالأكثر أن يشفي أمراض النفس…
وكما أن طبيعة المياه لم تكن تشفي هنا على بسيط ذات الشفاء، لأنها لو كانت هي الشافية لكان هذا الشفاء يحدث كل حين، لكنها كانت تشفي بفعل الملاك، هكذا الحال في تطهيرنا، ليس بفعل الماء على بسيط فعله، لكنه يقوم بتطهيرنا إذا قبل نعمة الروح، حينئذ يحل خطايانا كلها.
v كان واحد فقط يُشفى إشارة إلى الوحدة، من يأتي بعد ذلك لم يكن يُشفى، لأنه لا يُشفى أحد خارج الوحدة.
تفسير الأب متى المسكين
4:5- لأَنَّ ملاَكاً كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَاناً فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلاً بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ.
هذه الآية لم توجد في معظم المخطوطات الهامة ولكنها موجودة في بعض منها، وقد ذكرها بعض الآباء ومنهم ذهبي الفم معتبراً أن [البركة والماء هنا هما سبق تصوير للمعمودية، لكي يعطي اليهود صورة مسبقة لما ستأتي به المعمودية في المسيح. وتحريك الماء بواسطة الملاك هو تمهيد تصويري لما سيعمله الروح القدس رب الملائكة.] وشرح ذهبي الفم هنا يتبع إلى حد ما الخط السري المستيكي الذي ينهجه القديس يوحنا.
«بركة»: وهي نفس الكلمة الطقسية المستخدمة للتعبير عن جرن المعمودية. ولو أنها مشتقة من أصل ( ) أي يسبح أو يعوم. وقول القديس يوحنا أن «ملاكأ كان ينزل أحياناً في البركة ويحرك الماء»، يعطي تقريراً إنجيلياً عن تدخل سمائي إعجازي في العهد القديم لشفاء الأمراض الميئوس منها بوازع من الرحمة الإلهية، وذلك بحسب ترجمة اسمها «بيت حسدا». وهذا ليس غريباً لا على القديس يوحنا ولا على العهد القديم برمته. فالقديس يوحنا رأى في رؤياه هذا الملاك عينه واسمه «ملاك الماء»: «وسمعت ملاك المياه يقول عادل أنت أيها الكائن والذي كان والذي يكون لأنك حكمت هكذا.» (رؤ5:16)
أما قوة الحياة والشفاء التي جعلها الله في الماء فهي تراث إلهي يملأ العهد القديم، ونحن لا ننس الصخرة التي تفجرت ماء تحت عصا موسى في سفر الخروج، وكان الماء للحياة والشفاء، لأن «الصخرة كانت المسيح» (اكو4:10)، وإذا لم يذكر سفر الخروج حالات شفاء للماء إلا أن الماء كان له هذه الطبيعة والقوة، فلم نسمع بأن أحداً كان يمرض قط بطول الأربعين سنة: «ثيابك لم تبل عليك, ورجليك لم تتورم هذه الأربعين سنة.» (تث4:8).
كذلك لا نجهل الشفاء الذي أجراه أليشع النبي لنعمان السرياني بالإغتسال في مياه الاردن، الأمر الذي طهره من داء البرص الوبيل. والمسيح أيضاً ألمح إلى سر الله في ماء بركة سلوام بالذات, حينما أمر الأعمى الذي صنع له من ريقه مقلة من طين، أن يغتسل في بركة سلوام فأتى بصيراً. والشفاء والصحة في بركة سلوام وغيرها هو إرهاصة من إرهاصات عمل الروح القدس في سر المعمودية الذي استعلنه المسيح في مُقعد بيت حسدا. بل ولا تزال بعض سراديب روما تشير إلى المعمودية برسم هذا المُقعد ذي الثماني والثلاثين سنة الذابل الساق، وهو يسير بقوة حاملاً سريره على ظهره، تعبيرأ فنياً مبدعا عن «سر المعمودية»، باعتبار أن المعمودية تعيد مشلول الخطية صحيح الروح معافى حاملاً شهادة حياته المائتة السابقة على ظهره، على أساس أن المسيح هو الماء الحي الذى يعطي الحياة ويقيم من الموت عوض ماء بركة بيت حسدا الذي عز على مريضها, فامتنع عليه أن يُشفى. وهذه إشارة ضمنية رائعة إلى عجز العهد القديم بمائه, وعلى كل صورة, أن يُطهر أو يشفي أو يروي.
ومعروف أن ثلاث قراءات من الإنجيل كانت تُقرأ على المعمدين الجدد في الكنيسة الاولى: الحديث مع نيقوديموس، وقصة المقعد، وتفتيح عيني الأعمى.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آية (4): “إن ملاكاً كان ينزل أحياناً في البركة ويحرك الماء فمن نزل أولاً بعد تحريك الماء كان يبرأ من أي مرض اعتراه.”
يقول يوحنا ذهبي الفم أن هذا سبق تصوير للمعمودية. وتحريك الماء إشارة إلى ما سيعمله الروح القدس. وهنا نرى تدخل سماوي إعجازي في العهد القديم لشفاء أمراض ميئوس من شفائها بنوع من الرحمة الإلهية (هذا معنى بيت حسدا). وفكرة الماء الذي فيه قوة للشفاء والحياة موجودة في العهد القديم (نعمان السرياني+ الذين شربوا من المياه النابعة من الصخرة لم يمرضوا 1كو4:10+ تث4:8) والمسيح شفى الأعمى بأن صنع له مقلة من طين ثم أمره أن يغتسل في بركة سلوام إشارة لما يعمله الروح القدس. فالملاك الذي يحرك الماء هو إشارة للمسيح السماوي الذي أتى ليرسل الروح القدس.