الموعوظون Catechumens

 من كتاب المعمودية: الأصول الأولى للمسيحية 
للأب متى المسكين

الفصل الأول
الجزء النظري

الموعوظون Catechumens([1])

 

الكلمة من الأصل اليوناني kat»chsij – kathcšw وتعني عموماً التعليم الأَوَّلي. ولكنها في وضعها الكنسي هي تعليم المبادئ الأوَّلية للديانة المسيحية. ويُسمَّى الموعوظون أيضاً الجنود الجدد لله كما هو حادث عند ترتليان وأُغسطينوس. وقد يُسمُّون في الكنيسة بالسامعين لأنهم يسمعون التعليم، كما كان يُصرَّح لهم بسماع العظات فقط، ولكن لا يشتركون في صلوات الكنيسة.

ويجب البدء بهذا النشاط الكنسي مع الداخلين إلى الإيمان، لأن تعليمهم هو أساس اشتراكهم في الخدمات الكنسية، وأساس تدريبهم المتواصل لحفظ مستوى التعميد والنمو في بناء الكنيسة. ودرجتهم الأدبية والاجتماعية لدى الكنيسة هي أقل من المؤمن ولكن أعلى من اليهود والوثنيين. والمجموعات المختارة منهم يُجرى عليهم طقس القبول وهو الصلاة ووضع اليد عليهم بواسطة الأسقف وسط الكنيسة ورشمهم بالصليب. ويذكر سلبسيوس ساويرس إن القديس مارتن (385م) كان ماراً خلال مدينة وكانت جماعة من الأُمم كبيرة ولم يكن أحد منهم مسيحياً، وقد أجرى بعض المعجزات فأعلن جميعهم الإيمان بالمسيح وطلبوا أن يكونوا مسيحيين. ففي الحال رفع القديس مارتن يديه على رؤوسهم وصلَّى عليهم وجعلهم موعوظين قائلاً: وإن كان المكان عراءً وغير لائق لتكريسهم، لكن هذا المكان تقدَّس بشهادة مسيحيين ماتوا في سبيل الاعتراف بالإيمان وتكرَّسوا قديسين لله([2]).

وهكذا كان يُعتبر تكريس الناس ليكونوا موعوظين مشابهاً لتكريسهم ليكونوا مسيحيين، فهذا وذاك يتم بواسطة وضع اليد للصلاة. ووضع اليد على الموعوظ هو جزء من طقس المعمودية لإعداد الشخص لقبول الانضمام.

ومعروف أن الموعوظ وقبل المعمودية يأخذ علامة الصليب حتى يُعدّ لقبول الطقوس الرسمية
لتعميده. وقد ذكر هذا الطقس ق. أوغسطينوس في اعترافاته، وأنه استُخدم له عندما قبلوه كموعوظ. وفي حياة الأسقف بروفيوس أسقف غزَّة يُذكر:

+ [إنه عندما سقط على رجله بعض الموعوظين وطلبوا أن يُرسموا بعلامة الصليب، فأعطاهم علامة الصليب وجعلهم موعوظين، وطلب منهم أن يواظبوا على الكنيسة. وفي مدة بسيطة علَّمهم وعمَّدهم.]([3]) 

والمهم جدًّا للقارئ في هذه الأيام التي نعيشها في نهاية القرن العشرين، أن يعرف أن الكنيسة الأُولى حينما كانت تعمِّد الأطفال الصغار، كان يُؤخذ وثيقة على أبويه أن يُقدِّماه عندما يصير صبيًّا لكي يدخل في صفوف الموعوظين عندما يصبح قادراً على التعلُّم. ويقرِّر ق. تيموثاوس أسقف الإسكندرية أن الطفل حينما يبلغ 7 سنوات من العمر كان يُستدعى للدخول في صفوف الموعوظين. وكتاب المراسيم الرسولية([4]) يقرِّر أن مدة الموعوظية من البدء إلى التعميد كانت ثلاث سنوات. والقديس جيروم يقول إنه كان من المعتاد في أيامه:

+ [أن يمضي الموعوظ أربعين يوماً وهي أيام الصوم الكبير في التعليم ليتقن عقيدة الثالوث الأقدس.]([5]) 

والقديس كيرلس الأُورشليمي يقول مخاطباً الموعوظ الذي يستثقل الاعتكاف أربعين يوماً قبل المعمودية:

+ [هل بعد أن قضيت كل هذه السنين في الانشغال بأمور العالم الباطلة، لا تجد الآن وقتاً كافياً لتكرِّس أربعين يوماً للصلاة ولِما ينفع نفسك؟]([6]) 

ولكن المدة كانت تختصر جدًّا في حالات دخول جماعات كبيرة للمسيحية مثل الذي وصفه سقراط عند دخول البورجانديين معاً مرَّة واحدة، فالأسقف الفرنسي أعطاهم سبعة أيام تعليم كموعوظين وفي اليوم الثامن عمَّدهم.

والقديس كيرلس الإسكندري في إحدى رسائله القانونية أعطى نفس هذه الأوامر لتعميد الخارجين عن الإيمان وعادوا في ساعة الموت.

ولكن في الأزمنة العادية كان تعليم الموعوظين يدوم وقتاً كثيراً ليتتلمذوا ويتمرَّنوا حتى يُقبلوا في
المعمودية. على أن يبتدئوا يتمرَّنون على التوبة والتوقُّف عن الخطية وعلى الأعمال الصالحة، لكي يدخلوا عهداً جديداً مع الله. وكانوا يدرسون كل مفردات قانون الإيمان، ويدرسون معنى عدم موات النفس، ويدرسون الكتب القانونية في الإنجيل التي كانت جسم العظات الثمانية عشرة لكيرلس الأُورشليمي للموعوظين. وكاتب المراسيم الرسولية يقول:

+ [دعوا (الموعوظ) يتعلَّم قبل المعمودية معرفة الله الآب كما يعلنها له الابن الوحيد ويؤكِّدها له الروح القدس. وليدرس نظام الخليقة في العالم وحلقات العناية الإلهية وكل الشرائع، ولماذا خُلق العالم والإنسان في العالم، وليدرس طبيعة الإنسان وما هي صفاتها، وكيف عاقب الله الخارجين عن الفرائض بالطوفان ونزول نار من السماء، وكيف مجَّد القديسين في كل جيل. شيث وأخنوخ ونوح وإبراهيم وكل نسله، ملكي صادق وأيوب وموسى ويشوع وكالب وفينحاس الكاهن وكل القديسين في كل جيل. وليدرس عناية الله التي لم تترك جنس البشر، بل دعتهم من الباطل والضلال إلى معرفة الحق في كل حين، وعتقتهم من العبودية والفجور إلى الحرية والصلاح، ومن الإثم إلى البر، ومن الموت الأبدي إلى الحياة الأبدية (…) ثمَّ يدرس العقائد الخاصة بتجسُّد ربنا وآلامه وقيامته وصعوده (…) ثمَّ يتعلَّم معنى جحد الشيطان، وكيفية دخول العهد مع المسيح.]([7]) 

ويُلاحَظ هنا أنه لم يذكر شيئاً عن الأسرار المقدَّسة لأنها ممنوعة على الموعوظين حتى يكمل تعميدهم. وكانت تُقسَّم هذه التعاليم على مراحل وحصص تلائم المعرفة. والذي يود أن يعرف المزيد في ذلك عليه أن يدرس مدرسة الموعوظين في الإسكندرية بمناهجها الضخمة ولاهوتها الذائع الصيت.

وكان على الموعوظين أن يدرسوا الأسفار المقدَّسة وكتباً أخرى نافعة لتقويم النفس مثل كتاب الديداخي. ويقول القديس أثناسيوس:

+ [وهناك كتب أخرى، ولو أنها غير محسوبة ضمن قانون الأسفار المقدَّسة، لكن الآباء أوصوا بقراءتها بواسطة الراغبين أن ينضموا إلينا وأن يتعلَّموا كلام التقوى، وهي حكمة سليمان وحكمة ابن سيراخ وأستير ويهوديت وطوبيت والكتاب المعروف بتعليم الرسل (الديداخي) والراعي لهرماس.]([8]) 

وقد أُضيفت بعد ذلك كتب ق. أثناسيوس. وفي مدرسة الموعوظين بأُورشليم كانت تُدرَّس عظات كيرلس الأُورشليمي. وكان محرَّماً عليهم أن يدرسوا كتباً خاصة بمعرفتهم لأن الكنيسة
كانت تحدِّد لهم الكتب التي يقرأونها. ويقول العالِم بيد  Bedeوهو عالِم مدرسي كتابي أبو التاريخ الإنجليزي، أن الموعوظين كانوا يُجبرون على حفظ بعض الأجزاء من الأسفار المقدَّسة عن ظهر قلب كتمرين وتلمذة على الحفظ والاستيعاب وذلك قبل أن يتعمَّدوا، كما يدرسون بدايات الأناجيل الأربعة ومختصرها وأغراضها، وذلك بجوار حضور العظات التي تفتح آذانهم وتوعِّيهم في المعرفة والإيمان. فخرج منهم أوائل وأبطال وعظماء في الحفظ والفهم والمناقشة في اللغات والفلسفة والرياضيات واللاهوت والإيمان.

 

([1]) يُلاحَظ أن أكبر وأقدم مدرسة للموعوظين في العالم كانت مدرسة الإسكندرية، وكان يُدرِّس فيها أعاظم الشخصيات مثل بنتينوس وكليمندس وأوريجانوس وديديموس وثاوفيلس الكبير وكيرلس الكبير. وكان يدرَّس فيها اللاهوت في أعلى مفهوماته والكتاب المقدَّس في أعلى لاهوته – ودرس فيها غريغوريوس النزينزي والنيسي وباسيليوس قبل أن يصيروا أساقفة.

([2]) Dialogue II, C. 4, NPNF 2nd ser., vol. XI, p. 40.

([3]) Vit Pophyr (ap. Galland. [c. 4:n. 31] t. g. p. 265a).

([4]) Apostolic Constitutions,VIII, 32.

([5]) Letter to Pammachius, 13; NPNF, 2nd Ser., vol. VI, p. 431.

([6]) Catech. I, 5, NPNF 2nd Ser., vol. VII, p. 7.

([7]) Apostolic Constitutions, VIII, 39,40.

([8]) Athanasius, Letter 39, 7; NPNF 2nd ser., vol. IV, p. 552.

فاصل

المعمودية أيام الرسل كتب الأب متى المسكين التعليم عن المعمودية في سفر الأعمال
كتاب المعمودية الأصول الأولى للمسيحية
المكتبة المسيحية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى