أنا حُر
الحرية صيحة إنسانية، ورغبة متنامية، في كل أنحاء الأرض وبخاصة في العصر الحاضر.. والتاريخ كله عبارة عن صراعات البحث عن الحرية، سواء الحرية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية..
والحرية قيمة هامة، بل احتياج نفسي جوهری، بدونه لا ينمو الإنسان، ولا يحقق ذاته وقراراته وخصوصيته.. وهذه كلها احتیاجات نفسية هامة، بدونها لا يحصل الإنسان على سلام النفس وصحتها وتوازنها،، ولاشك أن الله خلقنا أحراراً، وقد كلفته حريتنا ثمنا باهظاً؟۔
ولكن هناك حرية مزيفة هي أقرب إلى العبودية، لأن “من يفعل الخطية فهو من إبليس” (ايو 8:3) بينما هناك الحرية الحقيقية التي حدثنا عنها رب المجد حينما قال “وتعرفون الحق، والحق يحرركم” (يو 32:8 )، وكذلك في قوله: “أن حرركم الأبن فبالحقيقة تكونون أحراراً” (يو 36:8 )
قصة
مر أحد الملوك في طريق عودته من إحدى معاركه المشهورة منتصراً، علی فيلسوف يعيش في برميل. فلم يقف له الفيلسوف إحتراماً و إكراماً، وإذ أظهر الملك استياءه الشديد وسأله عن عدم احترامه له قال: “أنا سيد شهواتي وأنت عبد لشهواتك، فأنت عبد لعبدي”. ذلك أن هذا الملك كان سكيراً ومستعبداً لشهوات مختلفة… فالحرية تنقذنا من عبودية الشهوات والذات.
لاشك أن موت المسيح وقيامته، هما السبيل إلى إعطائنا الحرية الحقيقية البناءة… فكيف السبيل إلى ذلك؟
الله خلقنا أحراراً
لقد خلقنا الله “على صورته ومثاله” (تك 27:1 )، فلأن الله خالد وضع فينا روحاً عاقلة خالدة، ولأن الله هو “اللوغوس” أي الحكمة اللانهائية، أعطانا العقل والنطق.. كما أن الله حر لذلك منحنا الحرية، بمعنى أنه أوصانا بما هو صالح وبناء، وحذرنا من دمار الخطية ثم ترك لنا حرية القرار، كذلك فالله قدوس لذلك خلقنا على صورته في البر والقداسة و هكذا سلكنا إلى حين في جنة عدن.
ولكي تكون أمامنا فرصة الاختيار، وحرية اتخاذ القرار، سمح الله بسقوط الشيطان وتركه حياً لنختار بين أمرين: السير مع الله أو السلوك مع الشيطان وتحت سلطانه المهلك.. ومع أن الإنسان أختار في جنة عدن أن يسلك بحسب الشيطان ويخضع لغوايته بهدف أن تتفتح عيناه، ويصير مثل الله، إلا أن هذا الخضوع دخل بالإنسان إلى ظلمة الجهالة والخطية، فدب الفساد في طبيعته الإنسانية وسقط تحت حكم الموت.
ولم يتركنا الرب في هذه الحالة، ولكنه وضع تدبيراً لخلاصناً مقدراً ضعف طبيعتنا و غواية العدو لنا وقد سار هذا التدبير في المراحل التالية:
- الوعد… حينما وعد بان نسل المرأة، سوف يسحق رأس الحية، حين قال الرب للحية: “أضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه” (تك 15:3 )
- الإعداد… حينما أعد البشرية بالأباء والأنبياء، وجهز لنفسه شعباً خاصاً، طهره من عبادة الأصنام، حتى جاءت منه عذراء طهور، هي القديسة مريم، كما تمت ترجمة العهد القديم إلى اليونانية في القرن الثالث قبل الميلاد، تمهيداً لانتشار الإنجيل في كل العالم مستخدماً اللغة اليونانية التي سادت في كل مكان، مع سيطرة الإمبراطورية اليونانية.. كما أعدت الإمبراطورية الرومانية شبكة ضخمة من الطرق عابرة القارات، وأمنتها بجيوشها القوية، مما سهل على الرسل السفر إلى كل العالم المعروف أنذاك، ونشر كلمة الإنجيل وبشارة الخلاص، حتى من كانوا وثنيين أرسل إليهم الفلاسفة والمفكرين، الذين نشروا كتاباتهم الداعية إلى الفضائل، والتواقة إلى ظهور المخلص.
- الميلاد… حينما ولد الرب من مريم العذراء، بعد أن حل الروح القدس عليها وطهرها، وقدس المادة المأخوذة منها لتكوين جسد المسيح، ودعي”القدوس” المولود منها “يسوع” أي المخلص و “عمانوئيل” أي الله معنا، و المسيح أى الممسوح المنتظر لخلاص جنس البشرية.
- الكرازة … حينما نشر الرب كلمة الخلاص ونور الإنجيل وتعاليم الملكوت، وطلب من الناس أن يتوبوا “لأنه قد اقترب ملكوت السموات” (مر 15:1 ).. وهي نفس بشارة التلاميذ للمسكونة كلها (لو 11:10)
- الفداء… وفيه استطاع اللاهوت المتحد بالناسوت أن يجدد خلقتنا الفاسدة، كما استطاع الناسوت المتحد باللاهوت أن يموت نيابة عنا.. وهكذا تم حل المشكلتين النابعتين من السقوط القديم وهما: حكم الموت، وفساد الطبيعة الإنسانية.. وإذ أعطانا الرب الطبيعة الجديدة بالأسرار المقدسة، ورفع عنا حكم الموت، نلنا الغفران وتحررنا من عبودية إبليس ومن نير الخطية الساكنة فينا، والخارجة عنا.
- الحرية… وفيها قمنا مع الرب، وجلسنا معه – بالإيمان – في السماويات، وانفتح لنا الفردوس، ثم الملكوت الأبدي..
لأننا كما لبسنا صورة الترابی، سنلبس أيضا – صورة السماوي (1کو 49:15 )، وهكذا هتفنا مع مسيح الحرية: “أين شوكتك يا موت؟ این غلبتك يا هاوية؟ أما شوكة الموت فهي الخطية، وقوة الخطية هي الناموس، ولكن شكراً لله الذي يعطينا الغلبة، بربنا يسوع المسيح” (1كو 55:15-57). وهكذا تحررنا من خطايانا الجدية والفعلية، وصار لنا الوعد الإلهي: “الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة (رو 14:6 ).. فنلنا الحرية من سطوة الخطية وتجددت صورة الله فينا مرة أخرى.
- الصعود … حيث صعدت أفكارنا وقلوبنا مع المسيح الصاعد إلى السموات، لأنه “إن كنتم قد قمتم مع المسيح، فأطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله، اهتموا بما فوق لا بما على الأرض… لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله، متى أظهر المسيح في حياتنا، فحينئذ تظهرون انتم ايضاً معه في المجد” (كو3: 1-4).. “وحيث يكون كنزكم هناك يكون قلبكم أيضا” (لو 34:12).
- حلول الروح القدس… الذي معه تصير خداماً نخدم مع تلاميذ المسيح، متذكرين قول الرب: “أقيموا في مدينة أورشليم (الصلاة)، إلى أن تلبسوا قوة من الأعالى” (لو 49:24 )، “ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهود في أورشليم، وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض” (أع 1 :8)… “اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد” (غل 16 : 5 ).، أمتلئوا بالروح” (أف 18:5 ).. .
- عضوية الكنيسة .. فالذين اعتمدوا ونالوا المسحة المقدسة، وثبتوا في المسيح يسوع بالتناول وجددوا عهودهم بالتوية، صاروا أعضاء حية في جسد المسيح الكنيسة، وتمتعوا بالاتحاد مع رب المجد؛ رأس الجسد، ومع قديسي السماء: الأعضاء غير المنظورة، كما اتحدوا مع بقية المؤمنين، المجاهدين معنا في طريق الخلاص وخدمة الملكوت.
- الثمار والمواهب… فالذين آمنوا بروح الله أعطاهم الرب من ثمار روحه القدوس: “محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف” (غل 22:5 )،.، كما أعطاهم مواهب للخدمة: “كلام حكمة، كلام علم، ایمان، مواهب شفاء ، عمل قوات، نبوة، تمييز الأرواح، أنواع السنة، ترجمة ألسنة (1كو 8:12-10)… و هذه كلها “يعملها الروح الواحد” (1كو 11: 12 )
وبهذا التدبير الإلهي الكامل، يخلص الإنسان ثم يصير عضواً حياً في الجسد، ويخدم بالمواهب التي يعطيها له الرب إلى أن تنتهي رسالته على الأرض، فتذهب نفسه إلى القردوس، وفي يوم القيامة العامة والمجي الثاني تتحد النفس بالجسد، ويقوم الإنسان بجسد نورانی سمائی ممجد، وينطلق مع موكب القديسين القادمين مع الرب على السحاب، صاعدا إلى سماء السموات ليقضي الأبدية السعيدة مع الرب في أورشليم السمائية بعد أن يتحرر من الجسد الترابي والخطيئة الساكنة والشيطان المقاوم و العالم المعثره.
الحرية المطلقة.. وهم
يتصور الشباب أن هناك شئ اسمه حرية مطلقة Absolute Freedom، وهذا وهم كبير فهناك بالضرورة حدوداً لحريتنا، فمع أنك حر في أن تكون لك سيارة تقودها في أي مكان، لكنك تخضع لقيود قوانين المرور والترخيص والقيادة والإشارات الضوئية وإجراءات السلامة… إلخ. ومع أنك حر في أن تأكل النوعية التي تختارها من الطعام، والكمية التي تريدها لكنك مقيد بأنواع الطعام البناءة وبكميات الطعام المناسبة وإلا أصابنك أمراض كثيرة لذلك فالحرية المطلقة وهم كبير … وما يحياه بعض الشباب من انحلال وانفلات جنسي، ليس حرية على الاطلاق بل هو عبودية خطيرة، خرجت بهم من الطهارة والزواج المقدس إلى الإنحراف والزنا والشذوذ وغير ذلك.. ولما أدمنوا الجنس سقطوا فريسة إدمان المخدرات، فلما أدمنوا المخدرات تحولوا إلى مجرمين جانحين، مات بعضهم بمرض فتاك مثل الإيدز، أو بجرعة زائدة من المخدرات أو بجريمة ارتكبوها فدخلوا السجن، أو حكم عليهم بالاعدام لأتجارهم بالمخدرات أو لجريمة قتل… لذلك يجب أن لا تطمح في حرية مطلقة، هي في الحقيقة حرية مزيفة، أقرب إلى العبودية.. بل علينا أن تبحث عن الحرية الحقيقية “حرية مجد أولاد الله” (رو 21:8 ).
الحرية الحقيقية
هي إمكانية أن أقول: لا… للخطيئة!! وقبل ذلك، إمكانية الإفراز و التمييز لأستطيع أن أفرز الغث من السمين، والبناء من الهدام … لذلك فالحرية تحتاج إلى أمرين:
- الاستنارة… بنور المسيح والإنجيل، وبعمل الروح القدس، لأستطيع أن أميز بين الخطأ والصواب.
- الإشباع… حينما أشبع بنعمة المسيح، وسکنی روح الله، فأستطيع أن أدوس على عسل الخطيئة المسموم
لذلك فهناك الآيتان المفتاح الحياة الشاب، وهما
1- “امتحنوا كل شئ.. تمسكوا بالحسن” (1تس 21:5 )، وهذه معناها الاستنارة والافراز والتمييز، والتفكير السليم في عواقب الأمور
2- “النفس الشبعانة تدوس العسل” (أم 7:27)، ومعناها أن الشبع الروحي وسكني المسيح، يعطيان الإنسان نوعاً من الاكتفاء والتسامی، حتى أنه يدوس على عسل الخطية السموم وهنا يتمتع الإنسان بالحرية الحقيقية، البناءة، الملتزمة، التي تبنيه من كل الوجوه
– روحياً… بالشبع الروحي بالمسيح والكنيسة والإنجيل..
-ذهنياً،،، بالقراءة والدراسة والتأمل والتفكير السليم…
– نفسياً… بالأنضباط السليم للغرائز والعواطف والعادات..
– جسدياً… بالبعد عن التدخين والمسكرات والمخدرات وحياة الدنس…
– اجتماعياً… إذ تكون للإنسان علاقات طيبة مع كل من حوله.
ضوابط الحرية الحقيقية
الحرية الحقيقية لها ضوابط هامة مثل:
- الروح القدس…الساكن فينا، مبكتاً ومرشداً، مقدساً ومعزياً، قائداً ومعطي الثمار والمواهب.
- الضمير ، صوت الله في الإنسان، الذي -يبكتني على الخطأ، وينبهني لكي أعود إلى الصواب.
- الإنجيل.. حيث النور الذي يضئ جنبات القلب، وطريق الحياة “خبأت كلامك في قلبي لكي لا أخطئ إليك (مز 119 :11 )، “سراج لرجلي كلامك ونور لسبیلی” (مز105:119)
- التعليم الكنسي… حيث الأضواء العامة على طريق الملكوت، والتحذير الدائم من أسباب الغواية والأنحراف
- الأب الروحي… حيث الإرشاد الشخصي المباشر لي في كل ظروف الحياة ومنعطفاتها،، ومن خلاله أخذ حلا عن خطایای، وحلاً لمشاكلي.
- القانون الوضعي… حيث يخضع المسيحي لسلطة القانون عملا بالوصية “لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله” (رو 1:13)
- وهكذا نحيا الحرية الحقيقية، بقوة مسيح القيامة الحي، الساكن فينا، وقائد مسيرتنا اليوم، في طريق الأبدية والخلود.
من مسابقة الخريجين – مهرجان 2012