الكنيسة والتجديد المستمر
1 – كيف تنطلق الكنيسة باستمرار من مجد إلى مجد؟
يقول الرسول: “ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما فى مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح” (2كو3: 18)، أو التمتع الدائم بالتجديد الروحى.
نزل إلينا كلمة الله لينطلق بنا من حرفية الناموس إلى حرية مجد أولاد الله. هذه الانطلاقة لن تتوقف مادمنا تحت قيادة روحه القدوس. يقول القديس مار يعقوب السروجى:
[تقول الكنيسة: “لا أطلب العتيقات لأتشرف بها، بل أطلب الأمور الجديدة الخاصة بأسرار ابن الله. لا أطلب الأردن حيث تطهّر الأبرص، لأنه هوذا المعمودية تعطى الحياة (2مل5: 14).
لا أحتاج إلى بركة سلوام لشفاء المرضى (يو9: 7)، لأن فى داخلى عين الحياة مفتوحة، مُضمدة الجروح. لا أطلب المن الذى متى بات أنتن (خر16: 20)، لأننى ها أنا آخذ جسد الابن كل أيامى. به تختفى فىّ الحياة الجديدة… يشفى جراحاتى، ويطهرنى من دنسى.
لا أطلب عمود السحاب، ولا الحية النحاسية التى صنعها موسى. عوضهما صار لى صليب الحياة يضئ ظلمتى، ويحفظنى من الأمور المؤذية.
لا أطلب قبة (خيمة) العهد التى فُسرت جميع أسرارها بحضن مريم.
إنى لا أتشبه بابنة صهيون التى ظلمت سيدها، وبعد أن نالت جميع الحسنات علقته على الخشبة. ولأنها تركته وزنت طردها، وأخرجها من بيته، وأعطانى أنا الضالة جميع غناه.
تعالى أيتها الكنيسة، وكونى وارثة لخزائن الابن، لأن العجوز قد عتقت وخرجت بأصنامها.
تعالى أيتها الزانية التى قدسها الصليب بالمعموديّة، وصيرها حرة، لتفرحى معه فى الملكوت].
2 – هل من نصرات مستمرة لا تنقطع؟
كان العلامة أوريجينوس يمتدح المؤمنين الحقيقيين لانتصارهم على الشيطان وعلى جميع الخطايا. فرجال الكنيسة يسحقون كل قوات الظلمة بالنعمة الإلهية، بل وأبواب الجحيم لن تقوى عليهم (مت16: 18).
يقول العلامة أوريجينوس: [أما وقد مزق (الشباك) ووطأها، فهو يشجع أيضاً كنيسته لتدوس الفخاخ وتطأ الشباك، ثم تقول بكل الفرح: “انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين، الفخ انكسر ونحن نجونا” (مز124: 7). من الذى مزق الفخاخ إلا ذاك الوحيد الذى لا يُمكن الإمساك به؟ فمع أنه قاصى الموت، إلا أن ذلك تم بإرادته، وليس كما يحدث لنا بسبب خطايانا. فهو وحده صار حُراً بين الأموات. وإذ هو الحىّ بين الأموات، عندما أباد بالموت ذاك الذى له سلطان الموت “(عب2: 14)، وأتى بالذين ذاقهم الموت. لم يُصعد ذاته فقط من الموت بل أصعد معه أولئك الذين غلبهم الموت، وجعلهم يجلسون معه فى الأمجاد السمائية.” إذ صعد إلى العلاء سبى سبياً “(أف4: 8). لم يأتِ بالنفوس فحسب، بل وأقام الأجساد أيضاً، كما يشهد بذلك الإنجيل:” وقام كثير من أجساد القديسين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا مدنية الله الحى أورشليم السماوية، وظهروا لكثيرين “(راجع مت27: 52؛ عب12: 22) ([213]).
كما يقول: [الكنيسة، كبناء للمسيح الذى بنى بيته بحكمة على الصخر (مت7: 24)، لا يحق لها إفساح المجال لأبواب الجحيم، التى تسود على من هم خارج الصخرة والكنيسة، ولكن لن تقوى عليها ([214])].
3 – هل نعتز بالكنيسة لأنها ممتدة من القدم أم لأنها جديدة؟
يقول العلامة أوريجينوس: [لا تظن أن هذه الكلمات قد وُجهت فقط إلى “إسرائيل” التى هى “حسب الجسد” (كو10: 18)، بل هى موجهة بالأكثر إليكم، يا من صرتم “إسرائيل” روحياً، بالحياة فى المسيح. يا من أختنتم، لا فى لحمكم، بل فى قلوبكم ([215])].
ورثت كنيسة العهد الجديد كل ما كانت تتمتع به كنيسة العهد القديم، لا حرفياً، بل روحياً. ففى وصف الرسول بولس لكنيسة العهد القديم بأن “لهم التبنى والمجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد” (رو9: 4)، يؤكد بولس أن هذه المزايا قد آلت إلى كنيسة العهد الجديد، من أجل إيمانها بالمسيح، فيقول: “لهم هذه الوعود…. ([216])”.
الكنيسة جديدة فى حياتها فى المسيح، إذ تقبل عمل الروح القدس الذى يُحدد أفكارنا وحياتنا بغير توقف. كما انها بالغة القدم، إذ هى كائنة فى عقل الله الذى خطط لخلاصنا، قبل تأسيس العالم. يقول العلامة أوريجينوس: [ما كنت لأدعك تفترض أن “عروس المسيح” (رؤ21: 2)، أى الكنيسة، قد بدأ ذكرها فقط بعد مجئ المخلص بالجسد، بل هى منذ بداية الجنس البشرى، منذ تأسيس العالم. ويمكننى متابعة بولس وهو يتقصّى أصل هذا السرّ، حتى إلى أبعد من ذلك، أى إلى ما قبل تأسيس العالم لنكون قديسين “(أف1: 4 – 5). يقول الرسول أيضاً، إن الكنيسة قد بُنيت على أساس، ليس من الرسل فحسب، بل أيضاً من الأنبياء (أف2: 20). والآن، فآدم يعتبر بين الأنبياء، إذ تنبأ عن ذلك السرّ العظيم، فيما يتعلق بالمسيح والكنيسة، بقوله” لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكونان جسداً واحداً (تك2: 24). اما بالنسبة للرسول، فواضح أنه يتكلم فيما يختص بالمسيح والكنيسة بقوله، “هذا السر عظيم، لكننى أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة” (أف5: 32). كما يقول أيضاً: “كما أحب المسيح أيضاً الكنيسة، وأسلم نفسه من أجلها، لكى يُقدسها، مطهراً إياها بغسل الماء” (أف5: 25 – 26). فى هذا يُظهر أنه لا يرفض الرأى القائل بوجوده من قبل. إذ كيف أحبها ما لم تكن موجودة؟ فالكنيسة بدون شك موجودة فى جميع القديسين الذين كانوا منذ بدء الزمن. هكذا بمحبته للكنيسة أتى إليها. “وإذ قد تشارك الأولاد فى اللحم والدم، اشترك هو أيضاً كذلك فيهما” (عب2: 14)، وبذل نفسه عنهم. كان هؤلاء القديسين هم الكنيسة التى أحبها، ليزيدها عدداً، ويعضدها بالفضائل وينتقل بها من الأرض إلى السماء ([217])].