النجاح.. بداية أم نهاية؟
النجاح.. كيف ولماذا؟
لابد أن النجاح هو سبب فـرح للشـخص النـاجح، وفـرح لأسـرته وأحبائـه، وفـرح للكنيسـة كلهـا وفرح للملائكة وأرواح القديسين، ولله نفسه وشهادة حية للمجتمع.
لهذا نجد القديس يوحنـا الرسـول يرسـل إلـى تلميـذه غـايس، فيقـول لـــه: “أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ” (3يو1 : 2), ففرح التلميذ فرح لمعلمه.
أولاً لماذا النجاح؟ وما هي صفاته؟
1- النجاح صفة من صفات اإلنسان الروحى :
َ هــذا الــذى يقــال عنــه فــى المزمــور الأول: “فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ، وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ. وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ.” (مز 1 :3). وقـد قيل عن يوسف الصديق: “ وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يُوسُفَ فَكَانَ رَجُلاً نَاجِحًا… وَأَنَّ كُلَّ مَا يَصْنَعُ كَانَ الرَّبُّ يُنْجِحُهُ بِيَدِهِ.” (تك 39: 2- 3).
2- النجاح لابد أن يكون فى كل شىء :
“وَأَنَّ كُلَّ مَا يَصْنَعُ كَانَ الرَّبُّ يُنْجِحُهُ بِيَدِهِ.” .. نعمـة الـرب لا تتخلـى عنـه فــى أى عمــل، فتكــون كــل أعمالــه ناجحــة. كــذلك فــإن مقومــات النجــاح فــى شخصــيته، لا تفارقـــه فـــى كل ما يمارسه من أعمال. فيكـــون ناجحاً في كـــل شـــىء. ســـواء فـــى حياتـــه الروحية، أو عمله، أو فى حياته العائلية، أو فى كافة معلوماته. ونضرب مثالاً لذلك.
– يوسف الصديق: كــان ناجحاً ومحبوباً في كــل عمــل: فــى أســرته كــان محبوباً من والديـه، حتـى أعطـاه والده قميصـاً ملوناً.وكان ناجحاً في افتقاد أخوتـه. وكخـادم فـى بيـت فوطيفار كان ناجحاً جداً، ومحبوباً منه “فَوَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَدَفَعَ إِلَى يَدِهِ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ” (تك 39: 4).
ولما ألقي في السجن، كان أنجح سجين، فأحبه رئيس بيت السجن.. “فَدَفَعَ رَئِيسُ بَيْتِ السِّجْنِ إِلَى يَدِ يُوسُفَ جَمِيعَ الأَسْرَى … وَلَمْ يَكُنْ رَئِيسُ بَيْتِ السِّجْنِ يَنْظُرُ شَيْئًا الْبَتَّةَ مِمَّا فِي يَدِهِ، … وَمَهْمَا صَنَعَ كَانَ الرَّبُّ يُنْجِحُهُ.” (تك 39: 22، 23 ).
حتى أن المسجونين أيضا كانوا يستشيرونه في أمورهم، كما فعل رئيس السقاة ورئيس الخبازين (تك 40). ولما صار وزير تموين لمصر، كان ناجحا جدًا، فأنقذ مصر من المجاعة، وأنقذ معها كل البلاد المحيطة، وكان محبوباً من فرعون، فترك له كل شئ وصيره الثاني في المملكة.
3- النجاح يقدمه الكتاب باعتباره لونا من البركة:
في (تث 28) إصحاح البركة واللعنة، نجد النجاح بركة من الله، وأمثلة لذلك:
+ داود النبي: مثلاً، كان وهو فتى إنسانا ناجحاً، أمكنه أن ينتصر على جليات
الجبار. وكان ناجحا في طرد الروح الشرير عن شاول الملك (اصم16: 32). وقيل عنه إنه حيثما يخرج كان يفلح (اصم 18: 5).
+ دانيال النبي: ونفس النجاح كان حليف دانيال في أرض السبي، فأعطاه داريوس الملك سلطاناً على كل أصحاب السلطة في مملكته. ونجح دانيال في ملك داريوس (دا6: 28).
+ نحميا: نجح مع ارتحشستا الملك، ونجح في بناء سور أورشليم. وكذلك زميله عزرا الكاتب. أيضا زربابل الذي قال عنه الوحي الإلهي في سفر زكريا النبي. “مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الْجَبَلُ الْعَظِيمُ؟ أَمَامَ زَرُبَّابِلَ تَصِيرُ سَهْلاً!” (زك 4: 7)
+ بولس الرسول: مثلاً من أعظم الذين نجحوا في الخدمة. وهنا يسأل البعض سؤالاً عكسيّا: ألا يوجد بعض من أولاد الله كانوا محطمين في حياتهم، ولم ينجحوا؟!
أقول لك إن أولاد الله كثيراً ما تحيطهم المشاكل والضيقات والضعفات من الخارج(2كو 6: 5)، ولكنهم مع ذلك يكونون ناجحين في مقابلة الضيقات. ولا تهزهم من الداخل ولا تعصرهم، ولا ينهاروا أمامها . بل كما قال القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زملائه في الخدمة: “كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ، كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ، كَأَنْ لاَ شَيْءَ لَنَا وَنَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ.” (2كو 6: 10)
ولكن لا ننسي أيضا في النجاح ما عمله لنا بولس الرسول العظيم كمبدأ:”أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي.” (في 4: 13)
ثانيا : النجاح بداية أم نهاية؟
كان المخترع العظيم توماس أديسون يقوم بإجراء التجارب في معمله، حين احس أن الإحباط قد أصاب زملاؤه.. بعد أن قضوا عشرات الساعات يقومون بنفس التجربة بلا جدوي. وسال (أديسون) عن سبب ضيقهم، فقال مساعده: (لقد اجرينا ألف تجرية، ولم تنجح فشلنا ألف مرة، ولم نتقدم خطوة واحدة منذ أن بدأنا إجراء التجارب، فماذا تظن يشجعنا على الاستمرار ؟) أجاب أديسون: ليس الأمر كما تقول، لقد تقدمنا كثيراً ، ونحن الآن قد توصلنا لإكتشاف ألف طريقة نصل بها إلى ما تريد، ونحن لا نحتاج الآن إلا لإكتشاف طريقة واحدة
فقط تحقق ما نريده. وقد سجل أديسون 1300 اختراع جديد بعد ملايين التجارب، لأنه كان دائماً يريد أن يكتشف ويحقق نجاحاً جديداً.
أيها الحبيب قد يأتي عليك وقت تظن فيه أن هذه هي النهاية, النهاية لمستقبلك, النهاية لفرحك, النهاية لطموحك. إن الفشل مرة لا يعني أبدًا أنه يكون فشلاً دائما، فبإمكاننا أن نجعل من الخبرة الفاشلة درساً للنجاح في الخبرة القادمة. وهنا نحب أن نضع قاعدة هامة في النجاح وهي: لا تهتموا بالبداية، إن بدت فاشلة. فالمهم أن تكون النهاية هي النجاح.
– يوسف الصديق مثلاً: كانت تبدو بداية حياته ضائعة باستمرار من إلقائه في بئر جاف، إلى بيعه عبدًا، ثم إلى تهمة ظالمة دبُرت ضده ألقت به في السجن.. ولكن المهم أن النهاية كانت طيبة إلى أبعد الحدود.. فلا نحكم إذن بالبدايات.
– القديس اثناسيوس الرسولي: كانت بدايات حبريته متعبة جداً فيها قويت شوكة الأوريوسيين، واستطاعوا أن يدبروا مكائد ضده، ويحاكموه وينفوه باتفاق مع السلطة الحاكمة. وعُزل عن كرسيه أربع مرات.. ومع ذلك انتهت حياته كبطل عظيم من أبطال الإيمان، استطاع أن يقف ضد العالم كله وينتصر وحفظ لنا الإيمان الأرثوذكسي المستقيم إلى اليوم.
– داود النبي: بدأ حياته، وبعد المسحة المقدسة وبعد انتصاره على جليات، مُضطهداً من شاول الملك، مشرداً من برية إلى أخرى، حتى ظن أنه لابد سيقع في يد شاول في يوم.. ولكن كل تلك البديات المتعبة أنتهت، وأنتصر داود أخيراً.
– موسى النبي مع فرعون: كانت البداية قد أتت بنتيجة عكسية. فاشتد فرعون بالأكثر. وتضايق الشعب وتذمروا على موسى وهرون، وقالوا لهما “يَنْظُرُ الرَّبُّ إِلَيْكُمَا وَيَقْضِي، لأَنَّكُمَا أَنْتَنْتُمَا رَائِحَتَنَا فِيعَيْنَيْ فِرْعَوْنَ” (خر 5: 21). وعشر ضربات يستخدمها الرب ضد فرعون، والرجل في نفس قسوته لا يلين.. وحتى الشعب، تذمر لما خرج فرعون وراءهم.”وَقَالُوا لِمُوسَى: «هَلْ لأَنَّهُ لَيْسَتْ قُبُورٌ فِي مِصْرَ أَخَذْتَنَا لِنَمُوتَ فِي الْبَرِّيَّةِ؟ ” (خر 14: 11)..
ومع كل تلك البدايات المتعبة لم يضعف إيمان موسى مطلقا.. ونجح أخيراً في انقاذه من عبودية فرعون.. لهذا كله لا تتعبوا مطلقاً، إن لم تحصلوا على النجاح في بداية الطريق. واذكروا باستمرار قول الكتاب: بصبركم أقتنوا أنفسكم.” (لو 21: 19).
– معلمنا مرقس الرسول: كانت أمامه صعاب لا تُحصى في كرازته لمصر: لم تكن فيها كنيسة، ولا شعب مؤمن بالمسيحية. وكانت هناك ديانات عديدة الديانات الفرعونية واليونانية والرومانية والشرقية، والديانة اليهودية، والفلسفة الوثنية.. إلى جوار السلطة الحاكمة الرومانية بكل بطشها.. وعلى الرغم من كل هذا، نجح مرقس الرسول في نشر الإيمان بالمسيح في مصر.
ثالثا: ماذا عن نجاح الأشرار؟
لعل البعض تتعبه هذه المشكلة التي أزعجت إرميا النبي في وقت ما، فعاتب الله قائلا:”أبَرُّ أَنْتَ يَا رَبُّ مِنْ أَنْ أُخَاصِمَكَ. لكِنْ أُكَلِّمُكَ مِنْ جِهَةِ أَحْكَامِكَ: لِمَاذَا تَنْجَحُ طَرِيقُ الأَشْرَارِ؟ اِطْمَأَنَّ كُلُّ الْغَادِرِينَ غَدْرًا” (أر 12: 1).
1- نجاح الأشرار هو نجاح زائف، مؤقت، وبطرق شريرة:
- هيرودس الملك: ظن أنه نجح لما قتل كل أطفال بيت لحم. ولكنه كان نجاحا زائفا. قالشخص الوحيد الذي أراد قتله، كان حياً لا يموت. كما أن وسيلة هيرودس كانت خاطئة.
- آخاب الملك: استطاع أن يقضي على نابوت اليزرعيلي ويدبر له مؤامرة ويقتله ويستولي على حقله ( 1مل 21). وكان نجاحاً مؤقتا وزائفاً وأثيماً. وبعده أتى غضب الله على آخاب وكان كلام الرب له “فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَحَسَتْ فِيهِ الْكِلاَبُ دَمَ نَابُوتَ تَلْحَسُ الْكِلاَبُ دَمَكَ أَنْتَ أَيْضًا”(1مل 21: 19).
- اليهود: ظنوا أنهم تخلصوا من السيد المسيح، ونجحت مؤامراتهم وأتت بنتيجتها وصلبوا المسيح. وكان نجاحاً زائفاً ومؤقتاً، انتهى بمجد القيامة..
- هامان في قصة أستير: ظن أنه قد قضى على مردخاي، ودبر له المؤامرة، وأعد له صليباً. وكاد أن يقضي لا على مردخاي وحده إنما على الشعب كله. وتدخل الله أخيرا بعد الصوم الذي أمرت به أستر الملكة. وتحول الموقف إلى العكس تماما.وصلب هامان على نفس الصليب الذي أعده لمردخاي (أس 7: 10)
- الغني الذي كان مع لعازر: كذلك فإن النجاح في امور مادية عالمية، ليس نجاحاً بالحقيقة. قارن في ذلك مع قصة الغني الذي اتسعت كورته (لو 12).
2- إن النجاح الحقيقي هو النجاح الروحي:
لا يُحسب النجاح نجاحاً إذا لم يكن بأسلوب روحي مسيحي بحسب الإنجيل. لا تغر من الأشرار إذا نجحوا. وبخاصة اللذين كانت وسائل نجاحهم بعيدة عن الله. كمن يلجأ إلى الكذب والمكر والحيلة.. أو إلى الغش.. أو إلى الرشوة.. أو إلى التملق والنفاق والرياء والمحسوبية.. أو التاجر الذي يحتكر الأسواق. ويبالغ في الأرباح. وينجح مالياً ويقل روحيّا. هؤلاء ينطبق عليهم قول الرسول:” الَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ الْهَلاَكُ، الَّذِينَ إِلهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي الأَرْضِيَّاتِ”(في3: 19).
– من أكبر الأمثلة على النجاح الزائف الشيطان وجنوده:
فالشيطان حينما يحل من سجنه، سيخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض(رؤ20: 7)، ويحاول أن يضل لو أمكن المختارين أيضا (مت 24: 24). فهل نجح الشيطان ؟!
– و قيل عن الوحش أنه:”وَأُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَيَغْلِبَهُمْ” (رؤ13: 7). فهل نجح الوحش بعد هذه الغلبة المؤقتة.
لقد حسم الكتاب هذا الأمر فقال: “وَإِبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.” (رو 20: 10).
– كذلك ضد المسيح: المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعى إلهاً… الذي مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة، وبآيات و عجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم، في الهالكين الذي سيتسبب في ارتداد الكثيرين ونجاحه أيضا مؤقت وزائف شرير “الَّذِيالرَّبُّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ” ( 2تس 4-10).
رابعا: مقومات النجاح :
وتذكر قول الله ليشوع بن نون: “لا يَبْرَحْ سِفْرُ هذِهِ الشَّرِيعَةِ مِنْ فَمِكَ، بَلْ تَلْهَجُ فِيهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، لِكَيْ تَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ. لأَنَّكَ حِينَئِذٍ تُصْلِحُ طَرِيقَكَ وَحِينَئِذٍ تُفْلِحُ“(يش 1: 8).
ولا يخاف. كما قال داود النبي: “إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي. إِنْ قَامَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ فَفِي ذلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ.“ (مز 27: 3).
4- النجاح أيضا يحتاج إلى إيمان وصلاة. وهكذا كما قال الرب: “ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ” (مر9: 23). وكما قال القديس بولس الرسول: “أستطيع كل شي في المسيح الذي يقويني (في 4: 13) لذلك التصق بالرب، وكن معه، ليكون هو أيضا معك، ويمنحك بركة من عنده. ومن بركاته النجاح.. اطلب معونة الرب باستمرار “اللهم ألتفت إلى معونتي”، وهو يساعدك على النجاح. لأنه قال : “بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً” (يو 5: 15)
ذلك يتبدد، أما النار فتبقى تحت لا تعلو مثل الدخان، ولكنها
تطل في قوتها وحرارتها وفاعليتها، لا تتبدد مثله في
ارتفاعه