يا لسمو الكنيسة!
1 – ماذا يقول الآباء عن سمو الكنيسة؟
يقول القديس إيرينيؤس: [حيث توجد الكنيسة، يوجد أيضاً روح الله، وحيث يوجد روح الله، توجد الكنيسة وكل نعمة. الروح هو الحق].
ويقول البابا الكسندروس الكسندرى: [الكنيسة الجامعة الرسولية الواحدة الوحيدة لا يمكن أن تتدمر مع أن كل العالم يطلب أن يحاربها. إنها منتصرة على كل ثورة الهراطقة الأشرار الذين يقومون ضدها].
ويقول الشهيد كبريانوس: [كما توجد أشعة شمس كثيرة لكن النور واحد… هكذا تشرق الشمس بنور الرب، فتبعث أشعتها على العالم كله، لكنه يوجد نور واحد ينتشر فى كل موضع].
وجاء فى تعليم الاثنى عشر رسولاً: [اسمع هذا أيها الشعب، كنيسة الله المختارة. كان الشعب قديماً يُدعى “شعب الله”، “أمة مقدسة” لهذا أنتم كنيسة الله المقدسة المكرسة، مسجلة فى السماء، كهنوت ملوكى، أمة مقدسة، شعب مختار، عروس مزينة للرب الإله، كنيسة عظيمة، كنيسة أمينة].
ويقول القديس هيبوليتس أسقف روما: [العالم هو بحر، فيه تبحر الكنيسة مثل سفينة تخبطها الأمواج فى العمق، لكن لن تدمرها، فإن قائدها الماهر هو المسيح].
ويقول القديس أمبروسيوس: [من يطلب الكنيسة يطلب المسيح].
ويقول القديس أغسطينوس: [من يقول بأن الكنيسة العظيمة هى جزء صغيرمن الأرض؟ الكنيسة العظيمة هى العالم كله!] كما يقول: [كَرِم الكنيسة المقدسة وحبها وأمدحها، أمك أورشليم السماوية، مدينة الله. إنها تلك التى فى هذا الإيمان الذى تقبله تحمل ثمراً وتنتشر فى كل العالم. إنها كنيسة الله الحى، عمود الحق وقاعدته (1تى3: 15)، التى فى منحها للأسرار تحتمل الأِشرار الذين فى وقت كت يُعزلوا ويُستبعدوا ([195])].
ويقول القديس إكليمنضس الكسندرى: [يا للسر العجيب! واحد هو أب الكل، واحد أيضاً الكلمة للكل، والروح القدس هو واحد وفى كل موضع أيضاً. كذلك توجد أم واحدة بتول، أحب أن أدعوها الكنيسة].
2 – كيف تكون الكنيسة أماً وعذراء فى نفس الوقت؟
يقول القديس أغسطينوس: [هذا الذى أبرع جمالاً من بنى البشر، ابن القديسة مريم، عريس الكنيسة المقدسة، هذا الذى أقامها على شكل أمه. فقد قدمها لنا لتكون أماً لنا، واحتفظ بها لتكون عذراء له ([196])]. كما يقول: [أبوك هو الله، والكنيسة هى أمك. ما أبعد هذه الولادة منها عن ولادتك من أبوين حسب الجسد ([197])].
3 – كيف تكون الكنيسة عذراء؟
يقول القديس أغسطينوس: [أتريد أن تعرف كيف تكون الكنيسة عذراء؟ اسمع الرسول بولس، اسمع صديق العريس الغيور لا لنفسه بل للعريس… إنه يتحدث إلى الكنيسة. أية كنيسة؟ إلى كل من يمكن أن تصلهم رسالته…. يقول: “أخاف عليكم لئلا كما خدعت الحية حواء” جسدياً، هل فعلت ذلك؟… لقد حطمت بتولية قلبها…
هل تقولون لى: “إن كانت الكنيسة عذراء فكيف تنجب أطفالاً؟ أو إن كانت لا تنجب أطفالاً فكيف نقدم أسماء (للعماد) لكى يولدوا منها؟”.
أجيب: “إنها عذراء وتلد أيضاً أطفالاً” إنها تتمثل بمريم التى ولدت الرب.
ألم تلد القديسة مريم طفلها وبقيت بتولاً؟ هكذا أيضاً الكنيسة تلد أطفالاً وهى بتول. وإن أعطيت الأمر اعتباراً خاصاً فإنها تلد المسيح لأن الذين يعتمدون هم أعضاؤه ([198])].
[الكنيسة مثل مريم، لها كمال لا ينتهك وإخصاب غير فاسد. ما استحقته مريم جسدياً راعته الكنيسة روحياً، مع استثناء ان مريم أنجبت طفلاً واحداً، أما الكنيسة فلها أطفال كثيرون معينون لكى يجتمعوا كجسد واحد لذلك الواحد ([199])].
4 – بماذا يدعوها العريس السماوى؟
يدعوها العريس السماوى الحمامة ذات الصوت اللطيف والوجه الجميل؟ يقول القديس غريغوريوس النيسى: [نادى الكلمة بهذه التعاليم من خلال الشبابيك إلى عروسه، وهى الحمامة، فاستجابت لجماله، لأنها استنارت بشعاع الفهم وتعرفت على الصخرة وهو المسيح. إنه يقول: “إرينى وجهك، اسمعينى صوتك لأن صوتك لطيف ووجهك جميل” (نش2: 14)… رأى سمعان مثل ما أرادت العروس أن ترى. وهؤلاء الذين استقبلوا صوت المسيح الحلو تعرفوا على نعمة الإنجيل وصرخوا: “يارب إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك” (يو6: 68) ([200])].
5 – لماذا يدعو القديس أغناطيوس الثيؤفورس الكنيسة جماعة حب؟
يقول القديس أغناطيوس الثيؤفورس: [كل الأمور حسنة على السواء، إذا آمنتم وأنتم فى المحبة ([201])]. كما يقول إن السيد المسيح هو الحياة الخالدة، إذ يهبنا الحياة يعطينا الحب الإلهى: [فإن شرابه، أى دمه… هو المحبة غير الفاسدة ([202])].
6 – لماذا يدعو القديس أغناطيوس الثيؤفورس الكنيسة جماعة شكر وتسبيح؟
لأنه خلال سرّ الشكر تظهر الكنيسة من جانبين – جانب إيجابى: وهو التمتع بالحب والنقاوة والوحدة وشركة الخلود مع التسبيح والفرح، وجانب سلبى إذ تقاوم إبليس وتغلبه. يقول القديس أغناطيوس الثيؤفورس: [اهتموا فى أن تجتمعوا بكثافة أكثر لتقديم الشكر والمجد لله، فعندما تجتمعون مراراً معاً فى الاجتماع الإفخارستى، تضمحل قوى الشيطان، وتنحل قوته أمام اتفاق إيمانكم وتآلفه ([203])].
7 – ما هو عمل السيد المسيح فى أعضاء كنيسته؟
يقول العلامة أوريجينوس: [إذا قورنت الكنائس التى شكّلها المسيح بتجمعات المدن التى توجد بها فسوف تظهر كمشاعل مضيئة فى العالم. فمن منا لا يعترف بأن عدد الأعضاء القليل من الكنائس غالباً ما يكون أفضل من كثيرين الذين يظهرون فى التجمعات المدنية؟!…
إذا ما قارنا مجلس كنيسة الله بمجلس المدينة، نجد أن بعضاً من أعضاء مجالس الكنائس جديرون أن يكونوا أشرافاً لمدينة إلهية، إذا ما وجدت مثل هذه المدينة فى العالم. فى حين نجد الأعضاء المدنيين غير أهل بأخلاقياتهم للمراكز البارزة التى يشغلونها بين مواطنيهم.
لتقارن على نفس هذا النمط رأس كل كنيسة برؤوس تلك المدن، فستجد أن الشاغلين، حتى لأدنى الدرجات فى كنيسة الله، متفوقين على كل الحكام المدنيين، إذا ما وضعنا فضائل الفئتين جنباً الى من.
8 – ماهى فاعلية الكنيسة فى قلب المؤمن؟
يرى كاتب سريانى أن دور الكنيسة هنا على الأرض أن تُلهب قلوبنا بالشوق إلى الكنيسة العليا، إذ يقول: [يليق بنا ألا نحتقر الكنيسة المنظورة التى تحضر كل واحد كابن. ولا نزدرى بكنيسة القلب هذه، متطلعين إلى أنها تقوى كل الذين هم مرضى. ويلزمنا أن نشتاق إلى الكنيسة العليا فإنها تكمل كل القديسين ([204])].
9 – أين يتعرف المؤمن على مشيئة الله؟
إذ يتقدس المؤمن ويقول مع المرتل: “واحدة سألت من الرب وإياها التمس: أن أسكن فى بيت الرب كل أيام حياتى، لكى انظر إلى جمال الرب، وأتفرس فى هيكله” (مز27: 4)، يتعرف على مشيئة الله. يقول القديس كيرلس الكبير: [يليق بنا بأكثر تعقل أن نقر أن مشيئة الطبيعة الإلهية نسمعها بوجه خاص فى الأماكن المقدسة].
10 – كيف تحث الكنيسة المؤمن على العمل؟
يقول الآب مكسيموس المعترف عن الكنيسة إنها [المعمل الذى فيه يتحول الإنسان ليُحوّل العالم].
11 – لماذا دُعى المؤمنون المختارون أو الكنيسة المقدسة “القطيع الصغير” (لو12: 32)؟
يقول القديس كيرلس الكبير: [لقد دعاهم “قطيعاً صغيراً”، هذا ما علمنا إياه المخلّص بنفسه فى المثل المذكور فى الأناجيل، إذ يقول “أى إنسان منكم له مئة خروف وأضاع واحداً منها، ألا يترك التسعة والتسعين فى البرية (على الجبال) ويذهب من اجل الضال حتى يجده؟ وإذا وجده يضعه على منكبيه فرحاً… فالحق أقول لكم يفرح به أكثر من التسعة والتسعين الذين لم يضلوا (لو15: 4 الخ). لاحظوا إن كان عدد الكائنات العاقلة يمتد إلى عشرة مضروبة فى عشرة، فإن القطيع الذى على الأرض ليس إلا واحداً من مئة. مع أنه صغير من جهة الطبيعة والعدد والكرامة، أن قورن بطغمات الأرواح العلويَة التى بلا عدد، لكنه بصلاح الآب الذى يفوق كل وصف ويُعطى له نصيب مع الأرواح الفائقة، أقصد ملكوت السماوات ([205])].
12 – لماذا شُبهت الكنيسة بالمرأة المنحنية التى نالت الشفاء؟
يقول القديس أمبروسيوس: [تظهر فى هذه المرأة المنحنية (لو13: 10 – 11) صورة الكنيسة التى بدأت تظهر بعدما أكملت مقياس الناموس وتمت بالقيامة، إذ نالت نعمة عظيمة بالراحة الأبدية فلا يمكن أن تُجرب بانحناءة ضعفنا. لم يكن لهذه المرأة شفاء إلا بالناموس والنعمة، بإتمام وصايا الناموس (لا أعماله الحرفية) وفى معمودية النعمة تموت عن العالم وتحيا للمسيح. فى الوصايا العشرة يتم الناموس وفى رقم 8 ملء القيامة ([206])].
13 – لماذا تُدعى الكنيسة الفندق المفتوح لكل البشر؟
يقول العلامة أوريجينوس: [الفندق هو الكنيسة التى تستقبل جميع الناس، ولا ترفض أن تسند أحداً، إذ يدعو يسوع الكل: “تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال وأنا أريحكم” (مت11: 28) ([207]). ويقول القديس ساويرس الأنطاكى: [الفندق هو الكنيسة التى أصبحت تستقبل وتأوى كل الناس، فإننا لم نعد نسمع حسب ضيق الظل الناموسى والعبادة الرمزية: “لا يدخل عمونى ولا موآبى فى جماعة الرب” (تث23: 3)، “فى ذلك اليوم قرئ فى سفر موسى فى آذان الشعب ووجد مكتوباً فيه أن عمونياً وموآبياً لا يدخل فى جماعة الله إلى الأبد” (نحميا13: 1) بل نسمع: “فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (مت28: 19)، وأيضاً “بل فى كل أمة الذى يتقيه ويصنع البرّ مقبول عنده” (أع10: 35).
بعد أن أتى (السامرى) به إلى الفندق، “اعتنى به” (لو10: 34). أى بعد أن تشكلت الكنيسة من اجتماع الأمم التى كانت تموت فى عبادة الآلهة العديدة، أصبح المسيح نفسه هو الساكن فيها ويسير، كما هو مكتوب، ويمنح كل نعمة روحية. “فإنكم أنتم هيكل الله الحىّ، كما قال الله: إنى سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لى شعباً” (2كو6: 16)].
14 – هل يمكن لإنسان أن ينجو وهو يعتزل عن الكنيسة؟
يقول الشهيد كبريانوس: [لا يمكن أن تكون عروس المسيح زانية، بل هى طاهرة غير دنسة. إنها تعرف لها بيتاً واحداً، وتحتفظ بقداسة مجتمع واحد فى عفة ونقاوة. إنها تحفظنا لله، وتعين الأبناء الذين ولدتهم لنوال ملكوت السماوات. وكل من ينفصل عن الكنيسة ويلتصق بالزنا يُحرم من مواعيد الكنيسة. إن من يهجرها ولا يقدر أن يتمتع ببركات المسيح، إذ هو جريح وجاحد دنس… ولا يستطيع أن يكون الله له أباً مادامت الكنيسة ليست له أماً له. لو استطاع أحد أن ينجو وهو خارج عن فلك نوح، لكان يمكن لأحد أن ينجو وهو خارج الكنيسة. والسيد المسيح يحذرنا قائلاً: “من ليس معى فهو علىّ، من لا يجمع معى فهو يفرق” (مت12: 30). من يمزق سلام المسيح وارتباط القلوب فى وحدة حوله هو ضد للمسيح. من يجمع إلى مكان آخر بعيد عن الكنيسة يمزق كنيسة المسيح إن من لا يتمسك بهذه الوحدة فهو لا يحفظ شريعة الله ولا إيمان الآب والابن، ولا يتمسك بالحياة والخلاص].
كما يقول: [من يبقى خارج الكنيسة فهو خارج معسكر المسيح ([208])]. [من ليس له الكنيسة أماً، لا يقدر أن يكون الله أباه! ([209])].
يقول القديس أمبروسيوس: [من يبتعد عن الكنيسة يبدد ميراثه ([210])].
15 – ما هو مفهوم الاعتزال عن الكنيسة؟
يُعلق القديس أمبروسيوس على السفر إلى كورة بعيدة، قائلاً: [الابتعاد الأعظم هو أن ينفصل الإنسان لا خلال المسافات المكانية، وإنما خلال العادات، فلا يذهب إلى بلاد مختلفة بل يحمل اتجاهات مختلفة… من ينفصل عن المسيح يتغرب عن الوطن، ويصير وطنه هذا العالم، أما نحن فلسنا بعد غرباء ونزلاء بل رعية مع القديسين واهل بيت الله (أف2: 19)، لأنه “أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح” (أف2: 13). ليتنا لا نكن قساة على القادمين من كورة بعيدة، لاننا نحن أيضا ً كنا بعيدين فى كورة بعيدة… هى ظلال الموت… وقد صرنا أحياء فى ظل المسيح، لذا تقول الكنيسة: “تحت ظله اشتهيت أن أجلس” (نش2: 3) ([211])].
16 – ما هو مفهوم العودة إلى الكنيسة؟
يعلق القديس أمبروسيوس على مثل الدرهم المفقود (لو15: 8 – 10)، قائلاً: [فرح هذه المراة التى وجدت الدرهم المفقود ليس بقليل الأهمية، لأن الدرهم عليه صورة الملك. هذه الصورة نملكها فى الكنيسة… أقول ليتنا كخراف نتضرع لله كى يقودنا إلى مياه الراحة (مز22: 2) ونطلب المراعى، وكدراهم فلنحتفظ بقيمتنا (نحمل صورة الملك فينا) وكأبناء نرجع إلى أبينا ([212])].