حزقيا بن آحاز – ملك يهوذا
٧١٥ -٦٨٧ ق.م
حزقيا اسم عبري معناه “الرب قد قوّى” أو “الرب قوّة”. وهو ابن آحاز ملك يهوذا.
بدأ بكل حذر يقلب كل الأوضاع التي خلفها له أبوه سواء في البعد عـن إله إسرائيل أو في العبودية لأشور، وقليلاً قليلاً ابتدأ يعمل علناً وبجرأة نـادرة ليتخلَّص من نير أشور.
وقد استغل حزقيا سخط الجماعة المتدينة والوطنية ضد تصرفات أبيه، فابتدأ تطهير الهيكل والبلاد من نجاسات العبادات الوثنية . وقد أعانه علـى العمـل تشجيع الأنبياء للعودة إلى عبادة إله إسرائيل، وبالأخص إشعياء وميخا النبيين .
وبالأكثر جداً كان أمامه التحذير القاتل لما حدث لإسرائيل أمام عينيه والذي كان واضحاً غاية الوضوح أن مصيرها المشئوم قد صنعته هي بيديها بـسبب كسرها للعهد المقدس، واستهتارها بعبادة إله إسرائيل، وانجرافها وراء عبادات الأُمم ونجاساتهم.
ولكن كان واضحاً أمام حزقيا أنه طالما بقيت يهوذا تحت احتلال أشور وثقل الجزية وعارها فهي لن تستطيع أن تنهض بعبادتها وتطهيرها للبلاد والشعب معـاً. وخاصة صهيون مركز العهد والوعد لداود من قِبل االله الـذي صـمَّمت أن تستمد منه القوة طالما كان هناك توبة وصدق في العودة وأمانة في العبادة لدى الشعب. وفي الحقيقة كل هذه العوامل المشجعة والدافعة للأمانة والإخـلاص كانت موجودة كما في أيام حزقيا الملك كذلك في أيام أبيه آحاز، ولكن كان يعوز آحاز الإيمان والثقة واحترام المواعيد الثمينة ومخافة االله والتـأثر بكـلام إشعياء وميخا النبيين. وهذا يوافق ما يقوله الوحي عن حزقيا :
+ «على الرب إله إسرائيل اتكل وبعده لم يكن مثله في جميع ملوك يهوذا ولا في الذين قبله. والتصق بالرب ولم يحد عنه بل حفظ وصاياه التي أمر بها الرب موسى. وكان الرب معه وحيثما كان يخرج كـان يـنجح، وعصى على ملك أشور ولم يتعبَّد له، هو ضرب الفلسطينيين إلى غـزة وتخومها من برج النواطير إلى المدينة المحصنة.» (٢ مل ١٨: ٥- ٨).
والذي نعرفه من الآثار أنه أسر ملك عكا وسجنه في أُورشليم لأنـه رفـض الانضمام إليه. وبعد موت سرجون ملك أشور انتهز حزقيا هذه الفرصـة بسذاجة وتجرأ وأعلن عصيانه، وكانت النتيجة أن سنحاريب بـن سـرجون انحدر بجيشه وحاصره في أُورشليم حصاراً للموت فصرخ طالباً السماح:
+ «وفي السنة الرابعة عشر للملـك حزقيـا (سـنة ٧٠١ ق.م) صـعد سنحاريب ملك أشور على جميع مدن يهوذا الحصينة وأخذها . وأرسل حزقيا ملك يهوذا إلى ملك أشور وهو في لاخيش يقول : قد أخطـأت ارجع عني ومهما جعلت عليَّ حملته . فوضع ملك أشور علـى حزقيـا ملك يهوذا (الجزية).» ( ٢مل ١٨: ١٣و١٤).
وفعلاً وضع عليه جزية ثقيلة وأخذ منه بناته وأولاده عبيداً . وكانت الجزية حسب سجلات سنحاريب ٨٠٠ وزنة فضة و٣٠ وزنة ذهب .
+ «فدفع حزقيا جميع الفضة الموجودة في بيت الرب وفي خزائن بيـت الملك . في ذلك الزمان قشَّر حزقيا الذهب عن أبواب هيكل الـرب والدعائم التي كان قد غشَّاها حزقيا ملك يهوذا ودفعه لملك أشور. »( ٢مل١٨: ١٥و١٦ ).
وقام حزقيا باصلاحاته الدينية والاجتماعية على أعلى مستوى بغيرة قويـة وروح عالية وإيمان قويم: «على الرب إله إسرائيل اتكل وبعده لم يكن مثله في جميع ملوك يهوذا ولا في الذين قبله» ( ٢ مل ٥:١٨). «فالآن في قلبي أن أقطع عهداً مع الرب إله إسرائيل فيرد عنَّا حمو غضبه» ( ٢أخ ١١:٢٩). وأعاد حزقيا العبادة في الهيكل كما كانـت في أيـام داود مـن صـلوات في مواعيـده وتسابيح وذبائح محرقات بحسب الناموس، واشترك الشعب كله في العبادة .
وحاول حزقيا أن يجمع ما بقي من شعب إسرائيل ويضمه إلى يهوذا لتكون عبادة واحدة لمملكة واحدة لكل الشعب كما في أيام داود الـنبي، وأرسـل الرسل والسعاة في طول البلاد وعرضها في أرض أفرايم ومنسى حتى زبولـون، ومن دان إلى بئر سبع «فكانوا يضحكون عليهم ويهزأون بهم، إلاَّ أن قوماً من أشير ومنسى وزبولون تواضعوا وأتوا إلى أُورشليم.» ( ٢أي٣٠: ١٠و١١)
+ «وكانت يد االله في يهوذا أيضاً فأعطاهم قلباً واحداً ليعملوا بأمر الملك والرؤساء حسب قول الرب، فاجتمع في أُورشليم شعب كثير لعمل عيد الفطير في الشهر الثاني جماعة كثيرة جداً … وذبحوا الفصح في الرابـع عشر من الشهر الثاني.» (٢ أخ٣٠ : ١٣-١٥)
رسل بابل للاتفاق مع يهوذا للثورة ضد أشور:
+ «في ذلك الزمان أرسل برودخ بلادان بن بلادان ملك بابـل رسـائل وهدية إلى حزقيا لأنه سمع أن حزقيا قد مرض، فسمع لهم حزقيا وأراهم كل بيت ذخائره والفضة والذهب والأطياب والزيت الطيب وكل بيت أسلحته وكل ما وجد في خزائنه.» ( ٢مل٢٠: ١٢و١٣).
كان برودخ ملك بابل قد عزم على القيام بالثورة ضد ملك أشور بمساعدة ملك عيلام، ويُعتقد أنه قصد بهذه الهدايا لحزقيا ملك يهوذا أن يـشتري ودَّه لينضم إليهم، وكذلك فرعون ملك مصر (شاباكا Shabaka) وذلك سنة ٧٠٢ .ق م، ضد سنحاريب ملك أشور الذي تولَّى الحكم بعد موت سرجون أبيه.
وكانت كل مدن فلسطين وسوريا وفينيقية وإسرائيل قد تواطـأت أيـضاً وانضمت للثورة: صور، أشدود، غزة، أشقلون، مع موآب وأدوم وعمون.
أمَّا حزقيا فبالرغم من توعية وتحذير إشعياء النبي المتواصل له، فإنه أرسل إلى مصر يطلب النجدة، لأن إيمانه باالله قد خانه وتخلَّف عن شـجاعته. فكانـت كلمات إشعياء اللاذعة :
+ «ويل للبنين المتمردين يقول الرب حتى أنهم يُجرون رأياً وليس مني … ليزيدوا خطيئة على خطيئة . الذين يذهبون لينزلوا إلى مصر ولم يسألوا فمي ليلتجئوا إلى حصن فرعون ويحتموا بظل مصر . فيصير لكم حصون فرعون خجلاً، والاحتماء بظل مصر خزياً لأن رؤساءه (رسل حزقيـا ) صاروا في صوعن وبلغ رسله إلى حانيس.» (إش٣٠: ١-٤).
ثم ابتدأ حزقيا بتحصين أُورشليم وإمدادها بمجرى مياه سري من مياه بئـر جيحون يجري تحت الأرض ليدخل داخل السور، كذلك أوصلها ببركة سلوام وذلك استعداداً للحصار الطويل ( ٢مل ٢٠:٢٠). وقد اكتُشفت هذه القنـاة السرية سنة ١٨٨٠م، ووُجِد محفوراً على حجارة جدرانها كتابة بالعبرانية تفيد زمن حفرها على أيام حزقيا، وهي موجودة الآن في متحف بتركيا، وتُعتبر من أهم آثار إسرائيل . وأخيراً وصل سـنحاريب إلى أُورشـليم للمـرة الثانيـة للمحاصرة الأخيرة بعد أن أخمد ثورة بابل وثورة صور وكل الثورات في مدن فلسطين والساحل، وضرب حصاراً حول أُورشليم . وتقول لنا الآثار والنقوش وسجلات سنحاريب الملكية المحفوظة أنه ضرب ٤٦ مدينة محصَّنة تابعة ليهوذا وسبى كل مواطنيها الأقوياء، ويقدَّر عددهم بحسب السجلات بحوالي ٢٠٠,١٥٠ ويقدرها بعض العلماء ٢١٥٠ فقط.
وضرب جيوش فرعون مصر وهي في الطريق إلى يهوذا، وحاصر حزقيـا وسجنه في أُورشليم كطائر في قفص، وحُرست مداخل المدينة حتى يضيَّق على الفارين منها، وضاعف عليه الجزية الـسنوية وطـال الحـصار، وأرسـل سنحاريب رسله ليهدد حزقيا بكلام مؤلم وشنيع وتعيير ضد إله إسـرائيل لم يحتمله حزقيا، فبكى ومزَّق ملابسه وأرسل إلى إشعياء بن آموص النبي يقول :
+ «هذا اليوم يوم شدَّة وتأديب وإهانة. لأن الأجِنَّة قد دنت إلى المولد ولا قوة للولادة … فارفع صلاة من أجل البقية الموجودة.» (٢ مل١٩: ٣و٤).
فردَّ النبي إشعياء بكلام واثق ومتمكِّن :
+ «هكذا تقولون لسيدكم هكذا قال الرب: لا تخف … هأنذا أجعل فيه روحاً فيسمع خبراً ويرجع إلى أرضه وأُسقطه بالسيف في أرضه … لا يدخل هذه المدينة ولا يرمي هناك سهماً ولا يتقدم عليها بتـرس ولا يقيم عليها مترسة . في الطريق الذي جاء فيه يرجع وإلى هذه المدينـة لا يدخل يقول الرب!!» ( ٢مل ١٩: ٥ – ٧ و٣٢ و٣٣)
وقد كان بالفعل وتمَّ بالحرف الواحد :
+ «وكان في تلك الليلة أن ملاك الرب خرج وضرب من جيش أشور مئة ألف وخمسة وثمانين ألفاً ( وبالفعل يخبرنا هيرودوت المؤرخ أن جيش أشور أصيب بالطاعون بسبب جيـوش مـن الفئران هاجمته ومات منه الكثير – هيرودوت II. 141 )… فانصرف سنحاريب ملك أشور وذهب راجعاً وأقام في نينوى، وفيما هو ساجد في بيت نسروخ إلهـه ضـربه أدرملك وشرآصر ابنـاه بالـسيف ونجـوا إلى أرض أراراط وملـك أسرحدون ابنه عوضاً عنه.» (٢ مل ١٩ : ٣٥-٣٧)
وهكذا مات حزقيا الملك وهو في قمة حزنه على ما أصاب مدينة أُورشليم. لأنه بحسب سجلات سنحاريب نفهم أنه استولى على جميع كنوزها ليس من ذهب وفضة وحسب، بل وأحجار كريمة ومصنوعات خشبية ثمينة، كراسـي وأسرَّة من العاج وخشب الأبنوس، كما أخذ بناته وأولاده عبيداً، واستولى على فرق المغنيات والموسيقيات .
ومات حزقيا ٦٨٧ ق.م، ومات سنحاريب ٦٨١ق.م.
المراجع:
آحاز بن يوثام | تاريخ العهد القديم | منسى بن حزقيا | |
مملكة يهوذا | |||
تاريخ الكنيسة |