منسى بن حزقيا – ملك يهوذا
٦٨٧ -٦٤٢ ق.م
منسى اسم عبري معناه “مَنْ ينسى”
تولَّى الحكم وهو صغير السن :
+ «كان منسى ابن اثنتي عشرة سنة حين ملك.» ( ٢مل ١:٢١ )
ولم يكن لا منسَّى ولا مشيروه أحراراً في اختيار نـوع الحكـم، إذ كانت يهوذا واقعة تحت الجزية للإمبراطورية الأشورية التي كانت قـد اتسعت وامتدت في أيامه حتى بلغت أقصى اتساع .
ولمَّا مات سنحاريب ملكها بيد بعض أبنائه، ملك ابنـه الأصـغر أسرحدون Esarhaddon (٦٨٠-٦٦٩ ق.م ) الذي كـان حاكمـاً عنيفاً أقسى العنف، وقد غزا مصر (٦٧١ ق.م) وبلغ مدينـة منـف عاصمة مصر واحتلها، وهرب من أمامه ترهاكـا فرعـون مـصر Tirhakah واحتل أسرحدون منف وسلب كل كنوزها ولكنه وقـع مريضاً ومات وهو يضرب الحصار على عاصمة مصر، فقام ابنه أشـوربانيبال Ashurbanipal( ٦٦٨-٦٢٧ق .م) وسارع لنجدة جيش أبيـه وأكمـل الحصار، ولكن هرب ترهاكا فرعـون مصر من أمامه نحو الجنـوب ومـات هناك. وأسر ملك أشور أمراء مصر إلى نينوى وترك هناك نخـو Neco أمـير صايس Sais مـع ابنـه بـسماتيك Psammetichus، ولكن الفرعـون خليفة ترهاكا المدعو تـانوت أمـون Tanutamun ظل ثائراً ضد أشور حتى لاحقه الأشوريون سنة (٦٦٣ق.م ) وتعقَّبوه جنوباً حتى مدينة طيبة، واحتلـوا العاصـمة العتيقـة وحطَّموها، وقد جاء ذكر هذا في نبوة ناحوم النبي: « هل أنت أفضل من نوآمون (طيبة) الجالسة بين الأنهار … الـتي هـي حصن البحر» (ناحوم ٨:٣). ولكن الفرعون تانوت أمون ظل يتقهقر حتى النوبة وبه انتهى عصر الأسرة الخامسة والعشرين في مصر!]
والعجيب أنه وجد في سجلات بابل اسم منسى ملك يهوذا مـن ضـمن الأعوان الذين ساعدوا أشوربانيبال ملك أشور في حملته ضد مصر.
كان حكمه أطول فترة فى تاریخ المملكة لأنه حكم ٥٥ سنة بعد أبیه حزقیا.
كان حاكم سیئ مثل آخاب لمملكة إسرائیل مما أدى بالمملكة إلى الحضیض. فعلى مدى قصة منسى سواء في سفر الملوك الثاني أو أخبار الأيام الثـاني نجد منسى الملك من أردأ الملوك الذين قاموا على يهوذا .
وبحسب سفر الملوك الثاني وسجلات أشور علمنا أن منسى بقي عوناً لملك أشور كل أيام ملكه الطويلة جداً (٥٥ سـنة ). وقـد ذكـره أسـرحدون Esarhaddon كواحد بين اثني وعشرين ملكاً يقدمون أدوات لبناء مشاريعه، بينما أشوربانيبال Ashurbanipal يذكره كواحد من الأعوان الذين ساعدوه في غزو مصر.
وبحسب سفر أخبار الأيام الثـاني (٣٣ :٢-٩) واضـح أن منسى أضلَّ شعب يهوذا وأورشليم فعملوا أشر من الأُمم … وكلَّـم الـرب منسى (بواسطة الأنبياء ) فلم يصغوا . فجلب الرب عليهم رؤساء الجند الـذين لملك أشور . وبلغت شكوك لملك أشور عن خيانته فأرسل رؤساء الجند وقبـضوا على منسى وقيدوه بسلاسل من نحاس بخزامة وذهبوا به إلى بابل – ومن ضيقه صرخ إلى الرب وتواضع جداً فأعانه، وصلَّى كثيراً فاسـتجاب لـه ورده إلى أُورشليم مملكته . ولكن لم تسجل هذه الحوادث في سجلات أشور، ولم يعرف على وجه اليقين هل أفرج عنه أو أن التحقيق أثبت أمانته، ولكن من المؤكَّد أنه لم يعد أميناً موالياً لأشور بعد ذلك، محاولاً أن يستعيد حريته .
ولكن جاء في سجل أعماله في سفر الملوك الثاني أنه «عمل الشر في عيني الرب» ( ٢مل ٢:٢١)، وهو اصطلاح يفيد دخول النجاسات في صميم العبادة حسب رجاسات الأُمم : فبنى المرتفعات التي كان قد أبادها حزقيا أبوه، وأقام مذابح للبعل، وعمل سارية كما عمل أخآب ملك إسرائيل، وسجد لكل جند السماء وعبدها، وبنى مذابح الأوثان في بيت الرب وعبر ابنه في النار، وعاف وتفاءل واستخدم جاناً وتوابع وأكثر الشر في عيني الرب لإغاظتـه . وأضـل منسى الشعب بعمل كل ما هو أقبح من الأُمم . وكانت النبوة فظيعـة علـى منسى: «لذلك هكذا قال الرب إله إسرائيل هاأنذا جالب شرا على أُورشليم ويهوذا حتى أن كل من يسمع به تطن أُذناه، وأمد على أُورشليم خيط الـسامرة ومطمار بيت أخآب – (بمعنى أجعل نصيب أُورشليم كنصيب السامرة وبيت منسى كبيت أخآب بالقياس ) – وأمسح أُورشليم كما يمسح واحد الـصحن، يمسحه ويقلبه على وجهه (أي لا يعود يدخله بركة).» ( ٢مل ٢١: ١٢ و١٣).
وكان منسى في كل ذلك يقلِّد ملوك أشور ويجاملهم في عبـادة آلهتـهم، لذلك اقتص منه االله، كما وصف ذلك النبي صفنيا: «ويكون في ذلك الوقت (وقت منسى ) أني أُفتش أُورشليم بالسرج وأُعاقب الرجال الجامـدين علـى مقاعدهم القائلين في قلوبهم إن الرب لا يحسن ولا يسيء، فتكون ثروتهم غنيمة وبيوتهم خراباً، ويبنون بيوتاً ولا يسكنون فيها ويغرسون كروماً ولا يـشربون خمرها» (صف ١: ١٢و١٣). والمصيبة الكبرى أن الشعب لم يكن يحـس ولا يعرف أنه خرج عـن عبـادة يهـوه لأن الملـوك أضـلوهم والأنبيـاء الكذبة جعلوهم يستهينون باالله، والكهنة الأنجاس عابدي الأصنام أدخلـوا في روعهم أن هذه هي آلهتهم التي أخرجتهم من مصر . وهكذا امتد الخطـر إلى صميم عبادة يهوه من أصولها، والتوحيد دخل منطقة الآلهة التي بلا عدد، دون شعور من الشعب .
وبطبيعة الحال فإن العفن الأخلاقي والسلوكي بـين الـشعب والرؤسـاء والمسئولين أسقط هيبة االله من قلوبهم واحتقار ناموسه، ويصف صـفنيا الـنبي العبادة والكهنة والأنبياء بهذا الوصف المريع :
+ «رؤساؤها في وسطها أسود زائرة، قُضاتها ذئاب مساءٍ لا يبقُونَ شيئاً إلى الصباح (أي ينهبون الشعب ولا يعملون حساب الأيـام القادمـة ) أنبياؤها متفاخرون أهل غدر . كهنتها نجسون، نجَّسوا القدس خـالفوا الشريعة.» (صف٣ :٣و ٤) وهكذا أُخرس صوت الأنبياء المتكلِّمين بالحق، وكان كل من يعترض على هذه النجاسات والمخالفات يسفكون دمه «وسفك أيضاً منسى دماً برياً كـثيراً جداً حتى ملأ أُورشليم من الجانب إلى الجانب» ( ٢مل ١٦:٢١). وكان تقرير سفر الملوك أنه لم يقم في كل من جلس على كرسي داود أشر مـن منـسى الملك، حتى أن خطيته لن تغفر ( ٢مل ٢١ :٩-١٥). وظلَّ السفر يرددها من أصحاح لأصحاح: «حسب خطية منسى» ( ٢مل ٣:٢٤)، كذلك رددهـا إرميا من بعد أيام منسى: «وأدفعهم للقلق في كل ممالك الأرض مـن أجـل منسى بن حزقيا ملك يهوذا من أجل ما صنع في أُورشليم.» (إر ٤:١٥). علماً بأن إرميا جاء بعد منسى بما يقرب من ٩٠ سنة.
المراجع:
حزقيا بن آحاز | تاريخ العهد القديم | أمون بن منسى | |
مملكة يهوذا | |||
تاريخ الكنيسة |