من أنا؟ جبل أم ورقة شجر؟

 

أنت مميز بالمسيح يسوع الذي فيك .. ويجب أن تعرف أن كل من يسلك بتعاليم السيد المسيح ، ويكون على شكله يبغضه العالم لأنه لا يشبهه ، وهذه الحقيقة أعلنها لنا السيد المسيح حين قال :
– “ان كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم ” ( يو ۱۸:۱۵ ) . “لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته . ولكن لأنكم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم ” ( يو ۱۹:۱۵ ) .

يُحسب المؤمنون أنهم ليسوا من العالم، ليس لأنهم من طبيعة تختلف عن طبيعة البشر ، وإنما لأنهم قبلوا دعوة الله لهم ، وصاروا مختارين منه . فحياة المسيحي الحقيقي تدين العالم الشرير في صمت ، لذا لا يجدن العالم الشرير له طريقاً سوى الانتقام ممن لا يشاركه أسلوبه ، ولهذا يبغضهم العالم.

إذن عليك أن تدرك أن سر رفض العالم لأبناء الله هو أنهم مختلفون .. فكيف ترضى أن تكون متشبها بأبناء العالم ؟؟ وأنت ابن الملك العظيم ؟!

هل بسبب رفض العالم لأولاد الله ، لأنهم مختلفين عنه ، علينا أن ننسحب من العالم ؟!

– شخص صادق وسط عالم مخادع .
– شخص عفيف وسط جو من الإباحية

قد يكون هذا سبب قوى للانسحاب والتقوقع بدعوى عدم التوافق والانسجام ، ولكن ربنا يسوع طلب من الآب لأجل أن نكون موجودين وألا يأخذنا من العالم بل أن يحفظنا من الشرير . فابن الله قد يكون مرفوض لأنه مختلف، ولكنه رغم ذلك موجود .. فالرفض والاختلاف ليس مبرراً للانسحاب ، ولكن يجب أن تظل موجودا .. لماذا ؟

 الله الذي خلقك وصنع كل شئ لتتمتع بمحبته لك ، ألا يستحق منك أن تعيش على شبهه ومثاله كما خُلقت ؟

ما المطلوب إذن خلال فترة وجودنا في العالم :
1- نكمل العمل الذي خلقنا من أجله ( أف ۱۰:۲ ) .
۲- نكون نوراً للعالم وملحاً للأرض ، لأننا رائحة المسيح الزكية ، لذلك يجب أن نحيا في العالم .

لا يجب أن تنجرف خلق كل ما هو جديد في العالم ، بل أن تتعايش وتواكب التغيرات والتطورات ، مستخدماً ما يليق بك كابن غالٍ للمسيح ، ولذلك يجب أن تدرك خطورة التبعية الفكرية ، أو ما يسمى بالانقياد.

احذر .. وتبني

١- احذر خطورة الانقياد :

في سفر التثية أعطى موسى النبي وصايا لشعب بنی إسرئيل قبل دخولهم أرض الميعاد ، فأوصاهم قائلا : ” يجعلك الرب رأساً لا ذنباً” ( تث ۱۳:۲۸ ) . لتدرك الفرق بين أن يكون الإنسان رأساً أو دنباً، بمعنى أن لا تكون منقاداً لآخرين . فالانقياد يعبر عن ضعف الشخصية ، وعدم الرؤية ، وانعدام الهدف ، احذر أن يكون شعارك : ” عادی .. كل الناس بتعمل كده” .. إلى آخر هذه الشعارات السلبية الضارة ، فإذا كنت مثل الأغلبية فقد قررت أن تكون ذنباً لا رأسا ًعكس وصية الكتاب !

2- تبني ثقافة الانتقاء Select and Reject : هناك أمور قد تكون مفروضة علينا وليس أمامنا سبيل لتغييرها، ولكنها كأمور أخرى كثيرة يمكنك التحكم فيها : ( أن تنتقي ملابسك – أصدقائك – أسلوب كلامك – هدفك في الحياة – الوسط الذي تتواجد فيه .. إلخ ) .

هل تجيد ثقافة الانتقاء أمر ثقافة التقليد؟ ، احذر من ثقافة التقليد لأنك بها تفقد تميزك ، وتصبح مجرد فرد في قطيع ، وأينما سار القطيع فانك تتبعه وتسير وراءه فاقداً بذلك اختلافك الذي هو سر تميزك .

– إذا دخلت على النت بدون ثقافة الانتقاء قد تخطئ الاختيار .
– إذا لم تحدد هدف واتجاه معين لحياتك ، إذن قد نسير في أي اتجاه خطئ ، وقد لا تصل لما تريده صالحاً لحياتك .

هناك أمور كثيرة في حياتنا تحتاج أن ترفضها ، وأخرى تحتاج أن تتبناها .

٣- كيف أنتقي Select and Reject ؟

ما هي المفاتيح التي قد تساعدك على الانتقاء الجيد ؟
هناك 3 مفاتيح يمكنك الاستعانة بها  لتعرف كيف تنتقى ..
 يا صديقي الحبيب السر يكمن في أن تعرف من أنت ؟ ولمن ؟ وإلى أين تذهب ؟

سأترك الله يتحدث إليك فانصت جيدا :

+ “أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا.” ( يو 5:15).
+ ” أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟” (1كو19:6). 
+” وَلَقَدْ صَبَرَ إِخْوَتُنَا عَلَى أَلَمِ سَاعَةٍ، ثُمَّ فَازُوا بِحَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ، وَهُمْ فِي عَهْدِ اللهِ،” (2مك 36:7).
+”خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. 28وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. ” ( یو 10: 27-28) .
+ “مملكتي ليست من هذا العالم” ( يو 36:18).
+ “ليس كل من يقول لي : يارب ، یا رب ! يدخل ملكوت السماوات . بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات ” ( مت7: 21 ) .
+” لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته ، ولكن لأنكم لستم من العالم ، بل أنا اخترتكم من العالم ، لذلك يبغضكم العالم ” ( يو 19:15).

لا تقرأ كلمات الله المرسلة إليك بدون فهم ، بل اقرأها بتمعن ، واعلم أنها رسالة إليك لتعرف من أنت .. وبعد أن عرفت أنك مميز ، وكيف تكون جبلاً وثابتاً في المسيح ، وأن كل الأشياء تحل ، ولكن ليست كل الأشياء تليق أو توافق أو تبني، فكيف تحقق ذلك في حياتك ؟

يجب أن تكون شخصاً صاحب مبدأ : قد تكون إنساناً طموحاً ومجتهداً، وهدفك أن تصل إلى أعلى الرتب الوظيفية ، وقد تضحي بأشياء كثيرة في سبيل هذا الهدف ، ويكون زميلك يحمل نفس الكم من النشاط والاجتهاد والطموح ، وبلاشك يحمل نفس الهدف ، فكلاكما يرغب بالوصول إلى أعلى القمة في الهرم الوظيفي ، ولكن لكي تكون أنت ذا مبدأ وهو أنك في طريقك إلى هدفك ، لن تدوس على الآخرين ولن تتسبب في ضرر زميل أو إنسان آخر ، من أجل الوصول سريعا إلى هدفك، بينما زميلك صاحب الهدف المشترك يفتقد لهذا المبدأ،  فتجده يضحي بالكثيرين القريب والبعيد ، ويدوس على رؤوس الجميع بلا رحمة ولا هوادة ، في سبيل الوصول إلى هدفه المنشود ، وقد تكون أنت ممن سوف يضحي بهم لكي يزيحك من طريقه ، ويبقى هو منفردا في الساحة بدون منافس ..

روشتة في 3 خطوات لتكون صاحب مبدأ :

1- تعرف على ما عندك : هذه المعرفة لن تأتي من فراغ .. بل بعلاقة قوية ومستمرة مع الله، وأيضا برضى وتصالح مع النفس وقبولها ومعرفتها جيدا ، ومعرفة كيفية توظيف مواهبك وإمكانياتك.

كن على دراية بما لديك من تراث وعقيدة وتاريخ الكنيسة و آبائها ، وتعرف على طقس كنيستك وقيسيها وشهدائها ، وبمفردات الإيمان وطريق الجهاد القانوني ، كن أيضا على معرفة بنفسك ، وثقة بما أعطاك الله من مواهب ووزنات ، لكي تعرف كيف تستغلها لمجد اسم المسيح .. إذا عرفت ماعندك .. يمكنك أولا أن تستغله وتستخدمه لمجد المسيح و الكنيسة ، كما يمكنك أن تحافظ عليه ، وإلا فكيف يمكنك أن تحافظ على ما لست على معرفة أو دراية به .

۲- تمسك بما عندك : كن أمينا في طاعة وصايا الله في حياتك ، وهي سوف تساعدك في تكوين مبادئ لحياتك ، تمسك بالوصية وتمسك بما تسلمته من تعاليم ، وتمسك بوصايا المسيح ، فعندما تتمسك به يتمسك هو بك أكثر مما تتخيل ، ويجعلك تقف على أرض صلبة وقوية ، لتكون صاحب مبدأ هام في الحياة ، وهو التمسك بما تسلمته من الكنيسة والآباء والكتاب ، فإن كان لديك طاعة لوصايا الله سيكون عندك مبادئ في حياتك .

تذكر معي الفتية الثلاثة ودانيال النبي ، وأثناسيوس الرسولی ، والبابا ديسقوروس ، وغيرهم .. وكيف نثبتوا على ما تسلموه ..
باختصار .. الأمانة في تنفيذ وصايا الله والتعايش بها يجعلك صاحب مبادئ قوية وثابتة .

٣- حافظ على ما عندك : “كن أمينا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة” ( رؤ ۱۰:۲). عندما تعرف ما عندك وتقدر مدى أهميته لحياتك ولأبديتك ، يمكنك وقتها أن تتمسك به ، وهذا التمسك يقودك إلى الحفاظ عليه ، كمن يحافظ على حياته . وسوف تجد في التاريخ الكنسي من سير القديسين أنهم لم يثنيهم أي عذاب مهما كان ، عن التمسك بايمانهم ويمسيحهم وعقائدهم ومبادنهم.

نتعلم من سيرة القديس يعقوب المقطع .. أن العذاب الأليم المستمر لم يثنه عن التمسك بمسيحه ، كذلك القديس ديسقوروس الذي كابد مشقات كثيرة لأجل الإيمان، كما اختارت عفيفات كثيرات الموت عوضاً عن التفريط في عفتهن ، ومارس الرهبان المجاهدين في الصحارى إماتات كثيرة، وصبروا على الحروب والجوع والعطش والغربة  من أجل عظم محبتهم في الملك المسيح ، كذلك الفتية الثلاثة رفضوا السجود  للصنم حتى ألقوهم في النار ، ولم يغيروا مبدأهم ، ودانيال النبي أيضا أبي أن يتنجس بأطعمة الملك حتى و إن ألقي في جب الأسود، وقد ألقى و الأسود لم تضره بأذى.

نحن أيضا علينا الالتزام بمبادئنا ، فنتمسك بالصوم مهما كانت الإغراءات أو الضغوط وترفض الخمر في الحفلات والأعياد والمناسبات الخاصة ، مهما أتهمنا بالتخلف ومهما سخروا منا .. مثلما يتساءل البعض : هل من مانع من التردد على الكنائس الأخرى؟ أو تجرية كل جديد؟ أو ارتياد بعض الأماكن ؟ .. ويأتي الرد دائماً: بضرورة التمسك بالمبادئ ، وأن تكون هناك هوية وانتماء ، ولا نعرج بين الفرقتين . لأن الإنسان المتعرج بين أكثر من مبدأ ، هو إنسان بلا هوية ، ويربط مبادئه حسب المصالح والمكاسب ، فهو إنسان لا يعرف أن يحافظ على ما عنده ، لأن له أولويات أخرى هي التي تحكم مبادئه .

أخيرا .. كل شئ خاضع للتطوير والتحديث ، ولكن السؤال الآن : هل المبادئ أيضا تتطور !!

هل تملك الجرأة والحكمة في التوفيق بين مبادئك بحيث لا يطغی أحدها على الآخر ؟ هل يمكن تحت ظرف معين أو تیار جديد أن تتخلى عن مبادئك من أجل مبدأ أخر أقوى أو أحدث ؟؟ ! تذكر أن صاحب المبدأ يعرف معنى السعادة الحقيقية المفقودة لدى الكثيرين الذين لا مبدأ لهم ..

في النهاية . جميل أن يتفرد الإنسان عن غيره .. جميل أن يكون ثابتا على مبادئه ، ولا يتخلى عنها مهما كان السبب أو النتيجة .. جميل أن لا ينجرف في تيارات المجاملات والنفاق والمصالح المؤقتة التي تحوله إلى كائن متلون ، يعيش تحت الظروف  وليس فوقها فكن صاحب مبدأ حتى يمكنك أو تتمكن من اتخاذ قرارك بنفسك ، وتذكر الوعد الإلهي : “كن أمينا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة” ( رؤ۱۰:۲) .

ربما يتساءل البعض : من أين للإنسان أن يستمد هذه القوة للثبات على مبادئه ؟ ! . او الجواب بسيط للغاية فإن هذه القوة لا يمكن الحصول عليها إلا من صاحبها .. وهو رب المجد يسوع المسيح

إن التطور المطلوب هو أن تتقوى داخلياً، وتؤمن بإلهك وبكنيستك ، وبعطايا الله لك ، ولا يهتز إيمانك أبدا، بل مع كل تجربة وضيقة تضيف قوة جديدة ، وتقوی بنیان نفسك ومبادئك ، وتتمسك بايمانك وعقيدتك وكنيستك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى