هيلاريون الراهب

ابنتا الأمبراطور زينون

وكان للامبراطور زينون ابنتان : اختفت احداهما فجأة ولم يستطع أحد أن يعثر عليها برغم البحث المتواصل الذي قام به رجاله . وحقيقة الأمر أنها كانت قد تخفت في زي الرجال وركبت مركبا إلى الإسكندرية . ومن هناك قصدت إلى برية شيهيت حيث قادتها العناية الإلهية إلى ناسك شیخ وقور اسمه الأنبا بيموا اعترفت له بحقيقة أمرها . فحفظ سرها وأرشدها إلى مغارة وسط الصحراء عاشت فيها اثنتي عشرة سنة لا يعرف أحد عنها غير الناسك بيموا الذي كان يفتقدها من حين إلى حين . ثم اعتادت بعد ذلك أن تحضر الصلوات مع الرهبان . ولما لم تنبت لها لحية ولا شارب توهموا أنها خصي وكانوا يدعونها هيلاريون الخصي، . أما البنت الثانية للامبراطور نقد انتابها مرض حار في علاجه الأطباء . وكان صيت الآباء المصريين قد ذاع في الآفق ، فرأی زينون أن خير سبيل لشفائها هو أن يرسلها إلى هولاء الآباء . وما أن انتهى إلى هذا الرأي حتى هيأ لابنته مركباً ملكياً معداً بكل ما تحتاج إليه الأميرة ، وأرسل معها عدداً من الحرس والخدم وقد حملها خطاباً إلى الآباء قال لهم فيه : لقد رزقني الله تعالى ابنتين : ضاعت احداهما مني فلست أدري ما أصابها ولا ما مصيرها. بينما أصيبت الثانية بمرض عضال . فأرجوا أن تتكرموا بالصلاة عليها ليسمع الله لكم ويشفيها بشفاعتكم، . فلما وصلت الأميرة إلى شيهيت أخذ النساك يصلون لأجلها بحرارة عدة أيام . غير أن صلواتهم لم تأت بالفائدة المرجوة . وعند ذاك نادوا على الراهب هيلاريون وسلموا له الأميرة ليضرع من أجلها. وبالطبع عرف ، هيلاريون ، شقيقته على الفور بينما هي لم تعرفه. فأخذها إلى مغارته وركع إلى جانب السرير الذي أرقدها عليه وأخذ يصلي بحرارة ولوع ثم قبلها في حنان . فلم تلبث الأميرة أن قامت معافاة منشرحة الصدر . فاستصحبها، هيلاريون ، إلى النساك قائلا : إن الأميرة قد برئت بصلواتكم ، . فلما عادت إلى القسطنطينية في صحة وعافية فرح بهاأبواها فرحة عظيمة واستفسروا منها عما حدث فسردت لهم كل ما جرى من أمر الراهب هيلاريون . وعندها أرسل الامبراطور زينون في طلب هذا الراهب . فلما مثل بين يديه استحلفه هو والامبراطورة على الانجيل أن يدعاه يعود إلى شيهيت في أمان إن هو اعترف لهما بسره فلما أمنه الامبراطور وزوجته كشف لهما عن شخصيته . ففرح كلاهما إذ عرفا أن ابنتهما قد بلغت هذه الدرجة من القداسة بعد أن ظناها ماتت . فأقاما الزينات حتى بدت القسطنطينية في زينة الأفراح عدة أيام ، عادت بعدها الأميرة آيلاريا ( الراهب هيلاريون) إلى شيهيت حيث قضت بقية حياتها.

ولقد أراد الامبراطور زينون أن يعبر عن اعترافه بفضل الآباء الذين كرسوا حياتهم لله ، فأصدر أمره بترميم جميع كنائس الأديرة الموجودة في تلك البرية حتى منطقة مريوط (المتاخمة للاسكندرية) . كذلك أمر بأن يصرف لآباء البراري المصرية سنويا كل ما يحتاجون إليه من قمح وزيت . وقد ظلت هذه الأوامر نافذة المفعول طيلة حياة الامبراطور زينون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى