القديس شنودة
ولد هذا الانبا ببلدة شندويل من ابوين مثريين كانا يمتلكان قطعانا كثيرة من الأغنام وكان شنوده يرافق الرعاة الى المراعي ونبتت في قلبه وهو في سن الحداثة بذور التقوى فكان يصرف وقته في الحقل في الصلاة والعبادة والصوم و يترك طعامه للرعاة ولما أخبر الرعاة والده بذلك أخذه الى دير بالصحراء قرب سوهاج كان الرئيس فيه الانبا بیجول وطلب منه أن يضع يده عليه ليبارکه فقال له الانبا بيجول « باركني انت لانك ستصير ابا الجماعة كثيرة
ونشأ شنوده نشأة صالحة وأعتنی خاله بتربيته تربية حسنة ومن معاشرته للرهبان الأتقياء اقتبس عنهم كل الفضائل وفاقهم في الزهد وصار راهبا صالحا استحق أن يتقلد رئاسة الرهبان بعد خاله فجعل يشتغل بهمة عالية فنظم ادارة الدير و وسع نطاقه و بلغ عدد الرهبان في عهده ۲۰۰ بالدير الابيض و ۱۸۰۰ بالدير الأحمر واکسبه جهاده الحسن نفوذا ساميا ليس على الرهبان فقط بل على جميع البلاد المجاورة لذلك الدير وكان يأتي اليه أكابر الامة ليستشيروه في أمورهم المهمة فكان يكشف لهم ما خفي من اسرارهم حتى اعتبروه كأحد الأنبياء العظام الذين يخاطبون الله رأسا.
وحدث مرة أن قائدا كان سائرا للقتال فمر في طريقه على دير الأنبا شنوده ليأخذ رأيه في الحرب وكان الانبا شنوده قد اعتزل في مكان بعيد للعبادة واوصى الرهبان بمنع كل زائر يقطع عليه اختلائه .. فلما جاء القائد أخبره الرهبان بالامر ولكنه صمم على ان لا الدير الا إذا قابله وضرب بعساکره حول الدير واستمر الرهبان يقدمون الطعام للجنود حتی ملوا فاوفدوا للانبا شنوده كاتبًا كان له دالة عليه ليدعوه للقائد و ينقذهم من هذه النفقات . فلما علم الانبا شنوده بالامر قام لمقابلة القائد وقضی معه وقتا ثم طلب منه القائد ان يهبه احدى حياصاته ( أحزمته ) ليتمنطق بها وقت الحرب فأعطاه احداها . قيل انه لما حمي وطيس الحرب لبس ذلك القائد الحياصة فهزم أعداءه هزيمة تامة.
وكان الانبا شنوده شديد الغيرة على الديانة المسيحية فذات يوم أتاه بعض الكرامين الأقباط طالبين منه ان ينصفهم من سيدهم الوثني الذي لم يدفع لهم أجورهم بحجة أن الكروم لم تثمر جيدًا. فسار الانبا شنوده الى ذلك الوثنی برهط من رهبانه والزمه بدفع حقوق المسيحيين فدفعها مكرهاً وحدث أيضا أن رجلاً يدعی بطرس جاءه طالبا برکته فوبخه توبیخا شديدا لانه كان متزوجا بابنة اخته. فقال له الرجل أن للفتاة ارثا لم يرد أن يزوجها لاجنبی خوفا عليه . فعنفه القديس شنوده وقال له « ألم تقرأ ما ورد في الانجيل » « ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه » ؟ فلما سمع الرجل ذلك بکی وطلب من الأب أن يرشده إلى طريق الخلاص فأرشده وقام الرجل واحضر ٥٠٠ قطعة من الذهب وقدمها للقديس ليوزعها على الفقراء تكفيرا عن خطيئته . فأبی الانبا شنوده أن يمسكها بيده وأمره أن يبحث عن شخص امين ينفذ له غرضه . فسار الرجل حتى وصل الى انبا بولس رئیس دیر بوش وسلمه المبلغ وعاد الى امرأته وكشف لها ما جرى ثم وهبها املاکها وأملاکه وطلقها ورجع الى دير الأنبا شنوده وقضى بقية حياته راهبًا.
ولما تولى البابا كيرلس الأول الكرسي البطريرك رأي في الانبا شنوده رجلا فصيحا غيورا على كنيسته القبطية وتعاليمها الأرثوذكسية فكان يهتدى برأيه في كثير من المسائل العويصة .
وفي سنة 431 م استصحبه البابا كيرلس هو والقديس بقطر السوهاجي الى مجمع أفسس المسكونی الثالث فاظهر الانبا شنوده كفاءة علمية كبرى في دحص بدعة نسطور. وقيل ان انبا شنوده دخل مرة الغرفة التي كان الأساقفة يتحاورون فيها وكان في وسطها کرسی وضع عليه الانجيل المقدس . فجاء نسطور و رفع الانجيل عن الكرسي وجلس عليه . فاحتدم الانبا شنوده غيظا من هذا التصرف المعيب وتقدم إلى نسطور وصفعه على وجهه قائلا « لماذا تحب ان تكرم نفسك أكثر من كتاب الله ؟ » فسأل نسطور عنه فقيل له انه احد رهبان مصر فاحتج هو وأنصاره على السماح لراهب بالدخول في مجمع الاساقفة ثم سأل القديس قاصداً الاستهزاء به من أنت ؟ فاجابه الانبا شنوده بقوة عارضته قائلا « ألا تعلم من انا . انا رجل أرسله الله ليزيح النقاب عن شرورك و يطلب لك القصاص على خطاياك وغرورك » فحالما سمع نسطور هذه الكلمات خر على الأرض کمن اصابه صرع . قيل أن البابا كيرلس في تلك الآونة رقي الانبا شنوده الى الدرجة الكهنوتية التي تخول له الحضور في مجمع الاساقفة .
وبعد انتهاء المجمع عاد الأنبا شنوده الى رهبانه . وفيما بعد اذ علم ان هناك من يحاولون العبث بالتعليم « بطبيعة المسيح الواحدة المتجسدة » ذلك التعليم الارثوذكسي الذي اجمعت عليه الكنيسة منذ تأسيسها وثب وثبة الأسد و باشتراكه مع القديس ديوسقوروس البابا الإسكندری حارب أولئك المعتدين وكان يقضي عليهم وعلى ما يحجاون لو لم تحل دون ذلك منيته حيث رقد بالرب في ٧ ابيب سنة ١٦٨ ش.
وللانبا شنوده مواعظ بليغة ومؤلفات نفسية وضعها باللغة القبطية و بقيت محفوظة بالدير الأبيض حتى عثر على بعضها المستر ماسبرو وعلى البعض الآخر المستر زويا فالمسيو ميلينو الذي نشرها بالفرنسية سنة ۱۸۸۹ م.
تأسيس كنيسة الحبشة |
القرن الخامس | العصر الذهبي | |
مشاهير وقديسين الكنيسة | |||
تاريخ الكنيسة القبطية |