القس منسى يوحنا


من يتأمل حياة هذا الكاهن سيتفهم بأن الحياة في عمقها وحقيقتها لا تقاس بمرور الأيام. لأنه لم يعش على هذه الأرض غير احدى وثلاثين سنة.
لقد ولد من أبوين تقين في أوغسطس سنة ۱۸۹۹ في قرية اسمها هور قرب ملوي. وبدأ دراسته في كتاب القرية ثم انتقل إلى المدرسة الابتدائية على أنه لم يكن يكتفي بما يتعلمه في المدرسة بل دأب على الدرس والمطالعة حتى في هذا السن المبكر ولرغبته الملحة في اكتساب العلوم بسرعة ترك قريته وذهب إلى القاهرة في بداية السنة الدراسية من عام 1915م ليلتحق بالاكليركية، كأنما استشفت روحه في أعماقها بقصر عمره وفي باديء الأمر رفض يوسف منقريوس ( ناظر هذه المدرسة ) قبوله لصغر سنه . ولكن لإلحاحه وبكونه من سلالة كهنوتية لأبويه أدخله المدرسة ولم يلبث أن أنشرح قلبه لهذا الطالب الصغير السن، الكبير الذهن، المتفتح البصيرة.

وبعد خمس سنوات نال يوحنا الشهادة – وكانت رئاسة المدرسة آنذاك قد آلت الى حبيب جرجس. وفي السنة الأخيرة من دراسته وقرب انتهائها دُعى للوعظ في الكاتدرائية المرقسية ( بالأزبكية )، فأصغي إليه الجميع في إعجاب وأستحسان لتناسق اسلوبه ولتوجيهاته التعليمية رغم صغر سنه.
 وكان قد رُسم قبل التحاقه بالاكليريكية ، فلما تخرج عاد الى قريته . إلا أن الأنبا توماس عينه واعظاً بكنيسة السيدة العذراء بملوى حيث عرف أن يتاجر بوزناته ويربح . وأخذ يتسلق درجات المنبر في إيمان وجرأة وإقدام ، ولقوة محبته ولحماسه كان الناس يتهافتون عليه لسماعه حتى أولئك الذين تنكروا لأرثوذكسيتهم : من ملوى ومن جميع القرى المجاورة. وخلال خدمته
الشماسية وضع کتاب تاريخ الكنيسة القبطية ، وهو كتاب ضخم مليء بالمعلومات يقع في ۷۲۸ صفحة من القطع المتوسط. وقد تم طبع هذا الكتاب لأول مرة بمطبعة اليقظة بالفجالة سنة 1924م.

وتزايد إعجاب سامعيه به وأحبوه فتقدموا إلى الأنبا توماس بتزكيته للكهنوت ، وإستجابه لرغبتهم رسمه قساً في 20 يناير سنة 1924م، فخدم بهذه الصفة خدمة مضاعفة الى ۱۷ مایو سنة ۱۹۳۰ حين رقد على رجاء القيامة فيكون – والحالة هذه – لم يقض في الكهنوت غير مايقرب من خمس سنوات إلا أن النعمة الالهية ساندته إلى حد أنه أصدر خلال هذه الفترة الوجيزة الكتب التالية ( غير كتاب التاريخ ):

  1.  حل مشاكل الكتاب المقدس.
  2. القول الأنفس
  3.  كمال البرهان على حقيقة الايمان للأنبا أثناسيوس الرسولی.
  4.  القديس يوحنا فم الذهب أو خطيب المدينتين.
  5. الدليل الصحيح على تأثير دين المسيح.
  6. حياة أدم.
  7. طريق السماء.
  8.  يسوعالمصلوب.
  9.  النور الباهر في الدليل إلى الكتاب الطاهر.
  10. قارورة طيب كثير الثمن. 
  11. شمس البر.
  12. تاريخ انتشار الديانة المسيحية.
  13. رد على انتقاد الأب لويس شیخو لكتاب تاريخ الكنيسة .

فيكون قد ترك للأجيال المتعاقبة ثلاثة عشر كتاباً عن الروحيات . وبالإضافة فقد أصدر مجلة شهرية بعنوان : الفردوس ، ظهر أول عدد منها في 4 أبريل سنة 1926م ، عاشت مدى حياته القصيرة ولفظت آخر أنفاسها ساعة أن انتقل هو من هذا العالم – فهي لم تعش غير أربع سنوات . إذن فحياتنا محسوبة بإنجازاتها وبما يشعه صاحبها من محبة وإيمان ورجاء.

+++

من كتاب قصة الكنيسة القبطية ج5 – إيريس حبيب المصري

زر الذهاب إلى الأعلى