يا سمعان بن يونا أتحبني؟
“يا سمعان بن يونا أتحبني ؟” ( يو21: 17)
من أنت يا سيد الذي تطلب محبة أولادك وتلاميذك! لم نسمع بهذا قط ، لم يقلها فيلسوف ولا ملك ولا عظيم قط ، فمن أنت يا سيدي الذي تطلب حبنا وودنا ؟ أأنت الإله ابن الإله ؟ أأنت عظيم السموات والأرض؟ أأنت ملك الدهور وسيد الكون كله ؟ من أنت يا سيدي ، لأني احترت جداً، أتطلب حب إنسان وأنت خالق البشرية كلها ، وكلها تدين بعبوديتها لك ، ثم هل تطلب ودَّ من خانك وأقسم بين الخادمات أنه لا يعرفك ؟ ولما ضيَّقوا على كذبه أخذ يحلف ويشتم ؟ لو كان سؤالك هذا قبل الصليب لما اندهشنا، ولكن بعد أن قمت ودُفع ليدك كل ما في السموات والأرض ! أنت الذي تخدمك الملائكة تطلب ودَّ عبيدك ؟!
يا لتعطفاتك الجزيلة على ضعفنا وهواننا! أيها القارئ العزيز ، أنظر أنت ما أنت ، أكاذب أم سارق أو حالف بالباطل ، أم ضارب أم شاتم أم مخاصم بلا سبب ، انظر ولا تخف ولا ترتاب أبداً فهو يطلب حبك!!!
أيها القارئ العزيز ، هل خُنت الرب؟ هل أقسمت به كذباً؟ هل كفرت به وطلبت ود الشيطان ؟ هل نسيت كل مواعيده وأهملت إنجيله ؟ اطمئن جداً فهو لا يزال يطلب ودَّك ، فهو طلب حبَّ بطرس بعد أن خانه أمام جارية !!!
يا سيدي أنا متحير في حبك ، هل هو حب إنسان لإنسان ؟ أم هو إله تعالى فوق السماوات . هل تريد حب بطرس ولا تحبني ؟ أنا خنتك كخيانة بطرس ، فهل تحبس حبك .
الرب حين يطرح السؤال لا يريد من بطرس الجواب ؛ ولكنه ينبه بطرس إلى فقدان المحبة من الإيمان ، هذا العنصر الهام جداً في علاقتنا بالرب ، والرب لا يزال يطرح هذا السؤال لكل واحد منا ، فالإيمان بالرب شيء وحب الرب شيء آخر ، الأول يربطنا بالرب فكرياً، والثاني يربطنا به روحياً وقلبياً.
وعلاقة الحب بالنسبة للرب تعني عبادة صادقة جداً ، وإتباع الرب من كل القلب . لذلك لا يستطيع أحد أن يتبع الرب يسوع من كل قلبه ، إلا إذا ارتبط بالرب برباط المحبة التي تكون علامتها ظاهرة جدا في اتباع الرب على درب الصليب . لذلك لما أكد بطرس حبه للرب ثلاث مرات ، قال له الرب : “اتبعني” ( يو۱۹:۲۱).
المحبة ، التي يطلبها الرب منا ليست هي التي نعرفها بعواطفنا البشرية ، فمحبة العاطفة شيء ومحبة الرب بالروح شيء آخر . لقد ظن سمعان بطرس في شجاعته الكاذبة وحبه العاطفي غير الإلهي أن بمقدوره أن يموت عن الرب فلما دخل هذا الحب البشري الامتحان ، انتهى إلى إنكار بل إلى لعن وتجديف وهروب …
ولكن لما تقبَّل بطرس هبة الحب الإلهي من الرب القائم ، ومن خلالها أدرك بيقين الإيمان أن وراء الموت قيامة ومجداً أبدياً ، استطاع قديسنا بطرس أن يموت على أمانة الشهادة للمسيح ويموت حباً، مصلوبا ومنكساً بملء اختياره.
نتعلم من هذا أن الحرية في الروحيات قبل نضوج الإيمان والحب تؤدي حتماً إلى الابتعاد عن الله ؛ ولكن حينما يبلغ الإيمان مستوى حرية أولاد الله بالحب ، حينئذ ينقاد بروح الله ويكون مستعداً لكل صليب.
الذي أعاد بطرس إلى الإيمان ، ليس رجاء بطرس بقدر ما هو عدم يأس المسيح وإصراره على مؤازرة بطرس حتى لا يفنى إيمانه . والذي أبكي بطرس ليس هو جحوده ، بل نظرة إشفاق المسيح وحبه الذي لم يفن بجحود بطرس.
يا إخوة ، إن الكلام هو لنا ، فهي مجرد أيام قليلة طالت أو قصرت ، ولكنها منذ الآن مقصَّرة . فالمسيح يأتي سريعا بمجده ومجد أبيه ، ينظر إلينا في عيوننا في أعماقنا ، لا ليعاتب فيما بعد بل ليدين ويحكم على الأرض كلها بالعدل . حيث لا يعود لظهوره مجال لشك أو إنكار ، بل بكاء ونحيب على إنكار وخيانة وحظ مفقود .
بطرس بكي في وقت ينفع فيه البكاء ، وندم في زمان ينفع فيه الندم ، وعاد إلى الرب ، فعاد الرب إليه وأحبه وشجعه وحياه “وأنت متي رجعت ثبت إخوتك” ( لو ۲۲ : ۳۲ ) . ولكن إذا فات الوقت فبماذا ينفع البكاء ، وإذا عبر الزمان فما قيمة الندم ؟
الآن هو الوقت المقبول واليوم هو يوم خلاص ، فلنأت إليه ونعترف بخطيئتنا لينبت لنا عوض الشك يقين ، وعوض الإنكار اعتراف ، وعوض الجحود شهادة علنية ، لأن المسيح لا يزال يشفع في ضعفنا حتى لا يفنى إيماننا .
وهكذا يقدم لنا الإنجيل في عتاب المسيح لبطرس درساً إيمانياً حتى نتيقن أن كل حركة إيمانية بل كل كلمة نقولها الآن على المسيح هي محسوبة علينا بدقة وسوف نعطي عنها حساباً خطيراً عند ظهور الرب للدينونة ، حينما تنكشف الأعمال ونحاسب على كل ما زلف منا من قول أو عمل.
من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين