تفسير سفر إرميا ٢٢ للقمص أنطونيوس فكري

الآيات 1-9:- هكذا قال الرب انزل إلى بيت ملك يهوذا وتكلم هناك بهذه الكلمة. وقل اسمع كلمة الرب يا ملك يهوذا الجالس على كرسي داود أنت وعبيدك و شعبك الداخلين في هذه الابواب. هكذا قال الرب اجروا حقا وعدلا وانقذوا المغصوب من يد الظالم والغريب واليتيم والارملة لا تضطهدوا ولا تظلموا ولا تسفكوا دما زكيا في هذا الموضع. لانكم أن فعلتم هذا الأمر يدخل في ابواب هذا البيت ملوك جالسون لداود على كرسيه راكبين في مركبات وعلى خيل هو وعبيده و شعبه. وأن لم تسمعوا لهذه الكلمات فقد اقسمت بنفسي يقول الرب أن هذا البيت يكون خرابا. لأنه هكذا قال الرب عن بيت ملك يهوذا جلعاد أنت لي راس من لبنان أني اجعلك برية مدنا غير مسكونة. واقدس عليك مهلكين كل واحد والاته فيقطعون خيار ارزك ويلقونه في النار. ويعبر امم كثيرة في هذه المدينة ويقولون الواحد لصاحبه لماذا فعل الرب مثل هذا لهذه المدينة العظيمة. فيقولون من أجل أنهم تركوا عهد الرب الههم وسجدوا لالهة أخرى وعبدوها.

رسالة للعائلة المالكة (إنزل إلى بيت ملك يهوذا = فهو بخطيته صار في أسفل موضع) غالبًا أيام يهوياقيم. والنزول قد يشير ليهوأحاز الأسير في مصر.

آية (2) أنت وعبيدك وشعبك = إذًا فخطية الظلم والاغتصاب كانت عامة. ولو تاب الملك وحكم بالعدل لخاف الجميع وتابوا. وفي (4) العدل يعطى للمملكة ازدهارًا عكس (5) الخطية سبب الخراب. وفي (6) جلعاد أنت لي. رأس من لبنان = يشبه الملك بجلعاد أي الجبل العالي. ورأس من لبنان فجبال لبنان عالية. هكذا كرم الله ملوك شعبه إسرائيل،فهم ثابتين كالجبل رؤوسهم مرتفعة (داود وسليمان) ثم أنظر عمل الخطية. إنى أجعلك برية = أي خرابًا وهذا الخراب سيتم عن طريق أدوات أعدها وأفرزها وأخصصها لذلك = أقدسها (7) فأنا الذي حددتهم لهذه الخدمة فيقطعون خيار أرزك = أليس الملك رأس من لبنان وجبال لبنان تتميز بشجر الأرز الذي هو بهاء لبنان. فهذا العدو سيقطع أرزك أي رؤسائك وملوكك الشامخين كالأرز الذي بعد أن يقطع سيلقى أيضًا في النار. وسبب كل هذا خيانة العهد (9،8).

 

الآيات 10-19:- لا تبكوا ميتا ولا تندبوه ابكوا ابكوا من يمضي لأنه لا يرجع بعد فيرى ارض ميلاده. لأنه هكذا قال الرب عن شلوم بن يوشيا ملك يهوذا المالك عوضا عن يوشيا أبيه الذي خرج من هذا الموضع لا يرجع إليه بعد. بل في الموضع الذي سبوه إليه يموت وهذه الأرض لا يراها بعد. ويل لمن يبني بيته بغير عدل وعلاليه بغير حق الذي يستخدم صاحبه مجانا ولا يعطيه اجرته. القائل ابني لنفسي بيتا وسيعا وعلالي فسيحة ويشق لنفسه كوى ويسقف بارز ويدهن بمغرة. هل تملك لانك أنت تحاذي الارز أما اكل ابوك وشرب واجرى حقا وعدلا حينئذ كان له خير. قضى قضاء الفقير والمسكين حينئذ كان خير اليس ذلك معرفتي يقول الرب. لأن عينيك وقلبك ليست إلا على خطفك وعلى الدم الزكي لتسفكه وعلى الاغتصاب و الظلم لتعملهما. لذلك هكذا قال الرب عن يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا لا يندبونه قائلين اه يا اخي أو اه يا اخت لا يندبونه قائلين اه يا سيد أو اه يا جلاله. يدفن دفن حمار مسحوبا ومطروحا بعيدا عن ابواب أورشليم.

في هذه الآيات قضاء بالموت على ملكين، والاثنين إخوة وكانوا أشرارًا لكنهم أولاد ملك قديس هو يوشيا. وشلوم (11) هو يهو أحاز وقد ملكه الناس بعد يوشيا (2مل30:23) وراجع (1أى15:3) تجد اسم شلوم من أبناء يوشيا. ولم يكن هو البكر، لكن ملَّكَه الشعب على أمل أنه الأقوى لكن خاب ظنهم وعزله نخو فرعون مصر أيضًا وأسره إلى مصر. وفي (10) يطلب النبي من الشعب ان لا يبكوا ميتًا= أي لا يبكوا على يوشيا. وهذا بالرغم أن النبي نفسه بكى عليه وحرك الناس لتبكى عليه (2أى25:35). بل أن يبكوا على يهوأحاز لما سيحدث لهُ فهو لن يرجع من سبيه في مصر. إذًا هو الجدير بالرثاء وليس يوشيا، فيوشيا ذهب لقبره في كرامة وسلام ولم يرى الشر الذي أتى على شعبه. وأما يهوأحاز ابنه فهو حقًا الجدير بالرثاء فهو أسير بائس. فموت القديسين نحسدهم عليه ولكن حياة الأشرار تستحق الشفقة. ثم إبتداء من (13) يتحول الكلام إلى يهوياقيم الذي خلف يهوأحاز وهو أيضًا ليس البكر لكنه أكبر من يهوأحاز. وكان هذا أسوأ من سلفه وكانت خطاياه الكبرياء والخيلاء كأن كل واجب الملوك أن يظهروا عظماء. وليس الخطأ في العظمة في حد ذاتها بل في مشاعر الكبرياء التي تفسِد الإنسان، أضف إلى ذلك طريقة الحصول عليها فيبدو أن يهوياقيم بنى لنفسه قصرًا فخمًا إستخدم فيه خشب الأرز كبيت الله وإستخدم عمالًا بالسخرة لم يدفع لهم شيء فهو الملك وظلمهم. ولا ندري كيف حصل على الأموال هل بالسرقة أو الظلم أو فرض ضرائب جديدة على الشعب. فهي مصيبة أن يشتهى الإنسان ويسير وراء شهوته بل تحركه شهوته فيظلم الناس ليحققها . وفي (13) ويل لهذا الملك الذي بنى قصره بالظلم. وفي (14) المغرة = هي نوع من الألوان المستخدمة للدهانات . وفي (15) هل تملك لأنك تحاذى الأرز = أي هل تملك وتحس بالأمان لأنك أحطت نفسك بالأرز مثل بيت الله، أو هل تملك لأنك إرتفعت في قلبك وتشامخت فشابهت الأرز الشجر العالى؟ هل كبريائك هي ضرورية حتى تملك؟ أما أكل أبوك وشرب = ما ضاعف من خطيته أنه ابن رجل قديس. والله يسألهُ أن يقارن نفسه به. ألم يكن لأبوك كل الخير وأكل وشرب في فرح بالرغم من أنه لم يكن لهُ بيتًا فخمًا مثل بيتك، ولكن سر فرح أبوك تواضعه وقداسته وهو لم يظلم أحدًا. فكان الله راضيًا عليه.حينئذ كان لهُ خير. وفي (16) من يقضى قضاء الفقير والمسكين يكون في هذا معرفة الرب فمن يعرف الرب يحكم بالحق والعدل. ثم لاحظ طريقة إرمياء وكلامه الصعب على يهوياقيم الملك ، ولكن كلام الله لا يستطيع أن يغير حرف منه، حتى لو كان هذا سيعرضه لخطورة من هذا الملك الشرير. وهذا الملك لن يبكيه أحد في موته ولن يرثيه أحد لظلمه ولوحشيته بل سيفرحون بموته عكس ما حدث مع أبيه الصالح يوشيا. بل يدفن دفن حمار وبلا مقبرة بل تجر جثته إلى أي جب ويطوحونها هناك. وهناك 3 نصوص مختلفة عن موت يهوياقيم أحدها هو هذا النص.

والنص الثاني :- (2مل6:24) ثم إضطجع يهوياقيم مع أبائه.

والنص الثالث:- (2أى6:36) قيده نبوخذ ناصر بسلاسل نحاس ليذهب بهِ إلى بابل.

ويبدو للوهلة الأولى أن النصوص مختلفة لكن يوسيفوس المؤرخ اليهودي يذكر أن نبوخذ نصر قتله في أورشليم ورمى جثته بعيدًا عن أسوار أورشليم. وخلاصة القول أن نصوص الكتاب المقدس الثلاثة مع قول يوسيفوس يمكن ضمهم معًا لنأخذ صورة كاملة عن ما حدث. فنبوخذ نصر قيده بسلاسل وكان مزمعًا أن يقوده لبابل رمزًا لإنتصاره ولكن يبدو أنه مات فجأة أو هو قتلهُ ورمى جثته في مهانة فأتى بعض من الشعب وأخذوا جثته ودفنوها سرًا حتى لا يثيروا نبوخذ نصر، دون أن يندبه أحد كما قال إرمياء تمامًا.

 

 

الآيات 20-30:- اصعدي على لبنان واصرخي وفي باشان اطلقي صوتك و اصرخي من عباريم لأنه قد سحق كل محبيك. تكلمت اليك في راحتك قلت لا اسمع هذا طريقك منذ صباك أنك لا تسمعين لصوتي. كل رعاتك ترعاهم الريح ومحبوك يذهبون إلى السبي فحينئذ تخزين وتخجلين لأجل كل شرك. ايتها الساكنة في لبنان المعششة في الارز كم يشفق عليك عند اتيان المخاض عليك الوجع كوالدة. حي أنا يقول الرب ولو كان كنياهو بن يهوياقيم ملك يهوذا خاتما على يدي اليمنى فاني من هناك انزعك. و اسلمك ليد طالبي نفسك وليد الذين تخاف منهم وليد نبوخذراصر ملك بابل وليد الكلدانيين. واطرحك وامك التي ولدتك إلى ارض أخرى لم تولدا فيها وهناك تموتان. أما الأرض التي يشتاقان إلى الرجوع اليها فلا يرجعان إليها. هل هذا الرجل كنياهو وعاء خزف مهان مكسور أو اناء ليست فيه مسرة لماذا طرح هو ونسله و القوا إلى ارض لم يعرفوها. يا ارض يا ارض يا ارض اسمعي كلمة الرب. هكذا قال الرب اكتبوا هذا الرجل عقيما رجلا لا ينجح في أيامه لأنه لا ينجح من نسله أحد جالسا على كرسي داود وحاكما بعد في يهوذا.

هذه النبوة عن يهوياكين ابن يهوياقيم وهذا خلفه كملك لمدة ثلاثة شهور . وفي (21) تكلمت إليكِ في راحتك = فالله يحذر مبكرًا، بينما الإنسان في راحته، قبل أن تأتى المشاكل. ولكنهم كانوا من يومهم غلاظ الرقبة. لذلك سيأتي عليهم رعب يجعلهم يستغيثون من فوق أعلى الأماكن = إصعدى على الجبال وأصرخى آية (20) حتى يسمع أحد صوتهم ولبنان وباشان جبال عالية وجبال عباريم على حدود موآب. ولكن هذه الصرخات ستكون في فراغ فكل رعاتك ذهبوا مع الريح (22)= ترعاهم الريح فهم ذهبوا للسبى والرعاة هم الحكام ” وإضرب الراعى تتبدد الرعية ” = فحينئذ تخزين.ومحبوكِ يذهبون إلى السبي = كل من إعتمدت عليهم ووثقت فيهم وتركتينى فهم لن يستطيعوا حتى أن ينقذوا أنفسهم لذلك تخزين . وفي (23) الساكنة لبنان= لبنان مشهور بجباله العالية وأرزه الشامخ وهذا يشير لكبريائهم وإطمئنانهم الزائف وثقتهم في أنفسهم وثرواتهم وحكمتهم ولكن حين يتخلى الله عنهم سيتألمون كوجع الوالدة. مهما كان إرتفاع قلبهم حتى لو كانت معششة في الأرز. وكنياهو (24) هو يكنيا ولكنها صيغة تصغير إشارة ونبوة لصغر مدة حكمه. فالرب لا يبارك الأشرار. وما قيل عن كنياهو هو عكس قول الكتاب عن زربابل “أخذك يا زربابل وأجعلك كخاتم” (حج23:2). وزربابل هو الذي قاد الشعب في العودة من السبي. والخاتم على يده اليمنى = هو الختم الذي يمهر به الملوك القدماء معاملاتهم الرسمية لتكتسب السلطة وتصبح صالحة للتنفيذ فهو يحمل إمضاء الملك الرسمى . وكان يختم به على الشمع فهو أعز ما يمتلكه الملك أو هو رمز سلطته وقوته. ولكن يهوياكين كرئيس لشعب الرب ورمزًا لقوة الرب في حكم شعبه أو وكيلًا للرب قد رُفِضَ لشره. وأتى الله بوكيل آخر هو زربابل. وهكذا فطاعة زربابل أعادت البركة التي فُقِدَتْ بسبب خطية يكنيا وغيره. وفي (25-27) وقوع يكنيا وأمه في يد نبوخذ نصر(الخطية حولته من خاتم في يد الله (24:22) إلى عبد في السبي). وموتهم في بابل وليس في أرضهم أورشليم. وفي (28) صار يكنيا كإناء مكسور . فمهما كانت قيمة هذا الإناء فهو حين يكسر يُرمى فلم يصبح لهُ قيمة. ولماذا طُرِحَ = (الأنبياء الكذبة قالوا أنه سيعود) بسبب خطيته وشهوته الأرضية ، لذلك في (29) يا أرض يا أرض يا أرض = فهذا موجه لكل إنسان دنيوى أرضى متعلق بالأرضيات. فهذا عليه أن يسمع أن هذه الأرض زائلة ومكانهُ هو السماويات وأن تعلقه بالأرضيات يجعله يفقد السماويات. فيدفن في أرض لم يعرفوها. من إرتبط بالأرضيات سيعيش ويموت فيها ويدفن فيها “ومات الغنى ودُفِن”. هذا نهايته ونهاية مسراته… ومات لعازر وحملته الملائكة” فلنترك الأرضيات فهي زائلة. وفي (30) لن يكون من نسلِهِ من يجلس على كرسى يهوذا = كرسى داود فالذى أتى بعده كان عمه صدقيا. وبموت صدقيا هذا إنتهى كرسى داود الزمنى. وإنتظر العالم المسيح ابن داود الذي يجلس على عرش داود، على العرش الروحي، الذي يملك على قلوب المؤمنين بالحب وبصليبه. وقد حصل المسيح على عرشه هذا بطاعته التي هي مثال نموذجى سار عَليه زربابل من قبل فباركه الله. وخالف هذه الطاعة يكنيا فإنتهت مملكته. فيكنيا هو رمز آدم الذي خسر الجنة بسبب عدم الطاعة. وزربابل رمز للمسيح الذي حصل على لقب خاتم في يد الله. والمسيح هو ذراع الله وقوته. ونقرأ في (1أى17:3) أن يكنيا لهُ أولاد ويبدو أنهم ولدوا في السبي ولكن لم يجلس منهم أحد على العرش “. وإبنا يكنيا أسير (أي المسبى) وشألتيئيل ” وقد يكون إبنا يكنيا بالتبنى فشألتئيل ابن منسوب لناثان بدل سليمان ولنيرى بدل يكنيا. وبذلك يستمر عقيمًا روحيًا وجسديًا حسب الآية.

زر الذهاب إلى الأعلى