ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى

 

“ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى” ( 2 كو 4 : 18)

المؤمن النشيط لا ينظر ولا يهتم بالأمور الزائلة ، لأن عينه تكون مثبتة في أهداف الإيمان العليا ينتظرها بفارغ الصبر ، ولسان حال السائرين في الطريق الضيق أنه لما تنتهي الحرب تكلل في الموطن السعيد . فالعاملون في حقل الرب الآن هم جند الخلاص الذين يكونون جيش الرب المحاربين حقاً، لا بسيف ورمح ولكن بالكلمة الحية الفعالة ، فهي سيف الروح ذو الحدين يضرب كل صنوف الخطايا التي تقتحم حياة الإنسان .

فحروبنا خفية غير منظورة ، يقيمها العدو بالمكر والخداع ، ويقابلها جنود الرب بقوة الإيمان . نعم ربما يصيب العدو الجسد ، ولكن تبقى الروح ترفرف في العُلا هاتفة بمجدا الله .

هذه هي حياة المسيحي ، شكلها هادئ نوعاً ما ، ولكن عنف الصراع الداخلي يراه المسيح ، ويهتف بالمؤمن : تشجع أنا معك .

لذلك يُحسب المؤمن بالمسيح أعظم من منتصر ، لأن جهاده خارجي ، ولكن جزاؤه إلهي أبدي غير منظور الآن . فمن ذا الذي لا يجري في الطريق الضيق وفي يده كتاب علامات الطريق ، يجوزها علامة علامة ، لكي يبلغ في النهاية حضن الذي يلاقيه وفي يده إكليل الحياة الأبدية ؟

ومن ذا الذي لا يجري ويصارع إن كان الحاضر خوَّاناً؟

أما المستقبل ففيه هذا المجد المنتظر ، وأهم الكل حب المسيح الذي يحتضن الذين صارعوا ونجوا وبلغوا الغاية والنهاية السعيدة .

الشخص المسيحي والمتمكن من إيمانه وصلته بالرب يحسب أنه ليس حقاً من هذا العالم ، وأنه غريب فعلاً عن كل ملاهي العالم وأعمال الخزي التي فيه. وحينما تنزل عليه الضيقة يزنها بميزان الروح ، فيجدها خفيفة وتدخل تحت هامش الحياة ، فلا يعطيها أكثر من وزنها الحقيقي ، إذ هي محسوبة عند طالبي الرب أنها خفيفة ومحتملة ، ويمكن احتمال المزيد منها .

فالإنسان المسيحي عندما يتمسك بإيمانه يجد نفسه واقفاً على الصخر ، يستمد حياته أولاً بأول من يد الرب ، وله ثقة أبدية أن يد الرب يستحيل أن تتخلى عنه ولا إلى لحظة . لذلك يسلم حياته في يد الرب وهو مطمئن أن الأمور كلها تجري بمعرفته : المفرح والمحزن سيَّان ، الثقيل والخفيف محتمل ، المر والحلو يأخذ زمنه ويعبر ، تاركاً نفساً راضية بكل شيء . هذه هي الأمور الوقتية عند الذي يطلب وطناً سماوياً فيه الراحة الأبدية .

والمؤمن الذي يزن الأمور بميزان الروح ، يعبر على الضيقات باعتبارها عطايا الله ونعمته ، فلا يحسب لها حساباً، ولكن ينتظر من الرب ما يخفف عنه ثقل الدنيا ، وعيناه دائماً إلى فوق من حيث تأتي المعونات . فالأمور الوقتية زمنية هي ، وقتها قصير وأيامها معدودة ، وتذهب ولا تترك في قلب الإنسان إلا ذكريات كيف عملت يد الرب معه في كل ضيقة ، وأصبح تاريخها موسوماً بالرضا والشكر . 

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى