العدو الرابض في الداخل

العظة الثانية والأربعون
من العظات الخمسون للقديس أنبا مقار

[ليست الأمور الخارجية هي التي تقدم الإنسان أو تضره بل تلك الداخلية ، أي روح النعمة أو روح الشر] 

[أ] المسيح والروح القدس حصن للنفس

1 – كما لو أن هناك مدينة عظيمة قد خربت وتقوضت أسوارها ، فأُخذت من الأعداء وما نفعتها عظمها شيئاً. فإنه بحسب عظمتها يلزم أن يكون توخيها لأن تكون لها أسوار حصينة حتَّى لا يجد الأعداء إليها منفذاً؛ هكذا أيضا النفوس التي قد ازدانت بالمعرفة والفهم والذهن الشديد الحدة هي أشبه بمدن عظيمة ، إنما يلزم توخيها أن تكون محصَّنة بقوة الروح القدس ، لئلا يتسلل إليها الأعداء ويخربوها. فإن حكماء العالم كأرسطو أو أفلاطون أو سقراط ، لأنهم كانوا حكماء في المعرفة صاروا مثل مدينة عظيمة ، لكنها مدن قد أخربها الأعداء ، وذلك بسبب عدم وجود روح الله فيهم.

۲ – لكن كل الذين هم عامیون ، شركاء النعمة ، هم کمدنٍ صغيرةٍ محصنة بقوة المسيح[1]، إنما متى سقطوا من النعمة فإنهم يهلكون لأحد سببين : إما لأنهم لا يصبرون على الضيقات الآتية عليهم ، أو لأنهم تمتعوا بلذَّت الخطيئة فلبثوا فيها. فإنه لا يمكن للمجتازين أن يعبروا دون تجارب، فكما أن الشحاذة والملكة تكابدان عند الولادة نفس آلام المخاض ، بالمثل أيضا أرض الغني وأرض الفقير ، ما لم تنالا الفلاحة[2] الواجبة لا يمكنهما أن تأتيا بثمر ذي قيمة ؛ هكذا أيضا في فلاحة النفس لا يملك في النعمة لا حكيم ولا غني ، إلا بصبر وضيقات وأتعاب جزيلة ، لأن سيرة المسيحيين ينبغي أن تكون هكذا . وكما أن العسل ، کونه حلو المذاق ، لا يقبل أن يشوبه شيء من المرارات أو السموم ؛ هكذا المسيحيون هم مُحسنون لكل الذين يدنون منهم ، أخياراً كانوا أم أشراراً، كما قال الرب : « كونوا مُحسنين گابيكم الذي في السماوات » ( لو 6: 36 – حسب النص) . لأن ما يضر الإنسان وينجسه هو من الداخل ، كما يقول الرب : “إن ما ينجس الإنسان هو من الداخل ، لأن من القلب تخرج أفكار شريرة » ( قارن : مت ۱۰ : ۱۸ ، ۱۹ ؛ مر ۷ : ۲۰ ، ۲۱ ) .

[ب] الانتباه للإنسان العتيق في الداخل

3 – ففي الداخل إذا ثمة روح شر يدب ويسعى في النفس ، روح عقلي مُحرض ، الذي هو برقع الظلمة، الإنسان العتيق ، الذي يجب على الذين يلجأون إلى الله أن يخلعوه ويلبسوا الإنسان السماوي الجديد الذي هو المسيح . فعلى ذلك لا شيء من الخارج بمستطيع أن يضر الإنسان، بل فقط روح الظلمة العائش والعامل والساكن في القلب. فمن ثم ينبغي لكل واحد أن يكون له جهاد في أفكاره ، حتى يضيء في قلبه المسيح الذي له المجد إلى الدهور، آمين. 


  1. وردت في ال PG ’ ’ الصليب  بدلاً من المسيح 
  2. وردت في ال PG السقي ، بدلاً من الفلاحة 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى