الفرح بالحياة الأبدية
أولاً: الخلود وعد إلهى
- +”الذى يؤمِنُ بالاِبنِ لهُ حياةٌ أبديَّةٌ، والذى لا يؤمِنُ بالاِبنِ لن يَرَى حياةً بل يَمكُثُ علَيهِ غَضَبُ اللهِ” (يو 36:3)
+”الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ مَنْ يَسمَعُ كلامي ويؤمِنُ بالذى أرسَلَني فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، ولا يأتي إلَى دَينونَةٍ، بل قد انتَقَلَ مِنَ الموتِ إلَى الحياةِ” (يو 24:5).
+”الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: مَنْ يؤمِنُ بى فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ” (يو 47:6).
+”اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كلاَمِي فَلَنْ يَرَى الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ” (يو 51:8).
فى العهد القديم وعد الرب موسى النبى بطول العمر، والخيرات الزمنية لمن يحفظ الوصية الإلهية، وفى العهد الجديد الوعد بالحياة الأبدية والغلبة على الموت لمن يحفظ كلمته، لن يقدر الموت أن يسيطر على نفس المؤمن الحقيقى. فالإنسان المسيحى يؤمن أن الله خلقنا للخلود!! نعم خلق الجسد من تراب ليعود إلى التراب (مؤقتًا) بالموت الجسدى، ولكنه سيقوم من بين الأموات، حينما تأتى الروح من الفردوس، وتتحد بالجسد المسجى فى القبر، ليقوم الإنسان كلاً متكاملاً، جسدًا نورانيًا، روحانيًا، سمائيًا، ممجدًا!!
– نورانيًا: أى مصنوع من النور.
– روحانيًا: أى به مسحة روحية.
– سمائيًا: أى أنه قادر على الصعود إلى السماء.
– ممجدًا: أى أنه سيلبس أكاليل المجد فى الملكوت.
فالإنسان المؤمن، يؤمن بعدة حقائق:
أنت مخلوق على صورة الله: “فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ” (تك 27:1).
– فى البر والقداسة… لأن الله قدوس.
– وفى الحكمة والعقل.. لأن الله “اللوغوس” غير المحدود.
– وفى الحرية.. لأن الله حرّ وحريته مطلقة.
– وفى السلطان.. فالله له سلطان الوجود كله، وهو الذى أعطى الإنسان سلطاًنا على المخلوقات الأخرى (تك 26:1).
الجسد مخلوق من تراب:
+ “وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ” (تك 7:2).
+ “الآنَ أَضْطَجِعُ فِى التُّرَابِ؟” (أى 21:7).
+ “مِنَ التُّرَابِ وَإِلَى التُّرَابِ يَعُودُ” (جا 20:3).
+ “فَيَرْجِعُ التُّرَابُ إِلَى الأَرْضِ كَمَا كَانَ وَتَرْجِعُ الرُّوحُ إِلَى اللَّهِ الَّذِى أَعْطَاهَا” (جا 7:12).
ولكن روحه هى نسمة من الله:
+ “وَنَفَخَ (الله) فِى أَنْفِهِ (أنف آدم) نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً” (تك 7:2). لذلك فنحن نؤمن أن الإنسان: خالد بخلود الله، ونؤمن بالخلود نفسه كحقيقة أكيدة إيمانية ومنطقية. ونؤمن بقدرة الله غير المحدودة، وكذلك نؤمن بمفهوم الكنيسة.
+++
ثانياً: الإنسان مخلوق خالد!!
لأن الله حينما خلق آدم، خلق جسده من تراب، وقد جاء فى سفر التكوين: “فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ” (تك 27:1)، “وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ وَنَفَخَ فِى أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً” (تك 7:2).
آدم إذن:
– مخلوق على صورة الله.
– جسده مخلوق من تراب.
– روحه نسمة من الله.
+”تَرْجِعُ الرُّوحُ إِلَى اللَّهِ الَّذِى أَعْطَاهَا” (جا 7:12).
+”لاَ تَخَفْ أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ” (لو 32:1).
+”الإِنْسَانَ ذَاهِبٌ إِلَى بَيْتِهِ الأَبَدِىِّ” (جا 5:12).
الإنسان – إذن – مخلوق خالد، ولهذا حينما ناجى داود النبى نفسه – قبل الموت – قال لها: “ارْجِعِى يَا نَفْسِى إِلَى رَاحَتِكِ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْكِ. لأَنَّكَ أَنْقَذْتَ نَفْسِى مِنَ الْمَوْتِ” (مز 7:116- 8).
– لم يقل لنفسه: “اذهبى”، وكأنها ذاهبة إلى مكان جديد، بل قال لها: “ارجعى”، أى عودى إلى حيث كنتِ، فأنتِ نسمة إلهية خالدة، مكانها الخلود والملكوت الأبدى!
+++
ثالثاً: نحن نؤمن بالخلود
ونحن نؤمن بالخلود، ليس فقط لأن الله خالد، أزلى أبدى سرمدى، ولكن لأن فكرة الخلود نفسها مقبولة من الناحية الإيمانية، من الناحية المنطقية:
1- فكرة الخلود مقبولة إيمانيًا: فهذا إيماننا منذ القديم، فى المسيحية، وقبلها فى اليهودية، وقبل ذلك منذ آدم وحتى موسى النبى.
– فالعهد القديم ملئ بالآيات التى تتحدث عن أن هذا الوجود الإنسانى، هو وجود إلى خلود، بعمل الله ونعمته، لأن الله خلقنا – كبشر – للخلود. طبعًا يختلف خلود المؤمن عن خلود غير المؤمن، ولكنه خلود للجميع!!
– كانت النفوس البارة – فى العهد القديم – تنزل – مؤقتًا – إلى الهاوية، إذ كان البشر جميعًا فى قبضة إبليس، قبل الفداء، وكان الفردوس مغلقًا، وكان الكاروبيم، ولهيب سيف متقلب، لحراسة طريق شجرة الحياة (تك 24:3).
– وهكذا عندما خرج آدم وحواء من جنة عدن، كان ذلك لكى لا يأكلا من شجرة الحياة، ويعيشا إلى الأبد فى الخطيئة وفساد الطبيعة. خرجا إلى أن يتم الفداء، ويفتح الرب يسوع الفردوس، ويقول للص اليمين: “الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِى فِى الْفِرْدَوْسِ” (لو 43:23).
لهذا جاء العهد الجديد يؤكد لنا نصيب الملكوت فى آيات وأمثال كثيرة جدًا منها:
“تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِى أَبِى رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ” (مت 34:25).
“اذْهَبُوا عَنِّى يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ” (مت 41:25).
لاحظ أن النار الأبدية معَّدة أصلاً لإبليس وملائكته، وليس للبشر، إلا أن الأشرار اختاروا بحرية إرادتهم، الذهاب إلى هذا المكان!!
2- وفكرة الخلود.. مقبولة منطقيًا : فنحن نستطيع أن نبدأ بعد الأرقام : 1+ 2+ 3+4+5.. إلى أن نصل إلى رقم ما لا نهاية، وممكن أن نعدها بطريقة عكسية:
-1-2 -3-4-5.. إلى أن نصل إلى رقم ما لا نهاية.
– هى مالانهاية واحدة، لو عدنا بالزمن إلى الخلف، أو تقدمنا به إلى الأمام، نصل إلى مالانهاية واحدة، أزلية أبدية!!
لهذا يقول سليمان الحكيم: “جَعَلَ الأَبَدِيَّةَ فِى قَلْبِهِمِ الَّتِى بِلاَهَا (بدونها) لاَ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِى يَعْمَلُهُ اللَّهُ مِنَ الْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ” (جا 11:3).
الأبدية فى قلب الإنسان، والخلود فى ذهنه واعتقاده، حتى الفراعنة وضعوا تماثيل بجوار الجثمان، لتتعرف الروح على الجسد الخاص بها من خلال الملامح الموجودة فى التمثال، إذ يكون الجسد قد تحلل!!
هكذا تصوروا، إيمانًا منهم بالقيامة والخلود، ولهذا بنوا المقابر والأهرامات بأنواعها!!
+++
رابعاً: قدرة الله غير المحدودة
فالمؤمن يثق فى قدرة الله غير المحدودة، ويعرف أن الله غير محدود، وقادر على كل شىء!! هو رب الحياة، مانح الحياة!! يأخذها حين يشاء، ثم يعيدها حين يشاء!!
لهذا يقول الحكيم: “أما الصِّدِّيقُ فَوَاثِقٌ عِنْدَ مَوْتِهِ” (أم 32:14).. لأنه يثق فى قدرة الله على الإقامة من الأموات، لأنه واجب الوجود، ومنشئ كل وجود!!
ولعل مثال أبينا إبراهيم هو الأقوى هنا، حيث أنه حينما طلب منه الرب:
“خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِى تُحِبُّهُ إِسْحَاقَ… وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً” (تك 2:22).
“بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ الْمَذْبَحَ… وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ.. ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ” (تك 9:22، 10).
“فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: إِبْرَاهِيمُ إِبْرَاهِيمُ. فَقَالَ: هَأَنَذَا فَقَالَ: لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا لأَنِّى اْلآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّى” (تك 11:22-12).
“فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ… وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ” (تك 13:22).
لهذا نصلى فى قسمة خميس العهد قائلين: “فذبح إسحق كان إشارة إلى هرق دم المسيح ابن الله على الصليب عن خلاص العالم، وكما حمل إسحق حطب المحرقة، كذلك حمل المسيح خشبة الصليب، وكما رجع إسحق حيًا، هكذا أيضًا المسيح قام حياً من الأموات” (قسمة ذبح اسحق).
– كيف كان إبراهيم مستعدًا لتقديم ابنه محرقة، وهو الذى قبل فيه المواعيد “بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ” (تك 12:21).
– الجواب جاء فى رومية 4، حين قال لنا معلمنا بولس الرسول: إن إبراهيم “آمَنَ بِهِ الَّذِى يُحْيِى الْمَوْتَى وَيَدْعُو الأَشْيَاءَ غَيْرَ الْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ” (رو 17:4).
لقد أخذ إبراهيم اسحق ابنه، من جسدين مائتين، فى شيخوخة كاملة… لهذا لم يكن من الصعب أن يثق أن الله قادر أن يحيى إسحق من الأموات، حتى بعد أن يقدمه ذبيحة!!
الإيمان بقدرة الله الفائقة هو الذى يجعلنا نثق فى القيامة والخلود.
+++
خامساً: نؤمن أيضًا بمفهوم الكنيسة
فالكنيسة فى مفهومنا هى جسد المسيح:
– رأسه فى السماء: هو الرب يسوع.
– وأعضاؤه السمائية: هم القديسون فى الفردوس.
– وأعضاؤه الأرضية: نحن المؤمنين على الأرض.
وهذا الإيمان يربط : السماء مع الأرض.. والله مع الإنسان…والسمائيين مع الأرضيين…
لهذا يهتف الشماس قائلاً: “ارفعوا عيونكم إلى ناحية الشرق.. لتنظروا المذبح.. وجسد ودم عمانوئيل إلهنا موضوعين عليه.. الملائكة ورؤساء الملائكة قيام.. السيرافيم ذوو الستة أجنحة.. والشاروبيم الممتلئون أعينًا.. يسبحون بصوت واحد صارخين: قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت السماء والأرض مملؤتان من مجدك الأقدس” (القداس الغريغورى).
هنا نجد الأرض وقد صارت سماء.. حيث كلمة “هيكل” بالقبطية = piervei، (بى إرفى) أى المكان الذى صار سماءً!!
الملائكة حاضرة معنا، والقديسون أيضًا حولنا وفوقنا فى الكنيسة، ورب المجد على القمة، كرأس لهذا الجسد المقدس، هذا هو المفهوم الشامل، الذى يجعلنا نثق فى القيامة والخلود بنعمة المسيح، وعمله الفائق معنا وفينا!
وهكذا نحن نؤمن ونفرح بالخلود والحياة الأبدية:
1- فكرة الخلود مقبولة إيمانيًا.
2- ومقبولة منطقيًا.
3- والمؤمن يثق فى قدرة الله على الإقامة من الأموات، تمامًا كما خلقنا من تراب.
4- والمؤمن يدرك معنى الكنيسة، جسد المسيح: أعضاؤه السماوية هم القديسون، والأرضية هم المؤمنون، والمسيح هو رأس الكنيسة.
إن كنا نؤمن بالخلود فكيف إذن نقتنيه أو نصل اليه؟ نصيحة رائعة قالها معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيموثاؤس وهى: “أَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِى إِلَيْهَا دُعِيتَ” (1تى 12:6)
+++
سادساً: خطوات عملية نحو الخلود
أ- تذكر باستمرار أنك غريب على الأرض: لقد عاش الآباء دائماً بإحساس الغرباء والنزلاء… والعابرين فكانون يسمون الأرض التى يسكنون فيها “أرض الغربة” راجع (تك17: 8، 4:28). وقد أجاب أبونا يعقوب عن سؤال فرعون عن عدد سنى حياته قائلاً: “أَيَّامُ سِنِى غُرْبَتِى مِئَةٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً. قَلِيلَةً وَرَدِيَّةً كَانَتْ أَيَّامُ سِنِى حَيَاتِى وَلَمْ تَبْلُغْ إِلَى أَيَّامِ سِنِى حَيَاةِ آبَائِى فِى أَيَّامِ غُرْبَتِهِمْ” (تك47: 7-9). وهذا ما رتل به داود فى مزموره “لأَنِّى أَنَا غَرِيبٌ عِنْدَكَ. نَزِيلٌ مِثْلُ جَمِيعِ آبَائِى” (مز12:39) “غَرِيبٌ أَنَا فِى الأَرْضِ. لاَ تُخْفِ عَنِّى وَصَايَاكَ” (مز19:119).
وهذه الحقيقة تجعلنا نسلك سلوكاً تقوياً يليق بمن هو سماوى. “فَسِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ” (1بط 17:1). “أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ كَغُرَبَاءَ وَنُزَلاَءَ أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ الَّتِى تُحَارِبُ النَّفْسَ، وَأَنْ تَكُونَ سِيرَتُكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ حَسَنَةً” (1بط 11:1، 12).
ب- اسلك سلوك سماوى كسفير عن المسيح (2كو 20:5): لقد تغربنا على الأرض، ليكون لنا رسالة فى العالم… إن وقت الغربة ليس وقتاً ضائعاً نحتمله إضطرارياً آملين فى المستقبل الأبدى… بل هو وقت إعداد لهذه الأبدية بالشهادة للمسيح فى العالم، وخدمة أهل العالم… “أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ” (مت 13:5)، “أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ”
(مت 14:5)، “لِكَيْ تَكُونُوا بِلاَ لَوْمٍ، وَبُسَطَاءَ، أَوْلاَداً للهِ بِلاَ عَيْبٍ فِى وَسَطِ جِيلٍ مُعَوَّجٍ وَمُلْتَوٍ، تُضِيئُونَ بَيْنَهُمْ كَأَنْوَارٍ فِى الْعَالَمِ” (فى 15:2) “اسْلُكُوا كَأَوْلاَدِ نُورٍ” (أف 8:5).
ولكن فيما نحن نمارس سفارتنا عن المسيح ينبغى أن تكون عيوننا وقلوبنا متجهة للسماء ومتعلقة بها.
ج- انشغل دائما بمصيرك الأبدى: “فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ. هْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ” (كو 1:3، 2).
إن المسيحية كلها تهتم بأبدية الإنسان وخلاص نفسه ولا يجب أن تزوغ أعيننا عن هذا الهدف المقدس السامى “نَائِلِينَ غَايَةَ إِيمَانِكُمْ خَلاَصَ النُّفُوسِ” (1بط9:1).
بل أن كل جهاد روحى وكل عمق مقدس يقوم به الإنسان تكون غايته النهائية هى السماء حتى نكون “وَوَرَثَةَ الْمَلَكُوتِ الَّذِى وَعَدَ بِهِ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ” (يع5:2).
هذا الملكوت هو وعد من الله لأحبائه “الَّذِى دَعَاكُمْ إِلَى مَلَكُوتِهِ وَمَجْدِهِ.” (1تس 12:2)، وهو أيضًا موضوع سرور الله أن نملك فيه: “لاَ تَخَفْ أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ.” (لو25:2).
لذلك فنحن نحرص دائمًا على التفكير فى الأبدية والإهتمام بمصيرنا الأبدى… ولذلك تتسم الكنيسة المسيحية بأنها كنيسة إسخاطولوجية (أخروية) تهتم بالأخرويات…
د- لا تنسى أن هناك معيار دخول السماء هو: بالإضافة طبعا إلى حتمية الإيمان بالمسيح الإبن، والمعمودية بإسم الثالوث، والتناول من جسد الرب ودمه… أعلن السيد المسيح أن معيار ميراث السماء هو تحقيق رسالتنا فى العالم من خلال خدمة الآخرين بما أُعطىٌَ لنا من مواهب.
“ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ للَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِى أَبِى رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّى جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِى. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِى. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِى. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِى. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ: يَارَبُّ مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ الْمَلِكُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِى هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِى فَعَلْتُمْ” (مت 34:25-40).
أما الأشرار الذين سيطرحون فى العذاب الأبدى فسيكون سبب دينونتهم أنهم لم يتاجروا بوزناتهم وأهملوا فى خدمة الآخرين “الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِى لَمْ تَفْعَلُوا” (مت 45:25).
حقاً تنبأ هكذا دانيال النبى: “وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِى تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هَؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، وَهَؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلاِزْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ” (دا 2:12).
ويعتبر دانيال أن الفهم وخدمة الآخرين هى سبب المجد الذى سيلحق بالأبرار فى السماء “وَالْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ، والَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدُّهُورِ” (دا 3:12).
وهذا هو أيضًا الشرط الذى وضعه الله لنوال الحياة… “كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ” (رؤ10:2)، أمينًا إلى الموت فى أداء كل واجب أُكلَف به… وكل خدمة يجب أن أعملها… وكل شهادة للمسيح يجب أن أقدمها لذلك فيما نحتفل بليتورجية الإفخارستيا… وفيما نحن كائنين فى السماء بعينها لنأكل من شجرة الحياة التى هى جسد الله ودمه… لا ننشغل ولا ننس مسئوليتنا تجاه العالم… فنصلى من أجل خلاص العالم ومن أجل المرضى والمسافرين والراقدين ومن أجل المياه والزروع والأهوية، ومن أجل رئيس البلاد والحكام والجنود، ومن اجل الأرملة واليتيم والغريب والضيف… إلخ.
لأن الكنيسة تدرك بحسها الكتابى أنها مسئولة عن خلاص العالم دون أن تنشغل كل نفس عن خلاصها الشخصى. فلا تنسى انك مدعو للخلود فى ملكوت السموات مع المسيح وامسك بالحياة الأبدية.
اخيرا لا تنسى…
إن التناول هو سر القيامة من الأموات، وهذا وعد واضح وصريح لنا من السيد المسيح، إذ قال الرب: “مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِى وَيَشْرَبُ دَمِى، فَلَهُ حَيَا ةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِى الْيَوْمِ الأَخِيرِ” (يو 54:6)، إذن فالتناول باستمرار من جسد الرب ودمه، مع المواظبة على التوبة والإعتراف وبقية الوسائط الروحية، هو إغتذاء مستمر على الحياة الأبدية، وسكنى الرب يسوع فى داخلنا بالتناول، هو الطريق الوحيد إلى القيامة والخلود.
ختاماً: إفرح دائمًا لأنك خالد ستحيا الى الأبد: اذا الأمر هكذا فلابد ان يملأ الفرح قلوبنا كل حين مهما كانت الصعاب.