كتاب مفاهيم إنجيلية للأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير أنبا مقار

اللهم ارحمني أنا الخاطئ

للأنبا إبيفانوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار

أثناء رحلة الرب يسوع الأخيرة إلى أورشليم، تقابل مع مجموعة من الفريسيين الذين كانوا يظنون في أنفسهم انهم أبرار، وكيف لا؟ وهم المتمسكون بناموس موسى، الحافظون لشريعة الآباء، الغيورون على تقاليد الشيوخ! فوجد الرب يسوع الفرصة سانحة ليلقنهم درساً فيمن هو البار ومن هو الخاطئ، فقال لهم هذا المثل:

“إِنْسَانَانِ صَعِدَا إِلَى الْهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا، وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ وَالآخَرُ عَشَّارٌ. أَمَّا الْفَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ هكَذَا: اَللّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هذَا الْعَشَّارِ. أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ. وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ.” (لو 18: 9-13).
ثم علق عل هذا المثل موضحاً لهم أن البار في عيني الله ليس هو من يكمل أحكام الناموس ومتطلباته، ويحتقر الآخرين، كما أن الخاطئ ليس هو من يقول الناس عنه أنه خاطئ.

من هو الخاطئ؟

لكي نفهم تعاليم وأقوال الرب يسوع وتلاميذه، يلزمنا أن نضع في الاعتبار الزمان الذي عاشوا فيه. فإذا فهمنا المناخ الاجتماعي والثقافي والسياسي لذلك العصر، أمكننا معرفة لماذا كان يعتبر البعض خطاة، سواء في نظر أنفسهم أو في نظر المجتمع الذي يحيون فيه.

لقد كان ليهود القرن الأول الميلادي مفاهيم سامية عن الله وعن قيمة الفرد. أما حالتهم الدينية العامة وممارساتهم اليومية فكان يعتريها النقص، ولم يكن هذا في المحيط اليهودي فقط، إذ كأن المستوى الأخلاقي للعالم كله آخذاً في الانحدار. في ذلك العصر كان هناك مفهوم خاطئ عند اليهود، وهو أن الله قد توارى بعيداً، ولم يعد يهتم بأمور الناس ومشاكلهم. وهكذا انصب جل اهتمامهم عل المظاهر الخارجية للتقوى والتدين، وهي التي تجد قبولاً عند الناس، دون النظر إلى حياة التقوى الداخلية. لذلك صار الخاطئ هو من لا يستطيع أن يتمم الفرائض والواجبات العامة التي تفرضها الجماعة. وقياساً عل ذلك ترسخت لدى الشعب بعض المقاييس التي بها يحكمون عل الإنسان كونه خاطئاً أم لا.
إذ كانوا يعتبرون الإنسان خاطئاً إذا انتمى إلى إحدى هذه الفئات: مخالفي الشريعة، المنحرفين أخلاقياً، الخارجين عن رعوية إسرائيل، والمعوقين جسدياً أو عقلياً.

(أ): مخالفو أحكام الشريعة:

الخطية في المفهوم اليهودي هي التعدي عل الناموس، والخاطئ ليس هو المذنب أمام الله فحسب، بل وأيضاً المذنب أو المتعدي عل تقليد آبائه. إن فئة الخطاة المتعدين للناموس، وخاصة الذين لا يحفظون الشرائع والتقاليد الطقسية، يعدون أردأ أنواع الخطاة، وخطيئتهم هي أشنع الخطايا. لذلك عندما لاحظ الفريسي الذي دعا الرب يسوع ليتغذى عنده، أن الرب لم يمارس طقس الغسلات التطهيرية قبل الغذاء، تعجب وقدم اعتراضه عل ذلك. لأنه من الأمور المرعية عند اليهودي المتشدد أن يصب ماء عل يديه قبل الأكل حتى يتطهر من النجاسة التي لحقته من التعامل مع الخطاة. وهنا صحح له الرب مفهوم الطهارة والخطيئة، أن الطاهر ليس هو من تطهر من الخارج بينما داخله مشحون بالخطيئة والمكر: «أنتم الآن أيها الفريسيون تُنقون خارج الكأس والقصعة، وأما باطنكم فمملوء اختطافاً وخُبثاً» (لو11: 39).

أما خطيئة التلاميذ الذين كانوا يقطعون السنابل ويأكلونها وهم يفركونها بأيديهم أثناء مرورهم بين الزروع، فلم تكن هي الأكل من مزروعات لا تخصهم (لو 9: 1-5)، إذ أن الشريعة كانت تسمح لعابري السبيل الأكل من أي حقل لسد الجوع (تث 23: 25). بل كانت خطيئتهم أنهم كانوا يفركون السنابل، وهذا يعد من الأعمال المحرمة يوم السبت.
لذلك أوضح الرب للفريسيين أن عمل الرحمة تلبية لاحتياجات الإنسان تسمو عل حفظ الوصية، مثلما عمل داود التبي عندما أخذ خبز التقدمة الذي لا يحل أكله إلا للكهنة وأعطى الذين معه الذين كانوا قد أعيوا من شدة الجوع (1 صم 21: 3 -6).

ولم يكن مخالفو الناموس فقط هم الذين يعدون خطاة، بل كل من يخالف تفسير الشيوخ والفريسيين لأحكام الناموس يعد خاطئاً. وإذا طبقنا هذه القاعدة فسيحسب كل إنسان خاطئاً. وقد اتهم الفريسيون الرب يسوع أنه كان دائماً يخالط مثل هؤلاء الخطاة: «وفيما هو متكئ في بيت (لاوي) كان كثيرون من العشارين والخطاة يتكئون مع يسوع وتلاميذه ٠٠ وأما الكتبة والفريسيون فلما رأوه يأكل مع العشارين والخطاة، قالوا لتلاميذه: ما باله يأكل ويشرب مع العشارين والخطاة؟ فلما سمع يسوع قال لهم: لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى. لم آت لأدعو أبراراً بل خُطاة إلى التوبة» (مر2: 15-17).

(ب): المنحرفون أخلاقياً:

مما لا شك فيه فإن من ينحرف عن جادة الصواب يعتبر خاطئاً. ولكن الذي يعنينا هنا أن المجتمع اليهودي في القرن الأول الميلادي لم يتمتع بالمرونة الكافية حتى يتسامح ويقبل التائبين العائدين من أولئك الخطاة. فحالما يُشاع عن شخص ما أنه يسلك سلوكاً منافياً للآداب، حتى تلطخه وصمة الخطية بقية أيام حياته. ولا ننسى راحاب التي استضافت الجاسوسين أيام يشوع بن نون، فبالرغم من انتسابها بعد ذلك إلى التسلل اليهودي المقدس (مت ١: ٥)، فما زالت تذكر في العصر الرسولي باسم “راحاب الزانية”، إلا أن بولس الرسول شهد لإيمانها: «بالإيمان راحاب الزانية لم تهلك مع العصاة، إذ قبلت الجاسوسين بسلام» (عب11: 31).

ومن الطبيعي فإن من يشارك أو يرافق مثل أولئك الأشخاص كان يُدعى خاطئاً. لذلك عندما تقدمت المرأة الخاطئة وقبلت قدمي يسوع ومسحتهما بالطيب، معبرة بذلك عن ندمها وتوبتها واعترافها بخطيئتها، أدان الفريسي يسوع وتشكك في كونه نبياً: “لو كان هذا نبياً لعلم من هذه الإمراة التي تلمسة وما هي؛ إنها خاطئة» (لو 7: 36-39). ومن ثم وصف الفريسيون الرب يسوع أنه «مُحب للعشارين والخطاة» (مت 11: 19).

ويظهر بوضوح رفض المجتمع لأولتئك الخطاة حتى بعد توبتهم في قصة الابن الضال، متمثلاً في الابن الأكبر الذي عاب على والده مسامحته لأخيه بعد عودته، وذلك لأنه بدد أمواله “مع الزواني”. ومن هذه القصة يظهر أيضاً اتساع قلب الله المحب في قبول توبة الخاطئ وإعادته إلى رتبته الاولى، رتبة البنوية، إذ أن هذا الابن يشبه إنساناً كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد (لو 11:15-32).

لذلك علَّم الرب يسوع مراراً أن السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين باراً (في أعين أنفسهم) لا يحتاجون إلى توبة. كما كتب القديس بولس الرسول إلى أهل كورنثوس يناشدهم قبول توبة الخاطئ وإعادته إلى شركة الكنيسة حتى لا يقتله الحزن أو يفترسه اليأس: «مثل هذا يكفيه هذا القصاص الذي من الأكثرين، حتى تكونوا – بالعكس – تسامحونه بالحري وتعزونه، لئلا يُبتلع مثل هذا من الحزن المفرط. لذلك أطلب أن تُمكنوا له المحبة» (2 كو 2: 6-8).

(ج): الخارجون عن رعوية إسرائيل:

وهنا نتقابل مع جميع الأمم، يعتبرون خطاة ليس بسبب أخلاقهم أو عباداتهم، ولكن لكونهم ليسوا يهوداً وحسب. إذ كيف يحسب الإنسان باراً وهو لا يندرج تحت رعوية “شعب الله المختار” . ويعبر بولس الرسول عن وجهة النظر الضيقة هذه قائلا: «نحن بالطبيعة يهود ولسنا من الأمم خطاة» (غل 2: 15).

ويخبرنا بطرس الرسول أن اليهودي كان يرى أن الأمي ليس خاطئاً وحسب، بل ونجساً أيضاً: “فقال لهم: أنتم تعلمون كيف هو مُحرم على رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه. وأما أنا فقد أراني الله أن لا أقول عن إنسان ما إنه دنس أو نجس» (أع 10: 28).

من هنا نفهم رد الرب يسوع على المرأة الكنعانية التي طلبت شفاء ابنتها، فقد قال لها: «ليس حسناً أن يُؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب» (مت 15: 26). معبراً عن وجهة نظر اليهود نحو جميع الامم.

يضاف إلى هذه الفئة من الخطاة كل من يقبل من اليهود أن يعاون الأمم أو يشترك معهم في العمل، مثل فئة العشارين أو جباة الضرائب، الذين صارت مهنتهم علامة تدل على الخطيئة والخطاة، حتى استعمل الرب يسوع نفسه هذا التعبير ليؤنب الشعب اليهودي المتزمت المتمسك بحرفية الناموس: “إن العشارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله(مت 21: 31). لذلك نرى الرب يسوع يختار تلاميذه من العشارين، وهو متى العشار، الذي صنع للرب وليمة في بيته (مت ٩: ٩ و١٠)، وقبل أيضاً بيت زكا العشار ولم يلتفت إلى لوم اليهود القائلين: “إنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ». فقال لهم الرب: «اليوم حصل خلاص
لهذا البيت، إذ هو أيضاً ابن إبراهيم» (لو 19: 2-10).

أما السامريون وهم الشعب الخليط من اليهود والامم، فكانوا يلاقون نفس المعاملة. بل وأكثر من ذلك استخدم لقب سامري كشتيمة واستهزاء: “فأجاب اليهود وقالوا له (ليسوع): ألسنا نقول حسناً: إنك سامري وبك شيطان؟» (يو 8: 48). لذلك اضطر الرب يسوع أن يشرح لهم في مثل السامري الصالح أن ذلك السامري مقبول عند الله أكثر من رجال الدين اليهود أنفسهم (لو 10: 25-37)، وأن إيمان المرأة الكنعانية الاممية من العظمة حتى إنه استدر مراحم الله (مت 15: 28)، وأن إيمان قائد المئة الاممي ليس له مثيل عند كل الشعب اليهودي (لو 7 :9)؛ بل ومدح السامري الأبرص الذي نال الشفاء، كونه عاد شاكراً الله، دون باقي اليهود، ولم ينس أن يذكرهم برأيهم فيه أنه غريب الجنس: «ألم يوجد من يرجع ليعطي مجداً لله غير هذا الغريب الجنس؟ ثم قال له: قم وامض. إيمانك خلَّصك» (لو 17: 12-19).

لذلك يلخص القديس بطرس موقف المسيحية في تعاملها مع الأمم، وذلك بعد حادثة إيمان كرنيليوس قائد المئة، قائلاً: «بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوة، بل في كل أمة، الذي يتقيه ويضنع البر مقبول عنده هذا هو رب الكل … (الذي) له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا» (أع 10: 34-43).

( د): المعوقون جسدياً أو عقلياً:

ذكر الربيون القدامى في تعاليمهم أن هناك علاقة بين خطية الإنسان وبين المرض الجسدي الذي يصيبه، وقد بنوا رأيهم هذا على بعض آيات العهد القديم التي كأنت تربط بين الخطية والمرض الجسدي. وخير مثال عل ذلك مرض البرص الذي أصاب جيحزي تلميذ أليشع النبي نتيجة الجشع والطمع والجري وراء الملذات الأرضية (٢مل ٥: ٢٧). وقد شاع هذا الاعتقاد عند يهود القرن الأول الميلادي، الذين كانوا يعتقدون أن اصابة الإنسان بأي مرض جسدي أو بأي خلل في وظائف الجسم منشؤه حكم الله العادل على هذا الإنسان نتيجة خطيئته.

يتضح ذلك من قول التلاميذ للرب يسوع عن الإنسان الذي ولد أعمى: «يا معلم، من أخطأ: هذا أم أبواه: حتى وُلد أعمى؟»، وهو نفس الكلام الذي كرره اليهود على مسامع هذا الرجل بعد ذلك: أجابوا وقالوا له: في الخطايا وُلدت أنت بجملتك، وانت تُعلمنا» (يو 9: 1و34). وقد كان رد الرب يسوع عليهم: «لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه»، وذلك حتى يرفع من ذهنهم إدانة أي إنسان مريض ووصفه بأنه خاطئ. بل وأكثر من ذلك، فقد أوضح لهم أنه لا المرض الجسدي أو الكوارث والمصائب علامة على خطيئة الإنسان، ولا الصحة الجسدية علامة على قداسته، وذلك أثناء تعليقه عل بعض الأحداث التي جرت في
أيامهم:
«وَكَانَ حَاضِرًا فِي ذلِكَ الْوَقْتِ قَوْمٌ يُخْبِرُونَهُ عَنِ الْجَلِيلِيِّينَ الَّذِينَ خَلَطَ بِيلاَطُسُ دَمَهُمْ بِذَبَائِحِهِمْ. فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«أَتَظُنُّونَ أَنَّ هؤُلاَءِ الْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الْجَلِيلِيِّينَ لأَنَّهُمْ كَابَدُوا مِثْلَ هذَا؟ كَلاَّ! أَقُولُ لَكُمْ: بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ. أَوْ أُولئِكَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْبُرْجُ فِي سِلْوَامَ وَقَتَلَهُمْ، أَتَظُنُّونَ أَنَّ هؤُلاَءِ كَانُوا مُذْنِبِينَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ السَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ؟ كَلاَّ! أَقُولُ لَكُمْ: بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ».» (لو 13: 1-5).

ويوضح لنا القديس بولس أنه أحياناً يكون المرض ليس عقاباً من الله نتيجة لخطيئة الإنسان؛ بل تزكية من الله وصوناً للإنسان يحميه من الخطيئة ومن الكبرياء. وهنا يصير المرض الجسدي ليس سبباً للخزي والعار، بل فرصة للافتخار. فبعد أن ذكر أنه يأتي إلى مناظر الرب وإعلاناته، وأنه اختطف إلى السماء الثالثة، يقول:
+ “وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ لِيَلْطِمَنِي، لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ. مِنْ جِهَةِ هذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي. فَقَالَ لِي:«تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ». فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. “ (2كو12: 7-9).

لذلك جال الرب يسوع بين أولئك المرضى والمعوقين حتى يعيد لهم الصحة، ويرفع عنهم تهمة الخطيئة التي وصمهم بها المجتمع: “«اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ: اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. ” (مت 11: 4و5)

إن الرب يسوع في حياته على الأرض لم يكن ليثير اهتمامه أي من هذه المفاهيم الخاطئة عن من هو الخاطئ؟ فبالرغم من قداسته المطلقة التي أوضحها في قوله: «من منكم يبكتني على خطية» (يو 8: 46)، إلا أنه لم يحاول أن يدين أي إنسان أو يحكم عليه، حتى المرأة الزانية التي أمسكت في ذات الفعل قال لها: «ولا أنا أدينك.. اذهبي ولا تخطئي أيضاً»  (یو 11:8 ). لقد كان يدرك تماماً أن زمن الدينونة لم يأتي بعد، وأن الوقت لم يحن لتقسيم شعب الأرض إلى أبرار وخطاة، ف”الجميع زاغوا وفسدوا» (رو 3: 12)، وأن الزمان الآن هو زمن رفع الخطية وإلغاء سطوتها وجبروتها. لذلك ارتضى أن يضم نفسه إلى جميع هذه الفئات المحكوم عليها بالخطية، حتى يحررها من الخطية، سابغاً عليها من قداسته الخاصة: «لأنه (الله) جعل (المسيح) الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه» (2 کو 5: 21).

أنقياء القلب كتب أنبا إبيفانيوس التطهيرات
كتاب مفاهيم إنجيلية
المكتبة المسيحية

 

زر الذهاب إلى الأعلى