رسائل القديس أنطونيوس – الرسالة الأولى
رسالة من أنطونيوس المتوحد و رئيس المتوحدين إلى الإخوة الساكنين فى كل مكان
أولا و قبل كل شئ أهدى سلامى إلى محبتكم فى الرب …
على ما أرى يا إخوة أن النفوس التى تقترب من محبة الله هى ثلاثة أنواع (فئات) , سواء من الرجال أو من النساء.
النوع الأول ( الدعوة الأولى ) هم أولئك الذين دعوا بناموس المحبة الذى فى طبيعتهم , تلك المحبة التى غرست فيهم من الصلاح الأصلى عند خلقتهم الأولى , و عندما جاءت إليهم كلمة الله , لم يشكُّوا فيها مطلقاً بل قبلوها و تبعوها بكل إستعداد و نشاط , مثل أب الآباء. فلما رأى الله أنه لم يتعلم محبة الله عن طريق تعليم البشر و إنما تعلمها من الناموس المغروس فى طبيعة خلقته الأولى , ظهر الله له و قال ” أخرج من أرضك و من عشيرتك و من بيت أبيك إلى الأرض التى سوف أريك ” ( تك 12 :20 ) فخرج دون أن يشك ، بل كان مستعداً لدعوته. إن إبراهيم هو نموذج لهذا النوع من الاقتراب إلى محبة الله , و الذى لا يزال موجوداً إلى الآن فى أولئك الذين يسلكون فى خطواته . إنهم يتعبون طالبين مخافة الله بالصبر و السكون و يحصلون على الحياة الحقيقية لأن نفوسهم مستعدة لأن تتبع محبة الله . هذا هو أول نوع للدعوة .
الدعوة الثانية هى هذه: يوجد أناس يسمعون الكلمة المكتوبة و ما تشهد به عن الآلام و العذابات المعدة للاشرار و المواعيد المعدة لمن يسلكون بلياقة فى مخافة الله و بشهادة الشريعة المكتوبة تتيقظ نفوسهم و تطلب الدخول إلى الدعوة كما يشهد داود عندما يقول ” ناموس الرب طاهر يرد النفس شهادة الرب صادقة تعطى حكمة للبسطاء ( الودعاء ) ” (مز 19 :7). و فى موضع آخر يقول ” فتح كلامك يضئ عقلالبسطاء ” مز (119 : 130) و أقوال أخرى كثيرة لا نستطيع أن نذكرها كلها الآن .
الدعوة الثالثة هى هذه: توجد نفوس كانت سابقاً قاسية القلب مستمرة فى أعمال الخطية و لكن الله الصالح فى رحمته رأى أن يرسل عليهم تأديبات الآلام و الضيقات حتى يتعبوا فيستفيقون و ينتبهون و يتغيرون و يتقربون من الله و يدخلون فى معرفته و يتوبون من كل قلوبهم و هولاء أيضا يبلغون إلى الحياة الحقيقية مثل أولنك الآخرين الذين تكلمنا عنهم سابقاً.
هذه هى طرق الاقتراب الثلاثة التى تاتى بها النفوس إلى التوبة لكى تنال نعمة و دعوة ابن الله .
و الآن فيما يخص أولئك الذين دخلوا بكل قلوبهم وقرروا أن يحتقروا كل شهوات الجسد و بشجاعة يقاومون الحرب التى تقوم ضدهم إلى أن ينتصروا فإنى اعتقد أن الروح هو الذى يوجه إليهم الدعوة أولاً و هو يجعل الحرب هينة و سهلة بالنسبة لهم و يجعل أعمال التوبة حلوة و يريهم كيف يجب أن يتوبوا بالجسد و النفس حتى يبلغ بهم إلى التحول الكامل إلى الله الذى خلقهم … و يعطيهم أعمالاً بواسطتها يمكنهم أن يقمعوا النفس والجسد حتى يتطهرا و يدخلا معاً إلى ميراثهما (حياة الأبد).
أولاً فان الجسد يتطهر بالصوم الكثير و بالسهر و بالصلوات و بالخدمة التى تجعل الانسان ينضبط فى جسده و يقطع من نفسه كل شهوات الجسد. و يصبح روح التوبة هو مرشده فى هذه الأمور و يختبره بواسطتها لئلا يقتنصه العدو إليه مرة ثانية.
و عندئذ يبدأ الروح الذى يرشده أن يفتح عينى نفسه لكى يعطيها التوبة أيضاً لكيما تتطهر و يبدأ العقل أيضاً فى التمييز بين الجسد و النفس و ذلك عندما يبدأ أن يتعلم من الروح كيف يطهرهما بالتوبة . و عندما يتعلم العقل من الروح فإنه يصبح مرشداَ لكل أعمال الجسد و النفس معلماً إيانا كيف نطهرهما و يفصلنا عن كل الثمار
اللحمية التى إختلطت بأعضاء الجسد منذ المعصية الأولى. و يعيد كل عضو من أعضاء الجسد إلى حالته الأصلية دون أن يكون فيه أى شئ من روح الشيطان. و يصبح الجسد تحت سلطان العقل المتعلم من الروح كما يقول الرسول بولس ” أقمع جسدى و استعبده ” (1كو 9 :17). لأن العقل يطهره فى أكله و فى شربه و فى نومه
و بكلمة واحدة فانه يطهره فى كل حركاته . حتى أنه من خلال طهارة ( العقل ) يتحرر الجسد حتى من الحركات الطبيعية التى فيه.
و أعتقد أنه توجد ثلاثة أنواع لحركة الجسد :
توجد حركة مغروسة فى الجسد بالطبيعة غرست فيه فى خلقته الأولى و لكنها لا تعمل ( ماهو خاطئ) بدون إرادة النفس و إنما عملها فقط هو أن تنبهنا إلى أنها حاضرة و موجودة وذلك بواسطة حركة غير شهوانية فى الجسد .
و توجد حركة أخرى و هى تحدث عندما يملأ الانسان جسده بالطعام و الشراب و تتسبب حرارة الدم المتولدة من كثرة الأطعمة فى إثارة الحرب فى الجسد بسبب نهمنا . و لهذا السبب يقول الرسول ” لا تشربوا الخمر الكثير ” (أف 5 : 18), و أيضا حذر الرب تلاميذه ” إحترزوا لئلا فى أى وقت تثقل قلوبكم بالشبع و السكر ” (لو 21
:34) أو اللذة وخاصة أولنك الذين يطلبون ملء النقاوة عليهم أن يقولوا اخضع جسدى
و استعبده ( 1كو 9: 17).
أما الحركة الثالثة فهى من الأرواح النجسة التى تجربنا بسبب حسدها لنا و تسعى لأن تدنس هولاء الذين يبداون السير فى طريق النقاوة .
و الآن يا أولادى المحبوبين إذا تسلحت النفس بالصبر فى هذه الحركات الثلاثة و ثبتت فى الشهادة التى يشهد بها الروح داخل القلب فان النفس و الجسد كليهما يتطهران من هذا النوع من المرض. لكن إذا رفض القلب الشهادة التى يشهدها فيه الروح بخصوص هذه الحركات الثلاث فإن الأرواح الشريرة تتسلط عليه و تزرع فى الجسد كل الشهوات وتحركها وتثير حربا عنيفة ضده حتى تخور النفس وتمرض، فإن رجعت و صرخت طالبة الحصول على المعونة فإنها تتوب و تطيع وصايا الروح و تشفى، عندئذ تتعلم من الروح أن تجد راحتها فى الله و تعرف أنه هو (الله) وحده سلامها.
كما يمكنك أيضاً قراءة رسائل القديس أنطونيوس