في وجه يسوع المسيح
“في وجه يسوع المسيح” (2كو4: 6)
حينما يرى الإنسان البار ذاته في المسيح ، فهو لا يفقد كيانه كأنه يتلاشى بذاته ؛ بل يحس كمن صار متحداً في مجده ، وكأنما المسيح حال فيه ، فينطلق بالفرح في تسبيح وشكر يدوم إلى الأبد . ثم يرى الجميع مثله تماماً يجمعهم الفرح والتسبيح مع أن كل واحد له في المسيح بقدر ما نال ، لأن فيه منازل كثيرة ، ولكنها منازل متمايزة في المجد. ولكن كل واحد يرى منزلته وكأنها الحظوة القصوى، فيصير وله اكتفاء في ذاته ، وامتداد لا ينتهي في المسيح.
أما الذين أحبوا الظلمة أكثر من النور ، وأبغضوا الحق ، فحينما يشخصون في وجه السيد القدوس ويسطع نوره وحقه على قلوبهم تنكشف أستارها وتُفتضح أفكارها ويغشاهم الخزي المريع ، فيرتدون بعيداً عن النور ويستعفون من رؤية وجه الحبيب ، والوجود في حضرته ، ويكون لهم ما يريدون ، كما كان للأرواح النجسة قديماً ، حينما طلبوا أن يهربوا من وجهه ويدخلوا قطيع الخنازير بعيداً فأذن لهم ، رحمة منه.
وهكذا كما طلبت الشياطين أن يؤذن لها بالدخول في قطيع الخنازير ، إذ في ذلك راحة لها ؛ كذلك ستكون راحة للخطاة في بكائهم ، ولا يتعزون إلا بصرير أسنانهم ، ولا يرتاحون إلا في الظلمة بعيداً عن الحق والنور وحضرة الله القدير . لذلك يطلبونها ، ويلحون في طلبها ، لأنها ستكون أكثر راحة من عذاب الحق المستعلن لهم في حضرة الله.
من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين