نقط الضعف والبدائل

 

أنت تريد أن تكون سعيداً فى حياتك. وللسعادة أسباب. فهل الله هو سبب سعادتك وهو مصدرها؟ أم أن هناك أسباباً أخرى تسعدك بدلاً من الله.

هذه المصادر الأخرى التى تسعدك،هى نقط الضعف فيك، والشيطان إذا تعرف على هذه المصادر، يحاول أن يتعبك.

أن القلب الزاهد فى أمور العالم الحاضر،هو حصن لا ينال. لا يستطيع الشيطان أن يجد مدخلاً إليه،ينفذ منه. ولكن الشيطان يرقبك ويرى ماذا تحب،وماذا تشتهى،وماذا يسعدك؟ لكى يمسكك منه. بل هو أحياناً يعرض عليك أموراً، فإذا استجبت لها، تكون قد استجبت له،فيتخذها لمحاربتك.

فى الجنه عرض على أبوينا الأولين، أن يكونا مثل الله عارفين الخير والشر وفوجدت الفكرة هوى فى قلبيهما،وكانت نقطة ضعف أسقطهما بها الشيطان.

وعلى الجبل ، حاول أن يعرف ماذا يسعد المسيح…!

كان السيد يقضى أوقاتاً مقدسة مع الآب،فى شركة روحية. فأراد الشيطان أن يعرف: هل يوجد شئ إلى جوار الآب يسعد السيد المسيح،فيغريه،أو يجذبه منه…! وهكذا عرض عليه تجربة الخبز: ما رأيك أن تحول الحجارة خبزاً ، فتأكل أنت، وتطعم الناس، وتكسب شعبية عن هذا الطريق، وتؤدى رسالتك بهذه الطريقة كمُصلح إجتماعى؟! ورفض المسيح الفكرة،لأن له طريقاً روحياً ، يريد به أن يطعم الناس بكل كلمة تخرج من فم الله،لأنه قد جاء لإشباع أرواحهم التى لا تحيا بهذا الخبز… وهكذا فشلت التجربة الأولى.

فجربه الشيطان بالمناظر الروحية،بأن يلقى نفسه من فوق،وتحمله الملائكه،ويرى الناس فيؤمنون! ثم جربه بالملك،يصير له سلطان على هذه الممالك،وينشر الخير بالقوانين الأرضية… وفشلت هاتان التجربتان أيضاً،لأن المسيح رفضهما،إذ قد جاء ليخلص ما قد هلك،وذلك بالصليب.

ولم يجد الشيطان شهوة فى هذا القلب القدوس النقى. لم يجد نقطة ضعف واحدة يستخدمها. وكما قال الرب “رئيس هذا العالم يأتى،وليس له فى شئ”. إنه قلب زاهد،لم تستهوه ممالك الأرض ومجدها،ولا المناظر المبهرة للناس،وتحويل الحجارة إلى خبز. لا أغراض ولا أهداف جانبية، غير الملكوت…

لعبة الشيطان هى أن يجد شيئاً يسعد الأنسان غير الله
أما النفس الزاهدة التى قوى الله مغاليق أبوابها،وجعل تخومها فى سلام، فهى هذه التى لا يعوزها شئ يستطيع العالم أن يقدمه،بل هى مكتفية بالله.
فهل توجد فى قلبك أية شهوة أو رغبة،يمكن للشيطان أن يشدك بها؟

إن الشيطان مستعد أن يقدم رغبات ، حتى للناسك…
حتى للرهبان، الذين هجروا العالم وكل ما فيه، وزهدوا كل شئ، وماتوا عن العالم، ونذروا الفقر،وصلى الدير عليهم صلاة الأموات… هؤلاء أيضا لا ييأس الشيطان منهم، بل يقدم لهم أيضاً رغبات ورغبات… وآمال، وأشياء يحاول أن يتعلق بها القلب…! يضع أشياء فى القلب إلى جوار الله

يريد أن يخرج الإنسان من دائرة الإكتفاء بالله
فإذا ما الرغبات دخلت وملكت،تبتدئ سعادة الإنسان تهتز،ويبدأ سلامه يضيع… ويتحول الهدف عنده. بعدما كان هدفه هو الله، تصير له أهداف كثيرة،ويتوه فى العالميات،ويبعد عن الله

ويصبح الله بالنسبة إليه مجرد وسيله لتحقيق أهدافه…
إن أراد الله فهو لا يريده لذاته،وإنما ليحقق له أهدافاً فى قلبه يحبها. وإن صلى،فلا يصلى اشتياقاً لله وحباً،وإنما يصلى لكى يطلب من الله هذه الرغبات التى يحبها.ولا يصبح الله مركز الحب فى قلبه،إنما مجرد وسيلة…!

ولنضرب بعض أمثله لأشخاص،إكتشف فيهم الشيطان رغبات معينة،أو وضع هو فيهم هذه الرغبات،وأصبحت نقط ضعف سقطوا بها،ولنبدأ بالأشرار أولاً…

1- آخاب الملك ، وشهوة التملك…
أراد الشيطان أن يضرب آخاب الملك ضربة تعرضه لغضب الله وتقضى عليه،فعرض عليه أن يأخذ حقل نابوت اليزرعيلى ويضمه إلى أملاكه. وأعجب آخاب بالفكرة. فسيطرت على قلبه وعلى فكره،وأفقدته سعادته وسلامه،ولم يعد يستريح إلا إذا أخذ الحقل. ورفض نابوت،وتدخلت إيزابل… وكان ما كان من قتل نابوت، ووراثة آخاب له،وتعرضه لنقمة الله.وهلك آخاب. كانت فى قلبه شهوة،تمثل نقطة ضعف،يدخلمنها الشيطان…
أما القلب المرتفع فوق مستوى الرغبات،الذىنصيبه هو الرب،والرب وحده،فهذا لا يقدر الشيطان عليه،إذ لا يجد فيه شهوة يلعب بها لعبة المنح والمنع…
إنما يقدر على القلب،الذى تخرجه شهواته عن الله.

2- كانت هذه هى مشكلة يهوذا الإسخريوطى أيضاً…
كان تلميذاً للسيد المسيح،واحداً من الإثنى عشر،يعيش مع الرب،ويرىمعجزاته،ويسمعتعليمه… ولكن السيد لم يكن له كل شئ.كانت ليهوذا رغبات إلى جوار الرب وضعها فى قلبه.كان يحب المال الذى يوضع فى الصندوق الذى معه.لم يعد الرب هو الكل بالنسبة إليه،كما كان بالنسبة إلى الأحد عشر الباقين.وإذ لم يستطع يهوذا أن يخدم سيدين،ضحى بالرب وهلك…

3- وبنفس الأسلوب، كانت هذه هى المشكلة اليهود مع المسيح
كانوا ينتظرون المسيا،أى المسيح. ولكنهم ما كانوا يحبونه لذاته ويركزون فيه عواطفهم،إنما كانوا يريدونه كمجرد وسيلة لتخليصهم من الحكم الأجنبى،من سطوة الرومان،وليؤسس لهم إمبراطورية تعيد حكم داود وسليمان…
كانت هناك فى قلوبهم رغبة غير الرب،رغبة فى العمق.وما كان الرب فى قلوبهم سوى شئ جانبى لتحقيق هذه الرغبة التى هى الأساس. ولذلك حينما دخل المسيح إلى أورشليم فى يوم أحد الشعانين،ونادوا به ملكاً،لم ينادوا به كذلك حباً له،إنما حباً لأنفسهم “ولمملكة داود الآتيه”. الذات كانت هى الأساس،والمملكة والحكم والخلاص من الأعداء،كل ذلك كان هو الأساس،وليس المسيح… ولهذا،فإنه لما أعلن المسيح أن مملكته هى مملكة روحية،ليست من هذا العالم،انفضوا عنه ودبروا لقتله فى نفس الأسبوع!
وأنت،هل الرب بالنسبة إليك هدف أم وسيلة؟

عظمة القديسين كانت تكمن فى الإكتفاء بالله
كان الله هو هدفهم، وهدفهم الوحيد، وقد ركزوا كل عواطفهم فيه. ولم تكن لهم رغبات إلى جواره تمثل نقط ضعف يستخدمها.
كان الله هو هدفهم،وهدفهم الوحيد،وقد ركزوا كل عواطفهم فيه. ولم تكن لهم رغبات إلى جواره تمثل نقط ضعف يستخدمها الشيطان لإسقاطهم. لذلك سهل عليهم أن يتركوا كل شئ من أجله،بكل رضى وفرح.

لم تكن لهم أهداف إلى جوار الله،أو بدلاً من الله…!

إن الأشرار لهم نقاط ضعف، من رغبات تحاربهم،كما ذكرنا أمثله من أخاب الملك،ويهوذا الإسخريوطى،واليهود صالبى المسيح. ولكن ماذا عن أولاد الله؟

هؤلاء يحاربهم الشيطان ببدائل ، تبدو فى ظاهرها مقدسة:
ولنذكر الخدمة هنا كمثال…
إنسان يتعرف على الله،ويسلك فى طرقه،فيشتاق أن يخدم… والشيطان لا يمنعه مطلقاً من الخدمة، إذ أنه بذلك يكشف حيلته، فيرفضها المؤمن ويقول له “أذهب عنى يا شيطان” …إنما على العكس يقول له الشيطان ” إخدم، وأنا معك”….
ويغرقه فى خدمات كثيرة،حتى ما يجد وقتاً للصلاة…
تصبح الخدمة ن”… إنما على العكس يقول له الشيطان”إخدم،وأنا معك”…كل شئ فى نظره،يعطيها كل وقته وكل جهده وكل قلبه،حتى ما يجد وقتاً يتمتع فيه بالله… تسأله أين صلاتك؟ أين تأملاتك؟ أين قراءاتك الروحية؟ أين الساعات المقدسة التى تنسكب فيها أمام الله،فى حب وخشوع،تفتح له قلبك،وتعطيه من حبك وتتمتع بحبه…؟!
يقول لك أعذرنى،أنا مشغول… تحضير الدروس، والإفتقاد، والنادى، والحفلات والرحلات، والصور والجوائز، والندوات، والأمور المالية والإدارية الخاصة بالخدمة، والمكتبة ووسائل الإيضاح… من أين أجد وقتاً لكل هذا، وكيف أجد وقتاً للصلاة؟ وإن وجدت،سيسرح فكرى أثناء صلاتى فى كل هذا…!
حسن أن يهتم الإنسان بالخدمة، بكل نشاط وأمانة. ولكن ليس حسناً أن تصير الخدمة بديلاً لله…
إنها وسيله روحية يعبر بها عن محبته لله،ويجذب بها الآخرين إلى محبة الله.ولكن لا يجوز مطلقاً أن تبعده الخدمةعن الله. لا يجوز أن تتحول الخدمة من وسيلة إلى هدف. وليس صالحاً للخدام أو للمخدومين أن تجف روحياتهم فى مجال الخدمة،عن طريق العمل المستمر الذى لا يجد وقتاً للصلاة والتأمل.

مرثا كانت تخدم الرب، خدمة أبعدتها عن الجلوس عند قدميه والإستمتاع إليه، فقال لها الرب”أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، والحاجةإلى واحد”. والإبن الكبير كان يخدم أباه “سنوات هذا عددها”ولكن فى مشغوليته لم يسمح له بعلاقات محبة ومودة مع الأب، فكلمه بأسلوب غير لائق (لو28:15-30).

وما أعجب أن تكثر أخطاء الإنسان داخل الخدمة…
ليس فقط،أن المشغولية فى الخدمة تبعده عن الصلة المباشرة بالله فى الصلاة والتأمل والحب،وإنما ربما باسم “الغيرة المقدسة” يبدأ الخادم حرباً ضد كل ما لا يروقه فى الخدمة، وربما يعتبر زملاءه زواناً ينبغى اقتلاعه من حقل الخدمة. وهكذا يشتم ويتشاجر ويعلو صوته، ويدين غيره، ويتهم الآخرين فى قسوة وفى غير حب… ويرى نفسه فى كل ذلك بطلاً مدافعاً عن الحق! وقد يقارن بين البر الذى فيه، والخطأ الذى فى غيره، كما فعل الفريسى مع العشار.
كل ذلك داخل الخدمة وداخل الكنيسة… وتبحث أثناء ذلك عن علاقة الخادم بالله، فلا تجدها.لقد فقد سلامه الداخلى، وفقد عشرته مع الله،وفقد الحب. وفيما يحاول أن يقتلع ما يظنه زواناً، صار هو مثل الزوان…!وصارت الخدمة هدفاً، بدلاً من الله،وفيها فقد نقاوة قلبه،والكتاب يقول “طوبى لأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله” (مت8:5).

الخدمة الحقيقية الروحية توصل إلى الله ، وليست بديلاً عنه…
لهذا إن وجدت الخدمة قد أبعدتك عن صلواتك وتأملاتك وخلوتك وعشرتك مع الله،أو إن وجدتها قد أثرت على نقاوة قلبك،أو أفقدتك وداعتك وتواضعك، إعرف أنها قد انحرفت عن الطريق،أو أنه استقلت بذاتها عن الله وصارت هدفاً بدلاً منه…! واحترس منها،وحاول أن تصحح مسارك…

إجلس إلى نفسك ، كما كان يفعل أرسانيوس ، وافحص نفسك…
كان هذا القديس العظيم يفحص نفسه باستمرار،ليعلم أين هو سائر. كذلك أنت أيضاً،إهدأ إلى نفسك وافحص ذاتك،ما هى علاقتك مع الله،وهل هو هدفك الحقيقى؟ وافحص كل الوسائط الروحية التى تسلك فيها: هل هى تقربك إلى الله؟ أم أنت تسلك فيها بطريقة روتينية سطحية بعيدة عن محبة الله؟ وهل بعض هذه الوسائط صارت هدفاً فى ذاتها،أو انحرفت فى الطريق؟!

وكما تحدثنا عن الخدمة ، نتحدث عن الصلاة والتأمل…
قد تقف لتصلى. ولا يمنعك الشيطان من الصلاة،بل يراقبك أثناءها ليعطلك عنها بطريقة تناسب ذكاءه وحيله. فينتهز فرصة ورود تأمل روحى جميل لك أثناء الصلاة،ويقول لك “ما أجمل هذا التأمل. لا شك أنه سيفيد الكثيرين إن سمعوه منك”. فإن أعجبتك الفكرة، يكون قد أنحدر بك من الإنشغال بالناس. وهنا يتقدم خطوة أخرى،فيقول لك”كيف تضمن أن تحتفظ فى ذاكرتك بهذا التأمل الجميل إلى نهاية الصلاة. خذ ورقة واكتبه حتى لا تنساه.

وبهذا يكون قد أحدرك من الله إلى الناس ، ومن الصلاة إلى الخدمة
ويعطل صلاتك بطريقة تقبلها…!
فتترك صلاتك، وتجلس لتكتب تأملاتك! وقد تتكرر العملية أكثر من مرة! وتصبح التأملات بالنسبه إليك،ليست تعبيراً عن مشاعرك نحو الله وعمق عواطفك من جهته،إنما تصبح وسيله لأجل الآخرين،ويقف الله جانباً…

ويكون الشيطان قد غير تقييم الأمور فى نظرك !
يكون قد أقنعك بأن تعطى الخدمة قيمة أكثر من الصلاة. ويكون قد نقلك إلى الإهتمام بالناس أكثر من محبة الله ويكون قد حطم قيمة الخشوع فى الصلاة والتركيز فيها،وجعلك تتركها لتجلس وتكتب. وهكذا يشغلك عن الله بطريقة ما…! وشيئاً فشيئاً يغير تقييم الصلاة تماماً فى نظرك…
وربما يحاربك محاربة من نوع آخر فى تأملاتك، ويجعلها مجالاً للكبرياء والمجد الباطل،بدلاً من خدمة الآخرين ومنفعتهم. وذلك بأن تقولها لا بروح الخدمة،إنما بروح التباهى والإفتخار. وإذا بالصلاة والتأمل، قد استخدمها العدو لضررك،ولإبعادك عن الله،وإذا بالخدمة قد أعطاها مفهوماً آخر.

وقد يعطى العمل فى فكرك قيمة أكثر من الصلاة !
يلهيك فى أى نشاط يسميه “الخدمة”،وقد يكون خالياً من أى نفع روحى. وبسبب هذا العمل يبعدك عن الصلاة،أو يقول لك إن العمل صلاة! أما صلواتك فلتكن فى أى وقت، وفى أى وضع… وأنت سائر فى الطريق، أو وأنت جالس، أو وأنت تتكلم مع الناس،بدون الصلاة الخاشعة المركزة التى تشعر فيها فعلاً أنك واقف أمام الله
إنها محاربات من العدو ، حتى فى الوسائط الروحية…
أما أنت يا حبيب الله،فلتكن متيقظاً. وليكن الله أمامك فى كل حين. وليكن لك الإفراز الذى تفهم به حيل العدو. فتحتفظ بالله فى فلبك على الدوام،وليكن هو هدفك وقمة إهتمامك.
واحترس من الخطايا المحببة ، التى تلبس ثوب الفضيلة ،
والتى تأتيك فى ثياب الحملان، غير كاشفة عن حقيقتها…


من كتاب الله وكفى لقداسة البابا شنودة الثالث

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى