انتظر الرب

+ لماذا ؟!

إننا ننتظر الرب لأن فيه خلاصنا “إنما الله انتظرت نفسي من قبله خلاصي” (مز 62: 1) ونحن نعلم أن الله بمحبته غير المحدودة قد دبر هذا الخلاص في ملء الزمان بعدما انتظرت البشرية آلاف السنين مترقبة مجيء المخلص، واثقة في كمال محبته “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو 3: 16)، ولقد أعلن القديس بطرس في سفر الأعمال، بعدما شفى الأعرج هو ويوحنا عند بــاب الجميل في الهيكل، أنه ليس هناك وسيلة أخرى يمكننا بها أن نخلص إلا بالمسيح الفادي رافع خطية العالم كله، لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس بــه ينبغي أن نخلص (أع 4: 12).

وانتظار الرب لابد أن يكون وراءه إيمان واثق نتيجة خبرات سابقة أثبتت صدق وعوده وأبوته وتحننه وإرادته الحاضرة لخلاص الجميع “لأن هذا حسن ومقبول لدى مخلصنا الله، الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون” (1تي 2: 3، 4)، من هنا نسمع الرب نفسه يقول “أنا الرب الذي لا يخزى منتظروه” (إش 49: 23)، لقد وعد الرب آدم وحواء بالمسيح المخلص الذي يسحق رأس الحية وتم وعده ولم يخز الذين وثقوا به عبر الأجيال، وحتى الذين لم يروا بأعينهم في مدة حياتهم على الأرض، عاشوا تحقيق المواعيد بالإيمان في الإيمان مات هؤلاء أجمعون وهم لم ينالوا المواعيد بل من بعيد نظروها وصدوقها وحيوها وأقروا بأنهم غرباء ونزلاء على الأرض” (عب 11: 13، 14). كذلك نرى أن الله بعدما وعد إبراهيم بنسل فيه تتبارك كل الأمم، وانتظر إبراهيم الرب مدة 25 سنة، أن الرب تمم وعده رغم طول الانتظار، وفي الوقت المناسب ولد لإبراهيم وسارة اسحق ابن الموعد وهكذا لم يخز منتظرو الرب.

أيضا رأينا صدق الله وأمانته مع يوسف الذي وثق في الرب وانتظره، ولم يخزه الرب رغم رحلة الانتظار وما عاناه يوسف حتى رفع الرب رأسه وجعله الرجل الثاني بعد فرعون، والكتاب يخبرنا أن فترة انتظار يوسف للرب رغم كل المعاناة والضيقات التي جازها، كانت ممتلئة بالنجاح “وكان الرب مع يوسف فكان رجلاً ناجحاً ” (تك 39: 2)، فوجود الله في حياتنا هو النجاح مهما أحاطتنا التجارب والآلام، ولا يمكن أن يخزى المتكلون عليه، هنا يا أحبائي يجب أن نعرف أن الشيطان في فترة انتظارنا للرب، ومن واقع الضيق الذي نكون فيه، يأتي إلى ضمائرنا يوسوس فيها بالشك معيراً إيانا قائلاً: أين إلهكم؟! هنا لابد أن نتسلح بكلمة الله وترس الإيمان الذي به نطفيء كل سهام العدو الملتهبة ناراً، كما أن الصلاة والصوم يخرجان أفكار الشيطان وكذبه من حياتنا، نصبر على الضيقة لأن “من يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص” (مت 13: 24)، وفي انتظارنا للرب وصبرنا لا يليق بنا أن نتوقف عن عمل الخير، لأن في هذا تزكية لإيماننا بالرب الذي ننتظره “وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء” (يع 1: 4).

+ وكيف ؟!

ينبغي أن نعرف أن الرب لا يشاء أن يذلنا أو يتعالى علينا بأن يجعلنا ننتظره ثم ننتظره، فهو ليس فيه نقائص سادية الإنسان لأنه هو السيد وضابط الكل “منه و به وله كل الأشياء” (رو 11: 36)، ولكن الله عنده توقيته الأزلي والأبدي وهو ضابط الكل والمحب لنا بلا حدود لأننا أولاده، وقد بذل نفسه لأجلناأجمعين، فماذا يكون هناك أغلى من هذا حتى يمنعه عنا؟! لذلك فإن أول شيء في كيفية انتظارنا للرب، هو أن نثق بإيمان ثابت في محبته وقدرته وحكمته غير المحدودة، ونعرف أنه يدبر أمورنا كلها معا للخير لأننا نحبه إذ أحبنا أولاً. من هنا فليس أمامنا إلا أن نقدم كل ما بداخلنا من طلبات وتضرعات في صلواتنا بلا انقطاع أو ملل مع تسليم من القلب لإرادته أن يفعل ما يشاء ونحن نقبله مسبقاً بالشكر، واثقين في خيره المطلق الذي يقدمه لنا في الوقت الحسن، سواء كانت استجابته بنعم أو لا أو بالتأجيل لوقت آخر، أو أن يعطينا شيئا آخر لم نسأله ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله (رو 8: 28) ، ثم نسلك في الحياة بهذه الثقة مهما كانت الضغوط حولنا “وأما منتظرو الرب فيجددون قوة يرفعون أجنحة كالنسور ، يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون” (إش 40: 13)، حيث نشعر بروح القوة وبتعضيد من الرب يفوق إمكاناتنا الذاتية ليرفعنا فوق ضعفنا “لأن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح” (2تي 1: 7)، لذلك فإننا نعمل دون تراجع عن السير قدماً في كل ما هو إيجابي “فلا نفشل في عمل الخير لأننـــا سنحصد في وقته إن كنا لا نكل” (غل 6: 9).

كما أن الرب أجرته معه للذين ينتظرونه بالإيمان، ومهما طال الانتظار فلا يساوي . شيئاً مقابل مكافأته للذين ينتظرون غير متوقفين عن كل ما يرضيه في حياتهم “ها أنا آتي سريعاً وأجرتي معي لأجازي كل واحد كما يكون عمله” (رؤ 22: 12)، فقط علينا أن نسلك بالأمانة تجاه الله إلى المنتهى “كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة” (رؤ 2: 10)، ولا نغتر بعروض الشيطان والعالم الحاضر، فسوف يمضي العالم وشهوته معه، بل نكون متمسكين بالحياة الأبدية امسك بالحياة الأبدية التي دعيت إليها” ( 1تي 6: 12).

وفي الكتاب المقدس بعهديه، نجد أمثلة لا حصر لها من الذين انتظروا الرب وصبروا إلى النهاية وكيف كان الله أميناً جداً تجاههم “ها نحن نطوب الصابرين، قد سمعتم بـصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب، لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف” (يع 5: 11).

أما الذين انتظروا الرب وصبروا في الضيقة العظيمة، وعبروا فإن مجد الله يلفهم ويشملهم كما رآه يوحنا في رؤياه (رؤ 7: 9-16).

إن كان هذا شأن منتظري الرب فلنقل مع إشعياء النبي “في طريق أحكامك يارب انتظرناك، إلى اسمك وإلى ذكرك شهوة النفس، بنفسي اشتهيتك في الليل، أيضاً بروحي فــــي داخلي إليك أبتكر” (إش 26: 8، 9). 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى