كتاب النعمة في العقيدة و الحياة النسكية للأب متى المسكين

النمو في النعمة هو قانون الحياة الروحية

وينبغي أن يكون التقدم مـلـمـوساً بجهاد داخلي بلا شبع ،
وهذا لا يتأتى إلا بانفتاح الوعي الروحي

وفي هذا يقول القديس مقاريوس :
[ إن الـنـفـوس التي تحب الحق وصار فيها محبة الله شديدة ، لا تحتمل التراخي مها كان قليلاً. وحتى وهي مصلوبة على صليب المسيح (في وسط المحن والإضطهاد) تحس، ، بسبب محبتها للرب ، بالتقدم الروحي إحساساً يملك كيانها ، لأنها تكون مجروحـة حـقـاً بـواسـطـة هـذه المحبة وفي شدة التعطش إلى بر الفضيلة ونور الروح
الصالح.
ولـكـن بـالـرغـم مـن امتلاكها للأسرار الإلهية واشتراكها في النعمة والغبطة الـسـمـائـيـة، فإنها لا تعتمد ( أي لا تكتفي ) بهذه الخيرات ولا تحسب نفسها شيئاً يذكر، بل كلما زادت جدارتهـا لمـواهـب الروح كلما ازداد نشاطها بلا شبع في الجري وراء الحقائق السمائية، وكلما أحست أكثر بالتقدم الروحي كلما صارت حقاً أكثر جـوعـاً للإتحاد بالله، وإذ تصير غنية بالروح فإنها تعيش كالفقراء في داخـل نـفـسها ، كما يقول الكتاب المقدس « من يأكلني يظل جائعاً ومن يشر بني يظل عطشاناً».]

القديس مقاريوس – العظة 25

و يقول القديس مقار يوس أيضاً:
[ وأما إن كان أحد عارياً عن الصلاة، بحيث يغصب نفسه إليها لأجل الحصول على صلاة النعمة فقط ، ولا يسعى في طلب الوداعة والتواضع والمحبة ووصايا الرب الأخـرى ولا يعتني ولا يتعب ولا يجتهد لأجل طقسها الواجب ، فبحسب
اخـتياره ورضاه تُعطى له أحياناً صلاة النعمة ، ولكنها تبقى منفردة على حدتها كحسب طلبته ، إلا أنه يظل كما كان أولاً من حيث سلوكه وسيرته ، فيبقى بلا وداعـة لأنه لم يطلبها ولم يهيىء نفسه لها ، و بلا تواضع لأنه لم يسأل عنه ولم يشع في اقـتـنـائه ، ولا عنده محبة لكل الناس لكونه لم يبال أو يتنهد في صلاته من أجلها ، ولـيـس لـه إيمان ولا ثقة في الله في تكميل ما عليه من الأفعال ، لأنه لم يعرف نفسه ولذلك لم يعلم أن ذلك يعوزه ولم يتعب بشدة حين طلب من الرب نوال إتكال ثابت صحيح عليه.]

القديس مقاريوس – عظة 19

[ لأنه جديـر بكل أحد أنـه كما يغصب نفسه و يندفع إلى الصلاة بنفور قلب ، كذلك يغتصب نفسه إلى الثقة بالله وإلى التواضع ، وإلى الوداعة والصدق والسذاجة، وإلى كل الصبر والأناة بفرح كما كتب ، فهكذا يجب عليه باغتصاب العادة أن يـعـد نـفـسـه كـلا شيء ، و يتحمل صيت مسكنته ، وأنه آخر الناس كلهم، ويقتضي أنه يهتم بتجنب الكلام الفارغ ، و يتأمل أمور الله كل حين و يعلنهـا بـفـمـه وقـلبه ؛ وكذلك يسعى في هذا السبيل ، أن لا يتقد بالغضب ولا يـكـون ذا تـشـويـش وضجة (كما قيل : « وكل مرارة وسخط وغضب وصراخ وفرية ، فـلـيـنـزع منكم مع كل الخبث » )، وأن يشتمل على سيرة ربنا كلها ، وعـمـل الفضيلة تماماً، وطريق عيشة صالحة مشهورة ، وسيرة حسنة على العموم ، وكل تواضع الوداعة ، فلا يتشامخ ولا يتكبر ولا ينتفخ ولا يتكلم في حق إنسان . فـتـن كـان مـريـدأ، إذن، أن يكون مقبولاً لدى المسيح ومرضياً عنه ، فعليه بالإنـقـيـاد إلى هذه الأشياء كلها بتمام الإغتصاب ، حتى إذا رأى الرب تقدمه وكـمـال عـزمـه في اغـتـصـاب نـفـسه هكذا على الصلاح والسذاجة والإحسان والـتـواضـع والحب والصلاة، وكيف أنه يسوق ذاته إليها بشدة ، يدخل فيه نفسه كلها؛ فإن الرب نفسه يفعل فيه هذه الأشياء كلها بالحق بنقاوة بلا تعب ولا اغـتـصـاب ، مع أنه لم يكن يقدر أن يفعلها من قبل بالإغتصاب والإندفاع بسبب الخـطـيـة الحالة فيه، وهكذا تصير أفعال الفضيلة هذه كلها كأنها طبيعة فيه ، لأن الرب حين يأتى فيا بعد و يصير فيه وهو في الرب ، يكمل فيه أوامره بلا تعب مالئاً إياه بثمار الروح . ]

القديس مقاريوس – عظة 19

 

[ فـكـل مـن شـاء ، إذن، أن يرضي الله بالحق و ينال منه النعمة السماوية نعمة الـروح ، وأن يـنـمـو و يكمل في الـروح الـقـدس ، فهو جدير بأن يغصب نفسه إلى وصايا الله كلها ، ويخضع لها قلبه النافر كما هو مكتوب : « لأجل هذا بإزاء كل وصاياك تقومت وكل طريق ظلم أبغضت » ، فإنه كما أن الإنسان يسير بالغصب والحصر لأجـل الثبات في الصلاة إلى أن يتعود عليه ، كذلك في جميع أحوال فعل الـفـضـيـلـة، إن كان ذا عقل مطيع فإنه يغتصب ويجتهد مع نفسه ، و يعود نفسه العادات الحميدة . ومع مداومة الطلب والصلاة إلى الله كل حين ولو بعد أن ينال مرغوبه و يذوق الله و يصير شريكاً في الروح القدس ، يجد جدا صحيحاً في تـربـيـة المـوهـبـة المـعـطـاة له ، وفي أن يجعلها زاهية بحيث يثق بتواضعه و بالمحبة والوداعة . ]

القديس مقاريوس ـ العظة 19

غاية الجهاد والنعمة أن يستريح الله في الإنسان، ويستريح الإنسان في الله :

[ إن الله عـنـدمـا يريد ، يجعل نفسه راحة تفوق الوصف ، وسرية ، لكي تستريح النفس به أي بالراحة الإلهية . حينئذ يظهر روح الرب لراحة النفوس البارة لأجل بهجتها ونعيمها وحياتها الأبدية . ]

القديس مقاريوس – عظة 16

[ إن قلبنا هو قصر المسيح ، فلا ينبغي أن يكون مشحوناً بنجاسة من أي نوع ، أو تسكنه أرواح شريرة خبيثة ( المكر ، الغش ، الخداع ، الخبث ، الحسد ، البغضة ، النمـيـمـة… إلخ). يجب ، إذن ، أن يعاد إصلاح هذا القصر ، لأن المسيح الملك سيأتى إليه مع ملائكته وقديسيه ليستريح فيه . ]

القديس مقاريوس – عظة 33:15 

[ إن طعام المسيح وشرابه وملابسه وبيته وراحته هي في نفوسنا . إنه دائماً يقرع بابنا راغباً في الدخول إلينا . فلنستقبله وتدخله داخلنا . لأنه هو أيضاً بالنسبة لنا طعامنا وحياتنا وشرابنا وحياتنا الأبدية ( أتعشى معه وهو معي). وكـل نـفـس لا تستقبله ولا تعطيه راحة فيها ، وبتعبير أفضل لا تستريح هي فيه ، فهذه النفس ليس لها نصيب في ملكوت السموات . ]

القديس مقاريوس – عظة 9:30 

[ كـل نـفـس لا تستقبله في داخلها الآن ولم تعطه راحة من فضل ثماره وقوته ، أو بالأحرى لم تـشـتـرخ هي فيه ولم تحيا حياة الروح ، ليس لها نصيب في ملكوت السموات مع القديسين ، ولا تستطيع الصعود إلى مدينة الأبكار السمائية.
وعندما يكون لنا رجاء مثل هذا بأن الرب يدخل و يستريح في نفوسنا ، أو بالأحـرى تـسـتـريـح نفوسنا فيه، فيجب أن تحول كل ما يحدث في العالم ليعمل لمصلحتك الروحية بواسطة العين الروحانية وبفضل الإتجاه والغاية الحسنة التي تخـتـارهـا دائماً. فمثلاً إذا رأيت في العالم أفراحاً وأعياداً ومسرات ، فقل لنفسك : أواه يـا نـفـسي! متى تـصـيـري أنت أيضاً فرحانة لتحتفي بالعيد الروحاني الذي للروح ؟ ]

القديس مقاريوس- عظة جديدة 16

[ إن الخليقة كلها خاضعة لسيادته ، لكنه لم يقم له فيها عرشاً ولم يدخل في شركة معها، ولم يرد أن يستريح إلا في الإنسان الذي دخل معه في شركة وصار مكاناً
وراحـة لـه… أتـرى الآن قـرابـة الله للإنسان وقرابة الإنسان الله ؟ لأجل هذا فإن الـنـفـس البصيرة والفطنة تجوب كل الأشياء المخلوقة ولا تجد لها راحة إلا في الله ، والرب قد قرر من جانبه أن لا يستريح إلا في الإنسان.]

القديس مقاريوس – عظة 45 : 5 

النعمة والصبر على المحن كتب القمص متى المسكين السقوط من النعمة
كتاب النعمة في العقيدة و الحياة النسكية
المكتبة المسيحية

 

زر الذهاب إلى الأعلى