كتاب حياة الصلاة الأرثوذكسية - القمص متى المسكين

الصمت المقدس

+ «جيد للرجل أن يحمل النير في صباه، يجلس وحده ويسكت.» ( مراثي 3: 27 و 28)

+ «سكون النفس هو أحد أسرار الحياة الآتية . »

مار إسحق السرياني

إذا ألقينا نظرةً فاحصة متسعة على حياتنا، لأدركنا مقدار الجذب الذي نعانيه رغماً عنا المسايرة الناس في تمسكهم بأمور هذا العالم الزائلة.

عجیب حقاً أن نرى خطأ الناس واضحاً في سلوكهم هذا، ولا نكف نحن عن مسايرة هذا الخطأ بعينه ، بل نتمادى في الزج بأنفسنا في وسط موكب البشرية الصاخب كأنما مسنا نوع من جنون الحياة، ولا نحاول أن نستخلص أنفسنا من وسط هذا التيار الجارف، بل على النقيض نحاول أن نسرع في طريقنا وندعو الآخرين أيضاً ليشاركونا في ذلك السير المبهم نحو المصير المجهول.

ولعلك أيها القارىء هو من أقصده بالذات، ويستوي عندي أكنت راهباً أو كاهناً أو خادماً أو مخدوماً ، لأني لا أتكلم عن الإنسان حسب الظاهر، بل أخاطب نفسك عاريةً عن كل هذه المظاهر الزائلة : ما هو مقدار الثمر الروحي الذي أتيت به كغصن في الكرمة ؟

لا تقل إني قد بشرت باسمك وخدمت إنجيلك وشفيت مرضاك، لئلا تسمع بقية القول : إذهبوا عني … لأنكم استوفيتم أجركم كرامة ومالاً وشهرةً وصيتاً حسناً !

ولا تـقـل إني واظبت على كنيستك وأقمت لك الذبائح كل يوم وقدمت لك البخور كل مساء وكل صباح، لئلا تسمع تعنيف القول : «لماذا لي كثرة ذبائحكم ؟ البخور هو مكرهة لي» (إش 1: 11 و 13) !! «لأنه لعلَّةٍ تطيلون صلواتكم» (مت 23: 14) !!

هذه كلها ليست ثماراً … إنها أوراق خضراء وجميلة لازمة لنا إلى حين، ولكنها ستجف يوماً وتتركنا في خريف الحياة عراةً.

نفسك أيها الحبيب هي الغصن، والثمرة التي يفتش عليها الكرام هي مقدار نمو نفسك في النعمة وترقيتك في مدارك الحياة الروحية . فانظر جيداً وفتش عن ثمارك ، لئلا يكون تعب الكرمة فيك باطلاً ، واستخدامك للعصارة لم يأتِ بثمر ، فتكون نهايتك للقطع والحريق.

إن أردت أن تعرف ثمارك فادخل مخدعك واغلق بابك واجلس صامتاً مصلياً وافحص أعماق نفسك، وحينئذ سوف تدرك مقدار عر يك وخزيك وأنك لست غنياً كما كنت تتوهم بل أنت الفقير الشقي العريان !!

سوف ترى غصن حياتك التي هي نفسك فارغة من كل ثمر الروح ، وأما أعمالك وخدماتك التي ملأت الجوبها صياحاً فسوف تظهر أمامك كخرقة مدنسة.

حينما تخلو إلى الله تماماً، حينما تجلس في حضرته صامتاً صمتاً مقدساً، ترى صورتك في مرآة الله ! وتكتشف قبح منظرك وأنك لست تشبهه في شيء.

ومن فرط حنان الله عليك، لا يريك كل خزيك وعر يك مرة واحدة، لئلا تبتلع نفسك من فرط الحزن. وإنما يكشف لك الرب قليلاً قليلاً صفحات من قضايا زناك وكبريائك وغضبك وتمردك وسرقتك ونميمتك وحسدك وغيرتك ؛ ويريك أنها لا زالت قائمة ضدك إنما تحت الحفظ مختومة بدم يسوع المسيح في انتظار توبة صادقة وعهد مقدس.

إن اكتشاف الإنسان لخطاياه نعمة كبرى لأنه الطريق الوحيد الموصل إلى الشفاء منها.

الصمت سوف ترى عيوبك وخطاياك واضحة تتقدمك للقضاء.

في الصمت أيضاً ستجد فرصةً للتوسل والبكاء لتغسل بدموعك قذر أعمالك . فإنك لا تخرج من لدن الله إلا وقد أعطيت كل مرة زوفا جديدة تغسل بها نفسك . جداً حتى تبيض أكثر من الثلج.

ولكن لا تحسبن أن الإبتعاد عن الناس فقط خلوة، أو الدخول إلى المخدع المغلق هو الصمت … كلا، فالخلوة تكون في القلب أولاً والصمت يبدأ من العقل قبل الفم . الإنسان الذي دخل إلى الخلوة قد أفرغ قلبه من كل شيء من الفرح ومن الحزن، من الأمل ومن اليأس، من الحب ومن البغضة ، قد أهمل كل اهتمام وكل تفكير وسلّم كل شيء كمن استعد لدخول القبر.

ليس في الخلوة والصمت نصيب لنشاط الجسد، فهي مجال للنفس المحبوسة لتنطلق منفردة وتباشر نشاطها.

في بدء التمرين على الخلوة سيتململ الجسد و يثور العقل لأنها سيشعران بظلمة القبر، حيث تكون النفس أيضاً لا تزال تعاني آلاماً وضيقاً في التحرر من سجن الجسد وظلمة حواسه. وهكذا ربما يواجه المختلي بعض الضيق في بدء الخلوة، ولكن هذه هي النقطة الحرجة التي تحتاج إلى صبر وإيمان. وليس عسيراً على النفس اجتيازها ، إذ أنها تشعر أن النور قريب وأن وراء ظلمة القبر مجد القيامة.

والخلوة ليست فترة نقضيها في هدوء بعيداً عن الناس ثم تنقضي، فنعود إلى سابق عهدنا بثرثرة الكلام والنقاش والمجادلات والضحك والتحدث في السياسة وقراءة الجرائد ودينونة الآخرين. إن الخروج من الخلوة هو بمثابة القيامة من القبر تحتاج فيها النفس إلى هدوء واحتراس وصمت والبعد عن الناس بقدر الإمكان « لا تلمسيني» (يو 20: 17) ، ولكن لا تحتاج إلى كبرياء وترفع أو الإزدراء بالآخرين: «جِسُّوني وانظروا … وأكل قدامهم !! » ( لو 24: 39 و 43 )

إحفظ فكرك وحواسك ومشاعر قلبك نقية بقدر الإمكان وأنت بين الناس، حتى إذا دخلت إلى خلوتك سهل عليك الإنطلاق والوجود في حضرة الله بلا خزي. في بدء تدريبك في الخلوة لا تحاول أن تُجهد حواسك للشعور بالقداسة أو محاولة رؤية شيء عن الله، لأنك بهذا سوف تُجهد عقلك وجسدك بلا طائل، فالله لا يُرى بالجسد ولا يُدرك بالحواس.

العمل الوحيد الذي تقوم به أثناء خلوتك هو أن لا تعمل شيئاً … إنتظر الله بهدوء ولا تسعى وراءه لا بالخيال ولا بالبحث عنه في الخليقة المنظورة لأن كل هذه المحاولات سوف تعطل انطلاق النفس والوجود في حضرة الله.

وإن كان هناك ثمة عمل يمكن أن يقوم به الإنسان فهو أن يتأمل في نفسه بانسحاق واتضاع كثير، بحزن وتألم على الخطايا التي سببت وجود هذه الحجب الكثيفة التي فصلت النفس عن الله. هذه المشاعر المتواضعة ربما تصلح لتمهيد الطريق لانطلاق النفس. 

حينما تتدرب على الخلوة ستجد فيها فرصاً نادرة للوجود في حضرة الله وكشف النفس أمام خالقها لإصلاح كل عيب أو خطأ فيها، وإعدادها لحلوله المقدس العجيب، وبذلك يثبت الغصن في الكرمة و يؤهل لحمل الثمار التي لشجرة الحياة: «محبة ـ فرح – سلام – طول أناة – لطف – صلاح – إيمان – وداعة – تعفف . » (غل 5: 22 و 23)

أقوال الآباء في الصمت المقدس :

832 ـ قبل كل شيء يجب أن نلاحظ بكل اعتناء مبادىء الإنجيل التي ترشدنا إلى الصلاة المغبوطة : ندخل مخدعنا ونغلق بابنا ونصلي . ولكن كيف نتمم هذا الأمر عملياً ؟ أليس بأن نعزن أفكار العالم والإهتمامات الباطلة وندخل في عشرة ملتصقة بالرب ! وما معنى الأبواب المغلقة في الصلاة؟ أليس هو الهدوء والصمت الكامل المقدس والشفاه المغلقة المتخشعة أمام فاحص القلوب !

وما معنى الصلاة الله في الخفاء؟ أليس هو كتمان أمر سؤالنا وطلبتنا بحيث لا نكشفها إلا لله وحده!

لذلك يجب أن نصلي في صمت كامل لا لكي نتحاشى فقط التشويش على الإخوة الملازمين لنا وعدم إزعاجهم بتمتماتنا ؛ بل ولكي نخفي أمر صلاتنا وسؤالنا عن أعدائنا بل وأقرب المقربين إلينا وحينئذ نتمم الأمر: «إحفظ أبواب فمك عن المضطجعة في حضنك.» (مي 7: 5)

الأب إسحق في حديثه مع کاسیان

833- الصمت هو كف العقل عن الهم بالعالم نسيان ما هو أسفل، معرفة سرية بالأمور العلوية، ترك أفكار الحصول على ما هو أعلى منها . الصمت هو النشاط الحق، والسير الحثيث نحو الله، والصعود إليه بالتأمل.

والصمت هو العلامة الدالة على صحة النفس؛ والتأمل هو ثمرة هذه الصحة التي بها يصير الإنسان شريكاً لطبيعة الله الفائقة غير الملموسة.

الصمت هو تطهير القلب وإعداده للدخول في منطقة النور الإلهي غير المنطوق به الذي يفوق كل شعور وإحساس وتصوير.

834- والدة الإله إتحدت عقلياً بالله بدوام الصلاة والتأمل، وفتحت طريقاً نحو السماء جديداً سمت به فوق كل المبادىء والظنون الذي هو الصمت العقلي أو الصمت القلبي :
«وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها.» (لو 2: 19)
«وكانت أمه تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها.» ( لو 2: 51)
رأت عظمة الله في نعمة الألوهية وتلامست معها عن قرب دون أن يكون للخيال أو التصور أو الشعور دخل في تحقيقها للإطلاع على أسرار ابنها العجيب … كانت صامتة وظلت كذلك وتحدت كل ضعف البشرية فاستأهلت بذلك أن يتجسد منها إله العالم.

غريغوريوس بالاماس

835 – بداية الصمت العزلة عن كل ضوضاء مزعجة للنفس …. ونهاية الصمت قلة الإكتراث بأي ضوضاء وعدم التأثر بها . فيخرج الإنسان و يدخل وكله دعة وحب دون كلمة يلفظها.

836 – الرجل الصامت يحتفظ في نفسه بإلهامات سماوية.

837 ـ مع الرجل الصامت تقف القوات السمائية لتشترك معه في التسبيح والعبادة بل وتتوق أن ترافقه على الدوام.

838 – شعرة صغيرة تزعج العين، واهتمام صغير يفسد الصمت، لأن الصمت عدوه الأفكار والإهتمامات حتى التي تظهر أنها للخير.

لاحظت أثناء تلحين المزامير أن أحد الإخوة يقف بانسحاق وتخشع كبير أكثر من باقي الإخوة، و بالأخص عند بدء الصلاة، ويظهر كأنه يخاطب أحداً ما . فسألته أن يشرح لي معنى هذه العادة، ولما عرف أنه لا فائدة من إخفاء الأمر قال لي: يا أبي يوحنا عندي عادة أن أستجمع أفكاري وأستحضرها عند بدء الصلاة منادياً لها: «هيا تعالي لنعبد ، هلمي إليَّ لنخر أمام المسيح إلهنا » .

839 – الصمت بمعرفة هو صلاة الصمت يحفظ حرارة القلب ويدبر الأفكار ويرصد الأعداء. يعلم الدموع. يذكر بالموت. الصمت هو نمو المعرفة ومهيىء الأفكار الروحانية. 

840- الذي قد عرف مرارة سقطات اللسان يحذر من الكلام أما كثير الكلام فلم يعرف نفسه بعد كما ينبغي.

الذي أحب السكون فقد اقترب من الله، وكلما اقتوب إليه كلما استنار منه فزاد صمته.

أفضل للإنسان أن يسقط من مكان عال على الأرض ولا يسقط من لسانه !! 

841 ـ إغلق باب المخدع على الجسد، وباب الفم على اللسان، وباب القلب عن الشهوات والأفكار الكثيرة.

842ـ أذن الساكت تسمع من الله العجايب !

843ـ صاحب السكوت هو الذي يفر من جميع الناس بغير بغضة.

الأب يوحنا الدرجي

844- بالصمت تحيا النفس وتستنير بنور مجد الله فترتفع من أمامها كل اهتمامات هذا العالم الزائلة. فتتحد بالله بغير إدراك.

إفهم أنت الآن أيها المُفرز أيهما تختار إفحص وانظر أي الطريقين تتبعه ليدوم معك إلى الأبد. أما إذا اخترت لنفسك طريق الحياة والنور فتمسك به بكل حذر في كل حين وفي كل مكان إلى أن تعبر إلى هناك.

الروح أشار لي خفياً أن حدود هذا الطريق هو الصمت. آه ، من يعطي يميني سلطاناً لأكشف هذا السر بالأحرف المكتوبة للذين يتعذبون من أجل حب يسوع !

845ـ في خدمتي وصلاتى ما أعرف جهداً أو تعباً لأني لا أتحرك بهواي، بل أنا أنصت فقط وأستمع إلى الروح القدس في، فأشتعل حرارةً وحباً … وهذا هو ما قيل أن الروح القدس يصلي فينا بأنات عجيبة لا ينطق بها !

846- إن كان لسانك متعوداً على كثرة الكلام فقلبك منطفىء من حركات الروح النيرة. أما إذا كان فمك ساكتاً بهدوء فقلبك يشتعل دواماً من حرارة الروح.

إن كنت تتكلم بلسانك وقلبك لا يتحرك بالصلاة، فكلامك هو خسارة.

سكت لسانك ليتكلم قلبك … وسكت قلبك ليتكلم الله !

الشيخ الروحاني

847- فالضرورة تُلجيء الذين يهتمون بخلاص أنفسهم ويتشوقون المحبة ربنا ولتكميل وصاياه المقدسة، أن يتدربوا على السكوت كل واحد حسب قدرته.

848- ما وجدتُ غبطة في الفضائل مثل أن يهدأ الإنسان و يكف عن جميع الأعمال و يصمت عن كل حديث . أما كمال هذا العمل فهو مخفى عن معرفة الكثيرين.

849 ـ إذا انقطع الإنسان عن كثرة الحديث مع الناس فهو يرجع إلى ذاته و يقوم تدبير سيرته حسناً أمام الله.

850 – السكوت يبرد حرارة الآلام الوحشية من القلب ويميت الشهوات الباطلة ويجدد العقل.

851 – صلاة واحدة يصلي بها الإنسان وحده ، خير من مائة صلاة يصنعها مع الناس.

852 – كل تدبير له تمهيد بتدبير يسبقه، فالصلاة لا بد أن يسبقها خلوة، والخلوة رفض العالم.

853- كل إنسان لم يأخذ تجربة في السكون زماناً طويلاً لا ترجو أن تتعلم منه شيئاً عن الأمور المختصة بالملكوت ولو كان حكيماً ومعلماً وله كثرة أعمال.

854 – قبل كل شيء نحن نكلف أنفسنا أن تهدأ وتسكت وحينئذ من السكوت تولد لنا رغبة تدفعنا إليه.

855 – كل من هو كثير الكلام حتى ولو كان عالماً بأمور كثيرة، إعلم أنه فارغ من داخل. 

856 ـ إن كنت محباً للحق كن محباً للصمت . فالصمت يجعلك تنير كالشمس و ينقيك من عدم المعرفة.

857 – اليوم الذي لا تجلس فيه ساعة مع نفسك وتفكر في أي شيء أخطأت وبأي أمر سقطت وتقوم ذاتك لا تحسبه من عدد أيام حياتك. 

858 – أحب السكون يا أخي ، لأن فيه حياة لنفسك بالسكون ترى ذاتك، وخارجاً عن السكون ما ترى إلا ما هو خارج عنك. وما دمت تنظر غيرك فلن ترى نفسك.

هدىء حواسك الخارجية حتى يمكنك أن تهدىء الداخلية .

859 – السكوت يُكسب الحكمة ويجمع ملكات الفكر للمعرفة.

860- الأفضل لك أن تكون قليل الكلام مع أنك عالم ومحنك وذو معرفة بتجربة الأشياء بداخلك، من أن تفيض أنهار تعاليم مع عقل مرتبك وحواس مضطربة.

861 – الفرق بين حكمة الروح وحكمة العقل أن الأولى تقودك إلى الصمت والثانية تدفعك إلى التبجح والملاججة. والصمت الحكيم يقودك إلى الإتضاع، أما التبجح والعناد فيقودك إلى الصلف والكبرياء .

862 – إذا كان لسانك يغلبك فصدقني أنك لن تقدر أن تتحرر من الظلمة التي تحيط بك. 

863- الإنسان الذي يطلق لسانه على الناس بالجيد والرديء لا يؤهل لنعمة الله

864 ـ إذا أردت أن تعرف رجل الله : استدل عليه من دوام سكوته.

مار إسحق السرياني

865 – أطلب إليكم أن تتركوا إرادتكم الحسية وتلزموا الهدوء.

866 ـ إذا انفرد العقل عن الناس وصار في هدوء الوحدة فإن الله يقويه و يثبته ليمكنه أن يسأل و يبحث في ماهية الله . وحينئذ يؤهل إلى نظر عظمة الله وقوته ولاهوته وبهائه في خلائقه.

867 – قال ربنا يسوع المسيح : « أدخلوا من الباب الضيق»؛ فما هو ذلك الباب الضيق إلا حفظ اللسان من الخطأ ! إذن لنجاهد ونضع حافظاً قوياً على أفواهنا حتى لا ننطق بنطق شرير. 

يا أولادي إهربوا من النميمة ولازموا السكوت. لأن الساكت مقامه عند الله في زمرة الملائكة.

أبا أنطونيوس الكبير

868 – كثيراً ما تكلمتُ وندمت وعن السكوت قط ما ندمت.

أبا أرسانيوس

869 – يا ليت يكون للكلام منفعة كمقدار منفعة السكوت ! – أما أنا فإذا نظرت لنفسي لا أجد فيها شيئاً واحداً حسناً ما خلا أمراً واحداً أعتقد أنه ليس ردياً، وإن كان الناس يسمونه، هواناً، وهو أني آثرتُ أن أموت في كل وقت عن العالم وأعيش للمسيح في حياة مكتومة ؛ وأكون تاجراً مخاطراً ، قد اشتريت بجميع ما عندي الجوهرة الكريمة. بعت الأشياء الزائلة واشتريت الأشياء السمائية الثابتة.

871 – إنزل يا أخي عن الكراسي و المحبيها وكن مثلي فقد آثرتُ أن أكون صبياً وتلميذاً في سائر عمري .

872 ـ حينما غُصِبتُ على الكلام وجدتُ أن لا أتكلم إلا عن الصمت حتى أقود الناس إلى الصمت بالصمت والكلام ! هذا هو رأيي في السكوت وهذه هي فلسفتي في الكلام.

873 – إن عندي لكم كلاماً أفضل من السكوت فاسمعوه :
لماذا تحبون الباطل وتبتغون الكذب؟
لماذا تثقل قلوبكم ؟
لماذا تتوهمون أن هذا العالم شيء عظيم وهو غبار تذريه الريح ودخان يظهر قليلاً ثم يضمحل، ومنام كاذب وظل يحول ؟
لماذا لا تسعون نحو الغنى الحقيقي والسعادة الدائمة والخير الذي لا يتزعزع ؟

غريغوريوس ثيئولوغوس

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى