كتاب ملكوت الله – القمص متى المسكين

ملكوت الله وملكوت الناس في مواجهة

«المجد لله في الأعالي
وعلى الأرض الـسلام
وفي الناس المسرة».

هذه هي تسبحة الملائكة ساعة ميلاد المسيح ، رنت أصداؤها بين السماء والأرض ، وسمعها الرعاة المتبدون وهم يحرسون حراسات الليل على قطعان أغنامهم في برية بيت لحم ، فهل من معنى واقعي لهذه التسبحة بالنسبة لعالم اليوم وهو يعاني من تمزق سياسي واجتماعي وعنصري لم يسبق له مثيل، حيث وقفت شعوب الأرض متخاصمة متنازعة يتربص بعضها ببعض ، وقد انتزع السلام من بينهم ، يقتتلون من أجل كل شيء ، من أجل المال والأرض والأسواق والألوان والأجناس والأعراق والمبادىء والنظريات والتاريخ والدين والفضاء الخارجي وتلوث الهواء وأعماق المحيطات ؟!

حتى العلم دخل في معركة الشعوب كعنصر للإرهاب وأداة للقتل والتدمير. وحتى المعرفة الخالصة، التي هي أصلاً وسيلة تقارب وتآلف ، أصبحت بواسطة التمادي في التخصصات وسيلة تشتت وتباعد وتحزب بين الجماعات وبين العلماء أنفسهم ، فالعالم المتخصص في مادته أصبح جاهلاً تماماً بتخصص آخر في فرع آخر من نفس مادته ! وهكذا يسير العالم كله بكافة ميادينه السياسية والثقافية والعلمية وحتى الدينية في انحلال وتفكك وتباعد مبدداً كل مذخراته وقواه ومواهبه ، … نقول هل من واقع ممكن أن يتلمسه العالم اليوم في تسبحة الملائكة هذه : المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة ؟؟ …

السر الأعظم في تسبحة الملائكة :

واضح أنها المرة الأولى في تاريخ الإنسان التي فيها تخرج الملائكة عن صمتها الأبدي وتـنـطـلـق تسبح بصوت مسموع ومفهوم داعية لتمجيد الله ومنبئة بسلام يكون على الأرض وسرور بين الناس، فما هو السر الكائن وراء هذه الظاهرة السماوية؟

واضح بلا شك أن سر هذه التسبحة وهذا التمجيد وهذا السلام والسرور الموعود به يتركز في ميلاد المسيح الذي صاحبته هذه المظاهرة السماوية العجيبة . فميلاد المسيح ، إذن ، كان يعني شيئاً هاماً جداً وخطيراً بالنسبة للملائكة ، بالنسبة لتمجيد الله في الأعالي ، بالنسبة للسلام على الأرض، وأخيراً بالنسبة للسرور بين الناس.

ولكن ما هو هذا الشيء أو ما هي الحقيقة الكامنة في ميلاد المسيح والتي اهتزت لها السماء هكذا ؟؟ هنا نهاية كل سؤال ، هنا الجواب الذي يستطيع أن يرد على كل تساؤل منذ بدء الخليقة وعن علة خلقتها حتى اليوم ! فدخول يسوع المسيح إلى العالم آتياً من عند الآب ظاهراً في هيئة إنسان يعني بداية ظهور وعمل ملكوت الله على الأرض ، الله ارتضى بهذا أن يظهر علانية على الأرض ، و يستوطن ضمائر الناس والشعوب ، يحكم فيها وعليها في شخص يسوع المسيح وبواسطته … الله بتجسد إبنه ينقل حكومته السماوية ظاهراً وملموساً في شخص إبنه من أعلى السماوات إلى الأرض، حتى يحكم بمشيئته « كما في السماء كذلك على الأرض » !! وهذا النزول والتنازل معاً هو الذي اضطر جوقات من الملائكة أن تنقل مركز خدمتها بالتالي وفي الحال من السماء إلى الأرض !!

ظهور إبن الله على الأرض كان يبدو أمام الملائكة مفهوماً بغاية الوضوح أن ملكوت الله امتد من عالم الملائكة إلى عالم الإنسان ، لذلك تحتم عليهم أن يبدأوا أول خدمتهم على الأرض بمرأى من الناس كدعوة للإشتراك في ذات الخدمة !! وهذه هي أول مرة يُدعى فيها البشر للإنضمام مع خورس ملائكة ليقدموا خدمة تسبيح مشتركة! …

إن نقطة السر العظمى في هذه التسبحة المملوءة سراً ورجاء وحياة تكمن في ربط خدمة تمجيد الله في الأعالي بتمجيده على الأرض هنا الحدث الأعظم … الله دخل إلى عالمنا ، الله صار معنا ، في شخص المسيح ( عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا ) . وهكذا انفتحت السماء على الأرض بكل أسرارها وأمجادها وخدامها وسلامها وسرورها … لأن إبن العلي صار معنا وفينا !! الله في شخص المسيح و بتجسده السري العجيب اتحد . بصميم طبيعتنا الإنسانية ، ، بصميم كياننا البشري ، الله لم يعد يحكم علينا من فوق ، بل صار يحكم فينا من داخل كياننا من داخل تفكيرنا وضميرنا ، فالمسيح إبن الله دخل إلى العالم كملك وكصاحب ولاية على كل ملك الله – أي ملكوته … الله سُر أن يرسل إبنه يملك فينا ملكوت السلام والسرور… الحديث مع بيلاطس زعيم الصالبين يكشف عن ترأس المسيح على ملكوت الله : « أفأنت إذن ملك ؟ أجاب يسوع : لهذا ولدت ولهذا أتيت إلى العالم … مملكتي ليست من هذا العالم … مملكتي ليست من هنا » ( يو 18: 36 و 37) .

المسيح إذن جاء حاملاً ملكوت الله بكل قوته ومجده وسلطانه ، حاملاً إياه في ذاته ، في شخصه ، في كيانه ، في لحمه ودمه !!

المسيح لما دخل العالم دخل ملكوت الله معه إلى عالمنا . وعندما تجسد إبن الله ، أي اتحد بجسد الإنسان ، استودع ملكوته بالتالي جسد الإنسان . ملكوت الله دخل فينا ، في طبيعتنا ، في كياننا : «ملكوت الله داخلكم » ( لو 17: 21) .

ملكوت الله دخل الطبيعة البشرية بصورة إلهية لما تجسد إبن الله ، وقبلناه نحن منه بصورة سرية لما أكلنا جسده وشر بنا دمه في سر الكنيسة.

ملكوت الله انتشر على الأرض كلها ممثلاً في الذين قبلوا المسيح في كيانهم وأرواحهم قبول الأكل السري والشرب السري لكل كيان المسيح بجسده وروحه ، العالم قبل في صميم كيانه ملكوت الله في أشخاص الذين آمنوا ، ولن ينحصر ملكوت الله عن عالم الإنسان طالما يوجد على الأرض إنسان يأكل جسد المسيح و يشرب دمه.  

وملكوت الله يتجدد كل يوم في أشخاص الذين يتجددون بالإيمان والحق والحب، و بقدر ما يخضع الإنسان لملكوت الله في القلب بالروح بقدر ما يخضع العالم و يتجدد .

طبيعة العالم الجديد في تسبحة الميلاد :

حينما رنمت الملائكة معاً ترنيمة الميلاد مبشرة بميلاد المسيح أعلنت ضمناً عن طبيعة ملكه العتيد أن يكون على الأرض وبين الناس سلام على الأرض وسرور بين الناس » … السلام هنا سلام يفوق طبيعة الأرض ومسراتها ومباهجها وملذاتها وكل ما يوفره العالم من أمان واطمئنان مادي … والسرور هنا سرور يفوق طبيعة الإنسان ، يفوق العقل، ويسود على كل المحزنات، ويُخضع كل المظالم والآلام والأمراض لسلطان السرور الفائق …

فا هي طبيعة السلام الذي يعطيه المسيح للذين يعيشون في ملكوته « على الأرض »؟ وما هي طبيعة الفرح الذي يُدخله في القلوب ليكون هو أساس العلاقة بين الناس » بني الملكوت؟

الرد على ذلك غاية في البساطة والوضوح، فطبيعة كل شيء تستمد نوعيتها من معطيها، كما يقول الإنجيل من جهة الينبوع المالح والينبوع العذب ( راجع يع 3: 11)، فكل منها يعطي ماءً كطبيعته ، وكذلك التينة والزيتونة والعنب والشوك والحسك ، كل من هذه تعطي ثمراً كطبيعتها …

فالعالم يعطي سلاماً ، ولكن أي سلام هو ومن أي طبيعة ، فالعالم أول كل شيء متغير متقلقل وبالنهاية زائل ، هذا هو أساس طبيعة العالم ، وهو يبثها في صميم طبيعة سلامه الذي يعطيه لأولاد العالم. فمع الأمان والإطمئنان والسلام والهدوء والسكينة التي يمنحها يبث في أعماقها حتماً طبيعته ، أي التغير والتقلقل ثم الزوال ، فيستحيل على العالم استحالة قاطعة أن يعطي سلاماً دائماً أو هدوءً مستمراً أو اطمئناناً كاملاً ، فبعد السلام حرب لا محالة، و بعد الهدوء اضطراب، وبعد الإطمئنان انزعاج وكدر. 

وكذلك الناس في مملكة الناس عندما يقيمون علائق الود والمسرة فيما “بينهم” نجدها مسرة قائمة حتماً على المنفعة المتبادلة أو المجاملة المتبادلة أو التكريم المتبادل أو الواجبات المفروضة أو إلحاحات طبيعة الأمومة أو الأبوة أو الأخوة ، وكل هذه لا تضمن على الإطلاق سروراً دائماً ثابتاً بين الناس، لأن هذه الدوافع أو العلل التي تصدر منها أو عنها علائق الود يمكن أن تتوقف في لحظة، وقد تنقلب إلى أشرس ما تكون الدوافع والعلائق فتنقلب المودة والمسرة إلى غم ونكد وأحقاد واضطهادات وتهم وفضائح وانتقام بلا أي تعقل و بلا أي مبرر!! وربما بين الأخوة الأشقاء!!

هذه هي طبيعة ملكوت الأرض والناس !!

أما طبيعة ملكوت الله فهي ليست هكذا أبداً … فسلامها قائم دائم أبدي لا يمكن أن تزعزعه كل كوارث الأرض ونوائبها « إن سلكت في وسط ظلال الموت فلا أخاف شراً لأنك معي » » (مزمور 23)، « إلهنا ملجأنا وقوتنا ومعيننا جداً في شدائدنا التي أصابتنا ، لذلك لا نخشى إذا تزعزعت الأرض وانقلبت الجبال إلى قلب البحار» (مزمور 46). فالسلام الذي يعطيه الله هو كالله ومن طبيعة الله يستمد صفاته ، فهو سلام أبوي نابع من أبوة واحدة لكافة الناس ووطن واحد يضمن كافة الناس، لا يتغير، لا يتزعزع ، لا يزول إلى الأبد . سلام الله لا يلغي الضيق بل يسود عليه ، و يأخذ من صميم الحزن عظة تزيده سلاماً على سلام.

سلام الله لا يتجاوز التجارب كأنه حقنة مخدر ، بل يحلل التجارب إلى أسبابها ومسبباتها ، ويمتص منها عافية جديدة فيتقوى السلام في التجربة وبعد التجربة .

سلام الله لا ينحصر في حيز خاص من المكان أو الزمان أو التفكير بعيداً عن أسباب و مواضع الغم والهم والنكد الذي ينسجه العالم للعائشين فيه ، بل يقتحم الهموم والمخاطر و يتقبل أخبار السوء بلا حذر أو خشية « لا يخشى من خبر السوء ، قلبه مستعد متكل على الرب ، قلبه ثابت فلا يتزعزع » (مز 111) .

سلام الله لا يتجاوز الزمان، كأن الحياة هنا على الأرض كتب عليها الشقاء والإضطراب ، وقد حجز السلام للحياة الأخرى ، … أبداً فالسلام الدائم الحقيقي أصبح من صميم طبيعة هذه الحياة الدنيا لأن رئيس السلام » الرب يسوع هو حياتنا على الأرض كما هو حياتنا في السماء. « أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر» ( مت 28: 20) ، « سلاماً أترك لكم سلامي أعطيكم ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا » ( يو 14: 27) .

وأما طبيعة الملكوت من حيث « المسرة بين الناس » فهي لا تقوم على المنفعة أو الكرامة أو المجاملة أو علائق اللحم والدم ، التي هي كلها دوافع متغيرة ومتقلبة ، بل هي مسرة أخوة واحدة لأبوة واحدة في وطن واحد يضم الأرواح قبل الأجساد !! فالمؤمنون بالمسيح في كل الأرض مستوطنون الله ، الله وطن حقيقي لكل بني الملكوت على الأرض في كل ممالك الدنيا، لذلك ليس بينهم داعي نزاع وخصام، فالله هو أكلنا ، هو شربنا ، هو دفئنا ، هو عزاؤنا، وسرورنا، هو كل شيء لكل مواطن عنده الله الكل في الكل والمسيح يملأ الكنيسة، والكنيسة على صغرها تملأ العالم ، تملأه حباً وسروراً … 

في ملكوت الله ليس امتياز للرجل على المرأة ، المرأة ليست من دون الرجل في شيء ، ليس عـبـد للـنـاس وحر، فالكل عبيد حب الله وأحرار في الخير فقط، ليس يوناني ويهودي، وبالمثل ليس زنجي وأمريكي، أو أسود وأبيض، ليس طاهر ودنس ، مقبول ومنبوذ، ليس مواطن ولاجيء، ليس غريب وصاحب دار، فالكل نزلاء الله ، وأهل بيت الله، الكل أحبة ومحبوبون « فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولـطـفـاً وتواضعاً ووداعة وطول أناة ، محتملين بعضكم بعضاً ومسامحين بعضكم بعضاً إن كان لأحد على أحد شكوى، كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضاً. وعلى جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال. ويملك في قلوبكم سلام الله الذي إليه دعيتم في جسد واحد وكونوا شاكرين ، لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى وأنتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية ، بنعمة ، مترنمين في قلوبكم للرب. وكل ما عملتم بقول أو بفعل فاعملوا الكل باسم الرب يسوع شاكرين الله والآب به » ( کو 3: 12-17) .

هذه صورة عملية صادقة لمختاري الله ، بني الملكوت، المحبوبين المحبين ، المسامحين بنيا اللطفاء دائماً المملوئين تواضعاً ، الودعاء طويلي الأناة الذين يملك على قلوبهم سلام الله فيترنمون بنعمة الله وهم مسرورون دائماً ومربوطون برباط الحب ، وإسم المسيح في أفواههم وقلوبهم كل حين . هذه . … هي . سمات بني ملكوت الله ، وإن كان الفرح هو طبيعة تفكيرهم وعملهم وعلائقهم والسرور دائماً يقيم فيما بينهم ، فلأنه ليس بينهم امتيازات ولا بينهم ،فوارق، لذلك لا امتيازات يتناحرون عليها ولا فوارق تصدهم عن بعضهم البعض !! هذه هي طبيعة عالم الله الجديد عالم الملكوت الذي أدخله المسيح على الأرض وفي الناس يوم ميلاده «على الأرض السلام وفي الناس المسرة » .

طبيعة المسيح التي دخل بها العالم كملك السلام !

لم يكن دخول المسيح إلى العالم كملك بنوع السيادة الملزمة ، أو على مستوى الحكم المطلق التعسفي « لأنه لم يرسل الله إبنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم » (یو 3: 17) .

والمسيح لم يولد في قصر كما يولد ملوك الأرض ، ولم يباشر حكمه من فوق عرش ، المسيح ولد في مذود، وملك على خشبة (مز٩٥) ، وكلنا يعرف كيف ظهر المسيح أول ما ظهر في زي نجار. وكيف رفض دعوة الرئاسة المظهرية أو أي شكل من أشكال السيادة والملوكية الآدمية : « وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً

انصرف أيضاً إلى الجبل وحده » ( يو 6: 15) . وهكذا استبدل السيادة على رقاب الناس من فوق عرش ، إلى التسلل لقلوب الرعية من وراء البرية وهدوء الجبل. وعوض تجنيد الجيوش المسلحة وإعداد الأعوان والمعدات لخوض المعارك ضد الرافضين لسلطان ملكه، ارتأى المسيح أن يسلم ذاته لأيدي أعدائه ويخفض رأسه للضاربين والمستهزئين، ثم يموت طواعية – وهو عالم بقيامته – حتى بموته يحصن بني الملكوت ضد الموت، و بقيامته يقيمهم ويحييهم منذ الآن كرعايا للحي إلى أبد الآبدين …

وإن كان العالم قد تباطاً جداً في قبول الإنضواء تحت رعاية هذا الملكوت ، فبسبب هذا الأسلوب الفريد في تكميل تدبير ملكوته – بعد صلبوته ـ بهذا الهدوء العجيب ومن خلال وجوده المستتر الذي لا تحسه إلا القلوب المفتوحة له !! يدعو بغير قسر، و يلح في الدعوة بغير اضطرار، يقنع بالحب فقط وليس بالحجة ، يُلزم بالدخول إليه وهو واقف على الباب كمن يستعطف، يقف كملك شامخ والسماء تحت موطىء قدميه يعرض ملكوته علينا و يطرحه تحت أقدامنا … يقدم نعمه ومواهبه و يغدق من ألطافه وإحساناته حتى قبل أن نسلم أنفسنا له ودون أن نكون مستحقين بعد أن تُدعى له عبيداً ، يتودد إلينا وكأنما هو في حاجة إلى خلاصنا وسلامنا وسرورنا … ينادي : « إن عطش أحد فليُقبل إلي ويشرب » (يو 7: 37)، وكأنما هو سبيل أو ساقي مياه على قارعة طريق العالم المعطشة … يقف على باب اللاهين عنه و يقرع عسى يحن اليه قلب أحد فيقوم و يفتح وكأنه يطلب العشاء أو المبيت، وهو إنما يسعى لإنتزاعنا من مخابىء الموت وجحور الذئاب … يجوب أطراف الأرض فاتحاً ذراعيه و يقول تعالوا إلي ياجميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم » ( مت 11: 28) وصح فيه قول أشعياء النبي : « أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها ، … والرب وضع عليه إثم جميعنا » ( إش 53: 4 و6).

وهكذا كانت طبيعة المسيح من طبيعة ملكوته : «سلام ومسرة » : « قصبة مرضوضة لم يقصف وفتيلة مدخنة لم يطفىء » ( مت 12: 20)، وهو هو لا يزال يدعو لملكوته حتى اليوم ويخاطب القلوب بهذا الأسلوب التواضعي الذي يسلب العقل!! …

وإن كان قد عثر فيه كثيرون من ذوي العقول المنطقية والقلوب القاسية ، فعزاؤنا كما قال هو رداً على سؤال يوحنا المعمدان : « أنت هو الآتى أم ننتظر آخر؟» فأجاب يسوع : « اذهبا أخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران … أن المساكين يبشرون … وطوبى لمن لا يعثرفي» (مت 11: 63) . ولكن إن كان الذين يقبلون على الدعوة هم. دائماً قلة ، حتى يبدو العالم بهذه النسبة وكأنه في تباعد مستمر عن بلوغ ملكوت الله ، إلا أن مثل الخميرة الصغيرة التي استطاعت في النهاية أن تخمر العجين كله لايزال هو أمل الإنجيل في إتيان ملكوت الله بصورة محققة وكاملة ، حتى أنه لا يحق لنا أن نرضى بأقل منها ، فالعجين لابد أن يخضع في النهاية لسلطان الخميرة الصغيرة طالما الخميرة طاهرة وجادة في عملها الهادىء في الخفاء!!

المواجهة بين ملكوت الإنسان وملكوت الله بلغت ذروتها:

منذ فجر التاريخ الحضاري حتى اليوم والفلاسفة والسياسيون يجهدون غاية الجهد ليصنعوا من البشرية الممزقة وحدة بأي صورة و بأي حال، ولكن باءت كل اجتهاداتهم بالفشل، من أفلاطون لهتلر لموسوليني لكارل ماركس، وهي خلاصة التجارب التي مر فيها العالم حتى اليوم.

فالأول رأى في الفلسفة الملاذ الوحيد لحكومة جمهورية عادلة حكيمة تسوي خلافات البلاد والممالك والأجناس بالعقل ، فإذ بالفلسفة تنقسم على ذاتها وتنتهي إلى نظريات تلغي الواحدة منها الأخرى ؛ وإذ يتشيع لها الإنسان ينقسم بانقسامها و ينهدم بانهدامها ، وتقوم مدارس وتموت مدارس والعالم كما هو يزداد تمزقاً من جيل إلى جيل على مرأى من الفلسفة والفلاسفة ….

والثاني وهو هتلر، رأى في نقاوة الدم وأصالة العرق ملاذاً لوحدة بشرية فائقة متعالية، إذا اتحدت تحكم الأرض كلها ، فتصبح الأرض وحدة محكومة لوحدة حاكمة تخضع لها وتتعبد. وباءت هذه المحاولة الأخرى بالفشل ومات صاحبها منتحراً وتمزقت بلده إلى نصفين ، بعد أن أذاق الدنيا ويلات حرب ضروس.

والثالث وهو موسوليني، رأى في إقامة الوحدة القومية داخل الدولة على أساس الوطنية التعصبية الملتهبة والمترابطة (الفاشية)، الملاذ الوحيد لحكم العالم بأسره وتوحيد قواه. وهذا الآخر باء بالفشل ومات مشنوقاً بعد أن عانت بلاده بسببه الهزء والسخرية.

والرابع وهو كارل ماركس، رأى أن وحدة البشرية لا تقوم إلا بتوحيد النظام الإقتصادي في العالم بأسره، فالإقتصاد وحده هو المسئول عن تمزق العالم وتطاحنه، ولا سبيل إلى هذه الوحدة الشاملة إلا بحرب الطبقات حتى تتصفى جميعها ولا يبقى إلا طبقة الرفاق العاملين التي بوسعها أن تحكم كل دولة وبالتالي كل العالم … وهذه الأخيرة وإن كانت قد نجحت في تطبيقاتها الأولية إلا أنها تعثرت في الطريق ثم وقفت محاصرة ففقدت قدرتها على الشمول، وهل يمكن أن ينطفىء روح الله في العالم تحت وطأة نظام اقتصادي؟

هذه هي المحاولات الأربع الكبرى التي عانى منها العالم في سبيل إقامة وحدة مزعومة لم يبلغ شيئاً منها ، بل على النقيض كانت نتائج كل منها مزيداً من التمزيق ثم مزيداً من اليأس … ولو لاحظنا طبيعة هذه المحاولات نجد أن الأولى قامت على حكمة « العقل » ( الفلسفة )، والثانية قامت على نقاوة « الدم » ( الجنس )، والثالثة قامت على قداسة « التراب » ( الوطن )، والرابعة قامت على تنظيم « المال » ( الإقتصاد ).

ولكن، بمزيد من التعمق والفحص نجد أن هذه الأربعة العقل ، والدم ، والتراب، والمال، التي لجأ إليها العالم كواسطة لترابطه وتوحيده هي بعينها التي كانت ولا تزال أسباب تمزيقه وعلة حروبه ونزاعاته التي لا تنتهي ….

وهكذا ثبت فشل حكمة الإنسان ، وادعاء نقاوة دمه ، وتوهم قدسية ترابه ، واتكاله على نظام اقتصاده …

وفي مواجهة هذا الفشل المريع الذي يعانيه العالم اليوم يقف ملكوت الله الذي يباشره المسيح منذ ميلاده وحتى اليوم وحدة واحدة تملأ الأرض والسماء في كنيسة عظمى منظورة وغير منظورة مجاهدة ومنتصرة ، وإن كانت تبدو نسبتها ضئيلة في كل جيل فهي بتجميع الأجيال شيء هائل لا يستطيع العدد أن يحصره ألوف ألوف وربوات ربوات.

ولكن ذلك لا يرضي قلوبنا ولا يريح ضمائرنا، فحالة العالم اليوم لا تجعل لبني الملكوت راحة على الإطلاق. العالم يتمزق أمام أعيننا بصورة مرعبة لم يحدث لها مثيل من قبل . فأموال العالم تتكدس لشراء الأسلحة في كل مكان ، في كل دولة ، والبلاد تجوع والجـيـوش مـطـهـمـة بالحديد والنار الحرب أصبحت أقرب معقولية من السلم لدى كل دولة وفي فكر كل سياسي ، السلام أو الدعوة إلى السلام أصبحت نغمة التضليل ، الحرب من أجل السلم هي آخر موضة لدى السياسيين . فإذا تركنا الحروب وأخبارها واحتمالاتها لنفحص حالة العالم روحياً واجتماعياً ، نرى العالم يجري في طريق آخر للموت والهلاك الأبدي أكثر رعباً من الحروب وويلاتها ، فالإنحلال الخلقي والإباحية الجنسية والإدمان على المخدرات يسود العالم كله، وقد أصاب قلبه في الصميم ، أصاب الشباب، وتعداه إلى صبية المدارس، ففي المدارس الإبتدائية في بلاد النرويج عندما يفتشون الصبيان قبل دخولهم الفصول كل يوم يعثرون على نسبة عالية جداً من الأولاد يحملون المخدرات في حقائبهم !! هذا بالإضافة إلى نسبة الجرائم التي أصبحت تهدد أمن العالم أكثر من الحروب وتقلق بال الدولة والمواطنين معاً على الدوام . فلو أضفنا إلى ذلك مشاكل البطالة في العالم ومشاكل الطلاق يبدو لنا العالم على حقيقته بصورته الجريحة النازفة.

حالة العالم اليوم أمام بني الملكوت هي تماماً حالة الإبن الأصغر في مثل المسيح ، الذي أخذ ميراثه كله وذهب و بذره بعيش مسرف في كورة الضلال حتى أعيي واعتاز وأكل طعام الخنازير… العالم هجر ا الله وابتعد عنه بعيداً و بذر كنوزه ومدخراته ومواهبه بعيش مسرف حتى أعيي واعتاز ولم يعد يحسبه عاراً أن يأكل أكل الخنازير ويحيا حياتها ….

الابن الأصغر سئم الحياة الرتيبة في بيت أبيه وسئم نصائح أبيه وسئم السلام والهدوء والبركة واللقمة الحلال، سئم عشرة الابن الأكبر، سئم كل شيء فخرج يطلب الحرية، الحرية في كل شيء فوقع في حضن الزواني وأضاع ماله وقوته، هذا هو عالم اليوم فقد سئم صوت الله وبيت الله، سئم السلام في حضن الآب السماوي، سئم عشرة الأتقياء والتقليديين، وخرج يطلب الحرية في ميدان العقل والفن والمرح ، فبذر كل مدخراته التقليدية وفقد رزانته وانحلت قواه وهو الآن يسير وتدمين مسرعتين نحو الهلاك، ولكنه يرفع بصره ويمد يديه لبني الملكوت كالرجل المكدوني الذي ظهر لبولس الرسول في الرؤيا ممثلاً العالم الضال قائلاً: أقدم إلينا وأعنا !!

التطلع إلى وحدة الإنسان من جديد أصبحت أكثر من أمنية ، أكثر من عمل ، هي رجاء وأكثر من رجاء، هي توسل وإلحاح، لقد جرب الإنسان كل شيء في سبيل وحدة البشرية وسلامها وإعادة علائق المودة والسرور بين الناس، حرب الحكمة الفلسفية، وحرب العلم، جرب السياسة، وللأسف كلها زادته انقساماً على انقسام وتباعداً وفرقة.
لم يعد أمام الأرض كلها إلا أن تتطلع نحو الله تقوم وتلتجيء إلى أبوته مرة أخرى،
تطلب صفحه ودخول ملكوته، ففيه وحده الملاذ الأخير لوحدة الإنسان وسلامه وسروره.

العالم اليوم جائع أشد الجوع إلى من يملأ قلبه لا بطنه، إلى من يملأ روحه لا عقله، إلى من يمنحه سلام الروح لا تسلية العينين والأذنين ونزهة الجسد. الجوع واحد في الأرض كلها وهو شديد، جوع ليس إلى الخبزيل إلى كلمة الله المحبة، حنين العودة إلى الله يجتاح قلب العالم كله وضميره ، فالعالم كله اليوم محسوب أنه لاجىء ومهاجر يعيش خارج وطنه الحقيقي !!

الإحساس بالفراغ في علاقات الشعوب والأسر والأفراد أصبح مرعباً للنفس البشرية وأشد ضغطاً على أرواح الناس من الموت ذاته ، فكثيرون يرتضون الموت ، وبأيديهم، تخلصاً من القلق الذي أصاب أرواحهم من جراء الفراغ الذي يعيشونه!

العالم كله يشعر الآن أنه لا فائدة من كل الحلول والمؤتمرات والمشاورات والمعاهدات، فمعاهدات الحرب أكثر من معاهدات السلم ، والقنبلة والصاروخ أصبحت أكثر احتراماً من كلمات الرجال …

الحاجة أصبحت واضحة أشد الوضوح إلى من يستطيع أن يجمع شمل الأمم والشعوب والجماعات، واحد له من القدرة والحب واتساع القلب ما يؤهله إلى مصالحة الألوان والأجناس والمذاهب، يصالح الإنسان بأخيه الإنسان، والإنسان بنفسه، والإنسان بالله. واحد يبذل نفسه عن الجميع ليصالح المتخاصمين ويجمع المتفرقين و يوحد الكل في نفسه ليقدم البشرية كلها كأسرة متحابة إلى الآب الذي هي منه وله.

إن تسبحة الملائكة وهي تعلن بداية تأسيس ملك الله على الأرض يوم ميلاد المسيح قد أعطت الأرض كلها إشارة البدء للرجوع إلى حضن الآب السماوي، أنما أرادت وحيثما شاءت، وهي هي لا تزال تُعتبر إشارة العودة مهما طال الضلال ، فملكوت السلام وملكوت المسرة بين الناس قائم على الأرض حتى اليوم وهذه الساعة يدعو كل المتعبين والثقيلي الأحمال لإلقاء أحمالهم وهمومهم على المسيح الذي جاء إلى عالمنا خصيصاً ليحمل همومنا وإخـفـاقـاتـنـا وكل حماقاتنا … فهو الفادي الوحيد نور الأمم ورجاء كل الشعوب وأمل مساكين الأرض ومنبوذيها وكل المظلومين واللاجئين والمطرودين . وهو الوحيد الذي ينعقد عليه أمل العالم الأخير، ليحكم الأرض كلها بالعدل والقسطاس في وحدة تفوق قدرات الإنسان وحكمته وكل إمكانياته ….

التوبة الجماعية والإستعداد لقبول تسبحة الملائكة من جديد:

إنه الرجاء الأخير والرجاء الوحيد والأعظم ، فملكوت الله حقيقة قائمة وموجودة على الأرض منذ أن رنت أصداء تسبحة الميلاد بين السماء والأرض حتى اليوم وإلى آخر لحظة من حياة الناس على الأرض . والملكوت يوجد آنها وُجدت التوبة وحيثما كانت، من أطراف الأرض إلى أطرافها ، فبداية الملكوت توبة وبداية التوبة ملكوت ، وحينما بدأ المسيح بشارته أول ما بدأ، بدأ هكذا : « منذ ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز و يقول تو بوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات » ( مت 4: 17) .

والدعوة للتوبة هنا، كما يلاحظ القارىء، جماعية قبل أن تكون فردية ، والآن أيضاً الحاجة الوحيدة التي نكاد نلمسها بأيدينا هي حاجة إلى توبة جماعية. فالضلالة تجاوزت ضلالة الأفراد ، لقد صارت ضلالة جماعات وبلاد وأمم وشعوب، لذلك لزم أن تكون التوبة فوق مستوى الفرد وإن كانت تحتويه بالضرورة!

لقد أعطانا الكتاب مثلاً لتوبة مدينة بأسرها، نينوى المدينة العظمى تابت كلها عندما واجهت إنذاراً من الله بخرابها. لبست المسوح كلها جالسة في التراب صائمة، من ملكها الجالس على العرش إلى الطفل الرضيع على صدر أمه حتى البهيمة في الدار رفع عنها الطعام والماء، التذلل في نينوى كان جماعياً والملك كان نموذجاً يحتذى : « قام عن كـرسـيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلس على الرماد » (يونان 3: 6) فعفى الله عن نینوی !!

وعلى مثال نينوى تماماً وقف المسيح مطالباً كورزين وكفرناحوم بتوبة مماثلة، استجابة لكرازته التي صنع فيها ، وإلا فالقصاص المحتوم الذي نالته سدوم وعمورة هو في انتظارها !!… إنه ليكاد الإنسان الخائف من الله أن يسمع نفس الإنذار موجهاً للعالم بمدنه الشامخة وصواريخه التي ارتفعت إلى عنان السماء ، فصوت الإنجيل بلغ أن في أقطار المسكونة كلها وقد آن أوان المحاسبة …

لقد بكى المسيح على أورشليم لما رفضت كرازته لأنه كان ينتظر توبتها ، لوهي أدركت زمان افتقادها … فهل يدرك العالم زمان افتقاده ؟ ما أظن ذلك إلا لو بكى بنو الملكوت وتذللوا وندموا وتابوا وصاموا عوض العالم الزائغ عن خلاصه…

لقد وقف إبراهيم أبو الآباء يوماً يحاجج الله بخصوص اعتزامه على قلب سدوم وعمورة وحرقها بالنار: «أديان الأرض كلها لا يصنع عدلاً ؟؟ عسى أن يكون خمسون باراً في المدينة !! أفتُهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين ؟؟» (سفر التكوين 15)… ولدهشة ابراهيم أنه لم يكن في تخوم سدوم وعمورة كلها لا خمسين باراً ولا عشرين ولا عشرة !! وهو آخر رقم ارتضى الله به لكي من أجله أي من أجل عشرة أبرار فقط يعني الله عن كل سدوم وعمورة إن وجدوا !! فهل يوجد الآن في العالم من يصلي و يشفع و يتوب و يندم عوض الذين لا يعرفون الصلاة أو التوبة؟؟

بطرس الرسول يوضح في بداية كرازته أهمية توبة الجماعة التي جهلت خطاياها ، فكان الوعظه أثر بليغ في نفوس الشعب : « والآن أيها الأخوة ، أنا أعلم أنكم بجهالة عملتم كما رؤساؤكم أيضاً … فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتى أوقات الفرج من وجه الرب ويرسل يسوع المبشِّر به لكم قبلاً ، الذي ينبغي أن السماء تقبله إلى أزمنة رة كل شيء التي تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر» (أع 3: 17-21).

ونحن أيها القارىء العزيز محتاجون في هذه الأيام إلى صوت بطرس الرسول ليوقظ ضمائرنا كجماعة نصلي ونتوب ونتذلل أمام الله من أجل أنفسنا ومن أجل العالم الذي يسير في طريق الهلاك .

فلنذكر جميعاً شباب العالم وشاباته الذين أخذوا دور الإبن الأصغر في مثل الإنجيل وخرجوا من بيت الآب السماوي يرعون مع الخنازير و يبيتون على جحور الذئاب ، و يترنمون ترنيمة الموت وهم سائرون في طريق الهلاك . فلنذكر جميعاً كيف اختزنت الدول الكبرى ملايين الملايين من أطنان أسلحة الخراب والدمار في انتظار صوت الشيطان ببدء يوم الخراب العظيم … فلنذكر جميعاً ملايين العمال الذين يواجهون البطالة والجوع الذي يهدد العالم …

فـلـنذكر جميعاً الشعوب الفقيرة التي لا يحتكم الفرد فيها على رغيف عيش واحد كل يوم !!

فإذا تذكرنا هذا ، فهلم إلى توبة جماعية نبدأها بأنفسنا ، ولتكن توبة كل جماعة على حدتها . وأولاً الجماعة المحسوبة أنها أهل بيت الله ، جماعة الأساقفة على حدتها ، وجماعة الكهنة على حدتها ، وجماعة الشمامسة على حدتها ، وجماعة الخدام على حدتها ، ثم جماعات الشعب عشائر عشائر وفئات فئات وبلاداً بلاداً ؛ كل جماعة تنذر نذراً وتصوم صوماً تلبس فيه عوض المسوح لباس حشمة ، وتسير بانكسار وتصلي بانسحاق تطلب الرحمة تائبة عن نفسها متذللة من أجل العالم ، حتى تعود أزمنة الفرج التي تكلم عنها بطرس الرسول والتي فيها سيأتى الرب : « لتمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب . ويُرسل لكم يسوع المبشر به قبلاً » (أع 3: 17-21).

وهكذا نواجه مجيئاً آخر للرب يصحبه الفرج من الضيقة العظمى التي يعانيها العالم، وبمجيء الرب تظهر حتماً وبالضرورة جوقات الملائكة عينها مرنمة من جديد ترنيمة الملكوت الآتى و يسمع في الأرض هتافها مرة أخرى :
«المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة ».

أعوان المسيح وجنوده المخلصون

كتب القمص متى المسكين

ملكوت الله ـ طبيعته

كتاب ملكوت الله
المكتبة المسيحية

 

زر الذهاب إلى الأعلى