قصة ثعلب يفسد صورة الزواج
خطة الثعلب للتخلص من النمر
دار حوار بين الثعلب وزوجته، قالت الزوجة: “إنني أتعجب كيف تستطيع النوم وانت مطمئن على نفسك وأولادنا، ونحن نعيش بجوار نمر وزوجته وأولاده؟ مؤكد حينما يجوعوا ولا يجدوا شيئاً يأكلونوه, سيفترسوننا!”
أجابها الثعلب:“لا تخافي أيتها الزوجة الغالية، فأنا صديق عزيز لهذا النمر، و لكنني لا أعطيه الامان أبداً، فأنا أفكر في طريقة للتخلص منه وزوجته وأولاده، قبل أن يفترسوننا!”
قالت الزوجة: “يبدو أنك لن تفعل شئ حتى يأكلنا النمر انا أو أحد صغارنا، أو حتى يأكلك انت”.
قال الثعلب: “اذاً يجب ان ابدأ في خطتي”.
ترك الثعلب بيته وذهب إلى النمر ، وبعد أن حيّاه طلب منه أن يخرج معه للنزهة. وقد دار بينهما الحديث التالي:
الثعلب: أراك تعيش مع زوجتك وصغارك في مكان مقفر لا يوجد به شئ، بينما يوجد بجوارنا غابة مملوءة بالحيوانات التي يمكنك أن تفترسها”.
النمر: “فكرة جميلة جداً…”
الثعلب: تعال الآن ومعك زجتك وأولادك لأريك هذا المكان الجميل
النمر: سوف أذهب وأستشير زوجتي، شريكة حياتي!
الثعلب (وقد بدأت عليه علامات الحزن): إني متعجب منك ايها النمر،تخاف منك أغلب الوحوش وكل البشرية، ومع هذا تستشير أمرأتك.أنا أعلم أن مشورة الزوجة دائمًا شريرة ومملوءة غباوة،فإن قلب المرأة كالرخام،ناعم لكنه لن يلين.الزوجة وباء يُخيم على البيت،إن أردت استشرها، واعمل عكس ما تقوله لك”.
عاد النمر إلى زوجته، وإذ بدأ يحدثها عن الذهاب الي مكان جديد وترك المكان الذي يعيشوا فيه، أدركت وراء هذا الموضوع مشورة الثعلب الماكر، فرفضت، وقالت له: “حيوانان صغيران ينبغي أن تخشاهما لأنهما ماكران، هما الحيّة والثعلب”.
دُهش النمر لقول زوجته، أما هي فأكملت حديثها قائلة: “ألم تسمع كيف قتل الثعلب أسدًا؟!”
ضحك النمر وهو يقول: “أتمزحين؟!”
قالت الزوجة: لا يا زوجي الغالي، أنت لا تعرف مكر الثعالب .
قال النمر: “لا يجرؤ ثعلب أن يقف أمام أسد. فكيف يقتله؟”
قالت الزوجة: “نعم، سأروي لك قصة الثعلب الذي قتل أسدًا”.
الثعلب الذي قتل أسدًا
كان لأحد الاسود صديق عزيز يحب ان يجلس معه دائماً، وهو ثعلب ماكر.
في أحد الأيام جاء الثعلب إلى الأسد، وكان يتألم بشدة. وكان رأسه بقدميه الأماميتين وهو يصرخ: “صداع شديد! من يستطيع أن ينقذني من هذا الصداع؟”
سأله الأسد: “ماذا أفعل لك لكي تتخلص من هذا الصداع؟”
أجابه الثعلب: “خذ هذا الحبل واربط أقدامي الأربعة!”
سأله الأسد: “وهل هذا هو الدواء؟”
أجاب الثعلب: “نعم، أنه دواء فعال”.
أمسك الأسد بالحبل وربط الثعلب، وفي الحال ابتسم الثعلب وصاح: “لقد زال الصداع… أشكرك يا صديقي العزيز”.
مرت الأيام وأُصيب الأسد بصداع، فذهب إلى صديقه الثعلب، وطلب منه أن يربطه بالحبال حتى يزول الصداع. وبالفعل ربطه الثعلب، ثم أخذ حجرٍ ضخمٍ وضرب الأسد على رأسه فهشمه.
ختمت الزوجة حديثها: “لا تثق يا زوجي الغالي في الثعلب، فإنه ماكر، وقلبه لن يحمل حبًا خالصًا”.
أنصت النمر إلى حديث زوجته ولم يصدقها، لكن بين الحين والآخر كانت قصة “الثعلب الذي قتل أسدًا” تدوي في أعماقه.
التقى النمر بصديقه الثعلب كعادته، وفي شيء من السخرية قال الثعلب لصديقه: “حتمًا لقد سمعت لكلمات لزوجتك! فأنا أعرف مشورة النساء، وبخاصةً الزوجات، إنها غبية. إني أخشى أن يكون مصيرك كمصير “صائغ الفضة”.
سأله النمر: من صائغ الفضة هذا؟
أجاب الثعلب: ألم تسمع عن صائغ الفضة الذي دمرته زوجته.
قال النمر: لا
عندئذ بدأ الثعلب يروي له القصة.
صائغ الفضة الذي حطمته زوجته
كان في بابل صائغ فضة ماهر في عمل التماثيل، لكن الملك أمر بعدم عمل أو شراء تماثيل الفضة. فلم يجد الصائغ من يشتري منه بضاعته.
وفي إحدى الأيام أشارت زوجة صائغ الفضة عليه أن يصنع تمثالاً جميلاً ويقدمه لابنة الملك الوحيدة، لكي ينال مكافأة عظيمة.
أطاع الرجل زوجته، وصنع تمثالًا جميلًا للغاية، فحملته الزوجة، وقدمته هدية للأميرة الوحيدة، ففرحت به جدًا، وقدمت لها بعض الحُلي الذهبية.
عادت الزوجة متهللة بالحُلي، أما الرجل فقال لها: “ما أعطته لكِ الأميرة لا يساوي قيمة التمثال الذي صنعته لها!”
قالت له الزوجة: “لا تتسرع، فحتمًا ستنال مكافأة عظيمة من القصر، فالكل يحب الأميرة”.
في الليل إذ عاد الملك إلى جناحه. جرت الأميرة الوحيدة إلى أبيها وقالت له: “أبي، تعال وانظر!” تطلع الملك إلى التمثال وسأل في غضبٍ عمن صنعه، وإذ عرف أمر بقطع يديّ الصائغ، لأنه عصى الأمر الملكي وصنع تمثالًا.
إذ قُطعت يداه كان يصرخ: “أيها الأزواج اسمعوا لي، لا تطيعوا نساءكم! هذا هو جزاء من يسمع لهن!”
كان النمر يتابع القصة وكان كل كيانه يهتز غضبًا على زوجته، بل وعلى كل الزوجات. أما الثعلب ففي هدوء قال للنمر: “يبدو أنك بلا خبرة حقيقية يا أيها الزوج السعيد، فسأروي لك قصة حطّاب دمشق”.
حطّاب دمشق وزوجته
كان لحطّاب زوجة تجلس دومًا بجواره وهو يقطع الحطب. لاحظت أنه يمسك الفأس بيده اليمنى ليقطع الحطب.
أظهرت الزوجة شيئًا من التعجب وهي تقول لزوجها:
“إني أعجب أنك لست مثل أبي. أنت تضرب الحطب بالفأس بيدك اليمنى. وإذ تتعب يدك لا تستخدم يدك اليسرى. أبي كان يعمل بيده اليمنى، وإذ كان يتعب يستخدم يده اليسرى. كان ينتج ضعف ما تنتجه مع أن صحته ليست كصحتك”.
علّق الزوج: “إني لأول مرة أسمع عن حطّاب يستخدم يده اليسرى في قطع الحطب”.
قالت الزوجة: أنا زوجتك التي تحبك، اسمع لمشورتي يا زوجي العزيز؛ ولتجرب واعمل كما كان أبي يعمل!”
أمسك الرجل بيده اليسرى الفأس وضرب بكل قوته فإذا بالفأس ينزل على يده اليمنى فيقطعها. لم يتمالك الرجل نفسه فأمسك الفأس وضرب رأس زوجته فقتلها. أُلقي القبض عليه وحُكم عليه بالرجم، ومات الاثنان بسبب مشورة الزوجة.
تأثر النمر بالقصة جدًا، لكن الثعلب عاد ليروي له قصة أخرى.
سأروي لك قصة “الملك والزوجة الأمينة”.
الملك والزوجة الأمينة
اجتمع الملك مع مستشاريه وكانوا يناقشون بعض أمور الدولة، أختتم الملك حديثه بقوله: “أنا لا أثق في اية زوجة في العالم”. اندهش الحاضرين وقالوا له: “لماذا تقول هذا يا جلالة الملك، مؤكد توجد زوجات طاهرات عفيفات حكيمات وأمينات لأزواجهن”.
فقال لهم الملك: ” أمامكم كل المملكة، ابحثوا فيها عن زوجة صاحبة مشورة صادقة وأحضروها لي”.
انطلق المستشارين يبحثون عن هذه الزوجة، وأخيرًا وجدوا تاجرًا يحب زوجته جدًا، وهي تحبه للغاية. جميلة و طاهرة، وحكيمة”.
التقى المشيرون بالملك وأخبروه عن الزوجة ورجلها، فاستدعى الملك رجلها سرًا، وقال له:
“لقد سمعت عن أمانتك، وعرفت أنك رجل طاهر اليدين وعفيف. وأنك حكيم. لم أجد مثلك في كل المملكة. وأنا لديّ ابنة وحيدة، أود أن أعطيها لك زوجة فترث مملكتي”.
قال الرجل: إني متزوج، وأنا أحب زوجتي.
في غضب شديد قال الملك: “اقتلها، فستصير ملكًا!
قال الرجل: كيف أقتل إنسانُا لم يُسيء إليّ؟ لقد عشنا معًا خمسة عشر عامًا نأكل في طبق واحدٍ، ونشرب من كأسٍ واحدة. لقد ملأت قلبي وبيتي بالفرح، حبي لها يتزايد يومًا فيومُا”.
قال الملك: “اقتلها، وكن ملكًا!”
خرج الرجل حزينًا للغاية، وإذ رأى زوجته وطفليه قال في نفسه: “زوجتي أفضل من كل المملكة. ليُلعن كل ملك يحرض إنسانُا على قتل زوجته، فيدخل به إلى الحزن والغم، حاسبًا ذلك فرحًا!”
مرت الأيام ولم يحضر الرجل إلى الملك، فاستدعاه، وإذ رأى إصراره على حبه لزوجته قال: “كنت أظن أنك رجل، لكن وجدت فيك قلب امرأة!”
أرسل الملك إلى الزوجة يستدعيها سرًا، وإذ التقى بها وقال لها:
“لقد سمعت عن حكمتكِ وقدرتكِ، وعلمت أنه لا توجد امرأة في العالم مثلكِ. إني أود أن تكوني زوجتي الملكة.
اقتلي زوجك وتعالي، فأقيمكِ ملكة!”
إذ سمعت الزوجة ذلك تهللت جدًا، وقالت للملك: “إني لا أعرف كيف أقتله”.
قدم لها الملك سيفًا، وقال لها: “أخفيه. وفي المساء قدمي له خمرًا حتى يسكر وينام ثم اضربي عنقه”.
حملت الزوجة السيف وانطلقت إلى بيتها، وأعدت وليمة عظيمة لرجلها، وقدمت له خمرًا حتى سكر ونام، فأمسكت بالسيف، وضربت به رقبته، لكن السيف لم يكن من المعدن بل كان لعبة مخادعة، انثنى في يدها.
استيقظ الرجل من نومه وسألها: “ماذا تفعلين؟”
قالت: “لقد أحضرت هذه اللعبة، وإذ وجدتك نائمًا أردت أن أوقظك من النوم لتتحدث معي، لماذا تتركني وحدي وأنا أهتم بك وقضيت اليوم كله لأعد لك هذه الوليمة؟”
اعتذر الرجل لزوجته عن نومه، وقام يتحدث معها، وكانت تلاطفه.
ظنت أن الملك أخطأ في تقديم سيفٍ حقيقي. ففي الصباح انطلقت إلى القصر تروي للملك أن السيف الذي أعطاه لها ليس إلا لعبة أطفال، وطلبت منه أن يهبها سيفًا حقيقيًا.
استدعى الملك رجلها وكل مشيريه، وطلب من الرجل وزوجته أن يرويا ما حدث، وعلق الملك على حديثهما قائلًا: “ألم أقل لكم ألا تأتمنوا زوجة قط؟!”
قال الثعلب للنمر: “احذر من زوجتك، فإنها بمشورتها الغبية تضرك أنت وصغارك”.
بدأت الفكرة تثبت في ذهن النمر، لكنه سأل الثعلب: “أي ضرر يلحق بي من زوجتي؟”
أجاب الثعلب بتهكم: ألم تسمع عن قصة “الزوجة الرومانية التي أهانت جثمان رجلها”؟
بدأ الثعلب يروي له أيضًا هذه القصة.
الزوجة الرومانية التي أهانت جثمان رجلها
أمر قيصر روما بإعدام رجلٍ شنقًا، وتركْ الجثمان بلا دفن، بل يبقى معلقًا على شجرة. ولئلا يسرق أحد أقربائه أو أصدقائه الجثمان أصدر أمره لأحد القادة العسكريين أن يبقى حارسًا ليلًا ونهارًا للجثمان.
سمع القائد صوت مرتفع في منتصف الليل على مسافة قريبة، وبسبب حب الاستطلاع وتيقنه أنه لا يأتي أحد إلى الموقع ذهب ليرى ما حدث، فوجد سيدة تقف أمام قبر مفتوح، وكثير من أقربائها وجيرانها وأصدقائها يلتفون حولها ليُعزونها في رجلها الذي مات ودفن منذ ساعات. تحدث أيضًا القائد معها ببعض كلمات التعزية.
تكرر الأمر في الليلة التالية، وتحدث معها القائد وعاد إلى موقعه. وللمرة الثالثة تكرر الأمر…
بعد أيام تعلق قلب الأرملة بالقائد فعادت معه في منتصف الليل لتسمع كلماته أثناء حراسته للجثمان، لكنهما فوجئا بأن الجثمان قد سُرق.
اضطرب القائد جدًا ولم يدرِ ماذا يفعل. أما هي ففي هدوء شديد قالت له: “لا تقلق، فإننا نحضر جثة زوجي ونعلقه على الشجرة”.
قال لها القائد: “كيف أسرق جثة ميتٍ؟ إني أخاف من ملاك الموت”.
أجابته الأرملة: لا تخف، أنا أسحب الجثمان، فإن اعترض ملاك الموت أقول له إنه زوجي، ومن حقي أن أفعل به ما أشاء”.
أحضرت الجثمان، لكنه لاحظ أن الجثمان المعلق كان لرجل أصلع بينما جثمان الزوج لرجل ليس بأصلعٍ، فلم يعرف ماذا يفعل، فإن الأمر سينكشف وسيأمر الملك بقتله. أما الأرملة فبكل قوة صارت تنحل شعر رأس رجلها حتى صارت الرأس بلا شعر…
وبعد أيام تزوج الاثنان.
نجاح خطة الثعلب
انفعل النمر جدًا وثبتت الفكرة لديه، وانطلق في رجولة إلى زوجته يقول لها: “قومي الآن أنتِ وصغاركِ وتعالي معي إلى الوادي الذي أخبرنا به الثعلب لنعيش في حياة رغيدة، وإلا قتلتك”.
اضطرت الزوجة أن تسير مع صغارها خلف النمر رجلها، وذهب الكل في الوادي المملوء زهورًا، وكان النمر يمدح الثعلب كثيرًا أمام زوجته، لأنه جاء به إلى هذا الوادي المريح.
بعد سبعة أيام، في منتصف الليل هطلت أمطار غزيرة للغاية، ونزلت السيول من الجبال وتحول الوادي إلى بركة عميقة، وحاول النمر وزوجته وصغاره أن يصعدوا فلم يستطيعوا.
صار النمر يصرخ وهو يرى أنه قد صار مع زوجته على حافة الموت: “الويل لي… إني لم أسمع لصوت زوجتي!”
اقرأ أيضاً