رو8: 16 الروح نفسه أيضا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله

 

اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ.“(رو8: 16)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

” الروح نفسه أيضا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله ” (رو16:8).

هكذا يوضح الرسول بولس، أنني لا أدعي – أننى ابن الله – بالكلام فقط بل إني مولود من المصدر الذي منه يأتي هذا الصراخ ، نقول هذا الكلام، لأن الروح يمليه، ولكي يعلن هذا بأكثر وضوح، قال في موضع آخر: “أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخا يا أبا الآب”. وماذا يعني “الروح يشهد لأرواحنا”؟ أي المعزى يشهد من خلال الموهبة التي أعطيت لنا لأن هذا الصراخ لا ينتمي فقط للموهبة، بل للمعزي الذي أعطانا العطية، لأنه هو نفسه علمنا أن نتكلم هكذا بالموهبة المعطاة لنا. وحين يشهد الروح، فهل يوجد شك بعد ذلك؟ لأنه إن كان إنسان أو ملاك أو رئيس ملائكة، أو قوة أخرى مشابهة، وعدت بذلك، فمن الطبيعي أن يتشكك البعض، لكن  حين يكون الروح، الذي منحنا هذا النداء، يشهد لأرواحنا بتلك الصلاة التي أوصانا أن نصلي بها، فمن يشك بعد ذلك في قيمة هذا الصراخ؟ فلن يتجرأ أحد من الرعية أن يعترض عندما يعين الملك شخصا ويعلن هذا الشرف أمام الجميع.

فاصل

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله، 

إذ لم تأخذوا روح العبوديّة أيضًا للخوف،

بل أخذتم روح التبنّي 

الذي به نصرخ يا أبّا الآب؛ 

الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله” [14-16].

يُعلّق القدّيس يوحنا الذهبي الفم على هذه العطيّة بقوله:

[الآن فإن هذه أيضًا أعظم كرامة من الأولى. ولهذا لم يقل “لأن كثيرين يعيشون بروح الله”، إنما يقول “لأن كثيرون ينقادون بروح الله، مظهرًا أنه يستخدم سلطانًا على حياتهم (يقتادهم) كربانٍ يقود سفينة، أو سائق مركبة على زوج من الفرس، فهو لا يقود الجسد فقط وإنما النفس أيضًا، يملك عليهما… ولأنه يخشى بسبب الثقة في عطيّة جرن المعموديّة يهملون في رجوعهم بعد نوالهم العماد، لذا يود أن يقول لهم أنكم وإن نلتم المعموديّة ولا تنقادون للروح فإنكم تفقدون الكرامة التي نلتموها وسمو بنوّتكم.] 

يرى ذات القدّيس أن قول الرسول: “لم تأخذوا روح العبوديّة” يُشير إلى العهد القديم حيث لم ينل اليهود روح البنوّة، إنما بنوالهم الناموس مجردًا عاشوا تحت تهديدات العقوبة في خوف كعبيدٍ، أمّا في العهد الجديد فلم تعد مكافأة الوصيّة أمورًا زمنية ولا عقابها زمنيًا، إنما قُدمت الوصيّة للبنين، ليكون الله نفسه هو مكافأتنا، ننعم به أبًا أبديًا، نناديه “أبًا”، وهي كلمة أرامية توجه لمناداة الأب. 

يُعلّق القدّيس أغسطينوس على القول: “روح العبوديّة أيضًا للخوف“، قائلاً: [يوجد نوعان من الخوف ينتجان صنفين من الخائفين. هكذا يوجد نوعان من الخدمة يقدّمان نوعين من الخدام. يوجد خوف يطرده الحب الكامل خارجًا (1 يو 4: 18)، كما يوجد نوع آخر من الخوف هو طاهر ويبقى إلى الأبد (مز 19 : 9). يُشير الرسول هنا إلى الخوف الذي ليس للمحبّة… كما يُشير في موضع آخر إلى الخوف الطاهر، بقوله: لا تستكبر، بل خف (رو 11: 20).]

بهذا الروح نحمل لغة البنين في حديثنا مع الله كأب لنا، فنصرخ بالروح القدس الساكن فينا، واهب البنوة، لنقول: يا “أبًا”. هذا الصوت الذي نصرخ به كما يقول القدّيس جيروم: [لا يخرج من الشفاه بل من القلب، ففي الحقيقة يقول الله لموسى: مالك تصرخ إليّ؟” (خر 14: 15)، وبالتأكيد لم ينطق موسى بكلمة.]

v بالحري يجدر بهم أن يفهموا أنهم إن كانوا أبناء الله، فبروح الله ينقادون ليفعلوا ما ينبغي فعله. وعندما يفعلون هذا يقدّمون الشكر لله الذي به فعلوا… وهذا لا يعني أنهم لم يفعلوا شيئًا (أي لا يحرمون من نسبة هذه الأعمال إليهم). 

v إنه يعني عندما تميتون بالروح أعمال الجسد فتحيون [13] مجدوا الله، اشكروه، قدّموا له التشكرّات، ذاك الذي تنقادون بروحه، لكي تقدروا على السير في هذه الأمور لتظهروا كأبناء الله.

القدّيس أغسطينوس

يحدّثنا القدّيس كبريانوس عن التزاماتنا كأولاد الله، قائلاً: [إن كنّا أولادًا لله، إن كنّا بالفعل قد بدأنا أن نكون هياكله، إن كنّا نقبل روحه القدوس، يلزمنا أن نحيا بالقداسة والروحانيّة. إن كنّا نرفع أعيننا عن الأرض نحو السماء، إن كنّا نرفع قلوبنا، ونمتليء بالله (الآب) والمسيح بالعلويات والإلهيات، فليتنا لا نفعل إلا ما يليق بالله والمسيح، كما يحثّنا الرسول، قائلاً: فإن كنتم قد قمتم مع المسيح، فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله، اهتمّوا بما فوق لا بما على الأرض، لأنكم قد مُتم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله، متى أُظهر المسيح حياتنا، فحينئذ تُظهرون أنتم أيضًا معه في المجد (كو 3: 1-4). ليتنا نحن الذين في المعموديّة متنا ودفنا عن الخطايا الجسديّة التي للإنسان القديم وقمنا مع المسيح في التجديد السماوي نفكر في أمور المسيح ونمارسها.]

هذا ويروي القدّيس غريغوريوس أسقف نيصص إن عطيّة البنوّة التي ننالها بالروح القدس هي عطيّة السيد المسيح نفسه، هذا الذي حمل مالنا ليهبنا ما له، فحمل موتنا ولعنتنا وخطايانا وعبوديتنا لينزع هذا كله عنّا، فلا نُحسب بعد عبيدًا بل أبناء وأحباء.

ويُعلّق القدّيس أغسطينوس على تعبير “أبًا الآب”، قائلاً أن كلمة “أبا” تقابل في اللاتينية Pater وهي تعني أيضًا “الآب”، وكأن الكنيسة تكرر الكلمة، إذ تصرخ بلغة اليهود “أبًا” وبلغة الأمم “الآب”، فهي كنيسة واحدة تضم أعضاء من اليهود والأمم يشعر الكل بأبوة الله لهم بلا تمييز.

يشهد بهذه البنوّة الروح القدس نفسه الذي يسكن فينا واهبا إيّانا “كرامة البنوّة”، إذ يقول الرسول: “الروح نفسه أيضًا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله [16].

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (16): “الروح نفسه أيضًا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله.”

 الروح القدس يعطي لقلوبنا وأرواحنا أن تشعر بالبنوة، هذه الشهادة المعزية لا تعطى إلا لمن لهم طبيعة البنين، أي ثابتين في المسيح. والروح القدس يعطينا الإحساس بأن محبة المسيح تحصرنا فنتحمل الألم. ولكن حتى نسمع صوت الروح القدس فهذا يحتاج لجلسة هادئة مع الكتاب المقدس، والصلاة بهدوء والسكوت بعض الأحيان. وإذا فعلت هذا في ألمك ستسمع صوت الروح قائلًا “أنا بجانبك فلماذا تخاف.. أنت ابن الله، فهل يترك الله أولاده ويتخلى عنهم لا تخف وتشدد”.

زر الذهاب إلى الأعلى